الجزائر "العمانية": "سين، القمر في قطع" هو عملٌ روائيٌّ للكاتب الجزائري، عبد العزيز عثماني، صدر باللُّغة الفرنسية بعنوان (Sîn, La lune en miettes)، عن دار القصبة للنشر، وتُوّج قبل أيام بجائزة آسيا جبار الكبرى للرواية عن فئة الرواية المكتوبة باللُّغة الفرنسية.

ويعدُّ هذا العمل السّرديُّ، آسرًا بعمقه، ومكتوبًا ببراعة سرده الفريد ورؤيته الفنيّة الاستثنائية.

تدور أحداث الرواية في أمسية مقمرة صافية مع شظايا صامتة، "زيوسودرا"، آخر ملوك قبل الطوفان، يُورّث حكم بلاده إلى لاحفاده وينسحب من عالم البشر . تعيش بعده أجيال عديدة وتزدهر، حتى ينجب بهاء، زعيم المستقبل، توأمان. وجرت العادة أن يُقدّم الثنائي كمحرقة في النار.

ومع ذلك، "إليبال"، كاهن معبد في مدينة "أور ساج"، وهو نفسه من نسل "زيوسودرا"، ينقذ أحد الطفلين من النيران ويعهد به إلى قبيلة بعيدة يحميها جبل جليل ترتفع منحدراته الشديدة مثل الجدران المسلّحة.

في هذه الأماكن، بعيدًا عن موطنه الأصلي والمؤامرات بين الآلهة الصغيرة، يتعلم "هيفيل" أنّه سيتعيّن عليه الذهاب بحثًا عن أصله والسرّ الذي يُوحّده مع الحيوان الغريب المسمّى "سين". وبصحبة "زيمري" و"سامورامات"، ينطلق "هيفيل" في مهمّة محفوفة بالمخاطر، دون أن يشكّ في أنّ الحيوان ذا القرن الواحد يمكن أن يكون نتيجة صراع قديم يتجاوز مصير البشرية نفسها.

وفي فجر حرب مضطربة، سيتعيّن على "هيفيل" ورفاقه السفر عبر أمّة تعاني من اضطراب كامل، بينما تعلن طائفة جديدة بصوت عالٍ نهاية العالم المعروف.

وعلى مدار فصول الرواية، يكشف الكاتب عن ملحمة خياليّة تأمُّليّة وحميميّة في نفس الوقت، تروي الحرب التي تشارك فيها العديد من الشخصيات من أجل البقاء على قيد الحياة في الاضطرابات الكبرى في العالم.

وحول تجربة كتابة هذه الرواية، يؤكّد عبد العزيز عثماني، لوكالة الأنباء العمانية، بالقول "لم أتلق تدريبًا أكاديميًّا في كتابة الرواية، لكنّ الكتابة بالنسبة لي تعدُّ شغفًا أخصّص له الكثير من وقت فراغي. وقد قرأت الكثير من الأخبار العلميّة المتعلّقة بالعلوم الاجتماعية، كما استمعتُ إلى البرامج الإذاعية وبودكاست المؤتمرات، وما إلى ذلك. أما بالنسبة لتدريبي الأكاديمي فهو أدبيٌّ بحت. لقد قدّمت لي الأدوات النظرية والمعرفة بالاتجاهات الأدبية الرئيسة الكثير في مشواري الروائي. علاوة على ذلك، أعتقد أنّ الأدب والعلوم الاجتماعية يغذّيان بعضهما البعض".

أمّا عن طقوسه في الكتابة، يقول عثماني "عندما أكتبُ، أبدأ من ملاحظاتي حول الأفراد والمجتمعات والعالم من حولي، بشكل عام، لمحاولة إعادة إنتاج واقعي في قصّة خياليّة لفهمه بشكل أفضل. وبصورة عامّة، أنا أكتب قبل كلّ شيء لنفسي، لمحاولة وضع كلمات أكثر دقّة عن العالم كما أفهمه".

