السودان.. ما هو اتفاق جدة ولماذا أثير الجدل حوله؟
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
جدد اشتراط وزارة الخارجية السودانية قبول الدعوة لمفاوضات جنيف بتنفيذ بنود إعلان جدة، الموقع بين الجيش وقوات الدعم السريع، الجدل المستمر حول هذا الإعلان وما تبعه من اتفاق لبناء الثقة.
فما هي بنود إعلان جدة واتفاق بناء الثقة؟ وما طبيعة الجدل الدائر حوله؟
بعد نحو 3 أسابيع من اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخرطوم منتصف أبريل 2023، نجحت الوساطة السعودية الأميركية في عقد مفاوضات بين طرفي القتال بمدينة جدة، تمخض عنها التوقيع في الحادي عشر من مايو 2023، على ما عرف باسم "إعلان جدة"، الذي نص على:
الالتزام بحماية المدنيين في السودان وتيسير العمل الإنساني، والسماح بمرور آمن للمدنيين لمغادرة مناطق الأعمال العدائية الفعلية على أساس طوعي في الاتجاه الذي يختارونه.
التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والامتناع عن أي هجوم من المتوقع أن يتسبب في أضرار مدنية عرضية التي تكون مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة.
اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، فعلى سبيل المثال لا ينبغي استخدام المدنيين كدروع بشرية.
السماح لجميع المدنيين بمغادرة مناطق الأعمال العدائية وأي مناطق محاصرة طوعا وبأمان.
الامتناع عن الاستحواذ واحترام وحماية كافة المرافق الخاصة والعامة، كالمرافق الطبية والمستشفيات ومنشآت المياه والكهرباء، والامتناع عن استخدامها للأغراض العسكرية.
الامتناع عن تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية.
الامتناع عن الانخراط في عمليات الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي للمدنيين.
السماح باستئناف العمليات الإنسانية الأساسية وحماية العاملين والأصول في المجال الإنساني.
إعطاء الأولوية للمناقشات بهدف تحقيق وقف إطلاق نار قصير المدى لتسهيل توصيل المساعدات الإنسانية الطارئة واستعادة الخدمات الأساسية وجدولة المناقشات الموسعة اللاحقة لتحقيق وقف دائم للأعمال العدائية.
الالتزام بالإعلان لن يؤثر على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي للأطراف الموقعة عليه، ولن يرتبط بالانخراط في أي عملية سياسية.
هل أزمة السودان عصيّةٌ على الحل ؟
ومع عدم التزام طرفي القتال بتنفيذ الاتفاق واتساع رقعة الحرب وتزايد الخسائر البشرية وتفاقم الأوضاع الإنسانية، عقدت الوساطة جولة ثانية من المفاوضات اختتمت في نوفمبر 2023، وتوصلت إلى اتفاق حول إجراءات لبناء الثقة، شملت:
اعتقال الهاربين من السجون.
تحسين الخطاب الإعلامي الرسمي لكل جانب، والحد من الخطاب التحريضي.
اتخاذ إجراءات بشأن محرضي الحرب والعناصر المؤيدة للحرب من كل جانب.
ويتبادل طرفا القتال الاتهامات بعدم الالتزام بالتفاهمات التي تم التوصل إليها في جولتي التفاوض في جدة، وهو ما أدى من وجهة نظر الكثير من المراقبين إلى إطالة أمد الحرب، التي أدت إلى قتل الآلاف وتشريد أكثر من 12 مليونا من المدنيين وأحدثت دمارا هائلا في الاقتصاد والبنية التحتية للبلاد.
ماذا يقول الطرفان؟
يتهم الجيش قوات الدعم السريع بعدم تنفيذ بنود إعلان جدة، الذي يقول إنه يطالب الدعم السريع بإخلاء منازل المواطنين، في حين يؤكد الدعم السريع أن الجيش يحاول التنصل من المفاوضات بالتحجج ببنود لم ترد في إعلان جدة.
ويطالب الجيش الدعم السريع بالانسحاب الشامل ووقف التوسع، ويشير إلى أن الدخول في أي مفاوضات جديدة لا بد أن يسبقه خروج الدعم السريع من المدن والقرى ومساكن المواطنين والمرافق العامة والخاصة، وفك الحصار عن المدن وفتح الطرق للمساعدات الإنسانية.
ويرهن الجيش الانخراط في "مفاوضات جنيف" بتنفيذ مقررات جدة وانسحاب قوات الدعم السريع من المدن ومنازل المواطنين، وكافة المدن والمناطق التي سيطرت عليها.
وشدد قائد الجيش عبدالفتاح البرهان على أنه لا تفاوض مع قوات الدعم السريع "إلا بعد انسحابها وخروجها من الأعيان المدنية ومساكن المواطنين في كل مدن السودان التي استباحوها".
وأضاف "وعدنا للسودانيين الذين شُرِّدوا ونزحوا ونُهبت أموالهم وانتُهِكت أعراضهم أننا سنقتص لهم وسنأخذ حقهم كاملا".
