أحمد ياسر يكتب: الوحدة الفلسطينية في ظل الغرب
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
على الرغم من دعوات إسرائيل والغرب إلى "إصلاح قيادة منظمة التحرير الفلسطينية"، فإن أغلب الفلسطينيين في كل من غزة والضفة الغربية يواصلون دعم هجوم حماس، حتى مع المخاطرة بحياتهم.
خيارهم الأول هو السلام.. ولكن في ضوء حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في غزة، وجهودها الفعلية لضم الضفة الغربية، فإنهم يعتقدون أن الكفاح المسلح وحده هو القادر على إنقاذهم من عمليات الطرد والتطهير العرقي، وهو ما يتعهد به بعض أعضاء حكومة نتنياهو ويمينها المتطرف بشكل شبه يومي.
في منافسة رئاسية افتراضية في وقت سابق بين عبد الله البرغوثي ومحمود عباس من فتح، والزعيم السياسي الراحل لحماس إسماعيل هنية، أشارت استطلاعات الرأي الفلسطينية الأخيرة، أن الفلسطينيين يؤيدون البرغوثي بنسبة (40%)، بهامش واسع، ضد إسماعيل هنية زعيم حماس بنسبة (23%)، في حين يُنظَر إلى عباس المريض الذي يبلغ من العمر 90 عامًا بنسبة (8%) باعتباره متنازلًا… على النقيض من ذلك، تفضل الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو قادة السلطة الفلسطينية الأقل استقلالية والموالين للغرب والذين هم أكثر "ليونة"، مثل زعيم المعارضة الفنزويلية خوان غوايدوس ذو الخصائص الفلسطينية.
البرغوثي مسجون، عباس البالغ من العمر 90 عاما في طريقه للخروج، ومن هنا ربما اغتيال إسرائيل لهنية، بمثابة ضربة قاسية لأي محاولة لإطلاق سراح الرهائن المتبقين، ومن خلال قتل الزعيم السياسي العملي لحركة حماس، فإن حكومة نتنياهو أيضًا جعلت أي احتمال لوقف إطلاق النار في غزة أكثر صعوبة بكثير، منذ أن وقع اغتيال هنية في إيران، فإنه يمهد الطريق لتصعيد إقليمي، مرة أخرى منذ الغارة الجوية في أبريل على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق.
وبما أن عملية القتل هذه وقعت وسط حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان، فيبدو أن المقصود منها تقويض التنمية السلمية في إيران ــ وهو الاحتمال الذي ما دام تقاسمته حكومة نتنياهو مع المحافظين الجدد في واشنطن.
وفي المستقبل المنظور، فإن تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية أمر بالغ الأهمية، وبعد محو غزة، عليها أن تجمع أشلاء الركام والخراب، وتدير شؤون الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وتشرف على إعادة الإعمار، وتهيئ الظروف لإجراء الانتخابات.
ولكن.. هل يمكن للاتفاق بين فتح وحماس أن ينتصر؟توقع المتشككون أن يقتل الغرب أي جهد لتشكيل حكومة وحدة وطنية، كما فعل منذ بداية عملية السلام في التسعينيات، ولكن العكس ممكن أيضا، ومن الممكن أن يؤدي مقتل هنية إلى توحيد الفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني بطريقة غير متوقعة.
صفقة كبرى جديدة ولكن قطع الدومينو قديمةتجري إدارة بايدن منذ عامين محادثات مع القادة السعوديين لحث الرياض على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، انضمت المملكة العربية السعودية إلى تحالف البريكس، ولا تزال واحدة من أكبر موردي النفط للصين وتبيع النفط بعملات متعددة، لكنها أيضًا ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم، و75% من تلك الأسلحة تأتي من الولايات المتحدة.
وتتفاوض الرياض على اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة، على غرار اتفاقية الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة واليابان، بينما تسعى إلى التعاون في برنامج نووي مدني، وقد سبقتها معاهدات السلام الإسرائيلية مع مصر (1979) والأردن (1994)، واتفاقيات أوسلو مع السلطة الفلسطينية (1993-1995)، وتستند الصفقة الكبرى إلى اتفاقيات إبراهم (2020-2021) بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وبعد ذلك مع المغرب والسودان، على التوالي.
