خيارات نتنياهو وخيارات محور المقاومة
تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT
استطاعت حماس، ومعها بقية فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة، أن تلحق بالكيان الصهيوني هزيمة مدوية في الهجوم الذي شنته عليه يوم 7 أكتوبر الماضي.
كان يمكن للكيان استيعاب النتائج المترتبة على هذا الهجوم، رغم كل ما أدى إليه من خسائر مادية ومعنوية غير مسبوقة، لو كان قد امتلك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بالهزيمة في معركة، لكنه لم يخسر الحرب بعد، غير أن عنجهية نتنياهو دفعته إلى المبالغة كثيراً في رد الفعل، ما تسبب بارتكابه المزيد من الأخطاء التي قد تؤدي إلى خسارة الحرب، وإلى انهيار المشروع الصهيوني برمته، فقد تصور نتنياهو أن عملية “طوفان الأقصى” تتيح له فرصة ذهبية لإعادة احتلال القطاع، وربما لضم أجزاء واسعة من الضفة أيضاً، وخصوصاً إذا ما تمكن من القضاء على حماس في القطاع وعلى جيوب المقاومة في الضفة.
اليوم، وبعد 10 أشهر من حرب إبادة جماعية قرر شنها على القطاع، بالتوازي مع حرب اغتيالات ومطاردة ساخنة قرر شنها على بؤر المقاومة في الضفة، يظهر عجز نتنياهو عن تحقيق أي من الأهداف التي سعى إليها، فهو لم يتمكن بعد من كسر شوكة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة في القطاع، فكيف يقدر على إعادة احتلاله! وهو لم يتمكن بعد من القضاء على بؤر المقاومة المسلحة في الضفة، رغم قيامه باغتيال المئات واعتقال أكثر من عشرة آلاف، فكيف ينجح في إحكام قبضته على الضفة وضم أجزاء منها!
وفي ظل هذا العجز، بدأت تتبلور تدريجياً استراتيجيتان، إحداهما إسرائيلية مدعومة أمريكياً، والأخرى فلسطينية مدعومة من محور المقاومة، لكنهما يختلفان من حيث الدوافع والأهداف ودرجة التماسك الداخلي، فالاستراتيجية الإسرائيلية هي في حقيقة أمرها من صنع رجل تحركه دوافع تتعلق بمصالح شخصية بأكثر مما تتعلق بمصالح وطنية، وأقصد نتنياهو بالطبع، ومن ثم تعترضها عقبات كثيرة، ليس على صعيد الداخل فحسب، إنما أيضاً على صعيد العلاقة مع الحليف الأمريكي أيضاً.
والواقع أننا إذا أعملنا النظر في سلوك نتنياهو، وخصوصاً منذ طوفان الأقصى، فسوف يسهل علينا اكتشاف أن نمط إدراكه العقيدي لا يسمح له باستيعاب فكرة الهزيمة، وخصوصاً إذا كان المنتصر منظمة فلسطينية في حجم حماس، ما يفسر حرصه الشديد على مواصلة الحرب حتى “النصر المطلق”.
ولأنه يعتقد أن الموافقة على الوقف الدائم لإطلاق النار سوف يفسر على أنه قبول بالهزيمة، بل وقد يؤدي أيضاً إلى تفكك وانهيار حكومته وتعريضه للملاحقة القضائية بتهمة الفساد، فمن الطبيعي أن يسعى لعرقلة الجهود الرامية إلى وقف القتال، وخصوصاً إذا ارتبط بفتح آفاق جديدة أمام تسوية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، غير أن موقف نتنياهو يصطدم بعقبتين، الأولى من الداخل الإسرائيلي نفسه، والثانية من حليفه الأمريكي.
