هل يمكن معرفة رئيس تونس القادم الآن-وهنا؟
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
مع بلوغ الانتخابات في تونس مرحلة تقديم ملفات الترشيحات، ومع ارتفاع وتيرة النقد للمسار الانتخابي برمته، سواء من جهة الشفافية والحيادية والاستقلالية أو من جهة التضييق على المترشحين في مسألة جمع التزكيات أو الحصول على البطاقة رقم 3 أو القيام بتوكيل خاص، أو من جهة الاتهامات الموجهة للرئيس بتوظيف موارد الدولة في حملته الانتخابية وتعديل القانون الانتخابي خلال السنة الانتخابية، يبدو أنّ المقاربة الجزئية أو الموضعية لهذا المشهد الملتبس ستكون قاصرة عن فهمه ما لم نربطها بالفلسفة السياسية لـ"تصحيح المسار" من جهة أولى، وبعلاقة التعامد الوظيفي -الاعتماد المتبادل- بين الرئيس ومشروعه وبين النواة الصلبة لمنظومة الحكم من جهة ثانية.
كنا في مقالنا السابق قد بسطنا القول في حجج الفريق القائل بضرورة المشاركة في الانتخابات، سواء لتغيير النظام وإنهاء "تصحيح المسار" من داخل محطته التأسيسية النهائية أو لتعديل سياساته دون وضع شرعية 25 تموز/ يوليو 2021 موضع التشكيك، ولذلك مثّلت المشاركة في الانتخابات الرئاسية خيارا مشتركا لطيف واسع من الشخصيات ذات الخلفيات الأيديولوجية المختلفة وذات المواقف المتباينة من الرئيس ومشروعه السياسي. وإذا ما قرأنا البيان الذي أصدره 11 مترشحا رئاسيا يوم 31 تموز/ يوليو المنصرم، فإننا سنجد أنفسنا أمام حقيقتين: حديث المعارضة عن عدم حيادية الإدارة وانحيازها للرئيس هو أمر لا يجد صداه في خطاب الرئيس. ونحن لا نعني بذلك أن الرئيس المنتهية ولايته ينكر عدم استقلالية الإرادة، بل إننا نعني أن الرئيس نفسه يعتبر أن تلك الإدارة هي جزء من منظومة الفساد التي تعمل لإفشال مشروعه السياسي وتحريض عموم المواطنين ضدهأولا، حصول نوع من التقارب بين شخصيات سياسية متباينة بحكم اشتراكهم في التضييقات المُمنهجة التي تمارسها منظومة الحكم عليهم بصرف النظر عن مواقفهم/مواقعهم في المعارضة الجذرية أو الموالاة النقدية؛ ثانيا، غياب أغلب الشخصيات المترشحة عن هذا البيان، وهو ما يعكس واقع التشتت وغياب التنسيق -أو استحالته- خاصة مع أغلب مكونات اليسار الوظيفي التي ما زالت تصرّ على عدم قطع الحبل السري مع الرئيس ومشروعه (حركة الشعب ومكونات "العائلة الوطنية الديمقراطية" المعروفة اختصارا بـ"الوطد").
يلاحظ أي متابع جيد للشأن التونسي أن حديث المعارضة عن عدم حيادية الإدارة وانحيازها للرئيس هو أمر لا يجد صداه في خطاب الرئيس. ونحن لا نعني بذلك أن الرئيس المنتهية ولايته ينكر عدم استقلالية الإرادة، بل إننا نعني أن الرئيس نفسه يعتبر أن تلك الإدارة هي جزء من منظومة الفساد التي تعمل لإفشال مشروعه السياسي وتحريض عموم المواطنين ضده، وهو ما مثّل -في الفترة الأخيرة- محورا أساسيا من محاور الجملة السياسية للرئيس، فتحدث أكثر من مرة عمن خانوا الأمانة وعن عودة المنظومة القديمة، وعن غربته "كصالح في ثمود".
ونحن لا يعنينا في هذا المقال أن نفكك خطاب الغربة ولا أنا نبحث في بنيته الدينية العميقة وعلاقتها الملتبسة بما يؤسس الاجتماعي السياسي الحديث، كما لا يعنينا أن نصف هذا الخطاب وصفا نقديا (باعتباره تملصا من المسؤولية وإلقاء لها على هويات هلامية لا نعرف عنها إلا انتماءها لأجهزة الدولة التنفيذية)، فكل ما يعنينا هو أن نشير إلى أن خطابات عدم استقلالية الأجهزة التنفيذية (وهو خطاب أغلب الشخصيات المترشحة)؛ يقابله عند الرئيس خطاب تآمر بعض مكونات تلك الأجهزة وانتمائها إلى "الغرف المظلمة" التي تشتغل لفائدة بعض المترشحين.
