مطابقًا للتوقعات، جاء خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله الأول بعد جريمة الاغتيال الإسرائيلية التي استهدفت القائد العسكري الكبير في الحزب فؤاد شكر، المُصنَّف على أنّه المسؤول العسكري الرقم واحد في صفوفه، سواء لجهة التأكيد على صمود المقاومة وصلابتها، وقدرتها على تجاوز "صدمة" الاغتيال، أو لجهة التأكيد على "حتميّة" الرد، الذي لا نقاش ولا جدال في أنّه آتٍ، ولو تعمّد عدم تحديد أيّ مهلة زمنية له.


 
في الخطاب، كان السيد نصر الله واضحًا وحازمًا في "تشخيص" فداحة الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل، حين عدّد جوانبها المختلفة، بدءًا من استهداف عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، وصولاً إلى اغتيال فؤاد شكر مع كلّ ما ينطوي عليه من رمزية، لكن مرورًا أيضًا بالفاتورة "الثقيلة" على المدنيّين تحديدًا، باعتبار أنّ المبنى الذي تمّ استهدافه مليء بالسكان وليس قاعدة عسكرية، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى، جلّهم من النساء والأطفال.
 
وإذا كانت الأنظار كلّها شخصت نحو ما يمكن أن يقوله السيد نصر الله، على وقع "حبس الأنفاس" المستمرّ منذ ارتكاب العدو الإسرائيلي لجريمته، التي تزامنت أيضًا مع جريمة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، فإنّ علامات الاستفهام بقيت مطروحة في أعقابه حول السيناريوهات والاحتمالات، فهل خفّض الخطاب أسهم "الحرب الشاملة" بعدما وصلت إلى ذروتها في الأيام الأخيرة، أم أنه رفعها بصورة أو بأخرى؟!
 
قواعد اشتباك جديدة
من استمع إلى خطاب السيد نصر الله لا بدّ أن يستنتج أنّ ما بعد جريمة اغتيال القائد العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر لن يكون كما قبله، على كلّ المستويات، بما في ذلك مستوى "الإسناد" الذي سيستمرّ على جبهة الجنوب، الذي عادت إلى نشاطها بعيد الخطاب مباشرة، وذلك بعد "تجميد قسري" لم يصمد طويلاً، علمًا أنّ الأمين العام للحزب كان واضحًا بأنّ عمليات الجبهة غير مرتبطة بالردّ على اغتيال شكر، الذي سيأتي منفصلاً، بالشكل والمضمون.
 
من ضمن الاستنتاجات أيضًا أنّ "جبهات الإسناد" بمجملها ستختلف بدورها عن المراحل السابقة، فما حصل من اغتيال لفؤاد شكر وإسماعيل هنية في ليلة واحدة، لا يُفهَم سوى في سياق "الضغط الميداني" على هذه الجبهات، وهو تحديدًا ما دفع السيد نصر الله للحديث عن "معركة كبرى ومفتوحة"، باعتبار أنّ "هذه لم تعد جبهات، بل معركة مفتوحة في كلّ الجبهات"، مشدّدًا على أنّها دخلت في "مرحلة جديدة"، وهنا بيت القصيد على هذا الصعيد.
 
بهذا المعنى، يتحدّث العارفون عن "قواعد اشتباك جديدة" ستدخل حيّز التنفيذ في المرحلة المقبلة، على مستوى الجبهة الجنوبية وغيرها من الجبهات، فالعدو الإسرائيلي هو الذي كسر قواعد الاشتباك السابقة، ولو لم تكن مُعلَنة، وهو الذي تجاوز كلّ الخطوط الحمر، وبذريعة يدرك القاصي والداني أنها كانت واهية، وبالتالي فلا بدّ من أن يتحمّل التبعات والنتائج، مهما بلغ مستوى الاستنفار الدولي، وفق قاعدة أنّه من بادر إلى الهجوم والغدر.
 
الردّ المنتظر وسيناريوهات الحرب 
بعيدًا عن الجبهة الجنوبية وقواعد الاشتباك الجديدة على خطّها، تبقى كلّ الأعين شاخصة نحو ردّ المقاومة على اغتيال قائدها العسكري، والذي كان السيد نصر الله أكثر من حازم في تمرير الرسائل بشأنه، بدءًا من "فصله" عن كل العمليات القائمة حاليًا على الجبهة الجنوبية، حتى لا يعتقد أحد أنّ الفاتورة سُدّدت بعملياتها، ولو كانت "نوعية"، وصولاً إلى تأكيد "حتميّته"، ليس فقط من باب ردّ الاعتبار، ولكن أيضًا من باب "الثأر" بما يليق بدم الشهيد شكر.
 
