على مدار الأشهر الماضية تردد على ألسنة القادة السياسيين الأمريكيين وفي الكيان المحتل في فلسطين، وعلى لسان قادة المقومة في ردودهم على الفكرة، مصطلح "اليوم التالي" في سياق الحرب الدائرة في غزة، وهو مصطلح يشير إلى الخطط والتصورات التي يمكن وضعها للتعامل مع الوضع في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، هذه الخطط تهدف إلى التعامل مع التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تبرز بعد انتهاء العمليات العسكرية في غزة، وتتناول القضايا المتعلقة بإعادة الإعمار، وتأمين الخدمات الأساسية، وإعادة بناء المؤسسات المدنية، وهيكلة نظام الحكم والكيانات التي ستشارك فيه.
ليس ببعيد من هذا المصطلح ستعيش أوروبا خلال الأشهر القليلة القادمة و-تحديدا- حتى نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم نفس الأجواء، وسنسمع مصطلح اليوم التالي في أوروبا بعد إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية، الحليف الأكبر لأوروبا وحامي حماها. ولا يخفى على المراقبين أن هذا المصطلح متداول -بالفعل- بين ساسة الاتحاد الأوروبي وبين قادته، بل وجاء على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مجازا، خلال خطاباته لقادة اتحاد القارة العجوز، فقد فهم ماكرون هذه الرسائل، وحذر من ضعف أوروبا، وشدد على ضرورة أن تكون أوروبا مستعدة للدفاع عن نفسها ضد التهديدات الداخلية والخارجية وضد الأحزاب السياسية التي تسعى إلى هدم البيت الأوروبي بخطابها الشعبوي، لكن خشية ماكرون لها مبررها على مستوى علاقة القارة العجوز بحليفها الأكبر.. أمريكا.
عندما انسحب الرئيس الأمريكي جو بايدن من السباق الرئاسي، كان هناك ارتياح ملموس في معظم العواصم الأوروبية، في ظل تضاؤل دعم الرئيس الأمريكي لأوكرانيا في المدة الأخيرة، للتركيز على الشأن الداخلي الأمريكي، تاركا أوروبا تواجه مصيرها مع الدب الروسي، بعد أن أنهك أوروبا بإنفاق أكبر على التسليح الذاتي وضخ مثله لكييف من أجل أن تصمد كحائط صد أمام مخالب موسكو، لكن مخاطر انسحاب بايدن من السباق الرئاسي باتت أظهر بعد تقدم دونالد ترامب في استطلاعات الرأي، قبل أن تظهر كاملا هاريس في صورة المرشحين للتنافس على المكتب البيضاوي.
لقد تذكر الأوروبيون السنوات الأربع من رئاسة ترامب، بين عامي 2017 و2021، والتي أذاقهم فيها مرارة الإذلال بتذكيرهم دوما بأن بلاده هي من تقوم على حمايتهم، ما يعني مزيدا من الإنفاق العسكري من أجل عيون رفاه شعوبهم، وانتقد، بطبيعة الحال، حلف شمال الأطلسي، جنبا إلى جنب مع انتقاده للقوة الناعمة للاتحاد الأوروبي وقيمه، وما يجلبه الاتحاد من المزيد من الاستثمارات والسياحة، ما يعني أن على قادة أوروبا أن يسددوا فواتير الحماية للولايات المتحدة الأمريكية، وهي ذكريات تجعل من الأوروبيين قلقين إلى حد كبير من عودة ترامب.
بلا شك أوروبا 2017 ليست أوروبا اليوم؛ بعد عامين من الإنهاك الاقتصادي والأمني الذي تسببت فيه حرب أوكرانيا، ومن ثم فإن الأوروبيين غير مستعدين للتحولات التكتونية التي ستحدث في الولايات المتحدة.
أوروبا تواجه أخطارا كبيرة ومتعددة ومتشعبة؛ منها ما هو داخلي، والمتمثل في الصعود الصاروخي لليمين المتطرف في الانتخابات الأخيرة في جل الدول التي شهدت انتخابات في العامين الماضيين، وهو يزيح بعض أحزاب يمين الوسط إلى اليمين للتماهي مع المزاج الشعبي.
