في يوم الأربعاء 31 يوليو/تموز 2024 قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقتل مراسل "الجزيرة" إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي، من خلال قصف استهدفهما في سيارة بمدينة غزة، وقد جاء هذا الاغتيال رغم استجابة إسماعيل لطلب الإخلاء من الموقع الذي كانا فيه.

ويعد اغتيال مراسل الجزيرة ومصورها آخر ما وصلت إليه حلقات إستراتيجية الإبادة الإعلامية المتكاملة التي يتبعها الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي تهدف إلى التدمير الشامل للمؤسسات الإعلامية والصحفية الفلسطينية وقتل أكبر عدد ممكن من الصحفيين وأسرهم، بهدف تدمير تلك الجماعة المهنية التي تتحدى سرديات الاحتلال وتفضح ممارساته وتوثق أفعاله الإبادية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الهزيمة المستحيلة.. لماذا لم تفلح 2700 عملية اغتيال إسرائيلية بوأد المقاومة؟list 2 of 2كيف نفهم جذور الاغتيالات في العقل الإسرائيلي؟end of list

وقد عملت دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات في 15 يوليو/تموز 2024 تحت عنوان "الحرب على غزة وهندسة الإبادة الإعلامية للجماعة الصحفية الفلسطينية" على سبر أغوار ومراقبة تلك الإستراتيجية الإبادية التي تتبعها دولة الاحتلال ضد جماعة الصحافة في فلسطين، إذ خلصت الدراسة إلى أن تدمير البنية الصحفية لم يكن أثرا جانبيا للدمار في غزة، وإنما كان محسوبا ومعقلنا يبتغي هدفا محددا وهو إبادة الرواية الفلسطينية من خلال إهلاك وإرهاب الجماعة المهنية الصحفية، عبر استهداف الفئة العمرية الشابة من تلك الجماعة (بين 20 و40 عاما) والتدمير الممنهج للمؤسسات الصحفية وملاحقة الصحفيين داخل المستشفيات والخيام التي مارسوا من خلالها عملهم، وذلك لتحقيق الموت المهني للجماعة.

ومن خلال المقارنة أوضحت الدراسة أن ما تشهده الجماعة الصحفية في فلسطين لم يسبق أن شهدته جماعة صحفية في أية حرب أخرى، إذ بلغ عدد الصحفيين الذين لقوا حتفهم، في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة خلال فترة لا تتجاوز 7 أشهر (210 أيام) 153 صحفيا، أي بمعدل مقتل صحفي كل 33 ساعة تقريبا، ويمثِل هؤلاء الضحايا 12.75% من مجموع الصحفيين بغزة (1200 صحفي) الذين ينتسبون لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، و4.78% من أصل 3200 صحفي في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإذا وضعنا هذه الأرقام مع الحروب الأخرى سنجد أن عدد الصحفيين الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) لم يتجاوز 69 صحفيا، وعدد من قتلوا في الحرب الأميركية على فيتنام 66 صحفيا، وفي دوامة الاغتيالات في مرحلة ما عُرِف إعلاميا بـ"العشرية السوداء" في الجزائر (1992-2002)، قُتل 120 صحفيا. وهذا يجعل الدراسة تتساءل بعمق عن هدف دولة الاحتلال من هذه الإبادة الإعلامية التي لم يسبق لها مثيل.

هذه المذبحة الاستثنائية للصحفيين في فلسطين باعتبارها خبرة جديدة من نوعها، قد دفعت محمد الراجي، الباحث بمركز الجزيرة للدراسات، لكي يصك مفهوما جديدا وهو "الإبادة الإعلامية"، إذ تشير كل المعطيات بحسب الدراسة إلى أن الحالة الاستثنائية التي تعيشها الجماعة الصحفية الفلسطينية خلال تلك الحرب، هي إبادة إعلامية، تهدف إسرائيل من خلالها إلى إسكات أصوات الصحفيين والقضاء عليهم أكثر من أي فئة أخرى، وجدير بالذكر هنا أن منظمة مراسلون بلا حدود قد خلصت إلى أن الحصيلة المهولة من الصحفيين الذين قتلتهم إسرائيل تعكس بجلاء رغبة مبيتة في إجهاض الصحافة الفلسطينية والحق في الوصول للمعلومات بقطاع غزة.

وقد حددت الدراسة هذا المفهوم الجديد "الإبادة الإعلامية" المنبثق من استثنائية الحالة الفلسطينية في الشهور الأخيرة، من خلال تحديد الأفعال التي تندرج ضمن نسق التدمير الكلي أو الجزئي للجماعة الصحفية عبر قتل أعضاء الجماعة الصحفية واستهداف أفراد أسرهم وأقربائهم وتصفيتهم جسديا وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة الصحفية وأفراد أسرهم وأقاربهم، والامتناع عن حماية الجماعة الصحفية، والإحجام عن تقديم العون للصحفيين الذين هم في حالة خطر، وإخضاع أعضاء الجماعة وأفراد أسرهم وأقربائهم عمدا لظروف معيشية يُراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.

إضافة إلى فرض تدابير وإجراءات تستهدف الموت الاجتماعي والبيولوجي للجماعة الصحفية، وتدمير المؤسسات والمكاتب الإعلامية ووسائل العمل المهني للجماعة، وفرض تدابير وإجراءات لإعاقة النشاط الإعلامي المهني للجماعة ومصادرة الحرية الصحفية لأفرادها، ومنع الجماعة الصحفية من ممارسة حقها في العمل الإعلامي المهني لكشف الحقائق في إقليم النزاع ومناطق الحرب، وطمس رواية أفراد الجماعة الصحفية عن مجريات الأحداث والوقائع في إقليم النزاع والحرب.

كما أوضحت الدراسة أيضا أن الفعل الإبادي الإسرائيلي ضد الجماعة الصحفية الفلسطينية لم يقتصر على عمليات القتل الواسع للصحفيين والمصورين وإنما امتد لخطة متكاملة تهدف لتدمير النسيج الاجتماعي للجماعة الصحفية عبر القتل الواسع لأسر الصحفيين وأقاربهم، وتوثق الدراسة حوادث قام فيها الاحتلال الإسرائيلي بالتهديد المباشر للصحفيين من خلال أسرهم، فضلا عن التهديد بأن يخرجوا من المناطق التي ينفذ فيها جيش الاحتلال عملياته، ومنعهم من الوصول للأماكن التي يرتكب فيها مجازره، وقد لاحظت الدراسة أن هناك نمطا متكررا يقوم به ضباط جيش الاحتلال يتمثل في تهديد عائلات الصحفيين بمغادرة منازلهم إلى "المناطق الآمنة" ومن ثم يبدأ القصف بالصواريخ والطائرات المسيرة على المنازل التي نزحت إليها تلك العائلات.

وتقول مراسلة الجزيرة في لبنان كارمن جوخدار "إن اغتيال الصحفيين وأسرهم والانتهاكات التي مارسها الجيش الإسرائيلي تجاوزت كل الحروب السابقة بما في ذلك الحرب العالمية الثانية، وما يخيفني اليوم أن هذه الانتهاكات تعيدنا إلى ما قبل حقبة الأمم المتحدة وكل النظم التي تُؤطِر عملنا كصحفيين".

وتخلص الدراسة إلى أن تلك الإبادة الإعلامية التي نشاهدها الآن مرتكزة على عاملين مساعدين، الأول هو البيئة الإسرائيلية الداخلية التي يسيطر عليها خطاب أقصى اليمين المتطرف دينيا، الذي يغذي فكرة أن الفلسطينيين منزوعو الإنسانية وفي مرتبة أقل من البشر وينبغي قتلهم لأنهم لو لم يُقتلوا اليوم فسيقتلوننا غدا، ومن ثم يمهد هذا الخطاب الإبادي الطريق لكل المجازر التي نتابعها.

والعامل الثاني هو السياق الدولي الداعم للفعل الإبادي الإسرائيلي، حيث تحظى دولة الاحتلال على كل حال بالدعم المالي والعسكري والسياسي الغربي، وتركز هنا الدراسة على أن إفلات دولة الاحتلال من العقاب الدولي في جرائم الحرب التي ارتكبتها من قبل ضد الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم قبل طوفان الأقصى (قتلت 104 صحفيين)، قد شجعتها على ممارسة تلك الإبادة الإعلامية غير المسبوقة بعد الطوفان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أبعاد الصحفیة الفلسطینیة الإبادة الإعلامیة دولة الاحتلال من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

مسيرة في العاصمة الأرجنتينية تنديدًا بحرب الإبادة على غزة

بوينس آيرس - صفا شهدت العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيرس، مسيرة حاشدة تضامنية مع الشعب الفلسطيني، ومنددة بالعدوان الغاشم والإبادة الجماعية في فلسطين منذ 11 شهرًا. وشارك في المسيرة المئات من المتضامنين الأرجنتينين، وأبناء الجاليتين العربية والفلسطينية، وشخصيات سياسية وحزبية واجتماعية. وطالب المشاركون بوقف الابادة الجماعية في قطاع غزة والاقتحامات والتدمير والاغتيالات في الضفة الغربية بما فيها القدس. وانطلقت المسيرة من أمام ساحة البرلمان الارجنتيني، وصولًا إلى شارع نويبي دي خوليو. وحمل المحتجون في المسيرة الأعلام الفلسطينية والأرجنتينية، ولافتات مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطينية وحريته واستقلاله، وأخرى منددة ومناهضة للكيان الإسرائيلي وعدوانه المتكرر على شعبنا الفلسطيني. وأكدت شخصيات حقوقية وسياسية، التضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، مطالبة بالوقف الفوري للإبادة الجماعية وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. ونددت بنظام الفصل العنصري الذي تتبعه حكومة الاحتلال ضد الفلسطينيين، مطالبة بحماية دولية لهم ومعاقبة "إسرائيل" على جرائمها.

مقالات مشابهة

  • مشاهد توثق قيام الاحتلال بتعمد إعدام الشهيد الأردني في المعبر (فيديو)
  • تحقيق لصحيفة استرالية يؤكد قتل الاحتلال لمستوطنيه في 7 أكتوبر
  • الرئاسة الفلسطينية: الأمن والاستقرار لن يتحققا بـ«سيوف» نتنياهو
  • حماس: تحقيق صحيفة ABC News الأسترالية دليل آخر على كذب رواية الاحتلال
  • حماس: الرواية الإسرائيلية الكاذبة حول 7 أكتوبر هدفت لشيطنة المقاومة وتبرير حرب الإبادة
  • الاحتلال يكشف هوية منفذ عملية معبر الكرامة.. تعرف إليه (صورة)
  • مسيرة في العاصمة الأرجنتينية تنديدًا بحرب الإبادة على غزة
  • الاستخبارات الأمريكية تكشف ما وصلت إليه الصفقة الجديدة لوقف الحرب في غزة
  • الجنائية الدولية تسقط قضيتها ضد الشهيد إسماعيل هنية
  • قرار أخير من الجنائية الدولية بحق الشهيد إسماعيل هنية