أدركت حكومة الكيان الصهيوني منذ اليوم الأول لـ”طوفان الأقصى”، أنها مُنيت بهزيمة استراتيجية جعلت الحديث عن التهديد الوجودي لمستقبل “إسرائيل” أمراً واجب التداول والنقاش فيه.
الفشل الاستراتيجي المتمثل في عدم قدرة “إسرائيل” على القضاء على المقاومة، جعل حكومة الاحتلال تفكر في إحراز أي نصر تكتيكي لصرف أنظار المستوطنين عن فشل حكومتهم وأدائها، وعدم قدرتها على الإفراج عن الأسرى الموجودين لدى حركة حماس.


تطور كبير شهدته المنطقة تمثل باستهداف “إسرائيل” للضاحية الجنوبية في بيروت وطهران، واستشهاد فؤاد شكر وفي حركة حماس إسماعيل هنية.
تصعيد كبير وحماقة سياسية، جريمة أخرى تضاف إلى السجل الحافل للكيان الصهيوني المليء بالإجرام والدموية، لن يكون آخرها بكل تأكيد اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران.
إرادة إسرائيلية كبيرة بتوسيع نطاق الحرب لتشمل المنطقة كلها، أملاً من نتنياهو وإيماناً منه بأن ذلك هو ما سيخلصه من المصير الأسود الذي ينتظره.
نتنياهو المشبع بنازيته وتضخم غريزة الانتقام لديه، الانتقام من كل من يعتقد أنه كان سبباً فيما وصل إليه، وأوصل “إسرائيل” من خلاله إلى أسوأ مصير ينتظرها منذ تأسيسها كياناً غاصباً وجسماً سرطانياً لم يستطع التماهي مع دول المنطقة، رغم كل المحاولات التي بذلها قادته.
الدعم الأمريكي غير المحدود لـ”إسرائيل”، وحاجة المرشحين الرئاسيين الأمريكيين إلى دعم اللوبي الصهيوني، أسهما وبشكل كبير في دفع “إسرائيل” إلى ارتكاب ما تريده من جرائم.
زيارة نتنياهو الأخيرة إلى الولايات المتحدة، وحديثه أمام الكونغرس، وما رافقه من هزل وتصفيق، وتأييد مطلق له من أعضاء الكونجرس المأسورين للمال الصهيوني لتمويل حملاتهم الانتخابية، كل ذلك أسهم في زيادة غرور نتنياهو وتعزيز غريزة الانتقام لديه.
رد فعل الكونغرس لم يكن نابعاً من حبهم لـ”إسرائيل” أو تعاطفهم مع نتنياهو فقط، لكنه كان تصفيقاً هستيرياً ناجماً عن امتعاضهم من نجاح الصين، قبل يوم واحد من خطاب نتنياهو، في تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية.
نتنياهو الباحث عن ذريعة لتوسيع نطاق الحرب، وجد في حادثة مجدل شمس ذريعة لتوسيع الحرب في جنوب لبنان.
حزب الله نفى مسؤوليته عن الحادث حتى لو كان عن طريق الخطأ، وهو أمر يجب على الجميع تصديقه، خاصة وأن الحزب يمتلك الجرأة للاعتراف بالخطأ (إن حدث)، وتقديم الاعتذار عنه، والسوابق التاريخية تؤكد ذلك.
أهالي مجدل شمس الوطنيون السوريون، المؤيدون لحزب الله والمقاومة، والرافضون للخدمة في صفوف الاحتلال الصهيوني، فضحوا أكاذيب نتنياهو وعرّوها أمام الرأي العام.
تعامل الاحتلال مع عرب مجدل شمس فضح عنصريته، فلا ملاجئ هناك، ولا قبة حديدية تحميهم، فهم ليسوا سوى مواطنين من الدرجة الثانية بالنسبة إلى حكومة الكيان الصهيوني العنصرية.
تهديدات “إسرائيل” للبنان، حاولت بعض الدول العربية وغيرها تضخيمها لنشر الهلع والتأثير على لبنان اقتصادياً، خاصة وأنه يعيش فصلاً سياحياً هاماً، فبادرت إلى الطلب من رعاياها مغادرة لبنان، ووقف رحلات الطيران المتوجهة إليه.
تلك الدول تناست أن تطلب من مواطنيها مغادرة “إسرائيل”، إذ ستصبح “إسرائيل” غير آمنة أيضاً، إذا ما لجأت إلى الحرب مع لبنان.
استعدادات حزب الله ومحور المقاومة، وجديتهم في الرد على العدوان الصهيوني، إن وقع، جعلت الرد الإسرائيلي يقتصر على عملية أمنية في جنوب لبنان، سيكون رد حزب الله عليها بعملية مماثلة، من دون أدنى شك.
رغبة نتنياهو في التوسع بالحرب يبدو أنها باتت مكبوتة، إذ إن جميع المعطيات تشير إلى أن ما تمتلكه حركة حماس لا يتجاوز 10٪ من قوة حزب الله، وبالتالي فإن “إسرائيل” غير قادرة على تحمّل تبعات تلك الحرب.
الضغوط الدولية على “إسرائيل” لم تستطع منعها من الاستمرار في الحرب، لكنها قد تؤثر في رغبتها وقدرتها على توسيعها.