ومنها ما هو اقتصادي في ظل زيادة معدلات التضخم منذ بدء الحرب في أوكرانيا، التي أدت إلى اضطرابات في سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ففي شهر أيار/ مايو الماضي، بلغت نسبة التضخم السنوي في منطقة اليورو 2.6 في المئة زيادة عن الأشهر التي سبقته.
كما أن الاتحاد الأوروبي، ككيان، أصبح مهددا، في ظل تنامي خطاب بعض الأحزاب المعروفة اصطلاحا بـ"الأحزاب الأوروبية المتشككة" والتي تدعو إلى الانسحاب من الاتحاد، تحت مبرر السيادة الوطنية، وتعارض للسياسات الاقتصادية للاتحاد التي تراها تضر بالاقتصادات المحلية، وترفض قبول الاتحاد بموجات الهجرة التي تؤثر من وجهة نظرها على معدلات البطالة وتمحو الثقافات الوطنية بزيادة عدد المهاجرين.
يضاف إلى كل ما سبق مخاوف كبيرة في جميع أنحاء أوروبا فيما يتعلق بالأمن والاستقرار، على خلفية احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، لما تمثله مواقف ترامب التي لا يمكن التنبؤ بها، وتصريحاته إبان فترة رئاسته السابقة تجاه حلف الناتو ومنظومة الدفاع الأوروبي، وتشكيكه في إمكانية استمرار بلاده بالتزاماتها بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو، والتي تنص على الدفاع الجماعي بين أعضاء الحلف، خاصة في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا ومحاولة موسكو جر أوروبا لحرب أوسع، أو على الأقل التهديد بها من خلال بيلاروسيا، بالتزامن مع تصريحات ترامب حول إمكانية حل النزاع في جلسة مع بوتين، ما يعني احتمالية الدفع باتجاه حل سريع للنزاع على حساب وحدة أراضي أوكرانيا، وهو ما يعني بالنتيجة زعزعة استقرار المنطقة أكثر مما يقوض الوحدة الأوروبية.
كل هذه المخاوف تجعل أوروبا تقف على أطراف أصابعها حابسة أنفاسها في انتظار اليوم التالي للانتخابات الأمريكية في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، والتي سيحدد مصيرها إما "حمار" يرفسها أو "فيل" يهدمها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أوروبا ترامب امريكا روسيا أوروبا اوكرانيا ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الیوم التالی ما یعنی
إقرأ أيضاً:
“هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق
وأكمل بالقول: “معظم فترة الحرب، رفض نتنياهو مناقشة الترتيبات لما بعد الحرب في قطاع غزة، ولم يوافق على فتح باب لمشاركة السلطة الفلسطينية في غزة، واستمر في دفع سيناريو خيالي لهزيمة حماس بشكل تام. والآن، من يمكن الاعتقاد أنه اضطر للتسوية على أقل من ذلك بكثير”.
ورأى هرئيل أن رئيس حكومة العدو، هذا الأسبوع، قد حقق ما أراده، إذ إن حماس وضعت عوائق في طريق تنفيذ الدفعات التالية من المرحلة الأولى في صفقة الأسرى، لكن نتنياهو تمكن من التغلب عليها، على حد تعبيره، موضحًا أنه: “حتى منتصف الليل يوم الأحد، تأخر نتنياهو في الموافقة على عبور مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال القطاع، بعد أن تراجعت حماس عن وعدها بالإفراج عن الأسيرة أربيل يهود من “نير عوز””، ولكن بعد ذلك أعلنت حماس نيتها الإفراج عن الأسيرة، وفق زعمه، فعلّق هرئيل: “حماس وعدت، والوسطاء تعهدوا، أن يهود ستعود بعد غد مع الجندية الأخيرة آغام برغر ومع أسير “صهيوني” آخر، والدفعة التالية، التي تشمل ثلاثة أسرى “مدنيين” (من المستوطنين)، ستتم في يوم السبت القادم”. لذلك، قاد تعنّت نتنياهو – ومنعه عودة النازحين الفلسطينيين – على تسريع الإفراج عن ثلاثة أسرى صهاينة في أسبوع، على حد ادعاء الكاتب.
