بعد أن دخلت الحرب شهرها الرابع بعد السنة، تطورت لمرحلة شديدة الخطورة، بحادثة استهداف قائد الجيش بطائرة مسيرة، وهو يحتفل بتخريج دفعة جديدة من ضباط الكلية الحربية، وهذا يطرق جرس الانذار المبكر ويلفت الانتباه لتعقيدات الوضع الداخلي لتحالف الحرب، الذي يجمع مليشيات حزب المؤتمر الوطني – الاخوان المسلمين، بالحركات المسلحة المفارقة للحياد، ثم بقايا الجنود التابعين للجيش والذين لا لون سياسي يجمعهم، وفي خضم الصراع من أجل الحظوة بقيادة الجيش المهزوم، كان هنالك تياران قويان يتصارعان في الخفاء داخل هذه المؤسسة، إلى أن ظهر الخلاف للعلن في شهر رمضان الماضي، حينما استهدفت طائرة مسيرة (مجهولة المصدر) إفطاراً رمضانياً لقادة مليشيا الاخوان المسلمين بمدينة عطبرة، ثم تبعها هجوم على قيادة فرقة "شندي" تزامناً مع زيارة قائد الجيش، وقد ختم مسك الخلاف بين جناحي الجيش – الجناح الجانح للسلم والآخر القائم على الحرب، في حادثة "جبيت" يوم أمس، حيث فرحة الاحتفال التي لم تتم، ففر قائد الجيش دون أن تكتمل المراسم، وهنا لا يفوتنا أن نذّكر برأي بعض المحللين العسكريين يوم أن اندلعت الحرب، عندما نصحوا بضرورة انهائها في أقرب وقت، لأنه وبحسب رأيهم وبحكم وضعية السودان الجيوسياسية، أن الاستمرار في الحرب يؤدي إلى تطورها ودخولها مراحل أكثر قسوة ووحشية، وقد لاحظنا ذلك بعد دخول عناصر إرهابية متخصصة في ارتكاب جرائم الإرهاب الدولي، فأدخلت سلوكاً شاذاً على قواعد الاشتباك المتعارف عليها دولياً، فشاهدنا إرهابيين من داعش يبقرون البطون ويأكلون الأحشاء الآدمية، ورأينا متطرفين يسلخون الإنسان كسلخ الشاة، وأمس نظر المشاهد نقلاً حياً لمسيرة قاصفة لمرافقي ومساعدي قائد الجيش، بمنطقة "جبيت" بشرق السودان، في تصعيد كبير بين الفريقين المتنازعين داخل مؤسسة الجيش، الذي يحتوي على مكونات متناقضة – حركات مسلحة – جيش – كتائب إرهابية.


