تطورات حرب السودان – الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
بعد أن دخلت الحرب شهرها الرابع بعد السنة، تطورت لمرحلة شديدة الخطورة، بحادثة استهداف قائد الجيش بطائرة مسيرة، وهو يحتفل بتخريج دفعة جديدة من ضباط الكلية الحربية، وهذا يطرق جرس الانذار المبكر ويلفت الانتباه لتعقيدات الوضع الداخلي لتحالف الحرب، الذي يجمع مليشيات حزب المؤتمر الوطني – الاخوان المسلمين، بالحركات المسلحة المفارقة للحياد، ثم بقايا الجنود التابعين للجيش والذين لا لون سياسي يجمعهم، وفي خضم الصراع من أجل الحظوة بقيادة الجيش المهزوم، كان هنالك تياران قويان يتصارعان في الخفاء داخل هذه المؤسسة، إلى أن ظهر الخلاف للعلن في شهر رمضان الماضي، حينما استهدفت طائرة مسيرة (مجهولة المصدر) إفطاراً رمضانياً لقادة مليشيا الاخوان المسلمين بمدينة عطبرة، ثم تبعها هجوم على قيادة فرقة "شندي" تزامناً مع زيارة قائد الجيش، وقد ختم مسك الخلاف بين جناحي الجيش – الجناح الجانح للسلم والآخر القائم على الحرب، في حادثة "جبيت" يوم أمس، حيث فرحة الاحتفال التي لم تتم، ففر قائد الجيش دون أن تكتمل المراسم، وهنا لا يفوتنا أن نذّكر برأي بعض المحللين العسكريين يوم أن اندلعت الحرب، عندما نصحوا بضرورة انهائها في أقرب وقت، لأنه وبحسب رأيهم وبحكم وضعية السودان الجيوسياسية، أن الاستمرار في الحرب يؤدي إلى تطورها ودخولها مراحل أكثر قسوة ووحشية، وقد لاحظنا ذلك بعد دخول عناصر إرهابية متخصصة في ارتكاب جرائم الإرهاب الدولي، فأدخلت سلوكاً شاذاً على قواعد الاشتباك المتعارف عليها دولياً، فشاهدنا إرهابيين من داعش يبقرون البطون ويأكلون الأحشاء الآدمية، ورأينا متطرفين يسلخون الإنسان كسلخ الشاة، وأمس نظر المشاهد نقلاً حياً لمسيرة قاصفة لمرافقي ومساعدي قائد الجيش، بمنطقة "جبيت" بشرق السودان، في تصعيد كبير بين الفريقين المتنازعين داخل مؤسسة الجيش، الذي يحتوي على مكونات متناقضة – حركات مسلحة – جيش – كتائب إرهابية.
عندما هجمت جماعة إرهابية قبل سنوات على مدرسة ابتدائية ببشاور – باكستان، واغتال المهاجمون براءة الأطفال في مجزرة بشعة هزّت الضمير الإنساني، بحثنا عن دوافع تلك الجريمة النكراء فعلمنا أن الجيش الباكستاني قد قصف منطقة القبائل، قبل حدوث تلك الحادثة، فقتل أطفال البدو القاطنين للجبال، فانتقم البدو وارتكبوا مجزرة المدرسة التي يدرس بها أبناء القادة الكبار بالجيش ورموز السلطة، من ذوي القرار السياسي، تلك الجرائم الانتقامية ودوافعها انتقلت صورة بالكربون لسوح حرب السودان، فجاء القتل على أساس الهوية القبلية في أحياء المدن المسيطر عليها الجيش، وتم الاستهداف العرقي لمن يطلقون عليهم (حواضن المتمردين)، وعلى الرغم من ضبط النفس الذي يجيده جنود قوات الدعم السريع، الذين فرضت عليهم الحرب دفاعاً عن عدوان الجيش الغاشم، إلّا أنه لا توجد ضمانات حتى لا يفقد جنود وضباط وضباط صف قوات الدعم السريع أعصابهم، ويتوجهون بذات الحملات الانتقامية للأفراد والجماعات التي ينحدر منها قادة الجيش، وهذه طبيعة الإنسان، أن يسترد حقه بيده عندما تزول هيبة الدولة ويسود قانون الغاب – القوي آكل والضعيف مأكول، وأقصى ما أخشاه هو تعرض مجتمعات قادة الجيش المنتشرين في الولايات المحسوبة على (المتمردين)، لاستهداف عرقي وقبلي وجهوي، فحروب افريقيا معروفة بقسوتها وخروجها عن نطاق الأخلاق والقواعد الضابطة، فهي ليست مثل الحرب التي نشبت بين روسيا وأوكرانيا، التي ساهم الجيشان فيها بفتح المعابر لتسهيل مرور الفارين من جحيمها، دون أن يتعرض الجيشان للهاربين من المأساة بالقنص، بعكس ما يحدث في إفريقيا، التي عندما تندلع فيها الحروب السياسية تلقائياً تتحول لحروب أهلية، تشن القبائل فيها حرباً ضروساً ضد بعضها، من منطلقات الولاءات القبلية التي تعتبر السمة الأبرز في تكوين الأحزاب السياسية.
