قبل ٢٠ عاماً.. كنت أجلس بصحبة مجموعة من الفنانين.. طرح أحدهم سؤالاً بدا جاداً.. لماذا لم نحصل على جائزة أوسكار.. أو يدخل أى من الأعمال المصرية حتى ترشيحات أوسكار.. حاول الحضور الإجابة عن السؤال الحرج.. تحدثوا فى كل شىء.. بدءاً من العملية الإنتاجية وصولاً إلى التسويق والدعاية.. وحين جاء دورى لأدلو بدولى فى الموضوع.
«وانتعشت الفنون والعلوم والآداب وازدهرت الحياة الفكرية».. جملة واحدة تجدها فى جميع كتب التاريخ لكل الحضارات الإنسانية فى شتى بقاع الأرض عندما تتحدث عن عصور الازدهار. وفى المقابل تجد جملة أخرى مثل.. «انتشر الفساد والرشوة والمحسوبية وانتشرت الفوضى والصراعات».. عندما يتحدث التاريخ عن عصور الاضمحلال».. إنها سنة الله فى الكون.
أقول ذلك بمناسبة موجة الغثاء التى ملأت مواقع التواصل الاجتماعى مؤخراً.. بعد الأداء الهابط والمتوقع للبعثة المصرية فى أوليمبياد باريس.. وللأوليمبياد تحديداً وضع خاص بين الأمم.. فبينما تبدو فى ظاهرها.. ملتقى للمنافسات الرياضية.. إلا أنها فى جوهرها انعكاس لمدى ما وصلت إليه تلك الشعوب من تقدم وحضارة.. انظر إلى قائمة النتائج العامة للأوليمبياد ستجد دوماً مراكزها الأولى لعدد معين من الدول.. الولايات المتحدة الصين روسيا أستراليا ودول أوروبا.. وهو نفس الترتيب الذى يمكنك وضعه لأى مجال آخر.. اقتصاد، صناعة، زراعة، بحث علمى، منظومة صحية، إعلام.. مرآة وانعكاس تام لمدى تقدم تلك الأمم وحياة شعوبها.. قد تجد فى القائمة دولة مثل كوريا.. الجنوبية بالطبع وليست الشمالية.. ثم تجد فى ذيل القائمة الدول المتخلفة عن ركب الحضارة.. ببرونزية هنا او فضية هناك.. وعادة ما تكون فى ألعاب فردية.. وبالتدقيق أكثر تجد أن هذا البطل الأوليمبى نتاج ظروف خاصة جداً.. وغالباً تكون أسرته فقط هى السبب فى هذا التميز.. فهو نتاج أسرة أغلقت عليه وعزلته عن مجتمع فاشل ليحقق هو نجاحه.. تلك هى الحقيقة وإن بادر مسئولو دولته الفاشلون لالتقاط الصور معه.. وزعموا كذباً أن نجاحه يرجع لحسن إدارتهم ورعايتهم للمواهب.. وإن حاولت أبواق المسئولين سرقة النجاح ونسبه للفاشل.
أكثر ما لفت نظرى فى تلك الموجة الجديدة من «الغثاء» هو تبارى البعض فى الدفاع عن الفشل.. فأن تخرج لاعبة للمشاركة فى أوليمبياد دولى وهى حامل فى شهرها السابع.. فهى جريمة بكل المقاييس.. فى حقها وحق حملها أولاً.. ثم فى حق وطنها الذى استخفت به وبمقدراته.. وفى حق لعبتها ومنافسيها والأوليمبياد نفسه.. وتعكس تلك الواقعة حالة الفوضى.. لا أتوقع أن تكون هناك محاسبة للمسئولين عن تلك الفضيحة.. طالما أن الفشل أصبح هدفاً.
أما عن الأداء المتردى فى باقى الألعاب.. فيبقى السؤال لماذا تمت المشاركة من أساسه.. أثق بأن هناك لاعبين كثرًا أفضل كثيراً من أولئك المختارين المحظوظين فى كل الألعاب.. فقدرات الشعب المصرى وتميز أفراده كأفراد معلومة للجميع.. لكن وصول هؤلاء لتمثيل بلدهم أمر بات مستحيلاً.. إما لفساد الاختيار أو فشله.
ولهؤلاء الغيورين الغاضبين العاشقين لوطنهم.. أقول لا تحزنوا وتقبلوا الحقيقة بكل مرارتها وكآبتها.. وكل أوليمبياد وأنتم بخير!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الشعب المصرى لوجه الله نتيجة منطقية جائزة أوسكار
إقرأ أيضاً:
هناك فرق – منى أبوزيد – مهزلة العقل البشري!!!
هناك فرق – منى أبوزيد – مهزلة العقل البشري!
“أرجو من القارئ أن يضحك على نفسه كثيرًا قبل أن يدرس التاريخ، إذ لم يخلق الله مهزلة تستوجب الضحك كالعقل البشري”.. د. على الوردي..!
أعرف أُمَّاً كانت ابنتها زوجةً لرجلٍ ذي نفوذ وحيثية أو شخصيةٌ مرموقة “إن شئت” بحسب تعريف مجتمع سودان ما قبل الحرب لمنصبه المهني والسياسي، ثم شاء الله أن ينتهي ذلك الزواج – الذي بدأ بحفل عرسٍ أسطوري – بالطلاق لأن الرجل المُهم الذي كان يدير شئون مؤسسة ضخمة بكامل عدَّتها وعتَادها فشل في أن يدير بعض شئون بيته..!
وهكذا، وبعد حساب حفنة الأرباح وأطنان الخسائر قالت الأم مخاطبةً ابنتها بتلك النبرة الواقعية التي يلوذ بها معظم الناس بعد وقوع الكوارث “إن شاء الله يا بتي بعد دا الحال يجيك زول ساكت”..!
وعندما استفسرت ابنتها عن معنى أن يكون زوج المستقبل “زول ساكت” قالت الأم “يعني زول عادي، راجل عيشة، لا منصب لا جاه لا لقب”..!
ذات النَّزعة الطبقيَّة في تصنيف “العرسان” كان يلازمها عرفٌ صارم بشأن تقييم المكالمات الواردة إلى الهواتف المحمولة. فالناس ينقسمون بحسب ذلك التصنيف إلى فئات تتراوح بين الشخصيات الهامة والناس الساكت، وذلك بحسب موقع رقم الشخص المتصل من قائمة الأرقام المميزة..!
عندما كنت أقيم خارج السودان الذي كان – في مطلع هذه الألفية – اشتريتُ حال وصولي إلى الخرطوم في عطلةٍ قصيرة شريحة موبايل، ثم فوجئت بعد ذلك بعدم ترحيب معظم الناس بالمكالمات الواردة من فئة الشرائح المسكينة تلك، فشكوتُ الأمر إلى إحدى صديقاتي التي أدهشتني إجابتها “بيكونوا فاكرينك زولة ساكت” ..!
وعندما أعربت عن استنكاري لمثل هذا التصنيف المُخِلْ تناولت هاتفها المحمول بهدوء وقامت بالاتصال بذات الرقم الذي لم أجد منه رداً. فعلَتْ ذلك بكل بساطة وهي تخاطبني قائلةً بكل ثقة “أنا رقم تلفوني في آي بي عشان كدا بيردوا طوالي”، وقد كان..!
ذات النهج في تصنيف الناس كان ينطبق على ما تدلي به الشخصيات – ذات الحيثية – السياسية والاقتصادية في مختلف مجالات الحكم السياسي والشغل التنفيذي والعمل العام. فقد كان هنالك دوماً ما يمكن أن يقال لشخصية ذات قوة ونفوذ، وكان هناك دوماً ما لا يمكن الحديث عنه أمام أي “زول ساكت ..!
في سودان ما قبل الحرب كان الحديث عن بعض الحقائق في اجتماعات القيادة ومراكز صنع القرار شيء والتصريح بشأنها في المحافل الجماهيرية والزيارات الميدانية وأمام وسائل الإعلام شيءٌ آخر..!
في سودان ما قبل الحرب كانت الفتاوى الدينية – بشأن القروض الربوية أو الخروج على الحاكم أو إخماد ثورة المحكوم – تكشف عن ساقها بين يدي الحاكمين بأمرهم وتتدثر بسرابل التقييد والتشديد إن كان من يطلبها هو أي “أزول ساكت” ..!
ثم اندلعت ثورةٌ أسقطت النظام الحاكم، وكان مُشعل شرارتها ووقودها وحارسها الأمين هو ذلك “الزول الساكت” الذي سار في المواكب وهتف وتظاهر وزأر، وبات في ميدان القيادة يحرس ثورته من غارات القياديين والمهُمين وذوي الشأن والقوة والحيثية ..!
ثم اندلعت الحرب في السودان وتعاظم التآمر عليه، ونزح من نزح، ولجأ من لجأ، وبقى من بقى، واستنفر من واستنفر، واستشهد من استشهد من مختلف فئات هذا الشعب الذي يواجه التشريد والتهجير ويقاوم مشاريع الاستيطان وطمس الهوية..!
وما يزال بعض السياسيين الخونة والناشطين العملاء والكتاب الأجراء يخاطبونه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام على اعتبار أنه مجرد “زول ساكت”!.
munaabuzaid2@gmail.com
صحيفة الكرامة
منى أبوزيدهناك فرق – منى أبوزيد – مهزلة العقل البشري!