السياسة الأميركية في غرب أفريقيا.. السنغال وغانا نموذجًا
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
تعتمد سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه دول غرب أفريقيا على المصالح الجيوسياسيّة والاقتصادية. وفي السنوات الأخيرة، جرّبت الولايات المتحدة الأميركية إستراتيجيات جديدة لتعزيز التنمية الاقتصادية والإصلاح السياسي والأمني في غرب أفريقيا، حيث تسعى إلى تقوية نفوذها من خلال تنفيذ مشروع مؤسسة تحدّي الألفية.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي كيرت كامبل للسنغال وغانا في شهر يوليو/تموز 2024م من أجل تعزيز وجودها الإستراتيجي في المنطقة، التي تعاني من الأزمة الإقليمية بعد إنشاء الدول الثلاث: النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو (كونفدرالية دول الساحل)، والتي بدورها تسعى إلى تحقيق المصالح الروسيّة في غرب أفريقيا.
تقدم هذه المقالة قراءة حول سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه دول غرب أفريقيا، خاصة السنغال وغانا من الناحية السياسيّة والأمنية والاقتصادية.
أميركا توجّه سياستها نحو السنغال وغانافي السياق السنغالي، أقامت الولايات المتحدة الأميركية علاقات دبلوماسية مع السنغال منذ عام 1960م، وتعاونهما الثنائي قوي، والسنغال شريك إقليمي في المسائل الاقتصادية والأمنية. وتقوم الشراكة بين البلدين على المُثل المشتركة للديمقراطية والازدهار الاقتصادي.
وعلى هذا الأساس، استقبل رئيس جمهورية السنغال باسيرو ديوماي فاي، نائبَ وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، كيرت كامبل في قصر الجمهورية يوم 16 يوليو/تموز 2024م. وتركزت مناقشاتهما بشكل أساسي على التعاون الثنائي الذي تعتزم واشنطن تعزيزه مع دكار.
هدفت هذه الزيارة إلى التأكيد على التزام السنغال بالديمقراطية، ومناقشة عروض الاستثمارات الأميركية، وإنجاز اتفاقية الطاقة الخاصة بشركة تحدي الألفية بقيمة 550 مليون دولار، وقرض بقيمة 81 مليون دولار لقطاع الضيافة الفندقية، بالإضافة إلى مناقشة حلول تكنولوجيا المعلومات للنمو الاقتصادي والتحديات البيئية.
تأتي أهمية الزيارة في كونها تفسر التوجّه السياسي الأميركي نحو منطقة غرب أفريقيا، وبالتحديد نحو السنغال التي تتميز بتوازن سياستها الخارجية، وبريادتها الديمقراطية في المنطقة، كما تعطي الزيارة دلالة واضحة لجهود القيادة السنغالية الجديدة في الحفاظ على الإرث الدبلوماسي والسياسي، مثلما توضّح مدى اهتمام القيادة الأميركية بفرص النمو والاستثمار في غرب أفريقيا.
وفي الجانب الغاني، أقامت الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع غانا في عام 1957، بعد استقلال غانا عن المملكة المتحدة، في عام 1961. وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي إلى غانا بتاريخ 16 يوليو/تموز 2024م؛ إلا أنّ الزيارة ربما تأجّلت لعدم وجود تغطية رسمية لها، وكانت هدفها تحسين الشراكة بين البلدين من أجل تعزيز الديمقراطية والأمن في غرب أفريقيا، بالإضافة إلى دعم التجارة والاستثمار، والمباحثات حول الاستثمار الأميركي في التكنولوجيا الرقمية.
تجربة أميركا في الإصلاح الاقتصاديّ بغرب أفريقيامن الناحية السياسية، تعتبر منطقة غرب أفريقيا إستراتيجيّة في بُعدها الجيوسياسي العالميّ؛ وتأتي دولة السنغال كأقرب شريك في هذه المنطقة للولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي جعلها تهتمّ باستقرارها السياسي وحيويّتها الديمقراطية.
تعتبر دولة غانا منارة ديمقراطيّة لسياسة دول غرب أفريقيا، والتواجد الأميركي السياسي في الدولتين يساهمُ بشكل كبير في تهدئة التوترات السياسية في المنطقة، ويساعدها من خلال الدبلوماسية على إدارة الحوار السياسي بين الدول المتنازعة إقليميًا.
التقى نائب وزير الخارجية الأميركي، رئيس جمهورية السنغال، وجرى بينهما مناقشات تتمثل في تشجيع علاقات التعاون بين البلدين من أجل استقرار السلم في منطقة غرب أفريقيا، وجدد اللقاء الروابط الدبلوماسية التي ترعاها الولايات المتحدة الأميركية لرعاية المصالح السياسية، ومواجهة التحديات الأمنية في المنطقة.