على الصعيد الداخلي، بدأت المعارضة لنهجه في إدارة الأزمة تتصاعد تحت تأثير عاملين؛ الأول: إدراك أسر المحتجزين في قطاع غزة أن الإفراج عن ذويهم لم يعد يشكل أولوية لدى نتنياهو الذي بات مستعداً للتضحية بهم من أجل الاستمرار في السلطة، والثاني: إدراك شرائح متزايدة من النخبة السياسية بأنه المسؤول الرئيسي عن هزيمة 7 أكتوبر، وأنه بات يعلي من مصالحه الشخصية على حساب مصالح الوطن نفسه.
أما على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة، فلم تكن إدارة بايدن على استعداد لتبني رؤية نتنياهو حول “اليوم التالي”، رغم التزامها المطلق بأمن الكيان واستعدادها التام لمساعدته على القضاء المبرم على حماس وشطبها من المعادلة الفلسطينية.
للخروج من المأزق الذي أدخل نفسه فيه، لم يكفّ نتنياهو عن محاولاته الرامية إلى توسيع نطاق الحرب، أملاً في خلط الأوراق، وسعياً لاستدراج الولايات المتحدة للدخول في حرب ضد إيران التي يعتبرها رأس الأفعى؛ ففي 1 أبريل الماضي، أمر بشن هجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق راح ضحيته عدد كبير من ضباط الحرس الثوري، لكنه سرعان ما اكتشف أن إدارة بايدن ليست مستعدة للانزلاق نحو هاوية الصدام المباشر مع إيران.
صحيح أنها أبدت استعدادها للدفاع عن الكيان في حال تعرضه للخطر، وهو ما تأكد بالفعل حين شاركت مع عدد من دول المنطقة في صد الهجوم المكثف الذي شنته إيران رداً على تدمير قنصليتها في دمشق، لكنها لم تكن مستعدة لتشجيع الكيان على التمادي في استفزازاته تجاه إيران، وهو ما تأكد بالفعل حين تمكنت من إلزامه بالامتناع عن الرد على الهجوم الإيراني بهجوم مضاد واسع النطاق، لكن ها هو نتنياهو يعاود الكرة من جديد، بافتعال أزمة مع حزب الله هذه المرة، ويبدو أنه حصل على موافقة وغطاء من جانب إدارة بايدن أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن؛ فمنذ أيام قليلة سقط صاروخ على قرية مجدل شمس في الجولان المحتلة، راح ضحيته 12 طفلاً.
ولم يكتف نتنياهو باتهام حزب الله بتعمد إطلاقه، إنما هدد أيضاً برد موجع يكسر قواعد الاشتباك القائمة حالياً، وهو ما تم بالفعل عبر إغارة الكيان على الضاحية الجنوبية لبيروت واستهداف المجاهد الكبير فؤاد شكر الذي قيل إنه استشهد ومعه 3 آخرين، إضافة سقوط أكثر من 70 جريحاً.
ولم تكد تمضِ ساعات قليلة على هذا الهجوم المروع حتى تم الإعلان عن اغتيال القائد الفلسطيني إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وفي قلب طهران نفسها، رأس محور المقاومة، ما يؤكد أن نتنياهو ما زال في رحلة البحث عن “صورة انتصار”، ربما كبديل لعجزه عن الحصول على “النصر المطلق” الذي بحث عنه من دون جدوى طوال الأشهر العشرة المنصرمة.
أما الاستراتيجية الفلسطينية المدعومة من محور المقاومة، فيلاحظ أنها تتحرك وفق منطق ودوافع مختلفة، فلم يكن هدف حماس، حين قررت شن عملية “طوفان الأقصى” منفردة، تحرير فلسطين أو إلحاق هزيمة شاملة ونهائية بالكيان، إنما إثبات أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم أو يستكين للاحتلال الإسرائيلي، وأيضاً لأسر ما يكفي من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين لمقايضتهم بآلاف الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية.
ولأن حماس كانت تتحسب في الوقت نفسه لاحتمال أن يأتي رد الفعل الصهيوني منفلتاً ومتحرراً من كل القيود الأخلاقية والقانونية، فمن الواضح أنها، ومعها بقية فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة في القطاع، استعدت لمعركة طويلة الأجل، وهو ما نجحت فيه بامتياز، بدليل صمودها في وجه آلة الحرب الجهنمية المدعومة أمريكياً لعشرة أشهر حتى الآن، وهي أطول حرب في تاريخ الصراع الممتد مع المشروع الصهيوني.
