رسائل وأبعاد عملية اغتيال إسماعيل هنية على كافة الأصعدة
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
لا يمكن أن تكون قراءتنا لعملية اغتيال "إسماعيل هنية" بطهران، في أحد أوجهها منفصلة عن بقية الأوجه التي يجب أن نذكرها حتى تكتمل الصورة، ومن أجل ذلك سنجيب عن بعض التساؤلات الهامة بدءا بتأمين مقر الإقامة لشخصية بحجم وأهمية رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، التي تحارب منذ ما يزيد عن 9 أشهر دولة احتلال لديها أقوى جيوش المنطقة وفي ظهرها الجيش الأمريكي وجهاز استخباراته مع غيره من أجهزة الإستخبارات الغربية والعربية ممن يخدمون الاحتلال! ولا بد من ذكر أبعاد العملية بالنسبة لـ"بنيامين نتنياهو" ومآربه من تلك العملية الخطيرة لجميع الأطراف المتداخلة في هذا الملف، مع ذكر استراتيجية المقاومة الفلسطينية في الفترة القادمة بعد إتاحة الفرصة لها لرفع سقف التنسيق مع الدولة الإيرانية -صاحب الضيافة ومكان الاغتيال- والتنسيق كذلك مع وكلائها في المنطقة، وسيندم الاحتلال الصهيوني على تلك الخطوة الحمقاء -بعد انتهاء سكرة الفرحة- لأنه بذلك قد قدم مبررات التنسيق وعلى أعلى مستوى بين المقاومة وبقية الأطراف داخل الإقليم!
جاءت عملية الاغتيال في أحد منازل كبار المحاربين القدماء التابعة للحرس الثوري الإيراني بمثابة تحد كبير لإيران ورافعا وبشكل قسري -لا خيار فيه!- لسقف رد الفعل الوجوبي لطهران، وتتمة لما بدأته الدولة الإيرانية من تغيير لقواعد الاشتباك مع الاحتلال الصهيوني، لكننا أمام ثمّت تساؤلات هامة وضرورية نحتاج الإجابة عليها حول رسائل وأبعاد العملية الخطيرة بالنسبة لجميع أطراف المعادلة.
جاءت عملية الاغتيال في أحد منازل كبار المحاربين القدماء التابعة للحرس الثوري الإيراني بمثابة تحد كبير لإيران ورافعا وبشكل قسري -لا خيار فيه!- لسقف رد الفعل الوجوبي لطهران، وتتمة لما بدأته الدولة الإيرانية من تغيير لقواعد الاشتباك مع الاحتلال الصهيوني
1- هل إيران بلد مستباح؟!
الحقيقة أن نجاح الصهاينة في تنفيذ عدد من عمليات الاغتيال داخل الأراضي الإيرانية، بعضها لعلماء ومسئولين نوويين والبعض الآخر قادة في الحرس الثوري وفيلق القدس بخلاف عمليات الاستهداف للمنشآت النووية الإيرانية وانتهاء باغتيال "إسماعيل هنية"، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، يضع علامات الاستفهام حول مدى الاختراق الأمني الذي نجح الصهاينة في تحقيقه داخل دولة لديها حالة من التوترات الأمنية والتعبئة المستدامة؛ تجعلها في حالة من اليقظة التي لا تصح معها أي خروقات أمنية، وعلى الأقل لا يصح تكرار بعض الأخطاء حتى يتم اغتيال شخصية هامة بحجم رئيس المكتب السياسي لحماس، فالأمر يحتاج إلى وقفة!
