اغتيال الوطن وقادته، من القاتل؟
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
(الحكمة العربية تقول : البعر يدل على البعير ، والأثر يدل على المسير).
من متابعة سلسلة الجرائم ومسارها التاريخي ، لا شك عندي أبداً ، بل أكاد أقسم وأجزم ، أن الجهة التي اغتالت قادتنا الوطنيين في السابق، اعتباراً من اغتيال الأزهري في سجنه ونشر خبر استشهاده بالصورة التفيهة التي سوف لن ينساها السودانيون ( توفي اليوم الأستاذ بالمدارس الثانوية ، إسماعيل الازهري)، هم نفسهم الذين وقفوا ضد المحجوب وعزلوه وسجنوه في جوبا، واغتالوا وطنيته وألمعيته وذكاءه الفطري وقيادته المتقدمة للوطن.
وهم أنفسهم الذين انقلبوا على القائد الوطني نميري، وهم مَن قتّلَ الضباط الوطنيين في قصر الضيافة وبدم بارد ، وهم نفسهم من اغتال المصلين في مسجد ود نوباوي، وهم نفسهم من اغتال زعيم الأنصار الإمام الهادي واغتال معه الشهيد محمد صالح عمر ، وقد يكونوا هم أنفسهم الذين يغتالون مجموعات الضباط الوطنيين السودانيين أيام الإنقاذ ، في رحلات طائرات صدئة ومفككة المحركات والصواميل، فمن غير المستبعد أن يكون نفس المجرمين قد مكنوا أنفسهم خبراء في ورش الطيران، وهم نفسهم من يغتال اغتيالا ( رحيماً ، لكنه لئيماً) قادة الوطن في السجون والمستشفيات الآن بدعوى محاربة الوطني والكيزان ، وهم نفسهم من يختطف العلماء النبلاء أمثال الجزولي وأنس عمر، وغيرهم، الذين يجهرون بالحق أمام المشروع العلماني النيوليبرالي، وهم نفسهم الذين يحاولون اغتيال البرهان عدة مرات ، وينجيه الله من شرورهم، وهم أنفسهم من يغتال حتى من يقف معهم ويشترك في ثورتهم ، من الشباب الثائر بخداعهم أيام (الدم قصاد الدم) ، حتى يهيجوا الشعب ويثوروه ويشيطنوا الشباب، حتى اقتلع صمغة رأس الوطن وبنيته التحتية وسيادته وسُدآه.
السودان لا يُراد له إستقرار ولا نماءً ولا قيادة وطنية رشيدة، بسبب الأطماع الخارجية في خيراته وأرضه ، وبسبب الغباء والعناد الايديولوجي من أبناء وطنه ، القتلة، والحقد الصهيوني الكنسي، وعنصرية اللون والأثنيات، وبسبب الرغبة في انتهاب منتجاته ، وسرقة مياهه، وعبر خصي عقول بعض أبنائه العملاء وعلى مر التاريخ.
في العام 1953م ، وقبيل إستقلال السودان عن التاج المصري البريطاني ، وعلى وقع إصرار الوطنيين بقيادة الأزهري والقبادات الوطنية من الأحزاب حينها وبمساعدة وتحريض البعثة الإدارية البريطانية ، (كانت البعثة البريطانية في خلاف عظيم مع حكومتها البريطانية “وأخت بلادي ،مصر” ، حينها ، حتى لجأت حكومة مصر أيام عبدالناصر إلى عقد اتفاق ، صدقي – بيفن والقاضي بالتنازل عن السودان لصالح بريطانيا، مقابل إعطاء قناة السويس للحكومة البريطانية)، إقرأ كتاب الصراع السياسي على السودان من 1840 إلى 2008 – جمال الشريف) ، وعلى إثر ذلك، دخل الصاغ صلاح سالم ( مواليد السودان، وعضو قيادة ثورة القوميين العرب في تلك الدولة ” الشقيقة” الذي ساهم في صناعة حزبي البعث في سوريا والعراق) دخل الجنوب وشيطن اخوتنا الجنوبيين وأسس لأنيانيا الأولى التي بدأت بإغتيال 154 أسرة شمالية وذبح أبنائها وقيادة نسائها للغابات، وبدأ الشقاء والإغتيالات.
الآن نفس الحلف الشيطاني العلماني في دول المنطقة، ونفس تحالف دويلات حرب الطوق مع الليبراليين الجدد في قيادات الدول العربية والأفريقية ، وعلى وقع مشروع الصهيونية العالمية في المنطقة والسودان ، والعملاء المحليين ، يجلبون لنا تتار الزمان ومغول العصر من شتات شياطين الإنس ، ليجتاحوا وطننا ويغتالوا نماءه وبقاءه وشعبه ودينه وكل من يقف ضد مشرعهم وبمبررات واهية، ويعيثون في الأرض فساداً، ويلجون لتدمير وطننا، عبر مواصلة اغتيالات القادة السياسيين والعسكريين وحتى أبطالنا وقادتنا في القرى والمدن التي فضوا بكارة كرامتها وأهانوا أهلها.
فمن القاتل؟
الرفيع بشير الشفيع
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون
عائشة بنت سالم المزينية
هناك أشخاص حين تلتقي بهم، تشعر أنك لم تلتقِ بشخص، بل بدعاء سكن قلبك يوما، ولبّاه الله لك دون أن تدري. أولئك الذين يشبهون الدعاء لا يمرّون مرور الكرام في حياتنا، بل يزرعون شيئا ناعمًا في الروح، شيئًا لا يُرى بالعين، ولا يُقاس بالكلمات، لكنه يبقى. يبقى كأثر المطر على الأرض، وكطمأنينة السجود بعد ضيق.
