يستعد لبنان، حكومة وشعباً، للتعامل مع أسوأ السيناريوهات بعد اغتيال الجيش الإسرائيلي للقائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وإعلان أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله دخول الحزب في مرحلة جديدة تجاوزت فيها الأمور مسألة "جبهات إسناد"، والانتقال إلى معركة مفتوحة على كل الجبهات، في حين أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أن إسرائيل جاهزة لكل التهديدات.

رفعت عملية اغتيال شكر، ومعها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية في طهران، منسوب التوتر في الشرق الأوسط بين إسرائيل و"محور الممانعة"، وزادت من مخاوف اللبنانيين بشأن ما ينتظرهم.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ عام 2019، يخشى اللبنانيون من عدم قدرة الحكومة اللبنانية على تأمين الحد الأدنى من متطلبات الصمود لمواجهة الحرب المحتملة.

وشهد معدل الفقر في لبنان ارتفاعاً بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي (بين عامي 2012 و2022)، ليصل إلى 44% من مجموع السكان، وذلك وفقاً إلى تقرير البنك الدولي الذي صدر في مايو الماضي بعنوان "تقييم وضع الفقر والإنصاف في لبنان 2024: التغلب على أزمة طال أمدها".

وللحفاظ على الأمن الغذائي للبنانيين أطلقت نقابة مستوردي المواد الغذائية نداء عاجلاً للوزارات والإدارات المعنية، ناشدتها فيه "اتخاذ إجراءات استثنائية وسريعة في ظل الظروف الدقيقة والاستثنائية التي يمر بها لبنان لتعجيل تخليص معاملات السلع الغذائية المستوردة الموجودة في مرفأ بيروت وتسليمها لأصحابها، تمهيداً لتخزينها في المخازن داخل لبنان بعيداً عن أي مخاطر، من أجل الحفاظ على الأمن الغذائي للبنانيين".

وأكدت النقابة أن مطالبتها ليست شكوى ضد الوزارات والإدارات المعنية بشأن التقصير في معاملات وإخراج البضائع، بل هي لفت انتباه المسؤولين لضرورة اتخاذ تدابير سريعة لنقل السلع الغذائية التي وصلت مرفأ بيروت إلى أماكن آمنة.

استجابة لهذا النداء، أعلن رئيس مجلس إدارة ومدير عام مرفأ بيروت، عمر عيتاني، في بيان، أن المرفأ وضع طاقمه في جهوزية تامة للعمل على مدار الساعة لتسهيل كل ما يتطلبه إنجاز معاملات السلع الغذائية المستوردة الموجودة داخل المرفأ.

خطط التصدي

يكفي مخزون المواد الغذائية في لبنان لمدّة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر، فيما يغطي مخزون الطحين حاجة البلاد لمدة شهرين على الأقل، كما يؤكد مدير عام وزارة الاقتصاد، الدكتور محمد أبو حيدر.

ويشير أبو حيدر في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "وصول بواخر محملة بالمشتقات النفطية بشكلٍ منتظم إلى المرافئ اللبنانية يضمن استقرار إمدادات الطاقة. موضحاً أن مخزون الفيول يكفي لمدة عشرين يوماً، فيما يغطي مخزون الغاز المنزلي حاجة السوق لمدة لا تقل عن شهر".

واتخذت وزارة الاقتصاد مجموعة من الإجراءات لضمان استقرار الإمدادات، من بينها بحسب ما يشرح مديرها العام، "العمل على توزيع المخزونات الغذائية والوقود بشكل عادل على مختلف المناطق اللبنانية عبر الشركات والمستوردين، وتسريع الإجراءات الجمركية من خلال إصدار تعليمات إلى مكاتب الوزارة في المعابر والمرافئ لتسريع إجراءات إدخال البضائع إلى السوق اللبنانية".

ومن الإجراءات كذلك "تخصيص بعض محطات المحروقات مخزون استراتيجي لتلبية احتياجات القطاعات الحيوية كالمستشفيات والأفران والمصانع وفرق الإطفاء".

وحول ارتفاع الأسعار، يؤكد أبو حيدر أن "فرق التفتيش في الوزارة تقوم بمتابعة أسعار السلع بشكل يومي، وتحصيل لوائح أسعار أسبوعية للسلع الأساسية، مشدداً على أنه "سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يرتكب مخالفات تتعلق برفع الأسعار بشكل غير مبرر".

ورغم تأكيده على استقرار وضع سلاسل الإمداد في الوقت الحالي، إلا أن أبو حيدر يحذّر من تداعيات أي حصار بحري محتمل على الأمن الغذائي للبنانيين.

وفي ظل الظروف الاقتصادية والأمنية التي يمر بها لبنان، دعا وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال، أمين سلام، الأربعاء، إلى اجتماع طارئ مع نقابات أصحاب السوبر ماركت، ومستوردين المواد الغذائية، وأصحاب الدواجن واللحوم، وأصحاب المطاحن والأفران، وأصحاب الصناعات الغذائية.