ومع ذلك، فقد كان من الصعب أن تظل هذه الجولة من الصراع المسلح محصورة في النطاق الفلسطيني الصهيوني الضيق، ومن ثم سرعان ما تحولت تدريجياً إلى صراع مسلح بين الكيان الصهيوني من ناحية، ومحور المقاومة في المنطقة من ناحية أخرى.
كان السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، أول من تنبه إلى خطورة ما جرى يوم 7 أكتوبر، وبالتالي تأثيراته المحتملة في الصعيد الجيوسياسي، سواء من حيث ضخامة ما حققته حماس من إنجاز تاريخي في هذا اليوم، وهو إنجاز يتعين الحفاظ والبناء عليه أو من حيث خطورة ردود الأفعال المتوقعة من جانب الكيان الصهيوني وحلفائه الغربيين، والتي يتعين الحد من قوة اندفاعها.
لذلك، كان حزب الله هو أول من بادر بتقديم مساندة عسكرية للقطاع عبر فتح الجبهة اللبنانية للاشتباك المسلح واليومي مع العدو الصهيوني، وذلك منذ يوم 8 أكتوبر وحتى الآن. لم يكن نصر الله مدفوعاً في مسلكه هذا بمشاعر تضامن مع شعب عربي مظلوم فحسب، إنما أيضاً برؤية استراتيجية عميقة تدرك أن رد الفعل الصهيوني والأمريكي سيكون منفلتاً بالضرورة، وبالتالي قد يطال محور المقاومة ككل، ما يلقي على الأخير مسؤولية كبرى لحماية المقاومة الفلسطينية والحيلولة دون تصفيتها.
ولا شك في أن حزب الله نجح في فرض قواعد اشتباك جديدة على الكيان الصهيوني، وأجبره على حشد ثلث قواته المقاتلة على الجبهة الشمالية، وأجبر ما يقارب 100 ألف مستوطن على النزوح إلى وسط الكيان، بكل ما يترتب على هذا النزوح من أعباء اقتصادية ونفسية، ناهيك بالخسائر في المعدات والأرواح.
دخول حزب الله إلى ساحة المعركة، وفق حسابات وقواعد اشتباك دقيقة، هيأ الأجواء لانخراط بقية مكونات محور المقاومة، وخصوصاً اليمنية منها والعراقية. ولا يتسع المقام هنا للحديث تفصيلاً عن إنجازات محور المقاومة، غير أن الواجب يقتضي أن أشيد هنا بما قدمه أنصار الله اليمنيون على وجه الخصوص، لأن إسهاماتهم لم تكن ضخمة ومقدرة فحسب، بل كانت جريئة ومدهشة في الوقت نفسه.
صحيح أن الكيان الصهيوني حاول خلال الأيام القليلة الماضية إثبات أنه قادر على مواجهة كل التحديات والتصدي لكل مكونات محور المقاومة، بل وتغيير قواعد الاشتباك على كل الجبهات، وذلك عبر إقدامه على الإغارة على مخازن النفط في الحديدة، واغتيال المجاهد الكبير فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية، وأخيراً اغتيال القائد الفلسطيني البارز إسماعيل هنية في قلب طهران، غير أن هذه العمليات الاستعراضية لن تحقق له النصر، وخصوصاً أن رد محور المقاومة قادم لا محالة، وسوف يكون مؤثراً بلا جدال.
لقد دخل الصراع مع العدو الصهيوني مرحلة جديدة تتطلب من جميع قوى المقاومة وحدة الصف والثبات، فليس من المستبعد أبداً أن تكون هذه المرحلة هي البداية الحقيقية نحو معركة التحرير الآتية حتماً لا ريب فيها.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
كيف تبدو خريطة إسرائيل لـاليوم التالي في غزة؟
تعمل الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة ضمن ثلاثة أَسقُفٍ أو مستويات: أعلى، ووسط، وأدنى بحسب إمكانية التحقيق. وفي كل الأحوال، فإن المشترك، على ما يبدو، في الأسقف الثلاثة، أي الحد الأدنى المستهدف، هو أن تكون غزة بلا سلاح، وبلا حماس!!