عندما هجمت جماعة إرهابية قبل سنوات على مدرسة ابتدائية ببشاور – باكستان، واغتال المهاجمون براءة الأطفال في مجزرة بشعة هزّت الضمير الإنساني، بحثنا عن دوافع تلك الجريمة النكراء فعلمنا أن الجيش الباكستاني قد قصف منطقة القبائل، قبل حدوث تلك الحادثة، فقتل أطفال البدو القاطنين للجبال، فانتقم البدو وارتكبوا مجزرة المدرسة التي يدرس بها أبناء القادة الكبار بالجيش ورموز السلطة، من ذوي القرار السياسي، تلك الجرائم الانتقامية ودوافعها انتقلت صورة بالكربون لسوح حرب السودان، فجاء القتل على أساس الهوية القبلية في أحياء المدن المسيطر عليها الجيش، وتم الاستهداف العرقي لمن يطلقون عليهم (حواضن المتمردين)، وعلى الرغم من ضبط النفس الذي يجيده جنود قوات الدعم السريع، الذين فرضت عليهم الحرب دفاعاً عن عدوان الجيش الغاشم، إلّا أنه لا توجد ضمانات حتى لا يفقد جنود وضباط وضباط صف قوات الدعم السريع أعصابهم، ويتوجهون بذات الحملات الانتقامية للأفراد والجماعات التي ينحدر منها قادة الجيش، وهذه طبيعة الإنسان، أن يسترد حقه بيده عندما تزول هيبة الدولة ويسود قانون الغاب – القوي آكل والضعيف مأكول، وأقصى ما أخشاه هو تعرض مجتمعات قادة الجيش المنتشرين في الولايات المحسوبة على (المتمردين)، لاستهداف عرقي وقبلي وجهوي، فحروب افريقيا معروفة بقسوتها وخروجها عن نطاق الأخلاق والقواعد الضابطة، فهي ليست مثل الحرب التي نشبت بين روسيا وأوكرانيا، التي ساهم الجيشان فيها بفتح المعابر لتسهيل مرور الفارين من جحيمها، دون أن يتعرض الجيشان للهاربين من المأساة بالقنص، بعكس ما يحدث في إفريقيا، التي عندما تندلع فيها الحروب السياسية تلقائياً تتحول لحروب أهلية، تشن القبائل فيها حرباً ضروساً ضد بعضها، من منطلقات الولاءات القبلية التي تعتبر السمة الأبرز في تكوين الأحزاب السياسية.
وقد رصدنا في الآونة الأخيرة الهروب الكبير لرموز حزب المؤتمر الوطني، من بورتسودان العاصمة الاضطرارية إلى عواصم الدول الصديقة لتنظيم لإخوان المسلمين، وخاصة أولئك المطلوبين للعدالة لارتكابهم جرائم حرب، ما يدل دلالة قاطعة على أن المحطة القادمة من الحرب إن لم تضع أوزارها، ستكون الأعنف والأكثر دموية من حروب رواندا والكنغو، فربما استدرك الغرب والإقليم كارثية الوضع لو أن هذه الحرب لم تُلجم ويُلجم مشعلوها (الإخوان المسلمون)، حتى الجارة الشمالية رأينا الذعر في عينيها، وهي تعمل بكل جد واجتهاد لتغلق الباب الجنوبي الذي تأتي منه الريح الصر صر العاتية، فظاهرة الاغتيالات والتصفيات قد بدأت فعلاً منذ أن استهدف الجيش قيادات بارزة وفاعلة لقوات الدعم السريع، وهذا بالمقابل سيدفع الأخيرة لفعل الأمر نفسه بحكم أنه لا يوجد حد أفضل من حد، من حيث العتاد والمعدات والتقنيات والأفراد الاستخباريين المحترفين، فلو لطف الله بالعباد في أرض السودان لجنبهم تمددها، ولهدى الفاعلين فيها بخفض سقوف أجنداتهم المطروحة لحل النزاع، ولو رجعنا إلى يوم اندلاع الحرب وسمعنا قول الرجلين القائدين للجيشين، حينما ألقت على مسمعيهما مذيعة القناة التلفزيونية هذا السؤال: متى تنتهي الحرب؟، لعلمنا أن إجابة قائد قوات الدعم السريع قد احتوت على خبرة الرجل الذي عايش مآسي الحروب، بعكس رد قائد الجيش المخضرم الذي رغم كبر سنّه إلّا أنه كان غارقا في الطوباوية، حينما قال بأن الحرب ستضع أوزارها قريباً، بينما كان رد الفتى البدوي المشبّع بفراسة البادية، أن لا أحد يمكنه التكهن بنهايات الحروب.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع قائد الجیش

إقرأ أيضاً:

مسؤول سوداني: النساء يمثلن 98% من الأسر التي تعاني أوضاعًا قاسية

أكد مسؤول بحكومة ولاية الخرطوم، ضرورة توفيق أوضاع مراكز الإيواء وزيادة المساحات الآمنة باستخدام منهجية صحيحة لمعالجة أوضاع المتأثرين.

