اضطراب صناعة الطاقة الشمسية في الصين
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
يُمثِّلُ مصنعٌ في منطقةٍ يلفَّها الضباب بإقليم شانشي معرضا لصناعة الطاقة الشمسية الصينية الرائدة في العالم. فالروبوتات تتجول وهي تحمل شرائح من مادة السيليكون التي تُصنع من الكوارتز، هذه الشرائح تسمى رقائق، وهي مربعة الشكل بطول 180ملمتر وسُمك الشعرة، تخضع الرقائق إلى معالجات بمواد كيماوية وأشعة الليزر والفضة، هذه العملية تجعل منها خلايا ضوئية تحوِّل ضوء الشمس إلى كهرباء، ويتم تجميع العشرات منها لكي تشكل وحدة شمسية (لوح خلايا شمسية).
إفراط في الإنتاج وانهيار في الأسعار
صناعة الطاقة الشمسية في الصين مهيمنة في كل مرحلة من مراحل سلسلة التوريد العالمية بداية من مادة البوليسيلكون وإلى المنتج النهائي، ولقد بلغت سعة إنتاج الوحدات الشمسية في الصين ألف جيجاواط تقريبا في العام الماضي، وهو ما يساوي تقريبا خمسة أضعاف إجمالي الإنتاج في باقي العالم، حسب المجموعة العالمية لأبحاث واستشارات الطاقة "وود ماكينزي."
ما هو أكثر من ذلك، زادت سعة الإنتاج في الصين إلى ثلاثة أضعافها منذ عام 2021 وتفوقت بذلك على باقي العالم على الرغم من جهود الولايات المتحدة وبلدان أخرى لتعزيز إنتاجها المحلي. والصين الآن يمكنها إنتاج أكثر من ضعف وحدات الطاقة الشمسية التي يقوم العالم بتركيبها سنويا، وساعد هذا التوسع الهائل في الإمداد على خفض تكلفة كهرباء الطاقة المتجددة للمستهلكين ولعب بذلك دور الثِّقَل الموازن لارتفاع تكلفة رأس المال المطلوب لتطوير مزارع الطاقة الشمسية. أثناء جائحة كوفيد-19 قفز سعر وحدات الخلايا الشمسية بسبب النقص في إمدادات البوليسيلكون، لكن منذ تلك الفترة هبط السعر العالمي إلى مستوى قياسي يقلُّ عن 10 سنتات لكل واط، وفقا لشركة البيانات "بي في انسايتس." مع ذلك، قلَّل التوسع السريع في سعة الإنتاج بالصين والتي تعدَّت الطلب العالمي الكثير من أرباح هذه الصناعة، فالبوليسيكون والرقائق والخلايا والوحدات الشمسية تباع الآن بأقل من تكلفة إنتاجها، وحسب وود مكنزي، أدى انهيار الأسعار إلى هبوط إيرادات صادرات الصين من منتجات الطاقة الشمسية بنسبة 5.6% في العام الماضي على الرغم من ارتفاع حجم هذه الصادرات، وانخفض سعر سهم شركة لونجي بحوالي 60% منذ بداية عام 2023، وفي مارس ذكرت الشركة أنها ستستغني عن 5% من عامليها مشيرة إلى "البيئة التنافسية التي يزداد تعقيدها". كما تراجعت أيضا أسعار أسهم شركات صينية عملاقة أخرى في قطاع الطاقة الشمسية بما في ذلك شركات ترينا سولر وجا سولر وجينكو باوَر. الشركات الصغيرة هي الأكثر تضررا.
تشرح يانا هريشكو رئيسة وحدة أبحاث سلسلة توريد الطاقة الشمسية بمجموعة وود مكنزي ذلك بقولها "الشركات الكبيرة تنوّع نشاطها عادةً وهذا يعينها على تحمل الانهيار في أسعار الطاقة الشمسية". هنالك شركات أخرى غير محظوظة. مثلا "لينجدا" وهي شركة صغيرة تصنع الخلايا الكهروضوئية ألغت مؤخرا خططا لتشييد مصنع بتكلفة 1.3 بليون دولار، وحسب مسؤول تنفيذي بإحدى شركات الطاقة الشمسية في الصين على الأقل حوالي نصف الشركات على طول سلسلة التوريد ستنهار، لكن حتى الآن المؤشرات قليلة على قرب انتهاء مشكلة فائض منتجات الطاقة الشمسية في الصين، فعلى الرغم من الضغوط المالية الناشئة عن هبوط الأسعار إلا أن كبرى الشركات في هذه الصناعة تستمر في تطوير تقنيتها والتوسع في إنتاجها للإبقاء على تكاليفه الحدِّية عند مستوى أدنى من التكاليف الحدية لإنتاج منافسيها (التكلفة الحدية تعني التغير في التكلفة الإجمالية للإنتاج الذي ينشأ عن إنتاج وحدة إضافية من المُنتَج أو الخدمة - المترجم.) وتتوقع وود ماكينزي تتوسع صناعة الطاقة الشمسية الصينية في إنتاجها إلى ما يقرب من 1700 جيجاواط بحلول عام 2026.