أما السقف الأعلى فهو مرتبط بمشاريع احتلال قطاع غزة، وتهجير سكانه، وضمه أو ضمّ أجزاء منه، وإعادة تفعيل برامج الاستيطان، وحكمه بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهو ما يعني ضمنًا القضاء على حماس، ونزع أسلحتها وأسلحة المقاومة. وثمة الكثير من الحديث حول هذا السقف في أوساط اليمين المتطرف والصهيونية الدينية، وهو مدعوم بغطاء أميركي حيث كرر ترامب الدعوة لتهجير سكان القطاع.
أما السقف الوسط، فيتضمن الإبقاء على نقاط سيطرة في القطاع، والتحكم الظاهر أو غير الظاهر في المعابر، واستباحة أجواء القطاع وإمكانية عمل اقتحامات وضربات محددة، كما يحدث في الضفة الغربية، وحكم غزة بوجود قوات عربية ودولية أو سلطة رام الله، ولكن بمعايير إسرائيلية. مع سحب فكرة التهجير والضم والاستيطان، وتسهيل دخول الاحتياجات الأساسية للقطاع، وبعض من مستلزمات إعادة الإعمار، وبوجود برنامج حثيث لنزع أسلحة المقاومة، وتحييد حماس عن المشهد السياسي ومشهد إدارة القطاع.
إعلانسيسعى الطرف الإسرائيلي لتحقيق ما يمكن تحقيقه في السقفين؛ الأعلى والوسط، وفق ما يوفره الواقع الميداني والمعطيات على الأرض، غير أنه سيستخدم هذين السقفين كأدوات تفاوضية ضاغطة، إذا ما استمرت المقاومة في أدائها، سعيًا للوصول إلى الحد المستهدف، مع إيجاد بيئات ضاغطة دولية وعربية وحتى فلسطينية داخلية (وتحديدًا من سلطة رام الله ومؤيديها)، وربما محاولة المراهنة على اصطناع دائرة احتجاج ضد المقاومة في القطاع نفسه والسعي لتوسيعها؛ بحيث تتضافر حملات سياسية وإعلامية عربية ودولية لإظهار حماس وكأنها هي الطرف المتعنِّت والمُعطِّل للاتفاق، والمتسبِّب بمعاناة القطاع.
كما سيتمُّ تقديم وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، ووقف مشروع التهجير، والفك الجزئي للحصار والسماح لإدارة فلسطينية (بمواصفات سلطة رام الله) باعتبارها "تنازلات" إسرائيلية كبيرة، وبالتالي محاولة "تبليع السكِّين" لحماس، وربط إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع بموافقة حماس والمقاومة على نزع أسلحتها، والخروج من المشهد السياسي والمؤسسي الفلسطيني.
تكمن خطورة هكذا إستراتيجية في السعي لتحقيق الهدف الأساس من الحرب، مع محاولة إظهاره في الوقت نفسه كمطلب عربي ودولي، وإظهاره وكأنه "إنجاز" وطني وقومي للدول العربية المطبّعة الرافضة للتهجير، التي تتقاطع في الوقت نفسه، مع الإسرائيليين والأميركان، في العداء لخط المقاومة ولتيار "الإسلام السياسي". كما تُظهر سلطة رام الله وكأنها بديلٌ يُنهي معاناة الفلسطينيين.
