نصرالله: الردّ محسوم ولا نقاش فيه
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
أكّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن رد الحرب على الاعتداء الإسرائيلي الذي طاول الضاحية الجنوبية واغتيال القائد الجهادي فؤاد شكر (السيد محسن) «محسوم ولا نقاش فيه، وعلى العدو ومن خلفه أن ينتظروا ردّنا الآتي حتماً وبيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان». وأضاف: «أقول للعدو اضحكوا قليلاً ولكن ستبكون كثيراً.
وشدّد نصرالله في كلمة في مجمع سيد الشهداء أمس أثناء تشييع شكر على أن «الضغط على كل الجبهات هو من أجل أن تستسلم المقاومة في فلسطين، وهي لن تستسلم. ليس وارداً على الإطلاق، لا الاستسلام في غزة ولا في لبنان ولا في اليمن، وكل الضغوط التي تُمارس الآن على إيران وعلى بقية جبهات الإسناد تحت عنوان التعقل لن تجدي نفعاً».
وقال: «إننا أمام معركة كبرى ومفتوحة. هذه لم تعد جبهات، بل معركة مفتوحة في كل الجبهات، ودخلت في مرحلة جديدة». وأكّد أن إلزام إسرائيل بوقف الحرب على غزة هو السبيل الوحيد لعودة الهدوء إلى المنطقة.
وأوضح نصرالله أنّ «ما حصل في الضاحية الجنوبية هو عدوان وليس اغتيالاً فقط»، لافتاً إلى أنّ «العدو اعتبر عدوانه على الضاحية رد فعل على قصف بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل، «لكننا لا نقبل بهذا التقييم والتوصيف بل هو عدوان وجزء من الحرب الصهيونية الأميركية على شعوب المنطقة»، لافتاً إلى أن «العدو سارع إلى توجيه الاتهام في حادثة مجدل شمس ولم يقدّم أي أدلة، ونحن نفينا مسؤوليتنا عما جرى في مجدل شمس وتحقيقنا الداخلي يؤكد أن لا علاقة لنا بما جرى، والعدو يقوم بأكبر تضليل وتزوير عبر اتهام شهيدنا بأنه قاتل أطفال مجدل شمس».
وشدّد على أن «العدوان على الضاحية ليس رداً على ما حصل في مجدل شمس، بل هو جزء من الحرب، ويأتي في سياق الرد على جبهة الإسناد اللبنانية... والهدف من اتهام المقاومة بما جرى في مجدل شمس هو الفتنة الطائفية»، متوجّهاً بالتحية إلى القيادات والمراجع الدرزية التي أفشلت الفتنة الإسرائيلية.
وقال نصرالله: «نحن ندفع ثمن إسنادنا للشعب الفلسطيني ولغزة ولدفاعنا عن المقدّسات، وقد ارتقى لنا مئات الشهداء في هذه المعركة، واليوم السيد فؤاد والشهداء هم ثمن ندفعه ونتقبّله لأننا دخلنا هذه المعركة من موقع الإيمان بإنسانيتها وأحقيتها وشرعيتها». ولفت إلى أن «الهدف من اغتيال القادة عادة هو المس بالجماعة التي ينتمي إليها هذا القائد والمس بعزمها وتصميمها وإخافتها لتتراجع وتتوقف وتضعف، ولكن التجربة تقول إن هذا الهدف لن يتحقق لأن هذه الجماعة المستهدفة مؤمنة بقضيتها ورسالتها ومستعدّة للتضحية بأغلى ما لديها. آلمنا كثيراً استشهاد الحاج فؤاد، لكن هذا سيزيدنا عزماً ومضياً وإرادة وسيجعلنا نتمسك بصوابية الخيار الذي اتخذناه». وطمأن «بيئة وجمهور المقاومة بأنه حين يستشهد أحد قادتنا نسارع لملء المكان بتلامذتهم»، و«لدينا جيل ممتاز من القادة الجهاديين».
وتوجّه الأمين العام لحزب الله في بداية كلمته بالتعازي باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، مشيراً إلى «أننا شركاء في الألم والغضب والمقاومة وسنصنع النصر المحتوم». وسأل: «هل يتصورون بأنهم سيقتلون إسماعيل هنية في طهران وأن إيران ستسكت؟ ما سمعناه من الإمام الخامنئي ومن المسؤولين الإيرانيين أنهم لا يعتبرون العملية مساً بسيادتهم فقط، بل يتحدثون عن المس بأمنهم وهيبتهم وشرفهم»، لافتاً إلى أن «لهجة بيان السيد الخامنئي أقوى وأشد من بيانه يوم العدوان على القنصلية الإيرانية».