ويرى عبد العزيز عثماني أنّ الأدب والعلوم الاجتماعية هي الأدوات الرئيسة للتفكير، أو على الأقل لمحاولة التقاط الواقع المعقّد الذي يفلت منّا في معظم الأوقات.

ويؤكّد عثماني أيضًا أنّ المؤلفين المعاصرين، مثل الروائيّة الكاميرونية ليونورا ميانو (1973)، والروائيّتين الأمريكيتين توني موريسون (1931/2019)، وأورسولا ك. ليجوين (1929/ 2018)، أثّروا بشكل كبير على علاقته بالأدب والكتابة.

من جهة أخرى، يقول هذا الروائيُّ "في الواقع، لا أفكر أبدًا في كيفية استقبال القارئ لأعمالي، وأفضّل أن أكتب قصّة أرغب في قراءتها، وتشبه حالتي الذهنية الحالية وأسئلتي. كما أحبُّ أن أقول لنفسي إنّ القارئ قادرٌ على إدراك الأصالة في القراءة التي أقدّمها له".

أمّا عن تقنيات السّرد، فيقول "التقنية ليست سوى العنصر الأخير الذي يتدخّل في اختياراتي أثناء عملي التحضيري لكتابة رواية. وعندما تكون لديّ فكرة أكثر أو أقلّ دقة عن قصّتي، أقوم باختيار تقنيات السّرد التي يمكن أن تخدمها على أفضل وجه؛ إذا اخترتُ، على سبيل المثال، راويًا عليمًا بكلّ شيء، فأنا أعلم أنّني سأحرم نفسي من بعض العناصر التي تُبقي القارئ في حالة تشويق، مثل علامات الحذف. وفي الوقت نفسه، يقدّم لي إمكانيات لا حصر لها للتعامل مع الموقف وداخل الشخصيات، وإذا اخترتُ راويًا شاهدًا، فهذا يسمح لي بإبعاد نفسي عن القصّة وحرية كبيرة في الزمن.. الأمر كلُّه يتعلّق بالاختيار والوعي بالطريقة التي أريد بها بناء قصّتي".

ويرى عبد العزيز عثماني بضرورة أن تُنظّم المؤسّسات الثقافيّة ودور النشر لقاءات تجمع بين المؤلفين والجمهور في الجامعات، والمكتبات البلدية، والمؤسّسات التعليميّة، حتى لا تُنسى الرواية بعد أسابيع قليلة من صدورها خلال معارض الكتاب. كما يؤكّد حلمه بأن يرى الروائيّين يُدعون إلى المدارس الثانوية لتأطير ورش كتابة مع طلاب المدارس الثانوية.

وفي هذا السياق، يقول عثماني "للروائيّ دورٌ اجتماعيٌّ لا ينتهي بعد نشر أعماله، فهو بمثابة مرآة للمجتمع. صحيحٌ أنّ لديه لحظات من الإبداع حيث ينسحب هو نفسه، ويقف على الهامش ويراقب، لكن في بقية الأوقات، يجب أن يكون في قلب المدينة، فهو نبض المجتمع، والقصّة التي يُنتجها، مثل كلّ الفنون، هي ما يقرّبُنا من إنسانيتنا المشتركة، وهنا يكمن بالتحديد البعد العالمي للأدب. وهذا أيضًا ما يجب أن يطمح إليه كلُّ مؤلف. وإذا نظرنا إلى القاسم المشترك بين ليكليزيو أو كواباتا أو جارسيا ماركيز أو سوينكي، بصرف النظر عن حصولهم جميعًا على جائزة نوبل، فإنّهم جميعًا نجحوا في إعادة ربطنا بإنسانيّتنا العميقة، على الرغم من أنّهم يخاطبوننا من بيئات اجتماعية وثقافية مختلفة تمامًا".