2- هل ستُكَّفر إيران عن ذلك الاختراق الخطير الذي أدى إلى قتل "هنية"؟
ليس لديها خيار آخر! رغم كل المساعي الحثيثة التي يقودها الوزير اليهودي "بلينكن"، وإن وجوب حدوث رد فعل قاس من طهران يُكفِّر عن الكارثة التي أدت إلى نجاح استخبارات العدو الصهيوني وبمساعدة المتطرفين الإنجيليين من الإدارة الأمريكية؛ هو أقل ما يمكن فعله للتكفير عن حالة الارتخاء التي أدت إلى اختراق الأجواء الإيرانية واستباحة أراضيها واغتيال شخصية رفيعة المستوى بحجم "إسماعيل هنية"..
3- هل الإدارة الأمريكية متورطة في عملية اغتيال "هنية"؟!
لا شك في ذلك! مهما حاولت الخارجية الأمريكية ومن خلال وزيرها ذو الملامح الباردة "أنتوني بلينكن" التبرؤ من العملية أو الادعاء بأن الأمر شكّل مفاجأة لأمريكا! فالأمر كما قال أحد المسئولين الإيرانيين أن إسرائيل لا تستطيع تنفيذ مثل تلك العملية إلا بما تقدمه أمريكا لها -سرا- من معلومات استخباراتية ومساعدات لوجستية لتنفيذ المهمة على أكمل وجه، فالتنسيق الأمني والاستخباراتي بين أمريكا وإسرائيل على أعلى مستوى، كما حدث في أمر الرصيف البحري لسواحل غزة والذي جرى تدشينه بمزاعم تقديم مساعدات إنسانية لأهل القطاع، وافتضح الأمر فيما بعد حينما انكشفت نية الأمريكان في استخدام الرصيف البحري كرافعة لكسر المقاومة والوصول إلى المحطات الرئيسة للأنفاق والإمساك بالخيط الرفيع للأسرى الإسرائيليين في قبضة المقاومة، ولكنهم فشلوا.
عوامل رئيسة دفعت المجرم "بنيامين نتنياهو" لاتخاذ مثل ذلك القرار؛ بعضها يعود لدولة الاحتلال، وهي عدم وجود توازن رعب بين دولته وبين دول المنطقة، ولعودة اليد الباطشة والاستباقية لدولة الاحتلال بالنسبة لجميع القوى في المنطقة العربية. وهناك سبب رئيس لإقدام نتنياهو على اتخاذ ذلك القرار وهو المتعلق بمستقبله السياسي
4- هل جاءت الفرصة للمقاومة للقيام بأكبر عملية تنسيق في المنطقة مع إيران وأذرعها؟!
جاءت عملية اغتيال "إسماعيل هنية" بعد أقل من يومين من اغتيال القيادي البارز بحزب الله "فؤاد شكر" في الضاحية الجنوبية لبيروت، لتؤكد وجوب التنسيق العملياتي من ناحية الخطط والتسليح والعمليات الخاطفة من أجل توجيه ضربات قاسية ومؤلمة للعدو الصهيوني بكافة الطرق وباستخدام أحدث الوسائل المستخدمة في حرب العصابات وفي استنزاف العدو وحرمان قطعانه الإجرامية من العيش بأمان في فلسطين المحتلة.. أظن الفرصة قد أصبحت مواتية!..
5- ما هي مآرب بنيامين نتنياهو من إقدامه على تنفيذ تلك العملية الخطيرة؟!