وبعد الاجتماع دعا سلام المواطنين إلى عدم تخزين المواد الغذائية في المنازل، قائلاً "لا داعي للهلع والخوف من فقدانها في الأسواق، إذ إن عمليات استيراد الطحين واللحوم والدواجن مستمرة جواً وبحراً، مع مراعاة عدم احتكارها وشراء كميات كبيرة وحرمان الآخرين من حاجاتهم".

كما تحدث سلام عن "طمع تجار الأزمات"، معلناً أن وزارة الاقتصاد ستبدأ اعتباراً من الأسبوع المقبل، وبالتنسيق مع منظمة الغذاء العالمي، بإصدار تقارير شهرية تطلع المواطنين على أسعار 75 منتجاً من المواد الأساسية في جداول مقارنة مع أسعارها على مستوى كل الأراضي اللبنانية، بهدف الحد من المزايدة وارتفاع الأسعار.

تحديات ومخاوف

مع تصاعد قرع طبول الحرب، يبرز القمح والخبز كعنصرين أساسيين في النظام الغذائي، حول ذلك يشير رئيس نقابة أصحاب المطاحن، أحمد حطيط، إلى أن "الطاقة التخزينية للقمح في مخازن لبنان لا تتجاوز حالياً شهرين ونصف، وذلك بعد أن تسبب انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 بتدمير الإهراءات".

وحول خطط الطوارئ لإيصال القمح للمطاحن وتوزيع الطحين على المخابز في حال اندلاع حرب واسعة، يشدد حطيط في حديث مع موقع "الحرة" على أن "المسؤولية الأساسية في هذه الحالة تقع على عاتق الحكومة والجيش في حال قطعت الطرقات بسبب القصف".

أما بشأن التعاون بين الحكومة والمنظمات الدولية لتأمين إمدادات القمح والطحين، فيشير حطيط إلى أن "الاستيراد يتم حالياً بشكل طبيعي"، إلا أنه يحذر من أن الوضع قد يتغير في حال إغلاق المعابر أو تعطّل حركة الملاحة في المرافئ، مما يستدعي تفعيل آليات التعاون الدولي لتأمين دخول البضائع إلى لبنان.

أما رئيس نقابة أصحاب الأفران في الشمال، طارق المير، فيؤكد أن ضمان عدم انقطاع الخبز من الأسواق يعتمد بشكل أساسي على عدم قطع الطرقات.

ويوضح المير في حديث مع موقع "الحرة" أنه "إذا قصفت الجسور كما حدث في حرب يوليو 2006، ستتوقف الإمدادات من بيروت، وهناك مطحنة واحدة فقط في الشمال يمكنها تزويد الأفران بالطحين لمدة ستة أيام"، شارحاً "في حرب يوليو تمكنا من إنتاج الخبز لمدة 15 يوماً فقط، لذلك هناك خشية من مواجهة نفس المشكلة مرة أخرى".

وعن كيفية تمكّن المواطنين من تخفيف الضغط على الأفران في حال اندلاع حرب، يجيب المير "الوضع معقد، لأن المواطنين في هذه الحالة لا يكتفون بشراء ربطة خبز واحدة، ولا يمكن منعهم من ذلك، مما يؤدي إلى حدوث فوضى".

وكانت الحكومة اللبنانية أعلنت في 31 أكتوبر، عن خطتها المستندة إلى عدة افتراضات مبينة على مقارنة معيارية لما حدث في حرب يوليو 2006، منها تهجير قسري لمليون لبناني لمدة تصل إلى 45 يوما، والحاجة إلى مراكز إيواء جماعية تستوعب 20 في المئة من النازحين، أي نحو 200 ألف شخص، والضغط على القطاع الصحي وتأمين المستلزمات الإنسانية للنازحين في مراكز الإيواء، إضافة إلى حصار بحري وجوي.

وتهدف الخطة إلى تلبية احتياجات ثلاث فئات من اللبنانيين: النازحون في مراكز الإيواء، النازحون في شقق ومنازل خاصة، والمجتمع المضيف.

يذكر أن إسرائيل وجماعة حزب الله، المصنفة ارهابية، تتبادلان القصف بشكل شبه يومي عبر الحدود منذ الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل، والذي أدى إلى اندلاع الحرب في قطاع غزة. ومع اغتيال شكر تعززت المخاوف من توسّع رقعة الحرب إلى لبنان والمنطقة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: المواد الغذائیة الأمن الغذائی مرفأ بیروت فی لبنان أبو حیدر فی حال

إقرأ أيضاً:

مجلس الشيوخ يناقش تقرير لجنة الزراعة والري بشأن الأمن الغذائي في مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يناقش مجلس الشيوخ، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، مناقشة تقرير لجنة الزراعة والري عن الدراسة المقدمة من النائب إيهاب وهبه بشأن الأمن الغذائي في مصر.. التحديات والفرص في 2025.