تابع هرئيل: “لكن في الصورة الكبيرة، قدمت حماس تنازلًا تكتيكيًّا لإكمال خطوة استراتيجية، أي عودة السكان إلى شمال القطاع”، مردفًا: “أنه بعد عودتهم إلى البلدات المدمرة، سيكون من الصعب على الكيان استئناف الحرب وإجلاء المواطنين مرة أخرى من المناطق التي عادت إليها حتى إذا انهار الاتفاق بعد ستة أسابيع من المرحلة الأولى”، مضيفًا: “على الرغم من نشر مقاولين أميركيين من البنتاغون في ممر “نِتساريم” للتأكد من عدم تهريب الأسلحة في السيارات، لا يوجد مراقبة للحشود التي تتحرك سيرًا على الأقدام، من المحتمل أن تتمكن حماس من تهريب الكثير من الأسلحة بهذه الطريقة، وفق زعمه، كما أن الجناح العسكري للحركة، الذي لم يتراجع تمامًا عن شمال القطاع، سيكون قادرًا على تجديد تدريجي لكوادره العملياتية”.
وادعى هرئيل أن حماس تلقت ضربة عسكرية كبيرة في الحرب، على الأرجح هي الأشد، ومع ذلك، لا يرى أن هناك حسمًا، مشيرًا إلى أن هذا هو مصدر الوعود التي يطلقها “وزير المالية في كيان الاحتلال” بتسلئيل سموتريتش، المتمسك بمقعده رغم معارضته لصفقة الأسرى، بشأن العودة السريعة للحرب التي ستحل المشكلة مرة واحدة وإلى الأبد، ويعتقد هرئيل أن: “الحقيقة بعيدة عن ذلك، استئناف الحرب لا يعتمد تقريبًا على نتنياهو، وبالتأكيد ليس على شركائه من “اليمين المتطرف”، القرار النهائي على الأرجح في يد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن المتوقع أن يستضيف الأخير نتنياهو قريبًا في واشنطن للاجتماع، وهذه المرة لا يمكن وصفه إلا بالمصيري”.
وأردف هرئيل ، وفقا لموقع العهد الاخباري: “ترامب يحب الضبابية والغموض، حتى يقرر، لذلك من الصعب جدًّا التنبؤ بسلوكه”، لافتًا إلى أنه وفقًا للإشارات التي تركها ترامب في الأسابيع الأخيرة، فإن اهتمامه الرئيسي ليس في استئناف الحرب بل في إنهائها، وأكمل قائلًا: “حاليًا، يبدو أن هذا هو الاتجاه الذي سيضغط فيه على نتنياهو لإتمام صفقة الأسرى، وصفقة ضخمة أميركية – سعودية – صهيونية وربما أيضًا للاعتراف، على الأقل شفهيًّا، برؤية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية”.
وقال هرئيل إن “نتنياهو، الذي أصرّ طوال السنوات أنه قادر على إدارة “الدولة” (الكيان) وأيضًا الوقوف أمام محكمة جنائية، جُرّ أمس مرة أخرى للإدلاء بشهادته في المحكمة المركزية، رغم أنه يبدو بوضوح أنه لم يتعاف بعد من العملية التي أجراها في بداية الشهر، واستغل الفرصة لنفي الشائعات التي تفيد بأنه يعاني من مرض عضال، لكنه لم يشرح بشكل علني حالته الصحية”، مشددًا على أن نتنياهو الآن، من خلال معاناته الشخصية والطبية والجنائية والسياسية، قد يُطلب منه مواجهة أكبر ضغط مارسه رئيس أميركي على رئيس وزراء الكيان الصهيوني.