ثمّة عوامل رئيسة دفعت المجرم "بنيامين نتنياهو" لاتخاذ مثل ذلك القرار؛ بعضها يعود لدولة الاحتلال، وهي عدم وجود توازن رعب بين دولته وبين دول المنطقة، ولعودة اليد الباطشة والاستباقية لدولة الاحتلال بالنسبة لجميع القوى في المنطقة العربية. وهناك سبب رئيس لإقدام نتنياهو على اتخاذ ذلك القرار وهو المتعلق بمستقبله السياسي، لإزاحة المفاوضات من طريقه بل وسحقها إلى الأبد حتى لا تمثل أي ضغوط عليه في المستقبل القريب بل والبعيد! ولخلق حالة تعبئة قوية في الداخل الإسرائيلي وصناعة بطولة متوهمة لشخصه وسكرة من السعادة للمجتمع القبلي الصهيوني وعلى رأسهم شركاء نتنياهو في الحكومة، والذين ترضيهم وتمتعهم مثل تلك الحالات من عمليات الاغتيال والتي تطال قادة بحجم رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اغتيال حماس نتنياهو الإيرانية إسماعيل هنية إيران حماس نتنياهو اغتيال إسماعيل هنية مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس المکتب السیاسی بنیامین نتنیاهو لدولة الاحتلال إسماعیل هنیة عملیة اغتیال فی المنطقة ذلک القرار
إقرأ أيضاً:
رسالة إلى الداعية ياسر برهامي
لا نعتقد أنّ هناك حركة مقاومة أو تحرّر في التاريخ قد تعرّضت إلى حملة تشويه وشيطنة وتحامل وتثبيط من بني جنسها، مثلما تعرّضت له المقاومة الفلسطينية، ولاسيما منذ 7 أكتوبر 2023 إلى اليوم، ولم يقتصر الأمر على الأنظمة العربية المتصهينة ونخبها المأجورة، بل امتدّت حتى إلى عدد من الدعاة الذين حمّلوا بدورهم المقاومة كل المصائب والبلايا التي حلّت بغزة، ومن ثمّة، تبرئة الاحتلال من أيّ مسؤولية عما يرتكبه منذ 18 شهرا من مجازر وإبادة وتدمير وتجويع منهجي…
آخر هؤلاء الدعاة المتحاملين على المقاومة، هو الشيخ ياسر برهامي، رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية في مصر، الذي أبى إلا أن يردّ على فتوى الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بوجوب الجهاد في غزة، بفتوى مضادّة وضع فيها ضرورة احترام معاهدات التطبيع مع الاحتلال فوق نصرة أهل غزة المستضعفين، كما تجنّى على المقاومة وحمّلها مسؤولية مجازر الاحتلال!
أوّلا: بدل أن يصدع برهامي بالحقّ وينتقد تمسّك الدول العربية المطبّعة باتفاقات العار مع الاحتلال، ويطالبها بالتخلي عنها، وطرد سفرائه من عواصمها، والإسراع إلى إغاثة سكان غزة الذين يتعرّضون لحرمان تامّ من الغذاء والماء والدواء والكهرباء منذ 2 مارس إلى اليوم، نراه يتحجّج بهذه الاتفاقيات المخزية للتذرّع بخذلان المقاومة وأهالي غزة.. ترى، أيّ قيمة لهذه المعاهدات مع الاحتلال وهو يواصل حربه النازية ضدّ الأطفال والنساء ويرتكب المجازر الوحشية بحقّهم كل يوم ويحرمهم من أبسط المساعدات الإنسانية، في مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني الذي يعدّ اتخاذ التجويع سلاحا لجريمة حرب مكتملة الأركان؟ هل بقي أيّ معنى لمعاهدات “السلام” الذليلة مع الاحتلال بعد أن صرّح وزير المالية الصهيوني سموتريتش بأنه “لن تدخل حبة قمح واحدة إلى غزة”؟ أمثل هذا العدو الفاشي المجرم نحترم معه المعاهدات والمواثيق ونتّخذها ذريعة لخذلان أشقائنا الفلسطينيين؟
ثانيا: لقد تجنّى الشيخ برهامي على “حماس” حينما زعم أنّها لم تشاور من الدول الإسلامية إلا إيران في هجوم 7 أكتوبر 2023.. والواقع أنّ “حماس” لم تشاور أيّ دولة إسلامية من الدول الـ57 في ذلك، لا إيران ولا غيرها، ولو فعلت، لكانت الكثير من هذه الدول قد أسرعت كالبرق إلى إطلاع أمريكا على الهجوم المرتقب، ولفشل فشلا ذريعا. لقد أحسنت “حماس” صنعا حينما تكتّمت بشدّة على تفاصيل خطة الهجوم وتوقيته، ولم تطلع عليها أحدا، حتى حلفاءها في محور المقاومة، ولذلك نجح، ولو أطلعت عليه أحدا، لتكفّل العملاء المندسّون بتحذير الاحتلال منه. وللتدليل على ذلك، نذكّر بما وقع لـ”حزب الله” في لبنان الذي اتّضح من اغتيال كبار قادته، وتفجير معظم ترسانته الصّاروخية في مخازنها، أنّه مخترق استخباراتيا حتى النخاع، لذلك، فعلت “حماس” الصواب حينما تكتّمت على هجوم 7 أكتوبر وقامت به وحدها، وما ذكره الشيخ برهامي هو مجرّد تجنّ سافر على الحركة، تحرّكه خلفية طائفية مقيتة، والهدف منه الطعن في تحالفها مع إيران التي تزوّدها بالصواريخ والأسلحة المختلفة، وهو تحالف لا يعني البتّة التبعية العمياء لإيران وترك قرارات الحرب والسّلم بيدها.