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الحرب في غزّة إلى أين؟
سؤال يلحّ على جميع المهتمّين بما يحدث في قطاع غزّة من الطرفين؛ المقاوم وحلفائه وأنصاره، والمشروع الاستعماري وأدواته وأنصاره.
في غزّة يطرح المقاومون الصمود والتمسّك بالأرض وفرض وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار وإطلاق سراح الأسرى كشروط لنهاية الحرب، وتتفرّع عن هذه النهاية خطط ومشاريع من قبيل لجنة مختصة لإدارة شؤون القطاع بإشراف حكومة رام الله (لجنة الإسناد المجتمعي)، وكذلك لجان عربية أو دولية تشرف على عملية إعادة الإعمار.
أما العدو، فيطرح أهدافه بتصفية جميع قوى المقاومة سواء كانت منظّمات أو دولاً، وتحرير الأسرى في قطاع غزّة بالقوة، والاحتفاظ بقوات من “جيش” العدو في مناطق محدّدة من قطاع غزّة مثل محوري فيلادلفيا ونتساريم، وخلق منطقة عازلة في جنوب لبنان. تتفرّع عن هذه الأهداف مشاريع مثل عودة الاحتلال الكامل للقطاع، وإعادة حركة الاستيطان فيه، وتتصدّر هذا النشاط حركة “حباد” الصهيونية الأرثوذكسية التي أعلنت عن قيام أول مستوطنة “بيت حباد” في مبنى بلدية بيت حانون في شمال قطاع غزّة.
بين الموقعين يستمر مشهد المجزرة وسط صمت عالمي مدوٍ، صامدون يقدّمون التضحيات، وقتلة لا يتردّدون في قتل المدنيين وتدمير البنى التحتية، مطاردة كلّ من يقف إلى جانب محور المقاومة في كلّ مكان في العالم. معظم الأنظمة العربية متواطئة سواء بالعمل على الأرض أو بالصمت والتظاهر بأن القضية إنسانية بحتة تقع ضمن اختصاصات الأمم المتحدة ومنظّماتها غير الحكومية. المطلوب استعمارياً تحقيق هدفين، القضاء على المقاومة بجميع أشكالها، وبثّ اليأس والاستسلام في نفوس جماهيرها، لتتحوّل هذه الجماهير إلى أقلية مسالمة تندمج في الكيانات الناتجة عن المشروع الاستعماري، وتصبح ما يمكن أن نسمّيه “أقلية مهملة” .
هذا السيناريو الذي قد يبدو للبعض وكأنه يحمل الكثير من المبالغة، كرّره المستعمرون أكثر من مرة عبر تاريخهم، خاصة في المرات التي احتلوا فيها أراضي الآخرين تحت شعارات ووعود دينية كما حدث في أمريكا وأستراليا ونيوزلندا. لقد اعتبر المستوطنون الأوائل أن أميركا هي “أرض الميعاد” المسيحية، وأنهم حجّاج أرسلهم الرب لإقامة مملكته، والقضاء على المتوّحشين الوثنيين. الشعارات نفسها أطلقتها حركة “حباد” الصهيونية التي اعتبرت العرب كفّاراً، لا بدّ من قتلهم لإقامة “دولة إسرائيل” من النيل إلى الفرات.
عبّرت هذه المشاريع عن نفسها سياسياً في الخرائط التي يرفعها غلاة الصهاينة من وزراء وقادة حركة الاستيطان، وتجد دعماً لدى الدوائر الاستعمارية كما حدث في تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول صغر مساحة الكيان الصهيوني وضرورة توسيعها.
تمرّ عملية التدجين بثلاث مراحل: الهزيمة العسكرية من خلال ارتكاب مجازر بحقّ الشعوب بحيث تتحوّل المطالبة بالبقاء على قيد الحياة مطلباً للشعوب المقهورة، في المرحلة الثانية يقوم العدو بفرض التسويات بشروطه من خلال بثّ روح الهزيمة واليأس من المستقبل.