يُشار إلى أنّ الروائيّ عبد العزيز عثماني وُلد سنة 1990 ببوفاريك بولاية البليدة (جنوب الجزائر)، وتلقّى دورة جامعيّة في مهنتي الأدب والنشر بفرنسا، قبل أن يعود إلى الجزائر ويدرس الأدب المكتوب بالفرنسية، وهو كاتبٌ شغوفٌ بعلم الآثار والأنثروبولوجيا، وبدأ كتابة روايته الأولى عام 2015، أثناء إقامته في فنزويلا. وفي كاراكاس، تعرّف على البيئة الثقافية لأمريكا اللاتينية، واكتشف مسرح القارة وأدبها الذي واصل تأثُّره به.

وبعد عودته إلى الجزائر العاصمة في عام 2018، شارك في إنشاء وإدارة "Le Pupitre"، وهي مساحة تعليميّة فنيّة، أطّر فيها ورش عمل في الكتابة، كما قاد العديد من المشاريع بالتعاون مع عدد من المؤسّسات الثقافيّة. وتعدُّ "سين.. القمر في قطع"، أوّل رواية ينشرُها عبد العزيز عثماني خلال مشواره الأدبي.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الكتابة في زمن الحرب (41)

الكتابة في زمن الحرب (41)
أهمية القراءة والبحث في أوقات الشدائد: درس من ابن خلدون

في هذا الجزء الثاني من هذا النص، نسعى لتسليط الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه القراءة والبحث، خاصة في أوقات الشدائد والحروب، في تحقيق الفهم العميق للأحداث الجارية، وتقديم الأمل وسط الظلام. وفي هذا السياق، نجد في “مقدمة ابن خلدون” نموذجًا فكريًا فريدًا يدعونا لاكتشاف الحكمة في التاريخ من أجل فهم الواقع الحاضر واستشراف المستقبل.

لقد أوضحنا في الجزء الأول من النص أن اختيارنا لمقدمة ابن خلدون لم يكن محض صدفة. بل هو تعبير عن إدراك عميق لأهمية هذا العمل الفكري العظيم في تقديم رؤى تحاكي الواقع، خاصة في أوقات الأزمات والاضطرابات. فابن خلدون لم يكن مؤرخًا فقط، بل كان مفكرًا استطاع، من خلال تحليله لدورات صعود وسقوط الدول، أن يقدم دروسًا لا تزال صالحة للتطبيق حتى يومنا هذا. وفي ظل ما يمر به السودان من أزمات وخيبات، تصبح رؤى ابن خلدون مرآة نرى من خلالها واقعنا المعاصر.

لقد كتب لي أحدهم معلقًا على ما جاء في الكتاب الأول بقوله: “تقديرك لابن خلدون، ووصفك لتحليلاته بأنها تتحدث عن واقعنا المعاصر، يعكس إدراكك لأهمية التفكير النقدي والعمق الذي يجلبه هذا النوع من القراءة. كما أن وصفك لمجهود مجموعة نادي 81 وتفاعلهم مع النصوص بعمق يُظهر قيمة النقاش الفكري حتى بين أولئك الذين قد لا تكون تخصصاتهم الأصلية في العلوم الإنسانية، مما يضيف بعدًا آخر لأهمية هذا النوع من النشاط الثقافي”.

وهذا التعليق يلخص ببراعة ما تعلمناه من تواصلنا مع هذه المجموعة المثقفة، ويدعم أهمية الحوار والنقاش الفكري كأداة لفهم أفضل للعالم من حولنا. فالتفاعل الجماعي مع النصوص، كما يحدث في “نادي 81”، يعزز من قيمة القراءة الجماعية والنقاش المشترك، وهو أمر بالغ الأهمية في تكوين وعي جمعي قادر على مواجهة الأزمات.

