الرباط – منذ مايو/أيار، تعيش مدينة سطات وسط المغرب على وقع انقطاع الماء الصالح للشرب، ما أثر على النشاطات اليومية للسكان، بينما أعلنت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء في المدينة، الشهر الماضي، أن التزوّد بالماء الصالح للشرب سيتوقف من العاشرة ليلا إلى السادسة صباحا يوميا، نتيجة ندرة المياه التي يشهدها الإقليم.

وليست مدينة سطات وحدها مَن تشهد انقطاعات متكررة لهذه المادة الحيوية، بل تعيش المشكلة نفسها مدن وقرى أخرى، في انعكاس لأزمة الموارد المائية التي تعيشها المملكة المغربية بسبب تعاقب سنوات الجفاف لسنوات متوالية واستنزاف الفرشة المائية (الاحتياط المائي).

أنابيب الربط بين الأحواض المائية في انتظار تركيبها في جهة فاس (الجزيرة) خطط الحكومة

وتسابق الحكومة الزمن لتنفيذ عدد من المشاريع التي أطلقتها للتعامل مع أزمة ندرة المياه وتجنب أسوأ السيناريوهات، وهو توقف الصنابير عن تزويد المواطنين بالماء الصالح للشرب، وتضرر القطاع الفلاحي (الزراعي) الذي يستهلك معظم الموارد المائية للبلاد.

وأطلقت الحكومة بداية العام الجاري مخطط عمل استعجالي للتعامل مع هذه الأزمة المتفاقمة، يتضمن مجموعة تدابير من بينها:

تسريع إنجاز سدود كبيرة ومتوسطة وصغيرة. إنجاز آبار وحُفر استكشافية لاستغلالها في دعم التزويد بالماء الصالح للشرب. بناء محطات تحلية مياه البحر لتزويد المدن الساحلية. إعادة استعمال المياه العادمة لسقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف. إنجاز مشروع الربط بين الأحواض المائية.

ويوجد في المغرب حاليا 153 سدا كبيرا، بسعة إجمالية تصل إلى 20 مليار متر مكعب، و141 سدا صغيرا ومتوسطا، و15 محطة لتحلية مياه البحر، بقدرة إنتاجية 192 مليون متر مكعب و17 منشأة لتحويل المياه. وتطمح السلطات لبناء المزيد من محطات تحلية مياه البحر في المدن الساحلية بهدف تعبئة أكثر من 1.7 مليار متر مكعب سنويا.

الهدف الإستراتيجي

رغم إقرار الفاعلين والخبراء في المجال بأهمية المشاريع والخطط والبرامج التي أعلنتها الحكومة، إلا أن التأخر في تنفيذها على الأرض جعل الأزمة تصل إلى بيوت المواطنين.

وفي خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الـ25 لتوليه العرش، ركز العاهل المغربي محمد السادس على معضلة المياه، في إشارة إلى حساسية الموضوع وأولويته بالنسبة للدولة في الوقت الراهن، وأكد أن الهدف الإستراتيجي للسياسة الوطنية بخصوص الماء يتمثل في ضمان وصول ماء الشرب لجميع المواطنين وتوفير 80% على الأقل من احتياجات السقي.

ودعا الملك إلى تسريع إنجاز عدد من المشاريع الكبرى من بينها:

استكمال برنامج بناء السدود، وإعطاء الأسبقية للمشاريع المبرمجة بعض المناطق. تسريع إنجاز المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية، وذلك بربط حوض واد لاو واللكوس بحوض أم الربيع. تسريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر حسب البرنامج المحدد لها. الحزم في حماية الملكية العامة لمصادر المياه، وتفعيل شرطة الماء، والحد من ظاهرة الاستغلال المفرط والضخ العشوائي. اعتماد برنامج أكثر طموحا في مجال معالجة المياه وإعادة استعمالها، وتشجيع الابتكار، واستثمار ما تتيحه التكنولوجيا الجديدة.