ولأنهم يشبهون الدعاء، فإن حضورهم لا يكون صاخبا، بل هادئا يشبه نسيم الفجر، يدخل القلب دون استئذان، ويُضيء العتمة دون أن يُشعل ضوءًا. هم أولئك الذين يكفون عن الكلام حين يحين وقت الإصغاء، ويُحسنون الظن بك حين تعجز عن تبرير صمتك. وجودهم لا يعتمد على قرب المسافة، بل على نقاء النية، وصدق الشعور، وسخاء القلب.
وفي كل مرحلة من مراحل العمر، لا بد أن تصادف شخصًا واحدا على الأقل، يُعيد ترتيبك من الداخل. لا يطلب شيئا، لا ينتظر رد الجميل، لا يسعى لفرض حضوره، فقط يكون هناك حين تحتاج، كأن قلبه يرنّ مع ألمك، وكأن نفسه لا تهدأ حتى يطمئن عليك. هؤلاء لا يُنسَون، لأنهم ببساطة يشبهون تلك اللحظات التي بُثّت فيها أمنياتنا إلى السماء.
ولذلك، حين تتقاطع دروبنا مع أشخاص بهذه الروعة، فإننا نكسب شيئا أكبر من مجرد علاقة، نحن نكسب امتدادا روحيا لا يشيخ، لا يتغير بتقلبات المزاج، ولا يتبدد مع الزمن. وفي الحقيقة، ليست الصداقات التي تدوم هي الأطول عمرا، بل هي الأصدق أثرا. هؤلاء، هم أولئك الذين تجد آثارهم في كل لحظة فرح أو حزن، في كل إنجاز أو سقطة، كأنهم يرافقونك سرا حتى حين لا يكونون بجانبك.
ومن اللافت أن هؤلاء الأشخاص لا يبحثون عن أن يكونوا مميزين، هم فقط يعيشون ببساطة، ولكنهم يحملون قلوبا أكبر من العالم. تراهم في كلماتهم، في طريقة إنصاتهم، في تلك التفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه لها أحد سواهم. هم يصغون أكثر مما يتحدثون، ويمنحون أكثر مما يأخذون، ويبتسمون رغم ما يخبئونه من أثقال.
ومع مرور الزمن، تكتشف أن أجمل العلاقات هي التي لا تحتاج إلى إثبات دائم. الذين يشبهون الدعاء لا يجعلونك تشك في محبتهم، لا يُربكونك بتقلّباتهم، لا يجعلونك تُرهق نفسك بتأويل كلماتهم. هم ببساطة نعمة، ومن رحمة الله بالقلوب أن يرزقها بأمثالهم في الوقت الذي يكون فيه الإنسان بأمسّ الحاجة ليد خفيفة على كتفه، أو لصوت صادق يقول له: "أنا هنا".
وعلى الرغم من أن الحياة تمضي، والوجوه تتغير، والأيام تأخذنا في دوّاماتها، إلا أن أولئك الذين يتركون فيك هذا الأثر الطيب، يبقون في القلب كأنهم تعويذة راحة، كأنهم غيمة طيبة تظلل عليك كلما اشتد الحر، كأنهم سكينة أُهديت لك في لحظة حيرة.
ومن المهم أن نعي، أنه كما نُرزق بهؤلاء الأشخاص، فإن علينا أيضا أن نسعى لنكون نحن من يشبهون الدعاء للآخرين. أن نُخفّف، لا أن نُثقل. أن نستمع، لا أن نحكم. أن نترك أثرا طيبا، حتى لو لم نعد موجودين. فالحياة لا تُقاس بعدد الأصدقاء، بل بجودة القلوب التي مرّت بنا.
وهنا، لا بُد أن نتأمل: من الأشخاص الذين يأتون إلى ذاكرتنا حين نكون في قاع الحزن؟ من أولئك الذين نشعر بوجودهم حتى وهم بعيدون؟ من الذين نُرسل لهم في سرّنا دعاءً خالصا لأننا لا نملك إلا أن نحبهم دون مصلحة؟ هم بلا شك الذين يشبهون الدعاء، أولئك الذين نحتفظ بهم في دعائنا لأنهم نادرا ما طالبوا بشيء، لكنهم أعطونا كل شيء.
ولعلّ أجمل ما في هذا النوع من البشر، أنهم لا يتبدلون حين تتبدل الظروف، ولا يخذلون حين يشتد التعب. هم الثابتون حين يتغيّر كل شيء. تراهم في رسائل بسيطة، في مكالمة مفاجئة، في دعاء صامت، في نصيحة غير متكلّفة، في وقفة لا يُرجى منها مقابل.
وما أجمل أن نكون مثلهم، أن نمرّ في حياة الآخرين كنسمة طيبة، لا تُؤذي، لا تُثقل، لا تُحاكم، بل تُساند، وتبتسم، وتدعُو في ظهر الغيب. إن الذين يشبهون الدعاء لا يحتاجون إلى مقدمات طويلة، ولا إلى تبريرات عند الغياب، لأن حضورهم يكفي ليملأ القلب رضا، وذكراهم تكفي لتسند الروح حين تتعب.
وهنا، تأكد أن الحياة لا تحتفظ بكل من مرّ بك، لكنها لا تنسى أبدا من شابه الدعاء في حضوره، وأثره، ونقائه. فلا تكن من أولئك الذين يعبرون الحياة بأصواتهم المرتفعة، بل كن من الذين يعبرونها بأثرٍ لا يُمحى، ومن أولئك الذين إذا ذُكروا، سبقتهم دعوة صادقة من قلب أحبهم بصدق.
فالذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون، لأن الله وحده هو من وضعهم في دروبنا، في اللحظة التي كنّا فيها بأمسّ الحاجة لهم.