شكلت جريمة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في إيران تصعيداً كبيراً من الجانب الإسرائيلي، حيث حملت عدة رسائل سياسية لإيران وباقي محور المقاومة.
هنية هو الرئيس الوحيد لحكومة فلسطينية منتخبة، يعيش في قطر، ويتنقل ضمن مثلث (قطر-تركيا-إيران).
اختيار “إسرائيل” طهران مكاناً لاغتيال هنية الهدف منه إحراج إيران والمزيد من الضغط عليها، ولأن لـ”إسرائيل” علاقات جيدة مع كل من تركيا وقطر.
شكلت العملية إحراجاً كبيراً لطهران باعتبارها الدولة المضيفة، وهي المسؤولة عن حماية زوارها، وبالتالي فإنها لن تتردد في الثأر لسيادتها أولاً، ولدماء هنية وغيره من الشهداء ثانياً.
كما أظهرت العملية حاجة إيران إلى تعزيز مناعتها أمنياً واستخبارياً، والبحث عن “الطابور الخامس” داخل أراضيها، وأن تكون قادرة على الاستفادة مما حصل وتوظيفه إيجابياً لزيادة الوعي الشعبي بحجم المخاطر التي تتعرض لها.
الاختراق الأمني الذي حدث في إيران يمكن حدوثه في أي دولة من دول العالم، وما محاولة اغتيال ترامب إلا مثالاً على ذلك، مع فارق أن ما حدث في الولايات المتحدة هو من الداخل الأمريكي المفكك والمنقسم على ذاته، في حين أن استهداف طهران تم من أعدائها في الخارج، وبالتالي فإن بيئتها الداخلية ما تزال قوية ومتماسكة، لكن ذلك لا ينفي وجود بعض العملاء على أراضيها.
الرد الإيراني على ما حدث آت لا محالة، وهو ما أكده قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي، والرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، الذي يبدو أن التحديات بدأت منذ اليوم الأول لاستلامه منصبه، وهو ما ينبئ بأن تكون فترة حكمه استثنائية عنوانها تعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية.
يبدو أن “إسرائيل” أرادت ومنذ اليوم الأول لتسلم رئيس “إصلاحي” في إيران، صبّ الزيت على النار لزيادة التوتر بين طهران والولايات المتحدة الأمريكية ومنع أي حوار أو تقارب بينهما.
لقد أصبحت إيران طرفاً مباشراً في مواجهة الكيان الصهيوني، ولم يعد دورها الداعم لمحور المقاومة كافياً، فالأيام القادمة ستشهد رداً إيرانياً مباشراً على ما حدث.
الرد والرد المضاد سيوصلنا إلى حرب إقليمية لا يمكن التنبؤ بزمنها، لكن المؤكد هو أنها ستنتهي بانتصار محور المقاومة وهزيمة “إسرائيل”.
ما حدث في إيران والمنطقة يبدو أنه لم يكن مستغرباً، ولن يكون آخر التحديات، وربما ليس أخطرها، وهو ما كان قد أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه الأخير مع الرئيس بشار الأسد.
رفض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن التعليق على عملية اغتيال إسماعيل هنية يؤكد ضلوع الولايات المتحدة ومشاركتها في ما حدث، أو إعطاءها الضوء الأخضر لـ”إسرائيل” على أقل تقدير.
كل المعطيات تنبئ بالحرب، واحتمالات تطورها تتصاعد وبشكل كبير، لكن قيامها ليس مؤكداً، في ظل عدم رغبة جميع الأطراف في حدوثها، باستثناء نتنياهو.
يبدو أن غزة هي المكان الأكثر أماناً والأكثر صعوبة على الكيان الصهيوني، والدليل فشله حتى الآن في القضاء على قادة المقاومة هناك، نتيجة لعدم قدرة القوى الأمنية لدول التطبيع العربي على التعاون مع حكومة الكيان.
سياسة الاغتيالات التي تمارسها “إسرائيل” تهدد الأمن الإقليمي، وستؤدي إلى توسيع نطاق الصراع في المنطقة إلى وضع تصعب السيطرة عليه.
يبدو أن المعركة باتت وجودية لكلا الطرفين، ولم يعد هناك خيار سوى خيار المقاومة، باعتبار أن الخيار الآخر (خيار أوسلو)، تم تجريبه ولم يفضِ إلى أي نتائج تذكر.
الرد الإيراني سيكون هادئاً ومدروساً، خصوصاً أن العقل السياسي الإيراني لا يتعامل بسياسة ردود الأفعال، وبالتالي سيكون رداً فاعلاً وموجعاً ومتناسباً مع حجم الحدث وتداعياته.