أثر الدعم الحكومي
دعم الدولة لهذه الصناعة يسهم في تُخمة الإمداد، ولقد سعى قادة البلديات والحكومات الإقليمية في الصين على مدى عقود لإقامة صناعات محلية للطاقة الشمسية توظف عامليها من السكان المحليين وتسهم في الضرائب، ويتخذ هذا الدعم عدة أشكال بما في ذلك التخصيص المجاني للأراضي والإمداد المجاني بالكهرباء والقروض المجانية وتيسير الحصول على أحدث التقنيات، بحسب أوشا هالي أستاذة الإدارة بجامعة وِيتْشيتا بولاية تكساس. ووفقا لتقديراتها يبلغ الدعم في مجمله حوالي 35% من تكاليف شركة الطاقة الشمسية في المتوسط، لكن يمكن أيضا أن يصل إلى 65% في بعض الحالات. تقول هالي أيضا: هنالك مؤشرات على تزايد سخاء مثل هذا الدعم. فبعض الحكومات المحلية تموِّل وتشيد مصانع طاقة شمسية بغرض تأجيرها ثم بيعها لاحقا إلى الشركات، وستشعر العديد من هذه الحكومات الإقليمية بالرغبة في التدخل للحيلولة دون إفلاس كبرى شركات الطاقة الشمسية المحلية، سيحدث هذا خصوصا بالنظر إلى التراجع في القطاع العقاري بالصين والذي ضغط على الأوضاع المالية للحكومات المحلية المعتمدة على بيع الأراضي للمطوِّرين العقاريين كوسيلة لتوليد الدخل. يقول أحد العالمين ببواطن الأمور في صناعة الطاقة الشمسية بمدينة تشينغتشو: إن المسؤولين هناك أصبحوا أكثر استعدادا لمساعدة شركات الطاقة الشمسية التي تواجه متاعب، وهذا الدعم قد ينفد، فهنالك أقاليم عديدة في الصين تصارع لخدمة ديونها. ويلزم شركات الطاقة الشمسية أيضا المنافسة على السخاء الحكومي مع شركات في قطاعات أخرى تواجه فوائضا في إنتاجها مع التباطؤ في نمو اقتصاد الصين. فأكثر من خُمس الشركات الصناعية الصينية لم تحقق أرباحا في العام الماضي، وفقا لتحليل المجموعة الاستشارية "روديوم". إلى ذلك، تواجه مساعي التخلص من مشكلة فائض الإنتاج بالتصدير مقاومة في الخارج، ففي شهر مايو أعلنت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية أن "العالم لا يمكنه امتصاص فائض إنتاج الصين". وفي يوم 12 يونيو أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيفرض تعريفات جمركية مؤقتة بين 26% و48% على السيارات الكهربائية الصينية. يمكن أن تتعرض وحدات الطاقة الشمسية الصينية التي تباع بأسعار مخفضة إلى معاملة مماثلة، فقد فرضت أمريكا رسوما ضد الإغراق على شركات الطاقة الشمسية الصينية منذ عام 2012. وعلى الرغم من تخلي الاتحاد الأوروبي عن إجراءات مماثلة في عام 2018 إلا أن البعض يشكو من اعتماد القارة الأوروبية على الشركات الصينية. وفي أبريل وافق الاتحاد على توسيع الدعومات وعلى دعم آخر لشركات الطاقة الشمسية المحلية التي تضررت من الواردات الصينية.
