تيزنيت- تحتضن مدينة تيزنيت جنوبي المغرب -التي توصف بأنها "عاصمة الفضة"- معرض تيميزار الذي يشمل مجوهرات وحليا وأواني منزلية وبنادق وخناجر وسروجا مطرزة، وهي منتجات تقليدية لها رمزية ثقافية وحضارية.

وخلال جولة الجزيرة نت في المعرض كانت الصائغة ليلى الأبيض تنهمك في ترتيب عدد من مجوهرات الفضة أمام طاولة صغيرة، في حين يراقب حركاتها التاجر النيجري سابيو ماني بكثير من الاهتمام.

وبسرعة ودقة تطوع ليلى بين أناملها خيوطا حريرية، لجمع قطع متناثرة وتنهي عمل قلادة أنيقة تلفت الأنظار.

وتقول ليلى للجزيرة نت وهي تظهر أحد الرسوم الدالة على تلك القلادة إنها مستوحاة من الثقافة الأفريقية جنوب الصحراء، مضيفة أن صناعة الفضة علاوة على أنها رمز دائم للتلاقح الثقافي لها أثر اقتصادي على المدينة.

أما ماني فيقول وهو يستحضر مرور القوافل التجارية قديما "أنتقل بين تيزنيت ونيامي مرات عديدة في السنة، وعلى الرغم من بعد المسافة فإني أحب لقاء الناس هنا وأشعر بطيبتهم وكرمهم وحبهم لعملهم وأتوق لرؤية إبداعاتهم".

مدخل معرض تيميزار للفضة بمدينة تيزنيت المغربية (الجزيرة)

يحضر المعرض كل سنة نحو 50 عارضا اختيروا بعناية لأفكارهم الملهمة أو لمشاريعهم المبتكرة، ويتنافسون في جلب الزوار وإقناعهم باقتناء الجديد المبدع، في حين يراه سابيو القادم من نيامي عاصمة النيجر فرصة للاطلاع على الجديد من إبداعات الصناع والحرفيين وعرض سلعته الجديدة.

ويقول رئيس الشبكة الإقليمية للاقتصاد الاجتماعي التضامني في تيزنيت العربي عروب للجزيرة نت إن المعرض يساهم في الترويج الاقتصادي والسياحي للمدينة، كما يروج للاهتمام بالإرث الثقافي التي يشكله عالم الفضة.

ويؤكد أن المشاركة الأفريقية لها من الدلالات الرمزية ما يرسخ العمق الأفريقي لدى المؤسسات المغربية القطاعية والمنتخبة والمدنية بحكم الانتماء والقواسم المشتركة من أجل التنمية المستدامة المشتركة دوليا.

الفضة في المغرب

وتسأل ليلى عن تاريخ الفضة في المغرب، فيأتيها الجواب من بحث أستاذ الجيولوجيا بجامعة ابن زهر في أغادير مصطفى سوحسو أظهر وجود سلسلة كاملة للإنتاج بمنجم إميضر قرب تنغير (جنوبي البلاد)، كما أن تقنيات التعدين تعود إلى 150 سنة قبل الميلاد، وهي تشبه كثيرا تلك المستعملة بأحد مناجم لا سييرا مينرا جنوب إسبانيا.

ويضيف الأكاديمي في حديث للجزيرة نت أن قيام عدد من الدول في المدن الإمبراطورية المغربية ارتبط بوجود مناجم للفضة تخصصت في صناعة معينة، مثل منجم تودغة قرب سجلماسة (صك النقود) ومنجم جبل عوام (مريرت) قرب فاس ومكناس ومنجم تمدولت قرب تيزنيت (الحلي).

ويشير إلى أن ذلك جعلها تبني قوة اقتصادية وعسكرية كبيرة، وقد تأكد ذلك من خلال وجود مسكوكات فضية كما هو الحال في عهد الموحدين، مضيفا أن مدينة تمدولت مثلا والموجودة على جبل من الفضة هندستها أنيقة وحدائقها فائقة الجمال، كما ذكر المؤرخ حسن الوزان.