من جانبه، ينفي الدعم السريع مسؤوليته عن عدم تنفيذ بنود إعلان جدة، ويقول محمد مختار، مستشار قوات الدعم السريع وعضو وفدها المفاوض: "إعلان جدة لم ينص على خروج الدعم السريع من منازل المدنيين".
ويضيف "قوات الدعم السريع لا تتمركز في منازل المدنيين ولم تمنع أي مواطن من السكن في منزله.. المواطنون خرجوا من منازلهم بسبب المعارك والقصف المدفعي وقصف الطيران، لذلك ما لم يتوقف القتال لن يستطيع المواطن العودة إلى منزله، وهو ما يجعلنا أكثر حرصا على الانتقال من عملية الإعلان الإنساني إلى عملية وقف إطلاق النار ومن ثم البدء في العملية السياسية التي تفضي لمعالجة الأزمة السودانية من جذورها".
ووصف مختار حديث الجيش عن تنفيذ إعلان جدة بأنه "حديث ليس ذي قيمة بالنسبة للدعم السريع وفيه تنصل وهروب إلى الأمام من القضايا الأساسية للأزمة السودانية".
ويشدد على أن قوات الدعم السريع أبدت طوال الفترة الماضية التزامها بإعلان جدة، متهما الجيش بعدم الالتزام بتنفيذ تلك البنود، وقال "صرح قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ومساعده ياسر العطا، بأنهم لن يسمحوا بمرور المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع".
ورأى مختار أن المواقع التي تتواجد فيها قوات الدعم السريع كالقيادة العامة والقصر الجمهوري وما شابهها هي مقرات حكومية سيادية وليست جزءا من المراكز الخدمية، وقال "لن ننسحب من هذه المواقع إلا بعد اتفاق وقف إطلاق نار واتفاق سياسي شامل يعالج الأزمة السودانية من جذورها".
رؤية محايدة
وفقا للصحفي والمحلل السياسي محمد لطيف فإن مسألة الخروج من منازل المدنيين أخذت كذريعة من قبل دعاة الحرب والرافضين توقفها، حيث لا يوجد نص واضح في إعلان جدة يطالب الدعم السريع بالخروج من المنازل.
ويوضح لطيف: "إعلان جدة تضمن 3 شروط أساسية كما تضمن مجموعة من الالتزامات من بينها النقطة التي وردت فيها الإشارة إلى مساكن المدنيين التي تحظر استخدام المدنيين كدروع بشرية، وربط هذا البند ببند آخر يلزم طرفي القتال بالسماح للمدنيين بمغادرة مناطق الأعمال العدائية، وهي العاصمة في ذلك الوقت".
ويشير لطيف إلى ضرورة التركيز على معالجة أزمة الحرب من زاوية أسبابها ومن ثم الانتقال إلى تداعياتها والتي كان من بينها دخول منازل المواطنين، ويوضح: "الدخول لمساكن المواطنين هو نتيجة للحرب ولم يكن سببا لاندلاعها. لا يمكن ترك السبب والقفز إلى التداعيات. الخطوة الأولى تبدأ بإيقاف الحرب".
كما ينبه لطيف إلى أن اتفاق جدة أعطى شرعية قانونية وسياسية للدعم السريع، فبالاحتكام لنصوصه التي وقع عليها الجيش نجد أنه تضمن نصا صريحا في مقدمته يقول إن "الالتزام بالإعلان لن يؤثر على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي للأطراف الموقعة عليه".
سكاي نيوز عربية - أبوظبي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الأعمال العدائیة
إقرأ أيضاً:
القاهرة رفضت محاولات إماراتية للتوسّط وتقريب وجهات النظر مع قائد قوات الدعم السريع
علمت “العربي الجديد” من مصادر مطلعة، أن القاهرة رفضت محاولات إماراتية للتوسّط وتقريب وجهات النظر مع قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي) والتوصل إلى تفاهمات معينة تخصّ أزمة السودان المتواصلة، وشدّدت على دعمها الكامل للحكومة السودانية ورئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وذلك في ظل تحولات إقليمية بارزة تشمل مبادرات تركية للتوسط في النزاعات بالمنطقة.
عرض تركي لوساطة في أزمة السودان
وفي خطوة قد تعيد تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية في أفريقيا، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده للوساطة في أزمة السودان بين الخرطوم والإمارات لحلّ الخلافات بينهما، وفقاً لبيان صادر عن الرئاسة التركية. جاءت هذه المبادرة خلال مكالمة هاتفية بين أردوغان والبرهان، يوم الجمعة الماضي، ناقش فيها الطرفان العلاقات والقضايا الإقليمية. وتسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية من خلال استراتيجيات متعددة تشمل التعاون الاقتصادي، والمساعدات الإنسانية، والأدوار الدبلوماسية.
وساطة أنقرة المقترحة في أزمة السودان بين البرهان والإمارات تضاف إلى محاولاتها السابقة للوساطة بين دول أخرى، مثل الصومال وإثيوبيا. ويعتبر السودان نقطة ارتكاز مهمة في التوازنات الإقليمية نظراً إلى موقعه الجغرافي وعلاقاته التاريخية مع مصر ودول الخليج. وتعكس الخلافات بين السودان والإمارات تعقيدات السياسة الإقليمية في مرحلة ما بعد الثورة السودانية، إذ تتشابك المصالح الاقتصادية والسياسية.
ويعكس دخول تركيا وسيطاً في هذا السياق طموحها لتعزيز دورها في السودان، خصوصاً مع وجود تاريخ من العلاقات القوية بين أنقرة والخرطوم. وتمثل المبادرة التركية فرصة لإعادة التفكير في طبيعة العلاقة بين مصر وتركيا في القارة الأفريقية. ويعتبر السودان، دولة جوار لمصر وشريكاً استراتيجياً، له أهمية خاصة بالنسبة للقاهرة، وسط تساؤلات حول إمكانية حصول تنسيق مصري تركي في هذا الملف بما يخدم استقرار السودان.
أزمة إثيوبيا مثالاً
ورغم التوترات السابقة، تجمع القاهرة وأنقرة مصالح مشتركة في الحفاظ على استقرار السودان، نظراً إلى تأثير ذلك على القضايا الإقليمية، مثل مياه النيل وأمن البحر الأحمر. وإذا نجحت تركيا في تقديم نفسها وسيطاً فعّالاً، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز حضورها في أفريقيا. ومع ذلك، فإن تأثير ذلك على مصر يعتمد على طبيعة العلاقة بين البلدين في هذا الملف، وفي حال وجود تنسيق مصري تركي، قد يتحول هذا الدور إلى فرصة لتعزيز التعاون الإقليمي.
وبحسب مراقبين، تواجه مصر تحدياً مزدوجاً يتمثل في الحفاظ على علاقاتها القوية مع السودان والإمارات، وفي الوقت نفسه متابعة التحركات التركية. وقال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة إسطنبول أيدن، عمار فايد، لـ”العربي الجديد”: “أعتقد أن الوساطة التركية ليست إضعافاً للموقف المصري، ولكنها علامة على هذا الضعف، أي أن الحاجة للوساطة التركية ناتجة عن تراجع تأثير مصر، رغم أن الطرفين (الإمارات والجيش السوداني) حليفان لمصر”. وأضاف: “اللافت أن هذه الوساطة في ما يبدو تأتي بطلب إماراتي، بعد أن رفض الجيش السوداني محاولات سابقة من الإمارات لتقريب وجهات النظر، في ظل استمرار دعم الإمارات لقوات الدعم السريع عسكرياً”. وتابع: “ربما تكون قدرة تركيا على إقناع الجيش السوداني والتأثير عليه نابعة من طبيعة الدعم العسكري التركي لهذا الجيش. بالإضافة إلى أن نجاح تركيا الأولّي في تهدئة التوتر بين إثيوبيا والصومال، دفع الإمارات للرهان على الدبلوماسية التركية لتدخل آخر في السودان”.
من جهته، رأى السفير السوداني السابق لدى الولايات المتحدة، الخضر هارون، أن دخول تركيا على خطوط الأزمات في أفريقيا، وآخرها التوسط بين الصومال وإثيوبيا، يمكن أن يخلق مساحة للتفاهم والتعاون مع مصر. وأوضح هارون في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “تركيا موجودة في الصومال (مقديشو) منذ زيارة أردوغان وزوجته أمينة لتلك الدولة قبل سنوات، ومصر عزّزت وجودها بإرسال جنود إلى الصومال بعد محاولة إثيوبيا الانتقاص من سيادة هذا البلد بالاتفاق مع إقليم صوماليلاند”. واعتبر أن “هذا تقاطع في مصلحة الصومال كدولة بلا شك، ومثل هذا التعاون بين مصر وتركيا لتثبيت كيان دولة معترف بسيادتها دولياً وتربطها بالدولتين علاقات تاريخية، يقع خارج نطاق مجرد التنافس بين مصر وتركيا، لا سيما أن تحسناً قد طرأ أخيراً في علاقات أنقرة والقاهرة”. وأضاف هارون: “لا أرى خطراً لتوسع إثيوبي في البحر الأحمر يتجاوز وصول هذا البلد إلى منفذ مائي على البحر الأحمر يعد ضرورياً لاقتصاده، فمحاولة تجاوز ذلك يخلق حساسيات وتوترات مع الجارة إريتريا ويزعزع استقرار المنطقة”.
أما بالنسبة للمسعى التركي للتوسط بين السودان والإمارات، فيشكل برأي هارون، “فرصة مواتية لمصر في التحرك، ويشكّل تخفيفاً معقولاً يعصم علاقات مصر التجارية والاقتصادية الحسنة مع الإمارات من الضرر، طالما أنه يأتي في إطار متعدد لا ثنائي بحت. وإذا كانت تركيا، التي يشوب علاقاتها التوتر مع الإمارات، تتحرك بهذه الطريقة، فإن مصر أولى بأن تلعب هذا الدور دون حساسيات كبيرة”، وفق رأيه.
العربي الجديد
إنضم لقناة النيلين على واتساب