وقد تحتاج هذه المرحلة إلى المزيد من المجازر غير المبرّرة، واحتلال المزيد من الأراضي كما يحدث اليوم في غزّة وسوريا ولبنان، وعند الوصول إلى المرحلة الثالثة يكون مصير الأقلية المهملة بعد تدجينها بالكامل، الحصول على ميزات اجتماعية واقتصادية على اعتبارات إثنية أو دينية أو ثقافية، فيعيش أفرادها في محميات خاصة، ويسمح لهم بممارسة طقوسهم وثقافاتهم بهدف تفتيت الهوية الوطنية، وتحويل الدول إلى ائتلاف من الهويات والثقافات الفرعية.
هذا ما فعله الاستعمار الأبيض مع أصحاب البلاد الأصليين، بل إن هذا المستعمر قد يلبس قناع الإنسانية ويتظاهر بالدفاع عن حقوق الأقليات المهملة، ويمجّد تاريخهم وينتج أفلاماً ودراسات عن تاريخهم.
إذا قبلنا بإمكانية حدوث هذا السيناريو، فإنه يلقي على عاتقنا مسؤوليات جساماً، تنبع من حقائق التاريخ والجغرافيا. الشعب الفلسطيني، الذي تشكّل قضيته مركزاً للصراع مع المشاريع الاستعمارية، يختلف عن سكان البلاد الأصليين الذين أبادهم المستعمر الأبيض في أكثر من مكان من العالم، فالشعب الفلسطيني يمتلك امتداداً عربياً في الجغرافيا، وامتداداً إسلامياً في التاريخ، هذان البعدان تجسّدا خلال معركة طوفان الأقصى، من خلال انخراط جبهات الإسناد العربية في اليمن وسوريا والعراق، وجبهة الإسناد الإسلامية التي مثّلتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعمها المستمر للمقاومة الفلسطينية.
أدرك المستعمرون بعد الهزيمة المذلّة في شمال فلسطين، أن مخطّطاتهم مهما كان شكلها لن تجد طريقها إلى التنفيذ إلا بقطع التواصل بين أطراف محور المقاومة كخطوة أولى، ثم الانتقال إلى تدمير قوى محور المقاومة بشكل منفرد.
وفي هذا السياق وافق العدو على وقف إطلاق النار في لبنان، ويتجه إلى القبول ببعض التنازلات مقابل وقف إطلاق النار في غزّة بناء على المبادرة المصرية، في الوقت نفسه كان التحالف الاستعماري يعمل بمشاركة تركية على إسقاط الجبهة السورية لقطع خطوط إمداد المقاومة، وتفتيت جبهاتها، وكذلك فصل الحرب في سوريا عمّا يحدث في غزة وما حدث في لبنان.
لقد فتحت الحرب على غزّة أبواب منازلنا لقنوات الربيع الاستعماري، التي بادرت منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب على سوريا إلى تبديل سياساتها، وشنّ هجوم إعلامي مركّز على الدولة السورية، والتركيز على فكرة “تحرير” المدن السورية، وتحميل الدولة السورية المسؤولية عمّا يحدث برفضها التعاون مع تركيا لمناقشة مستقبل سوريا، الفكرة التي طرحها الرئيس التركي أردوغان، ولقيت رواجاً لدى الكثيرين بمن فيهم بعض المثقّفين المناصرين لمحور المقاومة، ناسين أو متناسين أن الهدف الأصلي للحرب التي انطلقت عام 2011م كان مصادرة سيادة الدولة السورية ووضعها بيد آخرين سواء كانت التنظيمات الإرهابية أو داعميها في الغرب وتركيا، وهو ما تحقّق يوم 8 ديسمبر.
الهدف من الحرب على سوريا اليوم، هو توسيع مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية وصولاً إلى الحدود اللبنانية، لقطع التواصل بين أطراف محور المقاومة، وعزل المقاومة في لبنان تمهيداً للاستفراد بها عسكرياً وسياسياً، وإلحاق قطاع غزّة بالنظام العربي المطبّع بواجهة فلسطينية مرتبطة بحكومة رام الله المنخرطة في التنسيق الأمني مع العدو.
وصل العدو الصهيوني إلى الحدود السورية اللبنانية والأردنية، واندفع الغرب والولايات المتحدة للتواصل مع حكومة الأمر الواقع في دمشق.
وواجب كلّ المقاومين وجمهورهم التصدّي للمشروع الاستعماري الجديد، عسكرياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً. هذا ما عبّرت عنه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمقاومة اللبنانية واليمنية، وما على كل القوى السياسية في الوطن العربي المبادرة إليه، فهذه هي المعركة الأخيرة التي تحمل في طيّاتها إمكانية النصر أو الهزيمة وترسم ملامح مستقبل المنطقة.
كاتب سياسي أردني