معرض تيميزار يشهد عرض مشغولات فضية من نحو 50 حرفيا (الجزيرة) إنتاج الفضة

وتفتخر ليلى بأنها تطوع معدنا أصبح عنوان فخر للمغرب الذي يضم سابع أكبر منجم للفضة في العالم، مما يجعله الرائد في أفريقيا وأحد أهم المنتجين على مستوى العالم.

وتستخدم الفضة إلى جانب صناعة الحلي في صك النقود والاستثمار المالي وإنتاج الألواح الشمسية وتنقية المياه والصناعات الكيميائية.

وبفضل وجود منجم زكوندر (260 كلم شرق أغادير) -وهو الثاني من نوعه بعد منجم إيمضر- تلعب منطقتها دورا مهما في ترسيخ مكانة المغرب المتقدمة على خارطة الإنتاج العالمي.

وتوضح شركة "آيا غولد آند سيلفر" الكندية عبر موقعها الرسمي على الإنترنت قدرتها على إنتاج 1.97 مليون أوقية سنة 2023 في المنجم، مشيرة إلى تقديرات احتياطية عالية الجودة، والتي ستؤدي إلى زيادة الإنتاج.

ومن المقرر أن ينتج المنجم 6.8 ملايين أوقية سنويا على مدى عمر المنجم الممتد إلى 11 عاما، وأكثر من 8 ملايين أوقية سنويا خلال السنوات الخمس الأولى من زيادة الإنتاج.

ويقول الخبير الاقتصادي رشيد ساري للجزيرة نت إن ذلك يأتي كنتاج لمخطط المغرب في مجال التعدين (2021-2030) بعد تجاوز مجموعة من العقبات المرتبطة بتبسيط الإجراءات وتقديم الحوافز الضريبية، مما يساهم في جذب المزيد من الاستثمارات، علما بأن ثمة خططا مهمة للتنقيب على امتداد 430 كلم بين الدار البيضاء وآسفي تتيح فرصا أكبر.

ويضيف أن هذا النمو المتسارع يؤكد أهمية قطاع التعدين في الاقتصاد المغربي، إذ يساهم حاليا بنسبة تتراوح بين 8% و10% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعادل تقريبا مساهمة قطاعات أخرى مهمة مثل السياحة، ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة إلى ما بين 15% و20% في المستقبل القريب، وفق قوله.

تمتاز المشغولات الفضية المحلية المغربية بالتصاميم التي تدل على البيئة المحلية (الجزيرة) جذب الاستثمارات الأجنبية

ويقول الأكاديمي ساري إن الإستراتيجيات الحكومية الحالية تبدو أكثر توجها نحو جذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع التصنيع والتصدير.

ويدعو إلى دعم سياحة التعدين لما تمثله من فرصة كبيرة لتطوير القطاع، فالسياح يبحثون عن المنتجات الفضية التقليدية أكثر من الذهب، والتي تعكس روح الحضارة المغربية.

وتفتخر ليلى -وهي تعمل لحسابها الخاص- بأن تكون حلقة في سلسلة إنتاج تساهم في اقتصاد مدينتها، لكن لا يمنعها ذلك من إبداء الأسف من اجتياح الماكينة سريعة الإنتاج صناعتها.

ويقول العربي عروب إن تنظيم المجال وتشجيع الشركات الناشئة كفيلان بأن يعيدا الروح إلى صياغة الفضة، مستشهدا على أهمية ذلك بالإبداعات التي تظهر في معرض تيميزار كل سنة.

عمق أفريقي

ولا يخفي سابيو ماني اندهاشه حين علم أن أحد بحوث الأكاديمي سوحسو تؤكد أن القوافل التجارية ابتداء من القرن السابع الميلادي -خصوصا القرن الـ13- والقادمة مما كانت تعرف في كتب التاريخ ببلاد السودان (دول جنوب الصحراء) -والتي تسلك طريق القوافل التجارية العابرة للصحراء (تمبكتو، سجلماسة، فاس، تلمسان)- كانت تتوقف في مدينة سجلماسة مستفيدة من قوة "الإمارة" لحمايتها، لتبادل الذهب وريش النعام بالملح أو النحاس.