أبرز عناصر الإستراتيجية الإسرائيليةمن خلال القراءة الموضوعية والتحليلية لما صدر عن الجانب الإسرائيلي من تصريحات ومواقف، ومن خلال استقراء سلوك نتنياهو وحكومته وجيشه على الأرض، يمكن استخلاص النقاط التالية، كأبرز عناصر الإستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع قطاع غزة ومستقبله:
إعلان محاولة استعادة الصورة التي فقدها الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة الضربة القاسية التي تعرضت لها نظرية الأمن الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفقدان قوة الردع، وتزعزُع ثقة التجمع الاستيطاني الصهيوني بها. محاولة إعادة تسويق الدور الوظيفي للاحتلال، كقلعة متقدمة وعصا غليظة للنفوذ الغربي في المنطقة؛ وكقوة جديرة بالثقة والاعتماد عليها لدى دول التطبيع العربي، خصوصًا في إدارة صراعها مع منافسيها في البيئة الإقليميّة. محاولة إحداث أقسى حالة "كي وعي" لدى الحاضنة الشعبية في قطاع غزة ولدى المقاومة، عبر استخدام القوة الساحقة الباطشة والمجازر البشعة للمدنيين، والتدمير الشامل للبيوت والبنى التحتية والمؤسسات الرسمية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والمزروعات وآبار المياه.. وغيرها؛ بعيدًا عن أي معايير قانونية أو أخلاقية أو سياسية، لمحاولة ترسيخ "عقدة" عدم تكرار هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول. استغلال بيئة الحرب لفرض تصورات "اليوم التالي" لحكم القطاع، وفق المعايير والضوابط الإسرائيلية. السعي للاستفادة من بيئة الحرب، لتمرير وتسريع مشاريع التهويد والتهجير في الضفة الغربية وقطاع غزة. السعي لتوسيع النظرية الأمنية الإسرائيلية، لتشمل في إطارها الرادع الفعَّال المحيط الإستراتيجي للكيان الصهيوني، لضمان استقرار الكيان وديمومته، حتى بعد إغلاق الملف الفلسطيني، حيث سبق أن كرر نتنياهو هذه الرؤية أكثر من مرة. رفع السقف التفاوضي مع المقاومة إلى مديات عالية جدًا، وإن لم يكن من الممكن تحقيقها، بهدف استخدامها كأدوات ضغط، وتوظيفها في العملية التفاوضية. محاولة تخفيف تأثير قضية الأسرى الصهاينة على الأثمان المدفوعة للمقاومة قدر الإمكان، سواء بمحاولة تحريرهم، أم بإطالة أمد التفاوض عليهم، أم بالتركيز على المنجزات المحتملة من استمرار الحرب، ولو تسبب ذلك بخسارة المزيد من الأسرى. الاستفادة من النفوذ والغطاء الأميركي قدر الإمكان، في البيئة الدولية ومجلس الأمن، وفي البيئة العربية، وفي الدور كوسيط، وفي مجالات الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والإعلامي. الاستفادة قدر الإمكان من الضعف والخذلان العربي، وتقاطع عدد من الدول العربية مع التوجهات ضد المقاومة وضد "الإسلام السياسي"، وكذلك الاستفادة من عدم فاعلية البيئة الدولية ومؤسساتها وفشلها، لتمرير الأجندة الإسرائيلية. إطالة أمد الحرب ما أمكن، سعيًا لتحقيق أكبر منجز ممكن ضد المقاومة، وكذلك للإبقاء على تماسك الائتلاف المتطرف الحاكم لكيان الاحتلال، وتمرير أجنداته الداخلية، والتّهرب من السقوط وإمكانية المحاسبة. تعمد إخفاء الخسائر الحقيقية للجيش الإسرائيلي، واصطناع أكاذيب عن منجزاته، ومحاولة التعمية عن حالات التهرب الواسعة من الخدمة لدى قوات الاحتياط، والأزمات المرتبطة بالتجنيد وغيرها؛ سعيًا للإبقاء على بيئة داخلية داعمة للحرب. تعمُّد نقض العهود والاتفاقات مع المقاومة، واستخدام ذلك في الابتزاز العسكري والسياسي والاقتصادي، والاستفادة من حالة الإنهاك والمعاناة في القطاع؛ لتشديد الحصار لتحقيق مكاسب إستراتيجية وتفاوضية، خصوصًا على حساب المقاومة. إعلان نزح سلاح المقاومةكثر الحديث في الأيام الماضية عن ربط ترتيبات "اليوم التالي" في القطاع بنزع أسلحة حماس وإخراجها من المشهد السياسي، وتحدث عن ذلك قادة أوروبيون مثل الرئيس الفرنسي ماكرون بالرغم من إظهار حماسته لحل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
كما حاول بعض المحسوبين على سلطة رام الله استغلال حالة المعاناة الهائلة للحاضنة الشعبية في القطاع، ومحاولة تنفيس الغضب باتجاه حماس وقوى المقاومة وتحميلها المسؤولية، بدلًا من الاستمرار في تحميل الاحتلال مسؤولية عدوانه وجرائمه.