لكن، بموازاة التأكيد على هذه "الحتميّة"، ترك خطاب السيد نصر الله الباب مفتوحًا أمام الكثير من السيناريوهات "غير الحتمية"، فهو لم يحدّد شكل الرد، ولا توقيته، الأمر الذي يضعه العارفون بأدبيّات الحزب في خانة الرغبة بترك الإسرائيلي على تأهّبه واستنفاره، وهي الحالة التي بدأها منذ لحظة تنفيذ جريمته في الضاحية الجنوبية، ولو أكثر من التهديد والتهويل، وفق قاعدة أنّ الحرب تبقى مرهونة بردّة فعل "حزب الله" على الهجوم الإسرائيلي.
 
ومن الأسئلة التي تركها الخطاب مفتوحة، ذلك السؤال عن أسهم الحرب، التي لا شكّ أنّها وصلت إلى ذروتها في الأيام الأخيرة، ولكن ثمّة من يعتقد أنها عادت لتتراجع، ولو "نسبيًا" بعد الخطاب، للعديد من الأسباب، بينها ما فُهِم أنّ الرد "المحسوم" لن يكون فوريًا وانفعاليًا، بل مدروسًا، علمًا أنّ السيد نصر الله مرّر رسالة أساسيّة في هذا الصدد، حين قال إنّ محور المقاومة يقاتل "بغضب" لا بدّ من أنّ تفجير الضاحية زاده، ولكن أيضًا "بعقل وحكمة"، وهنا نقطة الارتكاز.
 
  إذا كان العدو الإسرائيلي "يرهن" الحرب المفتوحة كما يقول، بحسب حجم ردّ "حزب الله"، فإنّ الأخير يعتبر أنّ العدو هو الذي فتح باب المعركة المفتوحة بـ "العدوان" الذي شنّه على الضاحية الجنوبية لبيروت. ومع أنّ الحزب يؤكد على معيار "الحكمة" في التعامل مع ما حصل، فإنّ الثابت بالنسبة إليه أنّ "ردع" الجنون الإسرائيلي يبقى واجبًا عليه، حتى لا تصبح بيروت ساحة مستباحة بالنسبة إليه، مهما كلّف الأمر من تضحيات!
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: السید نصر الله حزب الله

إقرأ أيضاً:

الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب: يوم اعتقالي حاول الدعم السريع اغتيال البرهان