ومع ذلك، بعد 7 أكتوبر2023، لم يعد من الممكن تهميش الفلسطينيين باسم "التطبيع"، وهو ما تفضله حكومة نتنياهو، بالنسبة للولايات المتحدة، تعتبر الإبادة الجماعية في غزة بمثابة "إلهاء"، الهدف الحقيقي من الصفقة الكبرى هو تهميش الصين في الشرق الأوسط، وكما حدث في جنوب شرق آسيا وقبل عقدين من الزمن في العراق، ينظر البيت الأبيض إلى كل منطقة على أنها قطعة من قطع الدومينو، تولي الأكبر والباقي سوف يقع في الطابور، وفي كل حالة، أدت هذه المغالطة إلى كارثة.
والأسوأ من ذلك أن الإدارة الأمريكية تريد استغلال الاتفاق السعودي لتقويض آفاق السلام والتنمية في الشرق الأوسط، وتسعى إلى الحد من تعاون الرياض مع بكين، في التجارة والتكنولوجيا والمسائل العسكرية، وتصر على أن السعوديين سيتاجرون بالنفط، بدلًا من العملات المحلية، مثل اليوان الصيني، ويريد البيت الأبيض أيضًا تعطيل تجارة التكنولوجيا الإسرائيلية مع بكين والاستثمارات الصينية في إسرائيل.
منذ عام 1945، اعتمدت واشنطن على سجل مظلم من تغيير الأنظمة وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، ومنذ ذلك الحين، أصبحت جهودها في التدخلات الخارجية تغطي كل دول المنطقة تقريبًا، وكانت النتائج كارثية، بدءًا من حروب ما بعد 11 سبتمبر التي كلفت أكثر من 8 تريليونات دولار وحياة أكثر من مليون شخص، وصولًا إلى حرب غزة التي كانت الولايات المتحدة متواطئة فيها في فظائع الإبادة الجماعية، بسبب المساعدات والتمويل العسكري.
على النقيض من ذلك، يعتمد نهج الصين على السلام والاستقرار والتنمية، كما يتجلى في اتفاق السلام الذي توسطت فيه الصين، بين المنافسين الإقليميين منذ فترة طويلة المملكة العربية السعودية وإيران، في العام الماضي وتشكل الوساطة الناجحة بين فتح وحماس مثالًا آخر على التوجه الصيني.
وفي الأشهر الأخيرة، كثف المسؤولون الصينيون جهودهم للدفاع عن الفلسطينيين في المنتديات الدولية، ودعوا إلى عقد مؤتمر سلام إسرائيلي-فلسطيني واسع النطاق ووضع جدول زمني لتنفيذ حل الدولتين.
واعتقد أن البديل قاتل… إما التصعيد الإقليمي لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل من غزة والضفة الغربية إلى حزب الله في جنوب لبنان، أو المواجهة القاتلة مع إيران… هذه هي الأهداف المظلمة التي تلوح في الأفق وراء اغتيال هنية.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 اخبار فلسطين غزة اسماعيل هنية حماس الصين النفط دونالد ترامب جو بايدن حزب الله أخبار مصر الاقتصاد حرب غزة ايران الولایات المتحدة حکومة نتنیاهو فی غزة
إقرأ أيضاً:
أحمد عبد الوهاب يكتب: اللغة العربية بين العولمة والهوية "تحديات وحلول"
ذات يوم، دُعيتُ إلى الغداء في أحد المطاعم العربية الشهيرة. استوقفني على الطاولة المجاورة مشهدٌ لعائلة عربية تتحدث اللغة الإنجليزية، تتخللها بعض الكلمات العربية الواضحة.
قال أحد الأطفال لوالدته بالإنجليزية: "Mom، can I please have some sweets?"