مرحلة جديدة
وعلى الرغم من أن قادة الصين تحدوا الدعاوى القائلة إن الصين تواجه فائضا في إنتاجها لكن هنالك مؤشرات على أنهم مدركون لذلك، ففي لقاء مع الرؤساء التنفيذيين للشركات والاقتصاديين في مايو حذر زعيم الصين شي جينبينج من تركيز الموارد على السيارات الكهربائية والبطاريات ووحدات الطاقة الشمسية أو "القوى الإنتاجية ذات النوعية الجديدة" كما وصفها شعار ظهر مؤخرا. وأشار شي جينبينج إلى وجوب "اعتماد الاستثمارات الجديدة بعد تقييمها على أساس ميزاتها الخاصة بها." كل هذا يشير إلى مرحلة توحيد وشيكة لشركات الطاقة الشمسية (بالاندماج أو الاستحواذ أو توحيد العمليات الإنتاجية- المترجم.) تقول جيني تشيس، خبيرة أسواق وتقنية الطاقة الشمسية بمجموعة الأبحاث "بلومبيرغ إن إي إف" إنها شهدت هذا يحدث من قبل. تشرح ذلك بقولها "تكون هنالك في البداية أرباح طفيفة ثم فترات أطول لهوامش ربحية بائسة ثم حالات إفلاس وخروج عن دائرة الإنتاج. نحن نسمِّي ذلك تقلُّب إنتاج الطاقة الشمسية". ربما يلحق الطلب بالإمدادات (العرض) في نهاية المطاف مع تشجيع انخفاض أسعار الوحدات الشمسية المطوِّرين على تركيب المزيد من أنظمة توليد الكهرباء من أشعة الشمس. في الأثناء، على صناعة الطاقة الشمسية في الصين إعداد نفسها لرحلة محفوفة بالمطبَّات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الطاقة الشمسیة فی الصین الطاقة الشمسیة الصینیة شرکات الطاقة الشمسیة صناعة الطاقة الشمسیة على الرغم من فی إنتاجها
إقرأ أيضاً:
قضية طفل دمنهور.. خبراء لـ "الفجر": عقوبة رادعة ورسالة مجتمعية.. والبيدوفيليا اضطراب خطير
تصدرت قضية طفل دمنهور محركات البحث بعد إصدار محكمة دمنهور حكمًا بالسجن المؤبد على المعتدي على الطفل ياسين، مما أثار اهتمام المجتمع بشكل واسع.
القصة بدأت بتغيرات سلوكية مقلقة لدى ياسين، الذي تعرض للاعتداء من قبل رجل مسن بالمدرسة، تقدم والدته ببلاغ رسمي بعد اكتشافها الأمر، رغم محاولات التهديد والرشوة من جانب المعتدي.
تخللت التحقيقات عقبات، لكن الأسرة قدمت أدلة جديدة ساهمت في إعادة فتح القضية، خلال المحاكمة، تم تعديل وصف التهمة إلى "هتك عرض تحت التهديد والقوة"، مما زاد من العقوبة. الحكم الذي صدر لاحقًا لاقى ارتياحًا من أسرة الطفل ومساندة من المجتمع.
آراء الخبراء القانونيين والنفسيين تسلط الضوء على أهمية الوعي بمخاطر الاعتداء على الأطفال وأثرها النفسي العميق. كما أكدت أهمية تعاون المجتمع في حماية الأطفال ومنع وقوع هذه الجرائم، القضية ليست فقط نصرة للطفل ياسين، بل هي دعوة لتقوية الشعور بالأمان لدى جميع المواطنين.
العدالة تنتصر للطفل ياسين: خبير قانوني يوضح أبعاد الجريمة وحتمية الردع
من جانبه كشف الدكتور مسعد أبو طالب، الخبير القانوني، تفاصيل صادمة عن جريمة اعتداء جنسي بشعة تعرّض لها طفل يُدعى ياسين، يبلغ من العمر ست سنوات، داخل إحدى مدارس اللغات المعروفة بالمدينة.
أضاف أبو طالب، في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن الجريمة ارتكبها موظف إداري مسن يبلغ من العمر 80 عامًا، حيث قام بهتك عرض الطفل لمدة عام كامل، مستغلًا موقعه داخل المدرسة، موضحًا أن الجريمة تمت بتسهيل من عاملة تُعرف بـ "الدادة"، كانت تتعمد استدراج الطفل من فصله الدراسي بحجة الذهاب إلى دورة المياه، ثم تسلمه للجاني داخل الحمام أو في سيارة داخل الجراج، حيث تُغلق عليهما الباب.
وأكد أبو طالب أن هذه الوقائع في حال ثبوتها تُعد اشتراكًا جنائيًا بالمساعدة وفقًا للمادة (43) من قانون العقوبات المصري، والتي تعاقب كل من شارك في ارتكاب جريمة حتى وإن لم يكن فاعلًا أصليًا.
تواطؤ وتستر... والمديرة تحت طائلة القانونأشار الخبير القانوني إلى أن مديرة المدرسة حاولت التستر على الجريمة فور علمها بها، وهو ما يستوجب تحقيقًا قانونيًا ومساءلة جميع المتورطين، بما في ذلك المعلمات اللاتي أُبلغن بالواقعة ولم يبلغن الجهات المختصة. وأضاف أن المادة (145) من قانون العقوبات تنص على معاقبة كل من علم بوقوع جريمة وساعد الجاني على الإفلات من العقوبة.