أستاذ الدراسات الدولية في جامعة صن يات سين- الصين

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الأسير الصهيوني القتيل “ألموج ساروسي”: انا والمخطوفين الآخرين كنا هدفاً للقصف الصهيوني

الثورة نت/.
بثت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، تسجيلاً لرسالة الأسير الصهيوني القتيل، ألموج ساروسي، والتي طالب فيها الشارع الصهيوني التظاهر والبقاء في الشوارع حتى يتم الإفراج عنه هو وزوجته.

وقال ساروسي، في رسالته المصورة التي بثتها كتائب القسام، اليوم الجمعة “مرحبا، أنا ألموج ساروسي، عمري 27 عاماً من رعنانا، في السابع من أكتوبر اعتقلت أنا وزوجتي وأصدقائي من حفلة ريعيم، ضروفنا صعبة لا يوجد أكل ولا ماء وكهرباء، ومعروف للجميع أنها غير موجودة هناك”.

وأضاف “الاستهدافات التي يقوم بها جيش “إسرائيل” مستمرة ومن كل مكان، الاستهدافات كان هدفها أنا والمخطوفين الآخرين ” .

ووجه ساروسي خطابه للحكومة الصهيونية بالقول، “في السابع من أكتوبر فشلتم وأهملتمونا، أهملتمونا لأننا طلبنا مساعدة منكم وقلتم ساعدوا أنفسكم، ولا يوجد أحد لإنقاذكم وهذا أدى إلى أسرنا”.

وبين الأسير المقتول ساروسي، “وما زلتم تستمرون بالفشل في الفترة الأخيرة في عمليات تحرير فاشلة وكاذبة في عمليات الاجتياح البري، محاولات كانت ستؤدي إلى قتلي”.

وأشار إلى أن “حياتنا وحياة الشعب ليست عبثاً، أعيدونا إلى البيوت دون أن تسقط من رؤوسنا شعرة واحدة، وهكذا يعرفون أن حياتنا ليست عبثاً ويعود الأمن إلى الدولة”.

ثم وجه الأسير المقتول ساروسي، راسلة إلى أمه وأبيه قائلاً “أمي وأبي عميت لاهف وشاكيد وحبيبتي شاحر أسأل الله أن تكوني على قيد الحياة ونعود لنتقابل أهل وأحباب، أنا أحبكم ومشتاق لكم كلكم كونوا أقوياء ولا تخافوا، أنا متأكد من أنكم تعملون كل شيء لأجل الإفراج عنا في أسرع وقت”.

وفي رسالة إلى الجماهير الصهيونية قال “وأنتم يا شعب “إسرائيل” كونوا أقوياء واخرجوا للشوارع وتظاهروا قوتنا في اتحادنا، لا تخسروا لحمتكم، حياتنا في أيديكم، وأنتم أملنا ونثق بكم”.

وكانت حركة المقاومة الإسلامية حماس، أكدت في وقت سابق إن الأسرى الصهاينة الذين عثر عليهم في قطاع غزة “قتلوا بالقصف الصهيوني المتواصل على القطاع”.

مقالات مشابهة

  • حزب الله يدك مرابض “الزاعورة” ويوقع ضباط العدو الصهيوني وجنوده بين قتيل ‌‏وجريح
  • إيهود باراك: “إسرائيل” أقرب إلى الهزيمة من النصر.. والحرب مع حزب الله خطأ استراتيجي
  • “العمل الإسلامي” يبارك عملية جسر الملك حسين ضد العدو الصهيوني
  • ‏نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني: رد ⁧إيران⁩ على اغتيال هنية سيكون في التوقيت المناسب
  • قضية اغتيال “البيدجا”.. آمر فرقة الإسناد ومعاونه خلف القضبان
  • محللون: واشنطن تخدم خطط نتنياهو وتعرف أن المفاوضات لن تفضي لاتفاق
  • لواء في جيش الاحتلال: حتى لو استمرت الحرب 5 أعوام.. فستبقى “إسرائيل” تراوح مكانها في غزة
  • الاستخبارات التركية تحيّد “مسؤولة إيران”
  • لواء احتياط: حتى لو استمرت الحرب 5 أعوام.. فستبقى “إسرائيل” تراوح مكانها في غزة
  • الأسير الصهيوني القتيل “ألموج ساروسي”: انا والمخطوفين الآخرين كنا هدفاً للقصف الصهيوني