ابتسمت الأم وردت كذلك بالإنجليزية: "Wait، habibi، after lunch."
رغم عملي في مؤسسة تعليمية أجنبية، أثار هذا المشهد تساؤلاتٍ: لماذا تُفضَّل الإنجليزية داخل أسرة عربية، داخل مطعم عربي دون ضرورة واضحة؟ وإلى أي مدى يؤثر هذا النمط اللغوي على انتماء الأبناء وهويتهم الثقافية؟
اللغة بين التحدي والانتماء
تشير التجارب الميدانية إلى أن غالبية الأطفال العرب في المدارس الأجنبية في مصر ودول الخليج يفضلون الحديث بالإنجليزية في حياتهم اليومية. ومع هيمنة المحتوى الرقمي الأجنبي، أصبحت الإنجليزية جزءًا من نسيج يومهم، أحيانًا على حساب لغتهم الأم. لكن المشكلة أعمق من ذلك؛ فاللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل وعاء للفكر والثقافة والهوية، ومفتاح لفهم الذات والآخر.
اكتساب اللغة... لا مجرد تعلمها
لسنا بحاجة إلى تعليم أبنائنا اللغة العربية كمادة دراسية جامدة، بل إلى أن يكتسبوها كما يكتسب الطفل لغته الأولى: بالتعرّض الطبيعي، والمشاركة، والتفاعل. فالاكتساب لا يبدأ من السبورة، بل من الحياة. وكثير من أبنائنا العرب في المدارس الأجنبية – رغم خلفياتهم – يُعاملون كمتعلمين للغة لا كمكتسبين لها، وكأن اللغة غريبة عنهم، لا امتداد لهويتهم. ولكي تصبح العربية حيّة في وجدانهم، لا بد أن تعيش في تفاصيل يومهم: أن يتنفسوها لا يحفظوها، أن يتذوقوها في المسرحيات، يستخدموها في الألعاب، ويعبّروا بها عن أفكارهم ومشاعرهم. حينها، تتحوّل العربية من "مادة دراسية"... إلى "أسلوب حياة".
الأسرة: الحاضنة الأولى للغة
يظن بعض الآباء – خطأً – أن الحديث مع أبنائهم بلغة أجنبية دليل على الرقي الثقافي ووسيلة لدعم مستقبلهم الأكاديمي. ويواكب هذا الاعتقاد عزوف متزايد من الأطفال عن المحتوى العربي، الذي يفتقر في كثير من الأحيان إلى التشويق والخيال مقارنةً بما تعرضه اللغات الأخرى. غير أن الأسرة تبقى المؤسسة اللغوية الأولى، والحاضنة الأصيلة لهوية الطفل. عندما يُستبدل الحديث في البيت بلغة أجنبية، فكأننا نهمس للطفل: "لغتك الأم ليست أولوية"، وهنا تبدأ الفجوة في الاتساع، وتضعف الصلة باللغة تدريجيًا. لذا، علينا أن نعيد توعية الأهل بأهمية لغتهم، ونرشدهم إلى سبل عملية تعزز استخدامها في البيت: مثل القراءة المشتركة، واللعب، والأناشيد، والبرامج المشوقة بالعربية. فالعربية ليست مجرد لغة، بل نبض وهوية. ويبدأ اكتسابها حين تصبح جزءًا من حياة الطفل اليومية: من دفء البيت، وحكايات الجدات، وأغاني الطفولة.
المعلم: قدوة لغوية داخل الصف
كم من معلّمٍ كان سببًا في تعلّقنا بلغةٍ أو مادة؟ فالمعلم ليس ناقلًا للمعلومة فحسب، بل قدوة حيّة تعكس جمال اللغة وأصالتها. وحين يُتقن أداءه ويمنحه شيئًا من الشغف والإحساس، تتحوّل اللغة العربية في أعين طلابه من "واجب" إلى "رغبة"، ومن "مادة دراسية" إلى "شغف يومي".
