رشا عوض
عند مناقشة السؤال حول من هو الطرف او الأطراف المسؤولة عن اشعال هذه الحرب، يأتي البلابسة والكيزان الظاهرون والمستترون فيجتهدون في إثبات ان قوى الحرية والتغيير مسؤولة عن اشعال الحرب ! لماذا؟ لأنها خانت شعار العسكر للثكنات والجنجويد ينحل! ويرددون بمنتهى البساطة : لو قحت حلت الجنجويد ما كان الحرب قامت!!
والمصيبة ان هناك من يوزع مثل هذا العلف باسم الثورة والثوار!
موزعو هذا العلف لا يجتهدون مطلقا في شرح الكيفية العملية التي كان يجب ان تتبعها قحت في حل الجنجويد وهي قوى مدنية لا جيش لها، ولكن السؤال المنطقي إذا كان حل الجنجويد امرا سهلا ويتحقق بمجرد الرغبة فيه واعلان هذه الرغبة في شكل قرار مذاع في وسائل الاعلام، لماذا لم يتم حل الجنجويد خلال هذه الحرب التي دخلت الان شهرها السادس عشر؟ هل من المنطق ان نحاصر المدنيين العزل بسؤال حل قوات عسكرية قوامها اكثر من مائة الف جندي ام نحاصر به الجهة السياسية التي تمتلك الجيش والاحتياطي المركزي وهيئة العمليات بجهاز الامن وكتائب الظل كالبراء بن مالك والبنيان المرصوص والمستنفرين! اي نحاصر به الجهة المسؤولة اساسا عن خلق واقع تعدد الجيوش في البلاد بانشاء قوات الدعم السريع وتقنين وجودها كجيش نظامي موازي للجيش ؟!
هذه الجهة هي نظام الكيزان وليس قحت التي وجدت الدعم السريع كامر واقع يستحيل ان يزال بجرة قلم كما اثبتت هذه الحرب!
بدليل ان كل الهيلمانة العسكرية من جيش وكتائب كيزانية وهيئة عمليات واحتياطي مركزي ومستنفرين انخرطت في حرب ضروس هدفها كما اعلنه الكيزان هو حل الدعم السريع وقد صدر قرار الحل من قائد الجيش شخصيا وهذا القرار قيد التنفيذ منذ 15 ابريل 2023 حتى الان فهل انحل الجنجويد؟ هل مؤشرات الميدان العسكري تشير الى ان الامور تمضي في اتجاه حل الجنجويد ام ان النتيجة الشاخصة امامنا هي ان الدعم السريع سيطر على اكثر من نصف مساحة البلد ويهدد ماتبقى من اقاليم ولو استمرت الحرب لن يكون الافق مفتوحا على حل الجنجويد واستعادة الكيزان لسلطتهم بواسطة الجيش وكتائب الظل كما يحلمون بل سيكون مفتوحا على تقسيم البلاد الى مناطق نفوذ متصارعة على احسن الفروض!
يعني باختصار الدرس المستفاد من هذه الحرب هو ان موضوع حل الجنجويد ليس بالتبسيط الطفولي والاستسهال الذي يتحدث به البعض لمجرد النكاية في الحرية والتغيير.
بمنطق القوى المدنية الديمقراطية الملتزمة بالنضال السلمي، الحل الوحيد الممكن لمعضلة “تعدد الجيوش” هو عملية اصلاح امني وعسكري تهدف لبناء جيش مهني قومي واحد في سياق دولة مدنية لا يسمح دستورها للجيش بممارسة السياسة، ولكي يتحقق ذلك بصورة سلمية لا بد من مساومة محسوبة بعناية مع قيادات الجيوش المتعددة الموجودة بالفعل في الساحة تتركز حول تعاون هذه القيادات في انجاح مسار التحول الديمقراطي والاصلاح الامني والعسكري مقابل عفو مشروط بمغادرة الملعب السياسي، وعدم مصادرة الاموال الخاصة بشرط بسط ولاية وزارة المالية على كل الشركات الامنية والعسكرية وتحصين المستقبل من اي سيطرة عسكرية على المال العام، وكل ذلك يحتاج لتصميم نموذج سوداني للعدالة الانتقالية هدفه شراء المستقبل دون نسيان الماضي بالكامل، ولكن بتقديم تنازلات محسوبة لتفادي المواجهات العسكرية الاستئصالية وما تجره على البلاد من دمار شامل.
أداء القوى المدنية في الفترة الانتقالية لم يكن بمستوى التحدي الذي يواجه البلاد، واهم مواطن التقصير كان في الالتحام بالشارع الثوري الحقيقي والاستثمار فيه لتنظيم وتكثيف الضغوط السياسية على العسكر، ولكن هذا ليس السبب الرئيس لفشل الفترة الانتقالية من وجهة نظري، السبب الرئيس هو ان الأطراف العسكرية لم تكن راغبة مطلقا في الخروج من معادلة السلطة، بل كان رهانها الاستراتيجي هو اضعاف المدنيين عبر تقسيمهم وشيطنتهم ثم الاطاحة بهم ثم الاستيلاء على السلطة كاملة ، اما الكيزان فكان رهانهم الاستراتيجي استغلال الجيش في الانقلاب على الثورة وتصفيتها نهائيا ولا مانع لديهم من استيعاب الدعم السريع كشريك اصغر كسابق عهده وفي حالة رفضه تتم ازاحته بالقوة.