إذا كان الواقع يشهد لصحة دعاوى الشخصيات المعارضة، فإن الواقع أيضا يشهد لوجود شيء من الصحة في كلام الرئيس قيس سعيد. فلا شيء يثبت أن تجاوزات بعض "الوظائف" -إذا ما استعملنا معجم الرئيس- هي تجاوزات مُمنهجة وخاضعة لتعليمات عليا، أي لا شيء يثبت مسؤولية الرئيس المباشرة عنها. كما أن القول بأن كل أجهزة الدولة (الدعائية والأمنية) مُجيّرة لخدمة الرئيس المنتهية ولايته هو قول يحتاج إلى بعض التعديل. فكيف يمكن أن تكون المنظومة على قلب رجل واحد وهي التي لم تعمل على إنجاح احتفالية 25 تموز/ يوليو، بل سمحت بأن تكون الصورة الإعلامية لها مرتبطة بنماذج فاسدة من نظام المخلوع؟ وكيف يمكن أن تكون المنظومة كلها في خدمة الرئيس وهي التي سمحت لمنظمة "أنا يقظ" بنشر تقرير يرصد الحصيلة السلبية لخمس سنوات من حكم الرئيس بعنوان "سعيد ميتر"، مع ما يعنيه ذلك من نقض لسردية السلطة وادعاءاتها الإصلاحية؟
في انتظار القائمة النهائية للمترشحين المقبولين من لدن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (المعينة من رئيس الدولة)، يبدو أن علاقة الاعتماد المتبادل بين الرئيس والدولة العميقة (منظومة الاستعمار الداخلي) يمكن أن تُقرأ في السياق الحالي بطريقتين متناقضتين؛ فالواضح أن المنظومة لا تقدم دعما مطلقا مشروطا للرئيس ولمشروعه السياسي، بل يبدو أنها تحرص على إضعافه أحيانا، كما ظهر في احتفاليات 25 تموز/ يوليو التي نسفت سردية الدعم الشعبي للرئيس. إذا ما انطلقنا من المعطيات الحالية، فإن التكهن بفوز الرئيس قيس سعيد يبدو أمرا راجحا، ولكنّ هذا الرجحان يحتاج إلى قرينة مستقلة هي القائمة النهائية للمترشحين المقبولين من هيئة الانتخابات، تلك الهيئة التي تمتلك الولاية العامة على المسار الانتخابي برمته. وبحكم خضوع هذه الهيئة واقعيا لسلطة الرئيس المنتهية ولايته، فإن قبول بعض المترشحين الجديّين لن يكون دليلا على استقلالية هيئة الانتخابات وحياديتها؛ بقدر ما سيكون دليلا على وجود "صراع إرادات" داخل السلطةوإذا كان الرئيس يصرّ على ربط هذا الواقع بـ"الغرف المظلمة" وبالمعارضة، فإننا نميل إلى اعتباره استراتيجية من استراتيجيات مراكز القوى داخل السلطة ذاتها، ولكنّ المقصود منها لا يمكن أن يستبين إلا بعد ظهور القائمة النهائية للمترشحين.
فقد يكون المقصود من إضعاف الرئيس هو ابتزازه وتغيير موازين القوة بينه وبين الدولة العميقة، أي قد يكون فقط لفرض واقع سياسي واقتصادي جديد دون تغيير الرئيس الحالي، وقد يكون هذا الإضعاف للرئيس تمهيدا لمترشح من مترشحي المنظومة إذا ما قررت انتفاء الحاجة للرئيس ومشروعه السياسي. وفي الحالتين، سيكون الجزم فيما يخص هوية الرئيس القادم لتونس أمرا غير علمي بحكم ندرة المعلومات المتعلقة بمكونات المنظومة وتوجهاتها، وكذلك بحكم غياب أي يقين فيما يخص مواقف القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الشأن التونسي.
إذا ما انطلقنا من المعطيات الحالية، فإن التكهن بفوز الرئيس قيس سعيد يبدو أمرا راجحا، ولكنّ هذا الرجحان يحتاج إلى قرينة مستقلة هي القائمة النهائية للمترشحين المقبولين من هيئة الانتخابات، تلك الهيئة التي تمتلك الولاية العامة على المسار الانتخابي برمته. وبحكم خضوع هذه الهيئة واقعيا لسلطة الرئيس المنتهية ولايته، فإن قبول بعض المترشحين الجديّين لن يكون دليلا على استقلالية هيئة الانتخابات وحياديتها؛ بقدر ما سيكون دليلا على وجود "صراع إرادات" داخل السلطة نفسها. وفي هذه الفرضية، لن تمثل إرادة الرئيس إلا جزءا من سلطة القرار الذي سيحدد المشهد السياسي القادم. أما إذا أسقطت الهيئة الترشيحات الجدية فإن ذلك سيكون دليلا على وجود قرار محلي وخارجي ببقاء الرئيس قيس سعيد وعدم انتهاء الحاجة إليه، سواء في عملية استكمال الهندسة الجديدة للمشهد السياسي الداخلي أو في مستوى صناعة القرار السيادي التونسي فيما يخص القضايا الإقليمية والدولية.