من هنا تأتي أهمية تمكين المعلمين وتدريبهم على أساليب تفاعلية حديثة تُحبّبهم في اللغة، وتربطهم بها وجدانًا وفكرًا.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات الواقعية: فكثرة المهام الإدارية والصفية الملقاة على كاهل معلمي اللغة العربية كثيرًا ما تعيقهم عن تقديم حصة متميزة بشكل مستمر.
لذا، فإن إعادة النظر في عدد الحصص، وتخصيص وقت كافٍ للتحضير والإبداع، لم يعد ترفًا، بل ضرورة لتعليمٍ حيّ، عميق، مبدع.
المجتمع: بيئة داعمة أو منفّرة
كي يتحقّق الاكتساب الحقيقي للغة، لا بد من بيئة عربية نابضة تُجسّد حضور اللغة في تفاصيل الحياة اليومية في اللافتات، ووسائل النقل، والمرافق العامة.
وتُعدّ المؤسسات الثقافية – مثل قصور الثقافة، أندية القراءة، ومنصات الخطابة – ركائز أساسية في بناء الوعي اللغوي والثقافي لدى الناشئة. غير أن تفعيل هذه المؤسسات بفعالية يتطلّب أنشطة موجهة للأطفال واليافعين، تراعي اهتماماتهم وأعمارهم، وتُقدَّم بلغة فصيحة جذابة تدمج بين المتعة والمعرفة. ويمكن لعروض الأفلام العربية الراقية، تليها أنشطة مثل النقاش، التمثيل، أو إعادة الكتابة، أن تُسهم في هذا المسار. ومن الضروري أن تتحوّل هذه المؤسسات إلى فضاءات حيّة لا تشجع فقط على القراءة ولكن كذلك على التفكير النقدي، والكتابة الإبداعية، والتعبير عن الذات. حينها، تصبح هذه المرافق منصات حياة تنبض باللغة والانتماء، لا مجرد فضاءات ثقافية مقيدة.
الإعلام... كلمة السر
الإعلام الرقمي العربي، لا سيما الموجّه للأطفال واليافعين، يتحمّل اليوم مسؤولية كبيرة في تشكيل الذائقة اللغوية. غير أن المحتوى المتوفّر غالبًا ما يكون محدودًا، أو ضعيف الجاذبية. نحتاج محتوى عربيًا يواكب عقل الجيل الرقمي، ويحترم ذكاءه، ويخاطبه بلغة متوازنة تجمع بين الفصاحة والحداثة، والعمق والجاذبية.
أدوات الذكاء الاصطناعي واللغة العربية
وفي هذا الإطار، يشكّل الذكاء الاصطناعي – مثل ChatGPT – فرصة ثمينة لدعم تعلّم اللغة العربية بأساليب تفاعلية حديثة تناسب طلاب اليوم. لكن ينبغي التعامل مع هذه الأدوات بوعي تربوي وثقافي، فهي رغم قدراتها، لم تُصمَّم في بيئة عربية، وبالتالي فهي بحاجة إلى توجيه دقيق ومراجعة نقدية.
إن مسؤوليتنا الجماعية اليوم هي أن نُسهم في برمجة مستقبل لغتنا وهويتنا الرقمية، لا أن نكتفي بالاستهلاك الخاضع لمعادلات الآخرين.
من رياض الأطفال إلى البحث العلمي: نحو سياسة لغوية عربية شاملة
لا ينبغي أن يبقى دعم اللغة العربية حبيس المبادرات الفردية أو الموسمية، بل لا بد من تبني سياسة لغوية شاملة ومستدامة، تُترجم إلى قرارات واضحة تعزّز مكانة العربية في التعليم، والتواصل، والإنتاج المعرفي.