هذه الرهانات العسكر كيزانية هي التي جعلت الحرب حتمية، اضف الى ذلك الايدي الخارجية التي كانت حاضرة بكثافة في الشأن السوداني، ورهان الاقليم كله على الحكم العسكري في السودان وإجهاض الحكم المدني.
من حق اي تيار سياسي ان يكون معارضا جذريا للحرية والتغيير، فهذا حق ديمقراطي، ومؤكد للحرية والتغيير اخطاء واخفاقات تستوجب المساءلة الصارمة، ولكن النزاهة تقتضي عدم التدليس السياسي وانكار الحقائق الموضوعية لمجرد إدانة الخصم! النزاهة تقتضي محاكمة القوى السياسية المدنية في حدود الممكنات الواقعية لا الممكنات المتخيلة، ومحاسبتتها على تقصيرها فيما تستطيع فعله ولكنها تخاذلت عن فعله.
الدعم السريع معضلة كبيرة من معضلات السياسة السودانية لم تصنعها قحت كما يحاول الكيزان ايهام الناس ويساعدهم في اشاعة هذا الوهم كثير من المتواطئين او المغفلين.
الكيزان الذين صنعوا هذه المعضلة اقتنع بعضهم الان، وبعد ان دمروا البلاد بالحرب بالحل التفاوضي ولكن بشرط ان يقود التفاوض الى استئصال اجندة الانتقال المدني الديمقراطي، وما زال البعض متمترسا في خندق استمرار الحرب وان ضاعت البلاد وانهارت تماما.
القوى المدنية الديمقراطية يجب ان تظل متمسكة براية لا للحرب، وان تعمل ما في وسعها لان تتوقف الحرب على اساس حل يحقق السلام المستدام والتحول الديمقراطي، اما ان توقفت الحرب على اساس استبداد عسكري جديد، او على اساس تسوية اليد العليا فيها للعسكر فعلى القوى المدنية ان توحد صفوفها من اجل خوض معركة التحول الديمقراطي وهي معركة تاريخية طويلة.
، لا معنى لان تكون القوى المدنية منخرطة في تخوين وتجريم بعضها البعض على خلفية الموقف من هذه الحرب في حين ان غاية الحرب هي استئصال الحياة المدنية الديمقراطية.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى المدنیة الدعم السریع هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
أسرة ضابط سابق في الدعم السريع تطالب بالإفراج عنه بعد اعتقاله عشرة أشهر
متابعات تاق برس- طالبت أسرة الفريق علي النصيح القلع بالإفراج عنه بعد اعتقاله منذ 25 يناير 2025، مشيرة إلى أنه تم اعتقاله بالقوة وإخفاؤه في مكان مجهول، وأنها لا تعرف ظروف احتجازه، مع التأكيد على أنه مريض.
وأوضحت الأسرة أن القلع اعتُقل على يد الاستخبارات العسكرية عقب سيطرة القوات المسلحة على مصفاة الجيلي شمال بحري، حيث كان يقيم منذ اندلاع الحرب.
وأكدت أن نشاطه الإنساني خلال تلك الفترة، عبر مساعدة العالقين في مناطق الجيلي وشمال بحري بتوفير الطعام والدواء، قد جلب له مضايقات من قوات الدعم السريع التي كانت تسيطر على المنطقة آنذاك.
وأشار ابن القلع إلى أن والده قبل أيام من اندلاع الحرب كان مسؤولًا عن قاعدة قري العسكرية (معسكر الدعم السريع)، حيث أشرف على تسليم ما يزيد عن 15 ألف مستجد من القوات المجهزة للحرب، مع الحفاظ على السلاح والمسار القانوني للمعسكر.
وأضاف أن والده كان من أوائل ضباط الأمن الذين سلّموا مواقعهم في بداية الحرب، مؤكدًا على تمسكه بالمبادئ الواضحة وعدم الانخراط في المواقف الرمادية. وقال: “أنا لسه في المعسكر والضرب شغال وما معروف أطلع ولا ما أطلع، ناطقًا بالشهادة، موصيًا إيّاي بالثبات”.
وأوضح أن والده تعرض خلال خروجه من المعسكر لمحاولة اغتيال من الجنجويد، أُطلقت خلالها الرصاصات على سيارته، لكنه نجا بأعجوبة.
يُذكر أن القلع كان أحد مؤسسي قوات الدعم السريع وشغل منصب قائد العمليات فيها حين كانت تتبع لهيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات قبل تقاعده عام 2015.
وتؤكد الأسرة أن نشاطه الإنساني في مناطق النزاع لم يتوقف، رغم المخاطر التي واجهها خلال الحرب.
وطالبت الأسرة الجهات القانونية والعدلية، والمنظمات الحقوقية، وأصحاب الضمير الحي، بالتحرك للإفراج عن القلع ومعرفة ملابسات اعتقاله الذي وصفته بالتعسفي.
اعتقال الفريق القلعالدعم السريعالفريق القلع