الخرطوم: التغيير

قال مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم صديق حسن فريني، إن النساء يمثلن 98% من الأسر التي تعاني أوضاعًا قاسية، مما يستدعي تكثيف الجهود لدعمهن عبر برامج مكافحة الفقر والتنمية المجتمعية.

وعانت مناطق العاصمة السودانية الخرطوم من أوضاع قاسية عقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف ابريل 2023م، والتي خلفت آلاف القتلى والجرحى وأدت لانهيار البنية الاقتصادية.

وتحدث فريني اليوم السبت في المنبر التنويري الدوري الأول بالولاية نظمته وكالة السودان للأنباء (سونا) بأم درمان، لمناقشة دور العمل الاجتماعي والإنساني في ظل الحرب.

وأشار فريني، إلى جهود وزارته في دعم الفئات الأكثر تأثراً بالحرب، لا سيما الأطفال، المسنين، والنساء، خاصة في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة.

ونبه إلى أهمية دور التكايا في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وشدد على ضرورة تعزيز الدعم والتكامل لتحقيق الاستقرار بولاية الخرطوم.

واستعرض فريني جهود الوزارة في دعم صندوق تشغيل الخريجين، بما يسهم في خلق فرص عمل وتحسين أوضاع الشباب.

وأكد أن وزارة التنمية الاجتماعية، رغم تأثرها بالحرب، تواصل أداء مهامها من خلال إدارة ثمانية دور إيواء.

وأشار إلى أن أول إصابة في الحرب كانت من أطفال المدينة الاجتماعية، التي كانت بجوار المدينة الرياضية.

وأضاف أن الوزارة أسهمت في تقديم الدعم النفسي للمتضررين حتى بعد الحرب، خاصة خلال فترات الامتحانات.

ونوه إلى تأثير الحرب على الأشخاص ذوي الإعاقة، وشدد على ضرورة توفيق أوضاع مراكز الإيواء وزيادة المساحات الآمنة في الخرطوم باستخدام منهجية صحيحة لمعالجة أوضاع المتأثرين.

وأعلن فريني أن والي الخرطوم وافق على إعادة تشغيل مؤسسة التنمية الاجتماعية، وأكد استعادة قاعدة البيانات، ولفت إلى افتتاح بنك الادخار غدًا، بهدف تقديم خدماته للفئات الفقيرة استجابةً لواقع الحرب.

وأوضح أن الوزارة التزمت بتقديم أفضل الخدمات لمراكز الإيواء، حيث تم وضع لائحة لتنظيم عملها، إلى جانب تأسيس شراكات حقيقية لضمان الشفافية في إدارتها.

الوسومالجيش الحرب الخرطوم الدعم السريع السودان تشغيل الخريجين صديق حسن فريني وزارة التنمية الاجتماعية

مقالات مشابهة

  • قائد الجيش السوداني يضع شرطا صارما للسلام مع الدعم السريع
  • رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون
  • واشنطن بوست: شركة تركية متورطة في تزويد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة وشحنة أسلحة سرية
  •  مقتل 9 مدنيين في قصف مدينة استعادها الجيش السوداني  
  • الجيش يهاجم الدعم السريع بعدة جبهات ويسعى للسيطرة على مركز الخرطوم
  • مناوي: قائد الدعم السريع هدد بإحراق الخرطوم قبل اندلاع الحرب
  • أي دور للإمارات في حرب السودان بين الجيش و”الدعم السريع”؟
  • نازحات في يومهِنّ!!
  • مسؤول سوداني: النساء يمثلن 98% من الأسر التي تعاني أوضاعًا قاسية
  • شاهد بالفيديو.. اللاعب علاء الدين طيارة ينبه جنود الدعم السريع لمواعيد تحرك الجيش والأوقات التي يكثف فيها هجماته في رمضان وساخرون: (انت بعد الحرب تنتهي مفروض يربطوك في سوخوي وتموت خلعة بس)