x.com/adel_arabi21
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الانتخابات تونس قيس سعيد تونس انتخابات الدولة العميقة مرشحين قيس سعيد مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الرئیس المنتهیة ولایته هیئة الانتخابات الرئیس قیس سعید أن الرئیس یمکن أن إذا ما من جهة
إقرأ أيضاً:
رئيس أركان حرب القوات المسلحة يتفقد المنظومة التعليمية بمعهد ضباط الصف المعلمين ويلتقي هيئة التدريس والطلبة
تفقد الفريق أحمد خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة المنظومة التعليمية بمعهد ضباط الصف المعلمين، وذلك فى إطار حرص القيادة العامة للقوات المسلحة على الإهتمام بمنظومة القوى البشرية لتأهيل مقاتلين لديهم القدرة والجاهزية على مجابهة كافة التحديات التى تواجه الدولة المصرية.
بدأت الجولة التفقدية بمشاركة رئيس أركان حرب القوات المسلحة الطلبة فى تنفيذ الأنشطة والتمارين الرياضية والمرور على عدد من ميادين التدريب المطورة والتى تظهر مدى الكفاءة البدنية العالية التى يتمتع بها الطلبة داخل المعهد.
أعقبها مشاركة الفريق أحمد خليفة أعضاء هيئة التدريس وطلبة المعهد تناول وجبة الإفطار، كما إستمع إلى عرض تقديمى من اللواء أركان حرب أيمن أمين الجندى مدير معهد ضباط الصف المعلمين تناول أوجه التطوير والتحديث لنظم الإعداد والتأهيل داخل المعهد التى تهدف إلى الإرتقاء بالمستوى العلمى والتدريبى للطلبة، وأدار حوارًا مع أعضاء هيئة التدريس إستمع فيه إلى آرائهم وإستفساراتهم حول مختلف القضايا والموضوعات للإطمئنان على المستوى العلمى لهم ومدى إدراكهم بما يدور حولهم من أحداث ومتغيرات متسارعة على كافة الإتجاهات الإستراتيجية للدولة، مشيرًا إلى أهمية إستمرار تأهيلهم فى الموضوعات العسكرية
وإلمامهم باللغات الأجنبية، فضلًا عن المحافظة على اللياقة البدنية بما يسهم فى تخريج أجيال جديدة مسلحة بالعلم والمعرفة قادرة على حماية الوطن.
تلى ذلك قيام رئيس أركان حرب القوات المسلحة بتفقد عدد من الأجنحة التعليمية وميادين التدريب التخصصية المزودة بأحدث وسائل التدريب، والمرور على مناطق الإيواء والمستشفى داخل المعهد للإطمئنان على الحالة الإدارية التى تنعكس مباشرة على الروح المعنوية.
وفى ختام الجولة إلتقى رئيس أركان حرب القوات المسلحة بضباط وطلبة وجنود المعهد ونقل لهم تحيات وتقدير السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وحرصه الدائم على متابعة الحالة التدريبية والمعنوية لطلبة ضباط صف المعلمين والفريق أول عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى وإعتزازه بالجهد الذى يبذلة الطلبة، مؤكدًا حرص القيادة العامة للقوات المسلحة على توفير كافة الإمكانات العلمية والتدريبية لإعداد وتأهيل مقاتلين قادرين على تحمل المسئوليات الملقاة على عاتقهم للزود عن مقدسات الوطن مهما كلفهم ذلك من تضحيات، واستمع لإستفسارات عدد من الطلبة فى العديد من الموضوعات التى تدور فى أذهانهم تجاه كافة الأوضاع الداخلية والإقليمية والعالمية، وأوصاهم بالتفانى فى التدريب والتسلح بالعلم والمعرفة، مشيرًا إلى أن خريجى معهد ضباط الصف المعلمين هم العمود الفقرى للقوات المسلحة ودماء تتدفق فى شرايين جيش مصر العريق بما يقدمونه من نموذج وقدوة فى العمل والعطاء والإنضباط وحسن الآداء وحضر الجولة التفقدية عدد من قادة القوات المسلحة.