الجيش عموما والجيش السوداني بالذات ومنذ الاستقلال في حالة حرب مستمرة تقريبا ما عدا فترات سلام قصيرة.

بالنسبة للجيش الحرب عبارة عن عمل، عبارة عن مهنة؛ هذه هي مهنتهم الحياة؛ الحرب هي أكثر شيء طبيعي يقوم به الجيش مثلما أن الطب هو أكثر شيء طبيعي يمارسه الطبيب وكذلك الهندسة بالنسبة للمهندس. ولذلك فالجيش باله طويل في هذه الحرب لأنه يقوم بعمله الطبيعي.

أحد الإخوة من قدامى المجاهدين حكى لنا أنهم كانوا في مهمة لتحرير منطقة أيام حرب الجنوب وكانوا يتوقعون تحريرها في فترة قصيرة ولكن الجيش تأخر كالعادة، وعندما استغربوا ذلك قال لهم أحد العساكر: “شغل الجيش لو بنتهي كان جابو ليهو مقاول!”. العسكري لا يستعجل إنهاء الحرب لأنه ليس لديه ما يريد اللحاق به بعد الحرب. هذه هي عقلية الجيش: ما دمنا صامدين نحرز تقدما ونحقق خسائر في العدو، لا يوجد ما يقلق.

هذه ميزة لصالح الجيش في الحرب ضد المليشيا وداعميها. فالجيش مستعد ومهيأ للقتال مهما تطاولت الحرب، يقوم بعمله الروتيني: حرب، هجوم، دفاع، انسحاب،تقدم، انفتاح ،ارتكاز، تدريب تأهيل، تسليح، ترقيات، أذونات، إجازات، “ضمنة كشاتين”، عمل خاص، تقدم، تراجع، ارتكاز، “ضمنة كشاتين” وهكذا.

ولكن لأن العساكر عساكر وليسوا ساسة فإنهم يفكرون ضمن حدود المعركة العسكرية ومقياسهم للأمور من الناحية العسكرية يتعامل بنوع من التبلد تجاه المواطن ومعاناته. هذه هي المشكلة في الحرب الحالية. المليشيا فشلت في هدفها الأساسي وهو تحطيم الجيش، صمد الجيش وتماسك وانهارت المليشيا، ولكن تحولت حرب المليشيا إلى المواطن. أصبحت تتجنب مواجهة المواقع الحصينة للجيش وتهاجم النقاط الأضعف ثم تستبيح المدن والقرى، وهذا يشكل ضغطا سياسيا على الجيش.

النفس الطويل بطبيعة مؤسسة الجيش هو ميزة لصالحنا في هذه الحرب. ولكن مثلما يقوم الجيش بدوره، يجب أن تكون هناك حكومة تقوم بدورها، والدولة لا ينبغي أن تعمل بنفس إيقاع الجيش ولا بنفس رؤيته وتقديراته، ولا ينبغي أن تتأثر بمحودياته؛ في النهاية الجيش مؤسسة من ضمن مؤسسات الدولة وهو ليس الدولة ولا رأس الجيش هو رأس الدولة بالضرورة.
مؤخرا بدأ يطرأ تحول(ببطء كالعادة) في موقف البرهان في الاتجاه الصحيح بإنهاء حالة المماهاة بين الجيش والدولة وذلك بكلامه عن أن التفاوض لوقف الحرب يجب أن يشمل كل الأطراف التي تحارب وأن الجيش لا يحارب لوحده؛ إستجابة بطيئة أخذت وقتا طويلا لكي تحدث ولكنها حدثت على أي حال، ويجب دفعها للأمام بمواصلة الغضط على قيادة الجيش لتوسيع المشاركة ليس فقط في القتال إلى جانب الجيش والمشاركة في التفاوض وإنما في حكم البلد وإدارة الدولة بكل مؤسساتها. فهذه الحرب هي حرب الشعب السوداني والدولة بمؤسساتها هي أداة الحرب الأساسية وليس الجيش وحدة.