ويُعدّ قرار إلزام المدارس الخاصة في دبي والشارقة بتعليم العربية في مرحلة رياض الأطفال نموذجًا رائدًا لهذا التوجه؛ إذ يبدأ من العام الدراسي المقبل في الإمارتين تطبيق تأسيس لغوي مكثف يشمل جميع الأطفال، بصرف النظر عن لغتهم الأم. وهذه خطوة كبيرة للغاية لتمكين العربية بين أجيالنا سيظهر أثرها في السنوات القادمة. وهنا لا بد من توجيه الشكر لهيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، وهيئة الشارقة للتعليم الخاص، على جهودهما الرائدة في هذا المجال. حيث نلاحظ فلسفتهم الجديدة إلى تبنّي رؤية تطويرية شاملة لتعليم اللغة العربية، تشمل دعم المعلمين، ومتابعة الأنشطة الثقافية والتراثية المتنوعة داخل المدارس. هذا التوجه الجديد يعكس قناعة عميقة بأن النهوض باللغة لا يتحقق بالرقابة فقط، بل بالشراكة الفاعلة، والرؤية الاستراتيجية، والمتابعة المستمرة. ويبدو جليًا أن هذا النموذج في طريقه إلى أن يشكّل توجهًا وطنيًا شاملً داخل الإمارات بالكامل. وأرجو أن يمتد ليكون أساسًا لتجربة لغوية عربية رائدة في عموم الوطن العربي.
وكما أن غرس اللغة في وجدان الطفل هو أول الطريق، فإن ترسيخها في عقل الباحث يمثل نقطة الذروة.
لذا، يجب أن تشمل السياسة اللغوية منظومة البحث العلمي والتعليم العالي، عبر خطوات عملية، منها:
وبهذا النهج، تتحوّل العربية إلى لغة إنتاج معرفي لا حفظ تراث فقط، وتستعيد دورها الحضاري في العلم والفكر. ولنا في إرثنا ما يُلهم، وفي تجاربنا الراهنة ما يُبشّر بانطلاقة جديدة تبدأ من الحرف الأول، وتمتد إلى آفاق الابتكار.
نماذج مضيئة: مبادرات تُحتذى
رغم التحديات التي تواجه اللغة العربية في العصر الرقمي، هناك مبادرات تُضيء الطريق، وتمنحنا أملًا حقيقيًا في استعادة حضورها. منها:
مبادرة "كلّمني عربي "لأبناء المصريين في الخارج.مشروع "القراءة في المرافق الحيوية "برعاية مركز أبوظبي للغة العربية.مبادرة "بالعربي" بدبي التي تحتفي باللغة على المنصات الاجتماعية.هذه النماذج تفتح آفاقًا جديدة لحضور العربية في الحياة اليومية، وتُثبت أن العمل الثقافي المؤسسي قادر على إحياء اللغة في الوجدان العام. لكنها لن تزدهر إلا بتكامل الجهود، وتفعيل الدعم المجتمعي والرسمي. وحسبنا أنها تمثل بدايات واعدة، فكما تُنبئ قطرات الغيث الأولى بالمطر، تُبشّر هذه المبادرات بمستقبل لغوي أكثر إشراقًا وتأثيرًا.
بين الهوية والانفتاح: التوازن الذكي
تعلّم اللغات والانفتاح على الثقافات ضرورة، لكن دون أن نتنازل عن جذورنا.
العربية هي الأصل الذي ننطلق منه نحو العالم، لا العكس. تأمّلوا تجربة ألمانيا أو فرنسا: تتقن شعوبها الإنجليزية، لكنها لا تضعها فوق لغتها الأم. ذلك هو التوازن الذكي الذي نطمح إليه: أن ننفتح... دون أ ننسى من نحن.
في زمن العولمة، تبقى العربية قلب هويتنا النابض، وجسرنا نحو الماضي والمستقبل.
اجعلوها حاضرة في منازلكم، نابضة في مدارسكم، مرئية في شوارعكم، وفعالة في فضاءاتكم الرقمية.
حين نحترم لغتنا، نمنح أبناءنا جذورًا قوية تعينهم على الطيران عاليًا دون أن يفقدوا الاتجاه. إلى كل ولي أمر، ومعلم، وإعلامي، وصانع محتوىٍ: لغتنا ليست فقط ما كنّا... بل ما يمكن أن نكون.
لغتنا... هويتنا... مسؤوليتنا جميعًا.