وقد رصدنا في الآونة الأخيرة الهروب الكبير لرموز حزب المؤتمر الوطني، من بورتسودان العاصمة الاضطرارية إلى عواصم الدول الصديقة لتنظيم لإخوان المسلمين، وخاصة أولئك المطلوبين للعدالة لارتكابهم جرائم حرب، ما يدل دلالة قاطعة على أن المحطة القادمة من الحرب إن لم تضع أوزارها، ستكون الأعنف والأكثر دموية من حروب رواندا والكنغو، فربما استدرك الغرب والإقليم كارثية الوضع لو أن هذه الحرب لم تُلجم ويُلجم مشعلوها (الإخوان المسلمون)، حتى الجارة الشمالية رأينا الذعر في عينيها، وهي تعمل بكل جد واجتهاد لتغلق الباب الجنوبي الذي تأتي منه الريح الصر صر العاتية، فظاهرة الاغتيالات والتصفيات قد بدأت فعلاً منذ أن استهدف الجيش قيادات بارزة وفاعلة لقوات الدعم السريع، وهذا بالمقابل سيدفع الأخيرة لفعل الأمر نفسه بحكم أنه لا يوجد حد أفضل من حد، من حيث العتاد والمعدات والتقنيات والأفراد الاستخباريين المحترفين، فلو لطف الله بالعباد في أرض السودان لجنبهم تمددها، ولهدى الفاعلين فيها بخفض سقوف أجنداتهم المطروحة لحل النزاع، ولو رجعنا إلى يوم اندلاع الحرب وسمعنا قول الرجلين القائدين للجيشين، حينما ألقت على مسمعيهما مذيعة القناة التلفزيونية هذا السؤال: متى تنتهي الحرب؟، لعلمنا أن إجابة قائد قوات الدعم السريع قد احتوت على خبرة الرجل الذي عايش مآسي الحروب، بعكس رد قائد الجيش المخضرم الذي رغم كبر سنّه إلّا أنه كان غارقا في الطوباوية، حينما قال بأن الحرب ستضع أوزارها قريباً، بينما كان رد الفتى البدوي المشبّع بفراسة البادية، أن لا أحد يمكنه التكهن بنهايات الحروب.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع قائد الجیش
إقرأ أيضاً:
محمد ناجي الأصم: حكومة الدعم السريع القادمة بلا مشروع
حكومة الدعم السريع القادمة بلا مشروع، ولن يعني ما سيكتب في أوراقها وإعلاناتها أي شيء. سيعتمد الدعم السريع، كما فعل دائمًا، على سلاح مليشياته وأموال الذهب المهرب وأموال المواطنين من الغنائم، وعلى أموال ونفوذ الإمارات، وهي التي ستحدد لحميدتي ووزرائه وللذين اختاروا التحالف معه كل شيء.
ستضاف حكومة الجنجويد إلى مشاريع الإمارات في ليبيا واليمن والصومال، وهي المشاريع الانفصالية والاستقلالية، والتي تسعى عبرها إلى تعزيز مصالحها الاقتصادية من موارد الشعوب المنهوبة، وإلى توسيع نفوذها في المنطقة واستخدامها كأدوات للمساومة على القضايا والملفات الإقليمية، ليصب كل ذلك في اتجاه تموضع تسعى إليه كلاعب سياسي واقتصادي وأمني رئيسي في المنطقة لا يمكن تخطيه من قبل اللاعبين الأساسيين في العالم. ولا يهمها في سبيل ذلك إن تقسمت الدول أو ماتت شعوبها أو تشردت.