باختصار، المؤسسسة العسكرية بتاريخها وطبيعتها ونفسها الطويل هي عامل حاسم في الحرب، وبدونها ليس هناك دولة أساسا ومع ذلك لا يجب اختزال كل الدولة في هذه المؤسسة. فالجيش شرط ضروري لوجود وقيام دولة ولكنه غير كاف.

فإحتكار قيادة الجيش للسلطة والحكم يجب أن ينتهي وذلك لمصلحة الشعب وليس لفئة أو مجموعة. هذا أمر ضروري للانتصار في الحرب. وقيادة الجيش إذا رأت أنها الأجدر بقيادة الدولة على الأقل في ظرف الحرب الحالي فيجب أن يتسع أفقها لاستيعاب الشعب كله، فقيادة دولة أمر مختلف عن قيادة جيش في معركة. والأفضل أن يترك العسكر أمر الحكم بالكامل لساسة وطنيين متخصصين ويتفرغ الجيش لما يجيده وهو الحرب بصبر وبنفس أطول من قدرة داعمي المليشيا على الاستمرار في مسعاهم الذي فشل مبكرا.

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی الحرب یجب أن

إقرأ أيضاً:

العدو الصهيوني يقر بارتفاع عدد الجرحى والمعوقين في “الجيش” إلى 78 ألفاً من جراء الحرب

الثورة نت|

كشفت وزارة أمن كيان العدو الصهيوني ارتفاع عدد الجرحى والمعوّقين في صفوف “جيش” العدو إلى 78 ألفاً، من جرّاء الحرب الأخيرة.

وأشارت إلى أنّ معظم هؤلاء هم من جنود الاحتياط وأنّ أكثر من 50% منهم هم حتى سن الثلاثين.

وأشارت إلى أنّ 62% منهم يعانون من إصابات نفسية، و10% من الجرحى حالتهم متوسطة إلى خطرة، مشيرة إلى وجود 194 جندياً حالياً في المستشفيات الصهيونية.

وفي سياقٍ متصل، تحدّث موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية، اليوم، عن قلق في هيئة أركان “جيش” العدو الصهيوني، يتعلّق بـ”النقص الشديد في القوى العاملة”، وسط تقديرات تفيد بوجود “ضغط شديد على الجنود النظاميّين، الذين لن يعودوا إلى منازلهم، في السنوات المقبلة”.

وبحسب شعبة العمليات في “جيش” العدو الصهيوني، يُقدَّر أنّ الكيان الصهيوني الغاصب سيدخل لأعوام في نقص بالقوى البشرية، لم يشهده منذ أيام الحزام الأمني ​​في جنوبي لبنان، والذي استمر بعد ذلك بوقت قصير حتى أعوام الانتفاضة الثانية”.

مقالات مشابهة

  • فراغ قانوني واستغلال سياسي.. كيف تسعى المليشيا لشرعنة سلطتها عبر هيئة مستحدثة؟
  • البرهان: الجيش لن يعود لمفاوضات جدة إلا بعد إلقاء المليشيا السلاح ومحاسبة منتسبيها
  • البديوي يشيد باندماج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية
  • “الخارجية” : المملكة تُرحّب باتفاق اندماج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة
  • رؤية إسرائيلية: استقالة هاليفي وتعيين زامير غير كاف لإنقاذ “إسرائيل” من الفخ
  • الحمد لله، الجيش أثبت في النهاية إنّه شغّال بي خطّة
  • 3 أسباب ستمنع جيش الاحتلال من تنفيذ “مناورة” أخرى في غزة
  • العدو الصهيوني يقر بارتفاع عدد الجرحى والمعوقين في “الجيش” إلى 78 ألفاً من جراء الحرب
  • انسحاب كبير لـ “الدعم السريع” من الفاشر.. الجيش يكشف التفاصيل
  • صحيفة عبرية: “حرب الإرث” اندلعت في “إسرائيل”