التصعيد الإسرائيلي بخرق الهدنة، وإحكام الحصار على القطاع، ومنع دخول أي من الاحتياجات الضرورية، تبعها عدوان دموي ومجازر وحشية كان معظم ضحاياها من النساء والأطفال، وأعاد احتلال أجزاء من القطاع، مع إعادة تهجير أعداد كبيرة من أبناء القطاع المنهكين أصلًا والمستنزفين في دمائهم وأموالهم ومساكنهم، ليرفع وتيرة الضغط إلى مديات لا تكاد يحتملها إنسان؛ مع إعادة الحديث عن أجنداته بسقوفها العليا.
غير أن المقاومة عادت لتفاجئ العدو بتفعيل أدائها العسكري المؤثر، ولتقوم بحملة سياسية موازية تؤكد صلابتها في الثوابت، كما تؤكد مرونتها القصوى في ملفات تبادل الأسرى وغيرها، بما يحقن دماء الشعب الفلسطيني، وينهي الحرب، ويضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.
سلاح المقاومة خط أحمرأمام هذه الإستراتيجية "الصفرية" لنتنياهو وحكومته المتطرفة، لا تبدو ثمة بوادر حقيقية لإنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع وفك الحصار (على الأقل إعادة الوضع على ما كان عليه قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول)، وفتح المجال لإعادة الإعمار، إلا إذا صمدت المقاومة وواصلت استنزاف الجيش والاقتصاد والأمن الإسرائيلي، والدفع لإيجاد بيئات داخلية إسرائيلية أكثر قوة وضغطًا، ورفع الأثمان التي يدفعها الاحتلال إلى مديات لا يستطيع احتمالها.
إعلانوقد قطعت المقاومة شوطًا كبيرًا في ذلك، مع تزايد المأزق الإسرائيلي، خصوصًا بعد استئناف المقاومة عملياتها النوعية، واعتراف رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير بأن الحرب في غزة قد تأخذ شهورًا أو سنوات.
كما أن طبيعة ترامب النَّزقة والمتقلبة والمستعجلة للإنجاز لا توفر لنتنياهو وقتًا مفتوحًا لاستمرار الحرب، يترافق معها حاجة ترامب لتحقيق اختراقات في ملفات التطبيع في المنطقة، وفي الملف النووي مع إيران. كما يترافق ذلك مع بيئة عربية قلقة تحمل بذور التغيير والانفجار، وبيئة دولية تآكل فيها الدعم للكيان إلى حده الأقصى، حتى في محيط حلفائه الأوروبيين.
وليس ثمة ترف خيارات أمام المقاومة في خوض هذه المعركة "الصفرية" التي تستهدف اجتثاث الشعب الفلسطيني وقضيته، وبالتالي تظل المراهنة على المقاومة وسلاحها شرطًا أساسيًا وخطًا أحمر في مواجهة الاحتلال وإفشال مشاريعه.
والتجربة التاريخية طوال أكثر من مائة عام تشهد أن الشعب الفلسطيني تمكن من إفشال عشرات المشاريع التي تستهدفه، وقادر أيضًا، بعون الله، على إسقاط هذه الإستراتيجية وعلى إفشال هذا العدوان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline