"العشاء الأخير" يُعرَف في الأوساط المسيحية بأسماء أخرى هي "مائدة الرَّب" و"كَسر الخُبز" و"العشاء الرباني" وهو آخِر وجبة تناولها المسيح عليه السلام مع تلاميذه قبل عيد الفصح في اليوم السابق لإلقاء القبض عليه ومحاكمته، وصلبه وفق التصور المسيحي.

وقد تطرقت أناجيل العهد الجديد الأربعة (مَتّى ومُرقص ولوقا ويوحنّا) بتفاصيل هذه الليلة، ويعتبر المسيحيون من جميع المذاهب "الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذوكس" أن هذا العشاء أسس لسر "الإفخاريستا" أو ما يسمى "القربان المقدس".

وتحول هذا الحدث إلى واحد من الطقوس الكنسية الأساسية في معظم كنائس العالم، إذ يحيونه سنويا في خميس الأسرار أو خميس العهد أو الخميس المقدس، وهو اليوم الخامس مما سمي أسبوع الآلام، ويسبق عيد الفصح وفق المعتقدات المسيحية، وفيه يستنسخ الكهنة حركات المسيح وكلماته. ويعد المكان التي تناول فيه المسيح العشاء مع تلاميذه من المزارات المسيحية المهمة في المدينة المقدسة في فلسطين.

قصة العشاء الأخير

وفق الرواية المسيحية، دعا المسيح تلاميذه إلى العشاء في علية منزل يقع في جبل صهيون، والذي أصبح لاحقا -بالنسبة للمسيحيين- ثاني مكان مقدس بعد قبر المسيح.

وتوجد العلية في مبنى مكون من طابقين، يقع في الناحية الجنوبية الغربية من البلدة القديمة للقدس. وقد حوّل الاحتلال الإسرائيلي الطابق الأول من المبنى إلى كنيس لاعتقاد اليهود أنه يضم قبر النبي داود عليه السلام.

ولا يستطيع المسيحيون الاحتفال في العلية إلا مرتين في السنة، الأولى في خميس الأسرار الذي يحيون فيه ذكرى العشاء الأخير، والثانية عيد العنصرة حيث يقولون إن الروح القدس نزل على تلاميذ المسيح.

أحداث العشاء الأخير

جرت خلال العشاء الأخير للمسيح مع تلاميذه، وعددهم اثنا عشر، جملة من الوقائع التي تحولت إلى طقوس كنسية يمارسها رواد معظم كنائس العالم.

وحسب التصور المسيحي فقد قام المسيح عن مائدة الطعام وخلع ثيابه واتزر بها ثم صب ماء في مغسل وغسل أرجل جميع تلاميذه ومسحها، بمن فيهم يهوذا الإسخريوطي الذي قيل إنه خان المسيح وسلمه لليهود لمحاكمته بتهمة التجديف.

وتحول فعل المسيح إلى طقس كنسي، ففي كل عام وضمن قداس خميس الأسرار أو خميس العهد، تقام "صلاة اللقان" إذ تسكب المياه في وعاء ويصلى عليها لمباركتها ثم يقوم الكهنة والأساقفة بغسل أرجل المصلين من الرجال والنساء ورشهم بالزيت مثلما فعل المسيح مع تلاميذه.

واللقان كلمة يونانية معناها الوعاء الذي يوضع فيه الماء للاغتسال.

وبوصفه أعلى سلطة في الكنيسة الكاثوليكية، دأب البابا على اختيار بعض الفئات المهمشة مثل السجناء أو المهاجرين غير النظاميين أو المرضى لغسل أرجلهم في هذا الطقس السنوي اقتداء بالسيد المسيح، وهو طقس يرمز إلى التواضع والعطاء والمحبة.

ورغم اتفاق الطوائف المسيحية على إحياء هذا الطقس في خميس الأسرار، إلا أن تاريخه يختلف بين الكنائس التي تستخدم التقويم الغريغوري أو تلك التي تعتمد اليولياني.

وبالنسبة لنصارى مصر فإنهم يخصون الرجال بغسل الأرجل ويستثنون النساء، ووفق تصورهم فإن المسيح خلال العشاء الأخير لم يغسل أرجل أي سيدة، حتى أمه السيدة مريم عليها السلام.

وصية المسيح

بعد أن غسل أرجل أتباعه، تحدث المسيح وهو على مادة الطعام مع تلاميذه عن طريق الألم التي سيخوضها وصلى معهم الصلاة الختامية، وأخبرهم أن أحدا منهم سيخونه وسيكون له مصير رهيب، وأوصاهم وصيتهم الأخيرة بأن يحبوا بعضهم البعض كما أحبهم وبالتواضع وخدمة الآخرين.

القربان المقدس

فرض المسيح في هذا العشاء ما يسمى بـ"سر التناول" أو "سر القربان المقدس" وهو أحد أسرار الكنيسة، إذ قسم المسيح الخبز إلى كسرات ووزعه على تلاميذه ثم سقاهم من كأسه.

ووفق ما جاء في إنجيل مَتّى فقد قال المسيح لتلاميذه "خذوا كلوا هذا هو جسدي ودمي، اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (مَتّى 26: 26-28).

وهكذا ففي التصور المسيحي، فإن الخبز الذي كسره المسيح ووزعه على تلاميذه كان يرمز إلى جسده الذي سيبذله ذبيحة، أما الشراب الذي سقاهم به من كأسه فهو يرمز إلى دمه الذي سفك ليدفع دين خطايا المؤمنين به ويعيشوا حياة أبدية.

خلال العشاء الأخير للمسيح مع تلاميذه جرت جملة وقائع تحولت لطقوس تمارسها معظم الكنائس (شترستوك) العشاء الأخير والقرآن

لم يذكر القرآن الكريم العشاء الأخير في سرده قصة عيسى عليه السلام في عدد من المواضع، غير أنه بالمقابل يشير في سورة المائدة إلى حادثة بينه وبين حوارييه، وفيه مائدة طعام أخرى مختلفة عن تلك التي تناولتها التصورات المسيحية.

وفي سورة المائدة سأل الحواريون النبي عيسى عليه السلام أن ينزل عليهم مائدة من السماء يتخذونها آية ومعجزة لهم حتى تطمئن قلوبهم بالإيمان، فأنكر عليهم عيسى في البداية هذا الطلب ثم أذعن لهم ودعا ربه واستجاب له بأن أنزل عليهم مائدة طعام.

ولا توضح القصة القرآنية ولا التفاسير أنواع الطعام الذي احتوت عليه هذه المائدة.

لوحة العشاء الأخير

لوحة جدارية تاريخية رسمها الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي على أحد جدران قاعة الطعام في دير سانتا ماريا في ميلانو، وذلك بناء على رغبة عمدة المدينة عام 1495.

واستمر دافنشي في العمل على هذه اللوحة 3 سنوات، وتتميز بكبر حجمها ودقة تفاصيلها، إذ بلغ عرضها 8.83 أمتار وارتفاعها 4.57 أمتار.

وتتميز اللوحة بالدقة المتناهية، إذ تظهر بوضوح تعبيرات وجوه جميع الأشخاص، وتتراوح بين الخوف والغضب وعدم التصديق، بينما يظهر المسيح الذي يتوسط اللوحة بتعبير هادئ يوحي بالعظمة.

واستخدم دافنشي في الرسم بإحدى الطرق القديمة، وهي الأصباغ المائية، مما جعل الألوان تتلاشى مع مرور الزمن بسبب عوامل التعرية والإهمال.

ففي عام 1652 فتح سكان الدير بابا جديدا في جدار اللوحة، وأزالوا جزءا منها حيث كانت تظهر قدما المسيح من تحت مائدة الطعام.

وأواخر القرن الـ18، حول جنود نابليون بونابارت الدير إلى إسطبل واستخدموا جدران الغرفة للتدريب على الرماية، وخلال الحرب العالمية الثانية قصف النازيون الدير، مما أدى إلى سقوط السقف وبعض الجدران، إلا أن اللوحة نجت بفضل بعض أكياس الرمال التي كانت موجودة فوقها.

وخضعت اللوحة طوال تاريخها لعمليات ترميم متعددة كانت آخرها عملية ترميم طويلة ابتدأت عام 1977 وانتهت عام 1999، استعادت إثرها اللوحة معظم تفاصيلها، وسجلت لاحقا في قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونيسكو) للتراث العالمي إلى جانب كنيسة ودير سانتا ماريا.

محاكاة ساخرة

في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت بالعاصمة باريس في يوليو/تموز 2024، ظهر مشهد لشخص يرتدي ملابس نسائية ويضع مساحيق تجميل ضمن محاكاة ساخرة للوحة "العشاء الأخير".

ويُعرف مشهد العشاء الأخير بقداسته الكبيرة عند المسيحيين حول العالم، وهو ما بدا واضحا في غضبهم من هذه السخرية، الأمر الذي أدى لانتشار حملات انتقاد واسعة ضد منظمي حفل الافتتاح، واعتبره كثيرون إساءة متعمدة للمسيحية والأديان.

وفي مكان من يُوصف بـ"السيد المسيح" بلوحة العشاء الأخير، ظهر شخص عار قال نقاد إنه يمثل "ديونيسوس" وهو إله الخمر والاحتفالات الماجنة في الأساطير الإغريقية القديمة والذي عرف أيضا بمواكبه واحتفالاته وطقوسه الوثنية المتحررة من القيم الأخلاقية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات العشاء الأخیر خمیس الأسرار علیه السلام

إقرأ أيضاً:

تفاصيل تسمم غذائي جماعي في الدارالبيضاء بسبب الخبزة العجيبة (فيديو)

أخبارنا المغربية - محمد أسليم

بعد وقائع مراكش وتزنيت وغيرها من المدن المغربية، عاشت مدينة الدار البيضاء أول أمس الأربعاء تجربة تسمم غذائي جديدة كان ضحيتها حوالي ثلاثين شخصاً، بعد تناولهم وجبة شعبية معروفة بـ"الخبزة العجيبة" في أحد محلات الأطعمة السريعة بسباتة، والتي لا يتجاوز سعرها في الغالب 10 دراهم، والمكونة أساساً من الخبز، البيض، البطاطس، الأرز، المايونيز، المورتاديلا، ومكونات أخرى.

مدير مستشفى سيدي عثمان، أحد المستشفيات التي استقبلت المصابين في الدار البيضاء، أكد في تصريح صحفي أن حوالي 30 مصاباً يعانون من أعراض مثل القيء وآلام البطن والإسهال، وذلك نتيجة تناولهم وجبة غذائية تسببت في تسممهم. وأضاف أن جميع الحالات تم توزيعها بين مستشفى سيدي عثمان، المستشفى الجامعي ابن رشد، والمستشفى الإقليمي بن مسيك، وأن وضعية جميع المصابين باتت مستقرة، بما في ذلك الأطفال.

مقالات مشابهة

  • تناولها بإنتظام... خضراوات تساعدك على خفض ضغط الدم
  • مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 9-9-2024 في مصر
  • أنواع من الخضروات تقيك من الإصابة بالسرطان.. احرص على تناولها
  • عبد المسيح: الكلام عن عودة ملف الشغور الرئاسي إلى الواجهة مُخجل
  • الكشف عن ”المفاجآت البرية” التي هدد بها عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير.. وملامح ”الزلزال الحوثي” تتجلى بالجنوب
  • الإفطار كل صباح.. طبيب يكشف العادات الأكثر صحية لمرضى القلب
  • وزير الزراعة: مصنع التغذية المدرسية بقويسنا ينتج 60 ألف وجبة يوميًا
  • تفاصيل تسمم غذائي جماعي في الدارالبيضاء بسبب الخبزة العجيبة (فيديو)
  • هل تجوز صلاة العشاء قبل الفجر بدقائق؟
  • أخصائي تغذية علاجية: يجب تناول وجبة قبل التمارين الرياضية بساعتين على الأقل