(نجوم في الحرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب لـ(الكرامة) (1-2) :
يوم اعتقالي حاول الدعم السريع اغتيال البرهان..
أفشلنا شراء المتمرد حميدتي لـ (250) مدرعة
الجنجويد أقدم من الإنقاذ
كنت معترضًا على تشكيل الدعم السريع ولم أتعاون في تجنيده..
أتوقع نهايةً قريبة للحرب بعكس ما يتوقع الناس..
هذه (….) هي السيناريوهات المتوقعة للحرب
حميدتي وجد من يدعمه سرًا وجهرًا
معنويات العدو منهارة وسلوكه الميداني يبشر بنصر كبير..
كنت في (….) عند اندلاع الحرب
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
ضيف مساحتنا لهذا اليوم رئيس هيئة الأركان السابق الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب، فماذا قال:
اليوم الأول للحرب أين كنت؟
بدايةً.. الحمد لله على ما أراد الله والصلاة والسلام على رسول الله.. وقبل الإجابة، لا بد من تحية احترام وتقدير وحب لهذا الشعب الذي ظل يضرب الأمثال ويؤكد أبدًا أنه شعب قوي مؤمن.. وقفة والتفاف الشعب بهذا الصبر وتلك التضحيات هي أول أسباب النصر الذي نراه قريبًا.. وهنا لا بد من تحية قوات الشعب المسلحة وكل من حمل السلاح من قوات نظامية أخرى، هيئة العمليات والشرطة والمجاهدين، وكل من ذاد عن هذا الوطن.. (ويجب أن يعود هذا الاسم).. قوات بذلت وقدمت الأرواح والدماء رخيصةً وحمايةً لهذا الشعب العظيم ونسأل الله أن يتقبل الشهداء وعاجل الشفاء للجرحى والمصابين ونسأله أن يعود كل الأسرى سالمين غانمين.
لحظة اندلاع الحرب كنت في القاهرة والتي وصلتها قبل أشهر من الحرب مستشفيًا.
كيف تلقيت نبأ الحرب؟
لم أتفاجأ بالحرب لأنها بالنسبة لي كانت متوقعة (حتى الناس الما عندهم خبرة في العمل العسكري) -المواطن العادي-كان يتوقع الحرب، وهناك تجارب كثيرة فى العديد من الدول مشابهة للسودان، يعني وجود أي قوة موازية للجيش وغير منضبطة او مدربة تدريبا كاملت تسبب فى ما حدث، وأذكر أنه حتى في أيام الاعتصام كان هنالك مناوشات وتصادم بين قوات الدعم السريع وبعض أفراد القوات المسلحة، وبالتالي الحرب كانت متوقعة بالنسبة لي وللكثيرين من الضباط، بل وبعض الذين لا علاقة لهم بالقوات المسلحة كانوا يتوقعون الحرب والغدر فهناك الكثير من المؤشرات كانت تؤكد قيام هذه الحرب.
حينما اندلعت الحرب هل كان كل أفراد أُسرتك معك؟
كان معي بعضهم وبعضهم في الخرطوم شهدوا الأشهر الأولى من الحرب.
تجربة الحرب بالنسبة للسودانيين؟
يجب أن يتم الاستفادة من هذه التجربة وهناك الكثير من الدروس المستفادة من هذه التجربة المريرة، (عشان كدا تاني الناس تفتح عينها وما تتهاون في كل ما يهدد الأمن الوطني سواء من الداخل أو الخارج، ويجب وضع القوانين الرادعة لحفظ حقوق السودانيين)، وهناك الكثير من الأمور المهمة التي يجب العمل فيها بحزم وتفعيلها للحفاظ على أمن هذا الوطن.
نشأة الجنجويد في دارفور تاثيرها فى ما حدث، وهل كانوا نواة لتطور الدعم السريع؟
نشأة الجنجويد أقدم من الإنقاذ نفسها، أما النواة فليس بهذا المعنى وهذا يحتاج إلى صفحاتٍ (نعِد بها). حميدتي في بداية صنعه لم يكن بهذا الطموح ولكن بعد إتاحة الفرصة له بالتوسع تنامى وبعد أن تضخم توقعنا منه ذلك خاصةً أنه وجد من يشجعه ويدعمه سرًا وجهرًا.
كيف تقرأ السيناريوهات المتوقعة للمعركة بحكم خبرتك العسكرية الطويلة؟
بالنسبة للسيناريوهات المتوقعة: واضح جدًا الانهزام الكبير للدعم السريع مع تفوق القوات المسلحة وقد يكون في البداية كان هنالك نقص في اليات القتال ولكن الآن من الواضح جدًا أنّ الجيش متفوق في كل النواحي.
القوات المسلحة وهيئة العمليات وقوات الشرطة والأمن والمجاهدين سطروا معركةً تاريخية وهي فعلًا معركة “كرامة”، وأتوقع نهاية قريبة جدًا وأسرع مما يتوقع الناس، ونؤكد أنّ المعركة في نهايتها وبنصر كبير يشفي قلوب السودانيين. لقد ابتُلي الشعب السوداني وكان قدر الامتحان.
معنويات العدو المنهارة وسلوكه في الميدان يبشر بهزيمته الكبيرة وانتصار ساحق للشعب السوداني الأبي.
ثمة أسرارٌ لم تكشف عن حقبة ما بعد التغيير ومن ضمنها العداء الذي كان بينك وبين المتمرد حميدتي؟
العداء بيني وبين المتمرد حميدتي قديم وأنا لم أصنعه، وأنا صراحةً كنت معترضًا حتى على تشكيل الدعم السريع ولم أتعاون في تجنيده، ورفضت من قبل تدريب أفراد منهم في 2013 ، ومنها بدأ العداء ثم تلا ذلك ممارسات الميليشيا في الأبيض وآخرها بعد التغيير عندما علمنا بأنّ حميدتي ينوي شراء 250 قطعةً مدرعة، وأنا وآخرون وقفنا ضد هذا الأمر وأفشلنا ذلك.
متى شعرت بخطورة الدعم السريع؟
شعرت بخطورة الدعم السريع مبكرًا.
الأسباب والدواعي؟
منذ أن تضخم المتمرد حميدتي كنت مستشعرًا لخطورة الأمر وكنا ندخل في صدام كثيرً، وأذكر أنه في يوم اعتقالي كانت هنالك محاولة لاغتيال البرهان من قبل الدعم السريع ولكن كشفتها الاستخبارات العسكريّة وأحبطت ذلك، ومحاولة اغتيال رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في بيت الضيافة يوم تمرد الدعم في 15 أبريل لم تكن الأولى.
نواصل..

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مقرب من نتنياهو يعرض خطة الحرب: نعرف مكان نصرالله وكلها أيام وتبدو ضاحية بيروت كغزة
  • منصات الدعاية الحربية .. ودورها في إزهاق الأرواح وتقويض جهود السلام
  • ”إسرائيل تكشف ان اغتيال حسن نصرالله بات وشيكاً ”
  • نائب إسرائيلي يُهدّد نصرالله.. هذا ما قاله عن إمكانيّة إستهدافه
  • الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب: يوم اعتقالي حاول الدعم السريع اغتيال البرهان
  • إسرائيل تطبق سياسة الحرب الشاملة.. وتحاول تهجير الفلسطينيين
  • ميلوني:  إيطاليا لن تتراجع عن دعمها لأوكرانيا
  • خطاب نتانياهو البائس
  • الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قائدي كتيبتين لـ "الجهاد" في دير البلح
  • هل يقرأ حزب الله خطاب الآخرين جيدًا؟