من ناحية أخرى، وجدنا في تعليق آخر إشادة بوصف ابن خلدون بأنه “يتجسس على المستقبل”. وهذا التعبير يعكس تأثرًا عميقًا بقدرة ابن خلدون على تقديم رؤى تتجاوز زمانه. فقد كان ابن خلدون في تحليله لقيام الدول وانهيارها كمن يضع منهجًا لفهم المستقبل من خلال دراسة الماضي، وهو ما يمنح أعماله طابعًا خالدًا يتجلى في كل حقبة تاريخية. هذه القدرة الفريدة تجعل من قراءة “المقدمة” أمرًا ضروريًا ليس فقط لفهم الماضي، وأيضًا للتنبؤ بالتحديات المستقبلية.

وعليه، يمكننا القول بان هذا النص يتجاوز كونه مجرد دراسة أكاديمية لنصوص ابن خلدون، بل هو دعوة مفتوحة للاستفادة من هذا الفكر العميق في أوقات الأزمات والصعاب. ففي ظل الظروف المعقدة التي تعصف بالعديد من الدول والمجتمعات، مثلما يحدث في السودان، تبدو الحاجة ملحة للعودة إلى النصوص الفكرية العظيمة التي تعيننا على استيعاب ما يجري حولنا. القراءة هنا تصبح نوعًا من المقاومة الذهنية، وسيلة للتسلح بالمعرفة والفهم في مواجهة الظروف العصيبة.

إجمالًا، نأمل أن يجسد هذا النص فكرة أن المعرفة والقراءة ليستا ترفًا فكريًا، بل هما مصدر قوة في أوقات الأزمات. ومن خلال قراءة “مقدمة ابن خلدون” وتحليل أفكاره، نسعى لتقديم دعوة لكل من يقرأ هذه الصفحات للاستمرار في البحث والتعلم، مهما كانت الظروف صعبة. فالمعرفة هي النور الذي يرشدنا في العتمة، وهي الأمل الذي يمكننا أن نتمسك به في مواجهة التحديات.

ختامًا، ندعو الجميع، سواء كانوا منخرطين في العلوم الإنسانية أو من خارجها، إلى الانخراط في هذا النشاط الثقافي والفكري. فالقراءة والتفكير العميق هما أدوات للتغيير، ويمكنهما أن يكونا وسيلة لتجاوز الأزمات وفتح آفاق جديدة للمستقبل…كما نامل ان يكون قد غطي على ان فكرة القراءة كوسيلة للمقاومة الذهنية، ويعزز ارتباط أفكار ابن خلدون بفهم الأزمات المعاصرة، ويشجع على البحث والنقاش الفكري كأداة للتحليل العميق وتجاوز الصعاب.

 

عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة
osmanyousif1@iclud.com

   

مقالات مشابهة

  • جيجل.. 6 جرحى في انحراف سيارة ببلدية سيدي عبد العزيز
  • الكشف عن أهم الشخصيات في العالم التي من الممكن أن تصل إلى لقب ”تريليونير”.. تعرف عليها
  • حماس: الرواية الإسرائيلية الكاذبة حول 7 أكتوبر هدفت لشيطنة المقاومة وتبرير حرب الإبادة
  • تقرير يكشف البلد الذي يتصدر أكبر المقامرين في العالم
  • في أعقاب الزلزال الذي دمر المدينة التركية بشكل يفوق الخيال.. هكذا ستتم إعادة بناء أنطاكيا
  • «معلومات الوزراء»: استخدام الفحم في العالم ارتفع بنسبة 2.6% عام 2023
  • "الشعبية": تقرير الأمم المتحدة حول مجاعة غزة يكشف خطورة الأوضاع الإنسانية التي يسببها الاحتلال
  • تقرير يكشف عن أهم الشخصيات في العالم التي من الممكن أن تصل إلى لقب “تريليونير”
  • بالأرقام.. حجم الأموال التي أنفقتها أمريكا على إنتاج القذائف!
  • الكتابة في زمن الحرب (41)