وأكد الملك أن هذه المشاريع ستمكن المغرب، في أفق عام 2030، من تغطية أكثر من نصف حاجياته من الماء الصالح للشرب من هذه المحطات، إضافة إلى سقي مساحات زراعية كبرى، بما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي للبلاد.

وشدد على بذل المزيد من التنسيق والانسجام بين السياستين المائية والزراعية، لا سيما في فترات الخصاص (شح الماء)، مع العمل على تعميم الري بالتنقيط.

وفي اليوم التالي للخطاب، اجتمعت لجنة قيادة البرنامج الوطني للتزويد بمياه الشرب والسقي برئاسة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وبحثت سبل تطبيق محاور البرنامج بما يراعي تسريع إنجاز مختلف الاستثمارات المستعجلة.

وقال وزير التجهيز والماء نزار بركة، في تدوينة، إن المملكة لم تركن إلى الانتظار لمواجهة توالي سنوات الجفاف وندرة المياه، بل أخذت زمام أمرها وأطلقت ترسانة متكاملة من السياسات والحلول المبتكرة، مؤكدا على ضرورة تآزر الأفراد والمؤسسات من أجل تحقيق الهدف الإستراتيجي الذي حدده الملك في خطابه.

بعض الباحثين دعوا إلى تقليص الزراعات المستنزفة للمياه والموجهة في أغلبها للتصدير (الجزيرة) تأخير التنفيذ

ترى الباحثة في الهندسة البيئية والتنمية المستدامة أميمة الخليل الفن، أن المغرب رغم الوضع الحرج في موارده المائية، إلا أنه ما يزال قادرا على تدبير الأزمة بتوفير ماء الشرب للمواطنين، رغم الانقطاعات المؤقتة التي تشهدها بعض المناطق.

وقالت في حديثها للجزيرة نت، إن الخطط والبرامج ذات بُعد استشرافي وطموحة، إلا أن العائق الذي تواجهه هو التأخير في تنفيذها، لذلك تعتبر أن التحدي الذي تواجهه المملكة حاليا يتمثل في إنجاز هذه البرامج بطريقة مستعجلة من أجل تدارك الوضع، منبهة إلى أنه "إذا تأخرنا كثيرا سيزداد الوضع حرجا".

وأكدت على ضرورة التسريع بتنفيذ التدابير المتعلقة بإحداث توازن بين الطموحات في السياسة الزراعية والموارد المائية المتوفرة، والاستثمار في البحث العلمي والابتكار، إلى جانب تفعيل الأجهزة القانونية المتعلقة بالماء والبيئة، وخاصة شرطة الماء التي تلعب دورا حيويا في تدبير المجال المائي، وهذا سيمكن المغرب من تجاوز الأزمة، حسب الباحثة.

أزمة مطولة

ويؤكد أستاذ الجغرافيا والباحث في القضايا الجيوإستراتيجية موسى المالكي، أن نجاح السياسة المائية بالمغرب رهين بمزيد من الانسجام والتنسيق بين السياستين المائية والزراعية، مشيرا إلى أن القطاع الزراعي كركيزة اقتصادية وطنية يبقى المستهلك الأول للموارد المائية بما يفوق 80%.

وأكد المتحدث للجزيرة نت، على ضرورة الاقتصاد بالمياه الموجهة للري بشكل كبير، والحد من الاستنزاف الخطير الذي عرفه المخزون المائي لعقود، وبالتالي مراجعة الخريطة الزراعية المغربية، لكي تراعي الوضعية المناخية الجديدة.

كما دعا إلى تقليص الزراعات المستنزفة للمياه والموجهة في أغلبها للتصدير، مثل الحوامض والطماطم والفراولة والأفوكادو، والتركيز على منتجات أخرى يستهلكها المغاربة أكثر وتستهلك كميات مياه أقل، وفي مقدمتها الحبوب والقمح والشمندر، وبعض الزراعات العلفية والقطن والنباتات الطبية والعطرية، والتمور والزيتون وغيرها.