ولكن السودان ليس كغيره، وربما ذلك أمر قد تمت ملاحظته مبكرا منذ بداية الحرب. فلقد خسرت الإمارات بسبب دعمها للجنجويد على مستوى الرأي العام العالمي كما لم يحدث في كل تجاربها السابقة، وستستمر في الخسارة. كما أن الدعم السريع يختلف عن كل المشاريع الأخرى، فهو مليشيا متهمة بأفظع جرائم الحرب، وفي مقدمتها الإبادة الجماعية. جماعة عسكرية أسسها النظام البائد لتحصين نفسه من التمرد والانقلابات وتضخمت تباعا لتصبح شركة أسرية تعمل من أجل المال والسلاح والسلطة بلا أي مشروع. في هذه الحرب ظل الدعم السريع يحاول في كل حين أن يعتنق مشروعًا جديدًا، بدءًا من حرب في سبيل الديمقراطية، إلى حرب ضد ما يسمى بـ “دولة 56” الظالمة، وصولًا إلى حرب ضد قبيلة أو قبيلتين. وكلها محاولات فاشلة لإضفاء شرعية على المشروع الأساسي، وهو دولة عائلة حميدتي المالكة.
لن تسمح الفظائع التي عايشها السودانيين من عنف المليشيا قديمًا، والآن في هذه الحرب التي دخلت كل البيوت بتغيير الرأي العام، الذي انحاز بصورة غير مسبوقة ضد الدعم السريع وفظائعه وانتهاكاته. ولن تؤثر في ذلك محاولات تجميل مصطنعة من مشاريع مستعارة بعضها عظيم كالسودان الجديد للزعيم الراحل جون قرنق، مشاريع قرر قادتها اليوم أن مصالحهم التكتيكية تتقاطع مع بنادق وذهب وأموال الجنجويد والإمارات، ليهزموا أنفسهم لا المشاريع. وستظل دولة المواطنة المتساوية والديمقراطية والسودان الجديد والجيش الواحد القومي البعيد عن الصراع السياسي أهداف نضال الملايين من أبناء وبنات الشعب السوداني عبر السنين، وأهداف الثورة التي خرجت ضد النظام البائد الذي صنع الجنجويد ومكنهم وأرسلهم ليحاربوا خارج البلاد ومكنهم من صنع علاقاتهم الخارجية المستقلة و امبراطوريتهم الاقتصادية.
لن نستطيع بصورة عملية مقاومة الحرب واستمرارها وسيناريوهات تمزيق السودان بدون الحديث بوضوح عن الدول التي تتدخل في الصراع السوداني ومن قبله لعقود عبر استغلال هشاشة الأوضاع الداخلية، من الإمارات ومصر، إيران، تركيا والسعودية وغيرها من الدول التي تدعم الحرب بالسلاح والمال والنفوذ وتتجه بالحرب في السودان إلى حرب كاملة بالوكالة لا يملك السودانيين من العسكريين والمدنيين القرار في استمرارها أو إيقافها. لتستمر أو تتوقف حينها في سبيل أجندات تلك الدول الخاصة التي تسعى لتحقيقها من خلال دماء وأرواح ومقدرات السودانيين.
أخيرا، تمزيق السودان لن يتم عبر سلطة أو حكومة الجنجويد الموازية، بل يمكن أن يحدث فعليا فقط إذا لم تتوقف آلة الكراهية البغيضة التي أشعلتها الحرب والتي تستثمر فيها العديد من الجهات، هذه الكراهية التي تزيد بسببها الشقة الاجتماعية بين مكونات السودان، تلك التي تنفي مواطنة البعض والتي تصنف الناس على أساس مناطقهم، قبائلهم، إثنياتهم وأديانهم لتمنحهم الحقوق أو تنزعها عنهم، والتي تعتبرهم محاربين أو مسالمين إذا كانوا من هذه القبيلة أو تلك والتي تسترخص دماء بعض السودانيين وتجعلها أقل من دماء سودانيين آخرين. وهي عنصرية وكراهية وتعصب ليست وليدة الحرب، ولكنها أشعلتها وزادتها ضراما وهي بدورها تعود لتزيد من اشتعال وتأجيج الحرب. كراهية يتمزق السودان من خلالها كل يوم وبسلطة وحكومة موازية أو بدونها.
محمد ناجي الأصم
إنضم لقناة النيلين على واتساب