ثالثا: على غرار الأنظمة المتصهينة، والآلاف من المثقفين والإعلاميين المرتزقة، والذباب الإلكتروني المأجور، وفقهاء البلاط.. حمّل الشيخ برهامي مسؤولية ما يقع في غزة من تدمير وإبادة وتطهير عرقي وتجويع وتنكيل بالفلسطينيين إلى “حماس” التي قامت بهجوم 7 أكتوبر، الذي عدّه الشيخ “تخريبا للبلاد” وتساءل مستنكرا “هل يتحقق النصر بهدم المساجد والمستشفيات والمدارس؟” وكأنّ “حماس” هي التي هدمتها وليس الاحتلال!
وبهذا المنطق المعوجّ، فإنّ مسؤولية تدمير 8 آلاف قرية جزائرية خلال الثورة التحريرية واستشهاد 1.5 مليون جزائري يتحمّلها بن بولعيد وبقية القادة الذين قرّروا تفجير ثورة 1 نوفمبر 1954، ولا يتحمّلها الاستعمار الفرنسي، ومن ثمّة، لا يحقّ لنا الآن مطالبته بالاعتراف بجرائمه والاعتذار عنها والتعويض للجزائر، وقس على ذلك بقية ثورات العالم التي قدّمت تضحيات كبيرة لتحرير أوطانها كالفيتنام وأفغانستان… أيّ منطق سقيم هذا؟ هل تتحرّر الشعوب من العبودية للمستعمرين وتستعيد البلدان المحتلّة سيادتها سوى بالتضحيات الشعبية الجسيمة؟
ثم، هل تقع مسؤولية ما يحدث في مخيمات الضفة الغربية؛ جنين ونابلس وطولكرم وغيرها، منذ أزيد من شهرين ونصف شهر، من قتل وتدمير وتهجير، على عاتق “حماس” أيضا؟ مالكم كيف تحكمون؟
كنّا نودّ لو وقف الشيخ برهامي مع المقاومة الشريفة في كفاحها من أجل القدس والأقصى نيابة عن ملياري مسلم، أو على الأقل يلزم الصمت على غرار آلاف الدّعاة الذين يخشون بطش أنظمتهم المطبّعة، لو سكت، لكان ذلك أهون من أن يطعن في المقاومة الشريفة، ويبرّر ضمنيّا جرائم الاحتلال ويخدم سرديته المقلوبة، للأسف الشديد، وهذا الموقف المخزي الذي يمالئ به الحكّام، سيسجّله عليه التاريخ إن لم يتراجع عنه، وسيحاسبه عليه الله، تعالى، يوم القيامة، يوم لا ينفعه حاكم يتزلّف إليه اليوم على حساب إخوانه المظلومين المستضعفين. وقفوهم إنهم مسؤولون.
(الشروق الجزائرية)