كما شدد على أن العاملة المتورطة قد تُحاكم بتهمة المشاركة في الجريمة، مؤكدًا أن القانون لا يتهاون مع أي طرف يُسهم في وقوع جريمة كهذه أو يُسهل حدوثها.
الدكتور مسعد أبو طالب عقوبة رادعة ورسالة مجتمعيةوفي تعليقه على الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات في القضية، رفض الدكتور أبو طالب التعليق المباشر على الأحكام القضائية احترامًا لقدسيتها، لكنه أكد أن الحكم جاء ليحقق الردع العام والخاص، وهو ما يعزز شعور الأمان لدى المواطنين ويؤكد حرص الدولة على إنفاذ العدالة.
وقال: "الحكم يُطمئن المجتمع بأسره، وليس فقط أسرة الضحية. إنه يبعث برسالة واضحة لكل من تسوّل له نفسه ارتكاب جريمة مماثلة بأن العقوبة ستكون صارمة، وأن العدالة لن تتأخر في القصاص".
دعوة لمجتمع أكثر وعيًااختتم الخبير القانوني تصريحاته بالتأكيد على ضرورة التوعية المستمرة للأطفال بمخاطر التحرش والاعتداء الجنسي، مشيرًا إلى أن مواجهة الجريمة وعدم السكوت عنها هو السبيل الوحيد لإنقاذ المجتمع من الانهيار الأخلاقي، قائلًا: "لو لم نواجه الجريمة، لظل الطفل ياسين ضحية مدى الحياة، والمجرم طليقًا يواصل فساده، الحكم اليوم ليس فقط عدالة لياسين، بل هو حماية للمجتمع بأسره".
الآثار النفسية العميقة للاعتداء على الأطفال
وفي هذا السياق، يؤكد استشاري الإرشاد النفسي الدكتور وليد هنيدي، أن مثل هذه الجرائم تعكس اضطرابًا نفسيًا خطيرًا يُعرف بـ "البيدوفيليا"، وهو الميل الجنسي تجاه الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 عامًا.
أضاف هنيدي في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن التطور التكنولوجي وانتشار الإنترنت أسهما بشكل كبير في تسهيل الوصول إلى محتويات جنسية منحرفة، موضحًا أن البعض يبدأ بمشاهدة المواد الإباحية التقليدية، ثم يتدرج في البحث عن محتوى أكثر انحرافًا، قد يشمل الأطفال، ما يعمق هذا السلوك المرضي.
أشار إلى أن قلة التوعية، أو غيابها في بعض الأحيان، فيما يتعلق بحماية جسد الطفل وتعريفه بخصوصيته وحدود اللمس، تجعل الأطفال فريسة سهلة للمتحرشين، لا سيما وأنهم غالبًا ما يفتقرون للقدرة على التمييز أو الدفاع عن أنفسهم.
الدكتور وليد هنيديوأوضح استشاري الإرشاد النفسي أن التفكك الأسري، سواء من خلال الطلاق أو الانفصال، أو حتى غياب أحد الأبوين نفسيًا رغم حضوره الجسدي، يضعف الرقابة على الأطفال، ما يتيح للمتحرشين الوصول إليهم بسهولة ودون رادع فعلي.
ولفت هنيدي إلى أن الصمت الأسري يمثل أحد أبرز أوجه الخطر، إذ تختار بعض العائلات السكوت خوفًا من "الفضيحة"، أو التستر على الجاني إذا كان من الأقارب أو المعارف، وهو ما يشجع المعتدي على تكرار فعلته ويزيد من تعقيد الأزمة.
ورغم الصورة القاتمة، يرى هنيدي أن هناك بوادر أمل، في ظل تنامي الوعي المجتمعي ورفض الصمت، ما يعكس تحركًا إيجابيًا في الاتجاه الصحيح.
ويختم استشاري الطب النفسي بالتأكيد على أن انتشار ظاهرة البيدوفيليا لا يرتبط فقط بزيادة عدد المنحرفين، وإنما بتراجع الرقابة المجتمعية، وارتفاع جرأة المعتدين، وسهولة الوصول إلى الأطفال أو المواد المنحرفة عبر الإنترنت، مشددًا على ضرورة تعزيز برامج التوعية بالتوازي مع التطور التكنولوجي، للحد من تفاقم الظاهرة.