ويؤكد ماني أن حجم المبادلات بين المغرب وأفريقيا عموما والنيجر خصوصا في تزايد بعد فتح معبر الكركرات من جديد وتأمينه، مبينا أن السلطات من الطرفين تقدم جميع التسهيلات القانونية من أجل تدفق السلع، كما أن منتجات الفضة تخضع لمراقبة الجمارك وتضع عليها خاتمها قبل أن تصبح قابلة للبيع والتسويق.

النيجري سابيو ماني في ورشته يعرض منتجات أفريقية (الجزيرة) إبداع وانفتاح

حين نعود إلى ورشة ليلى في اليوم التالي نجدها مهتمة بوضع اللمسات الأخيرة لحلية جديدة، وإلى جانبها تسمع طلقات البارود في محفل للفروسية التقليدية.

وفي جانب آخر متحف خاص بالمعرض تطل فيه تحف فنية على الزوار كأنها تحكي لهم حكاياتها الكثيرة، فهذا فارس يحمل خنجرا مرصعة بالفضة وتلك عروس تبدو مفتخرة بقلادتها وتيجان وأقراط وخلاخل تيزنيت، وذاك سور تاريخي بأبوابه السبعة من الفضة الخالصة صُنعت على يد صانع ماهر استعمل فيه تقنيات السلك الفضي والطلاء الزجاجي والنقش، ليحاكي السور السلطاني للمدينة.

وبواسطة مطرقة ومبرد وبتركيز كبير تحاول الشابة -التي اقتحمت مهنة عائلتها بعدما كانت حكرا على الرجال- أن تضع بصمتها الخاصة.

وتأمل ليلى كما ماني أن يستمر سفراء الفضة في مد الجسور الاقتصادية بين المغرب وعمق أفريقيا.

تعتبر حلي الفضة جزءا من لباس العروس في مدينة تيزنيت (الجزيرة)

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات للجزیرة نت الفضة فی

إقرأ أيضاً:

ثاني الزيودي يجري محادثات مع ممثلي الحكومات من آسيا وأفريقيا وأوروبا والأميركتين

عقد معالي الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي،  وزير دولة للتجارة الخارجية، سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى مع عدد من مسؤولي ووزراء الدول المشاركة في القمة العالمية للحكومات، أكد خلالها التزام دولة الإمارات بالتجارة والاستثمار باعتبارهما محركاً رئيسياً للنمو المستدام.

وتركزت النقاشات حول سبل تعميق التعاون وتسريع تدفق السلع والخدمات وتوجيه الاستثمارات إلى القطاعات ذات الأولوية، مثل الطاقة والخدمات اللوجستية والأمن الغذائي والتكنولوجيا المتقدمة.

وفي اجتماعين منفصلين مع كل من ليزا أرانيتاماركوس، السيدة الأولى لجمهورية الفلبين، ومعالي سونيكساي سيفاندوني، رئيس وزراء لاوس، ناقش معالي الدكتور الزيودي الأهمية المتزايدة لمنطقة الآسيان في استراتيجية التجارة والاستثمار الخارجية لدولة الإمارات، والرغبة في تعزيز العلاقات مع هذه المنطقة التي تحظى بقطاعات تصنيع وإنتاج غذائي متطورة.

وتناولت المحادثات مع معالي مانواسيرو ناكوساباريا كاميكاميكا، نائب رئيس وزراء فيجي، الخدمات اللوجستية وصناعة صيد الأسماك وأهمية المضي قدماً في سياسات التخفيف من آثار المناخ.

من جانب آخر، استعرض معالي الدكتور الزيودي النجاحات التي تحققت في تنفيذ برنامج الإمارات لاتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، والذي انطلق في العام 2021 وشهد حتى الآن إبرام 24 اتفاقية، وذلك خلال محادثات مع ممثلي الشركاء في المبادرة، ومنهم معالي بوي ثانه سون، نائب رئيس الوزراء وزير خارجية فيتنام، التي وقعت معها دولة الإمارات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في أكتوبر 2024، ومعالي لويس كارلوس رييس هيرنانديز، وزير التجارة والصناعة والسياحة في كولومبيا، التي وقعت معها الإمارات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في أبريل 2024.