أهمية الأمن الغذائي في تحقيق الاستقرار

وقال النائب محمد السباعي، وكيل لجنة الزراعة بمجلس الشيوخ، أثناء عرض تقرير اللجنة أمام الجلسة العامة، أنه انطلاقا من أهمية الأمن الغذائي في تحقيق الاستقرار ومكانته في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتزامنًا مع تنفيذ الدولة المصرية لاستراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030، وفي ضوء التحديات والأزمات العالمية والإقليمية التي يمر بها العالم أجمع يأتي قطاع الزراعة على رأس القطاعات التي تمثل أولوية للدولة.

تطوير منظومة الزراعات التعاقدية

وأضاف السباعي، أن التوجه نحو توفير أقصى درجات الدعم لقطاع الزراعة والمزارعين ومواصلة تطوير منظومة الزراعات التعاقدية لتشجيع التوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية بهدف زيادة الإنتاج، بما يُحد من الفاتورة الاستيرادية، ويُسهم في ضبط الأسعار، وتكثيف استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة والهندسة الوراثية، وتعظيم الاستفادة من الأبحاث العلمية من أجل زيادة الإنتاج وخفض التكلفة، فضلًا عن تلبية احتياجات المواطنين من الإنتاج المحلي للحوم والألبان، فضلا عن إقامة عدد من المشروعات القومية في مجالات استصلاح الأراضي من خلال البحوث التطبيقية والابتكار الزراعي والتكنولوجيا المرتبطة بزيادة إنتاجية الفدان والانتاج الحيواني والداجني والسمكي.

التوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية

وتابع، أنه تم التوصل لعدد من التوصيات، بينها إعادة النظر في السياسات الزراعية بما يضمن وضع خطط قصيرة ومتوسطة الأجل تظهر نتائجها على المدى القريب والعمل على تحديثها، ووضع سياسات حديثة ومرنة لها القدرة على زيادة الإنتاج الزراعي، والتوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية الرئيسية وتوفير مستلزمات الإنتاج لها كافة، وزيادة حجم المعروض من السلع والمحاصيل على منصة البورصة المصرية للسلع، والعمل على توفير خطة قومية للزراعة تسعى لتوفير الغذاء على أن تكون هذه الخطة واضحة يشترك في وضعها جميع الوزارات المعنية بتوفير الغذاء.

ولفت إلى أهمية العمل على توفير المحاصيل الاستراتيجية، وتحقيق أهداف خطط التنمية المستدامة ٢٠٣٠، والتوسع الرأسي والأفقي للوصول للاكتفاء الذاتي من المحاصيل، والحد من الاستيراد ووضع خطط بديلة وحلولًا جذرية يمكن تطبيقها وقت حدوث الأزمات.

وأشار إلى أن لجنة الزراعة أوصت في تقريرها بتفعيل دور مركز الزراعات التعاقدية وتزويده بالإمكانيات المالية واللوجستية والكوادر البشرية الفنية المدربة، وتفعيل دور الجمعيات التعاونية الزراعية ومراكز البحوث، وتفعيل دور التعاونيات في القيام بالخدمات الإشرافية والتسويقية للمحاصيل المتعاقد عليها.

تشجيع المزارعين على الزراعات التعاقدية

وأكد على ضرورة تشجيع  المزارعين على الزراعات التعاقدية من خلال قيام الهيئة العامة للسلع التموينية بالتعاقد معهم على التوريد والشراء مع تحديد السعر العادل، ومراجعة أسعار الضمان السابق إعلانها قبل زراعة المحصول لحين التوافق مع الأسعار العالمية.

ولفت إلى  أهمية تدعيم القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية المحلية في الأسواق المحلية والدولية، وزيادة الصادرات الزراعية وتطوير الممارسات المتبعة، والاعتماد على الخريطة الصنفية للمحاصيل الاستراتيجية، والتوسع في قطاع الصناعات الغذائية، والعمل على تحقيق الأمن الغذائي.

مقالات مشابهة

  • ترامب يدعو زيلينسكي لتوقيع صفقة المعادن بشكل عاجل
  • استجواب رئيس الحكومة اللبنانية السابق في ملف انفجار مرفأ بيروت
  • بشأن انتخابات بلدية بيروت.. هذا ما طالب به مروان أبو فاضل
  • سفير السعودية في السودان يصل للخرطوم لأول مرة منذ اندلاع الحرب
  • بعد إحالتها.. تفاصيل دراسة بشأن الأمن الغذائي.. التحديات والفرص في 2025
  • مجلس الشيوخ يناقش دراسة بشأن الأمن الغذائي في مصر.. التحديات والفرص في 2025
  • بشأن تعديل قانون الانتخاب لبلديّة بيروت... الصايغ: أسحب توقيعي
  • الشيوخ يوافق على إحالة دراسة بشأن الأمن الغذائي إلى الحكومة لتنفيذ توصياتها
  • مجلس الشيوخ يناقش تقرير لجنة الزراعة والري بشأن الأمن الغذائي في مصر
  • الشيوخ يناقش دراسة بشأن الأمن الغذائي في مصر.. التحديات والفرص في 2025