أما المهدي الفاطمي، البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض وعضو لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، فيرى أن تحدي ندرة المياه تواجهه الحكومة والحكومات المقبلة، وعلى المجتمع المغربي أن يعي أن هذه الأزمة ستلاحقنا في السنوات القادمة.

وقال إن التعامل مع هذه الأزمة يتجاوز الحكومة، بل هي مسألة تهم الدولة والمجتمع ككل، وعلى الجميع رصد كل الإمكانيات للتغلب على هذا الوضع واحتوائه، مؤكدا على أهمية الاستعمال العقلاني للمياه في المنازل والقطاع الزراعي.

وبمقابل الدعوات لمنع الزراعات المستهلكة للمياه، يرى الفاطمي أنه من الأفضل توطينها في المناطق التي تتوفر فيها موارد مائية أكثر كالمناطق الشمالية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الماء الصالح للشرب ندرة المیاه تسریع إنجاز میاه البحر

إقرأ أيضاً:

المبالغ وصلت الى الإقليم لكن حكومة كردستان لم تحدد موعد صرف الرواتب.. أين الاشكال؟

بغداد اليوم- أربيل

أكد مصدر مطلع، اليوم الجمعة (20 كانون الأول 2024)، أن حكومة إقليم كردستان لم تحدد حتى الآن وقتا لتوزيع رواتب موظفي الإقليم لشهر تشرين الثاني.

وقال المصدر في حديث لـ"بغداد اليوم" إنه "بالرغم من إرسال الحكومة الاتحادية مبلغ 631 مليار دينار، كرواتب لشهر 11، إلا أن حكومة الإقليم لم تقرر حتى الآن موعد مباشرة صرف الرواتب".

وأضاف أنه "يوم الاثنين المقبل الموافق 23 من الشهر الحالي سيتم الانتهاء من صرف رواتب الشهر العاشر"، مشيراً الى أن "حكومة الإقليم تؤكد أنها بحاجة لأكثر من 250 مليار دينار، كي تتمكن من صرف رواتب الموظفين للشهر 11 كاملة".

وكانت وزارة المالية والاقتصاد في إقليم كردستان، أعلنت اول أمس الثلاثاء، أن وزارة المالية في الحكومة الاتحادية أرسلت أكثر من 631 مليار دينار لتمويل رواتب شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

وفي وقت سابق من صباح أمس الأربعاء، أعلنت حكومة إقليم كردستان، البدء بصرف رواتب الموظفين والعاملين بالقطاع العام لشهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

مقالات مشابهة

  • الحكومة ترصد 27 مليار لبناء مراكز طمر وتثمين النفايات وتأهيل المطارح وطنيا
  • كم وصلت حصيلة شهداء وجرحى الحرب على قطاع غزة؟
  • عاجل | سكان مدينة 15 مايو يناشدون رئيس الوزراء التدخل لحل أزمة المياه
  • آخر ما وصلت إليه مفاوضات غزة ومستجدات المرحلة الأولى - لا ضمانات
  • وزير الأوقاف: مبادرة حياة كريمة وصلت إلى 35 مليون مصري
  • رولين القاسم: التصالح مع النفس بداية لتجاوز التوتر والضغوط الحياتية
  • أزمة سقف الدين تتصاعد وشبح الإغلاق يلوح في الأفق: مجلس النواب الأمريكي يرفض خطة ترامب لتمويل الحكومة
  • المبالغ وصلت الى الإقليم لكن حكومة كردستان لم تحدد موعد صرف الرواتب.. أين الاشكال؟
  • بنكيران يدعو رئيس الحكومة المغربية إلى الاستقالة بسبب تضارب المصالح
  • فوائد شرب المياه في الشتاء.. يزيل السموم من الجسم