كما عقد معاليه اجتماعات أخرى تناولت آفاق التعاون الثنائي مع عدد من دول الأميركتين، وضمّت معالي غابرييلا غارسيا، وزير الاقتصاد في غواتيمالا، ومعالي فيليكس أولوا، نائب رئيس السلفادور، وجريتشن ويتمر، حاكم ولاية ميشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا مع معالي إركي كيلدو، وزير الاقتصاد والصناعة في إستونيا، وأفريقيا مع معالي إسماعيل مفالا نبي، وزير التخطيط والتعاون الدولي في غينيا.

أخبار ذات صلة ثاني الزيودي: الإمارات تواصل بناء شراكات تنموية طويلة الأجل مع أفريقيا 65 مليار درهم حركة التجارة غير النفطية بين الإمارات واليابان

وقال معالي الزيودي إن هذه الاجتماعات تكتسب أهمية في تعزيز مكانة دولة الإمارات كشريك مهم للتنمية الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.

وأضاف أنه لطالما آمنت دولة الإمارات بأن التجارة الخارجية والاستثمار هما محركان رئيسيان للتنمية الاقتصادية المستدامة والإنتاجية الصناعية وتبادل المعرفة، مشيرا إلى أن اجتماعات هذا الأسبوع سلطت الضوء على الرغبة المشتركة لدى العديد من الدول في توسيع فوائد التجارة وتشكيل ممرات للنمو بين آسيا وأفريقيا وأوروبا والأميركيتين، وذلك في ظل أنه تم تحديد العديد من مجالات التعاون، ونتطلع إلى مواصلة هذه المحادثات بما يسهم في تحقيق مستقبل مزدهر وعادل للجميع.

وأكد أن القوة التحويلية للاتجاهات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والتكنولوجيا الحيوية والتقنيات المدفوعة بالاستدامة، شكلت محوراً رئيسياً للعديد من النقاشات التي شهدتها القمة العالمية للحكومات، بهدف تزويد الحكومات المستقبلية بالرؤية والسياسات اللازمة لتعزيز إمكاناتها عبر مختلف القطاعات.

وفي هذا السياق، استعرض معاليه مساعي دولة الإمارات لتحسين الابتكار والكفاءة الصناعية مع روبرتو فيولا، المدير العام للمفوضية الأوروبية لشؤون شبكات التواصل والمحتوى والتكنولوجيا ، مؤكدا على الدور الإماراتي الداعم للابتكار خلال لقائه مع مسؤولين تنفيذيين لدى العديد من شركات القطاع الخاص التي تعنى بتطوير صناعة السيارات مع شيلبان أمين من شركة جنرال موتورز الدولية، ووسائل التواصل الاجتماعي والشبكات المهنية مع بليك لويت من لينكدإن، وأشباه الموصلات والاتصالات مع أكاش بالخيوالا من كوالكوم، والحوسبة الكمومية مع أرفيند كريشنا من آي بي إم، وإدارة الطاقة والأتمتة مع جان باسكال تريكوار من شنايدر إلكتريك.

وخلال المحادثات، أشاد معالي الدكتور الزيودي بأفكارهم ودعاهم للتعرف على المنظومة الديناميكية للأعمال في دولة الإمارات، بما في ذلك خيارات التأسيس السريع للأعمال، والبيئة التنظيمية الداعمة للنمو، والاتصال العالمي والسياسات الضريبية التنافسية.

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • تدشين براند التجميل العُماني"Nwary" في مسقط
  • بيسيرو: الزمالك فريق كبير جداً في مصر وأفريقيا
  • ليلى علوي تخطف الأنظار بأناقتها في عيد الحب.. صور
  • على طريقة ليلى علوي.. رانيا يوسف تهنئ جمهورها بعيد الحب
  • ممثل الفيفا باحتفالية الأهلي: الأحمر أحد أنجح الأندية في مصر وأفريقيا والعالم
  • بإطلالة جذابة.. ليلى علوي تحتفل بعيد الحب
  • ثاني الزيودي يجري محادثات مع ممثلي الحكومات من آسيا وأفريقيا وأوروبا والأميركتين
  • ‎ليلى علوي توجه رسالة لـ حنان ترك بمناسبة عيد الحب
  • ليلى علوي لـ حنان ترك: وحشتينا
  • بالفيديو.. محرز يتعرض لاعتداء عنيف من ساديو ماني