من الناحية الأمنية، وضعت الولايات المتحدة الأميركية الخطّة العشرية لتعزيز الاستقرار ومنع الصراع في غرب أفريقيا من 2022م-2032م، والتزمت بتوسيع الشراكات الأمنية مع السنغال وغانا من خلال مشاركتها مع الدولتين لإدارة المعلومات الداخلية عن طريق دعم التكنولوجيا الرقمية، هذا، في ظلّ تزايد النشاط الإرهابي عبر الحدود في المناطق الساحلية، والذي بدوره يهدد التمثيل السياسي للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، ويحرمها من المشاركة الاقتصاديّة.
وتعزّزت جهود الولايات المتحدة في الشؤون الأمنية لغرب أفريقيا بمجرّد إدراكها التهديد الروسي للمصالح الأميركية والأوروبية في المنطقة والتداعيات السلبية للغزو الروسي لأوكرانيا؛ الأمر الذي جعلها تعزم على التحرّك الحثيث نحو عواصم غرب أفريقيا.
وعلى الصعيد الاقتصادي والتنموي، تم التوقيع يوم الأربعاء 17 يوليو/تموز 2024م إثر زيارة نائب وزير الخارجية الأميركي على اتفاقية تمويل بين وزارة المالية والميزانية السنغالية والمؤسسة المالية الدولية لتنمية القطاع الخاص التابعة للحكومة الأميركية لبناء فندقين في منطقة إستراتيجية بـ (المادي).
ويمثل مشروع هذا المجمع الفندقي أكبر استثمار فندقي على الإطلاق في غرب أفريقيا بمساحة 5 هكتارات، وبتكلفة إجمالية قدرها 162 مليون دولار (حوالي 100 مليار فرنك أفريقي). كما تمّ إنجاز اتّفاقية الطاقة الخاصة بمؤسّسة تحدي الألفية بقيمة 550 مليون دولار، وقرض بقيمة 81 مليون دولار لقطاع الضيافة الفندقية في السنغال. بالإضافة إلى توقيع الولايات المتحدة الأميركية وغانا اتفاقيتَي تعاون؛ سعيًا لدعم برنامج الطاقة النووية في غانا.
التأثير الأميركي لتحقيق التوازن السياسي والتصدي لروسياتواجه السنغال وغانا في مساعيهما للتوازن السياسي مع دول الأنظمة العسكرية في غرب أفريقيا تداعيات تتمثل في قدرتهما على التأثير الإيجابي سياسيًا واقتصاديًا وفقًا لشراكاتهما الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية. والتي تعمل على مكافحة الإرهاب، وحماية الحدود المشتركة من التحديات الأمنيّة والسياسيّة والاقتصادية.
وتركّز السياسة الأميركية على تجنُّب الإخفاق لإيجاد ميثاق توافقيّ بين المؤسّسات الإقليمية في غرب أفريقيا؛ لأن ذلك سيسبّب حدوث تنازع في المصالح بين دول المنطقة، تكون الندّية هي الحالة السائدة في العلاقات، الأمر الذي سيخدم مصالح روسيا التي بدأت تجري اتفاقيات أمنية وعسكرية مع كونفدرالية الساحل المنشأة حديثًا، وعلى هذه المخاوف الأمنية في المنطقة تعمل الولايات المتحدة الأميركية بزياراتها المتكرّرة إلى منطقة الغرب الأفريقي لوضع خطوات أمنية للتصدي للنفوذ الروسي، أبرزها:
تكثيف المتابعات الأمنيّة من خلال إعطاء الاتفاقيات العسكرية والأمنية أولويّة في التنفيذ؛ والسنغال وغانا تعتبران نموذجين رئيسيين لتحقيق المهمّة المشتركة؛ نظرًا لما تربطهما مع الولايات المتحدة الأميركية من مصالح سياسيّة واقتصادية كبيرة.وكانت الزيارة محفّزة لتطوير الاتفاقيات الأمنية بين السنغال والولايات المتحدة الأميركية.
الوساطةُ في إدارة الحوار السياسي بين "إيكواس" وَ"آيس"؛ لتوفيق مصالح دول غرب أفريقيا؛ حيث تعترف الولايات المتحدة الأميركية بحريّة الدول في اختيار شراكاتها الدولية؛ إلا أن التواجد الروسي في المنطقة يبقى مقلقًا لأميركا؛ لكون الزحف الروسي قائمًا على مزاحمة مصالح أميركا وأوروبا في المنطقة.يتضح من السياسة الأميركية دعم الدول المتوازنة سياسيًا والأكثر استقرارًا في التكتلات الإقليمية كالسنغال وغانا مثلًا، للحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني في غرب أفريقيا. وبالمقابل، تسوّق روسيا نفسها كشريك إستراتيجي يمكن الوثوق به في تحقيق الاستقرار السياسي وضبط الأمن القومي لدول غرب أفريقيا.
وتبرز من هذه المقاربة وجود كيانات دولية تتصارع من أجل مصالحها في المنطقة؛ وعليها بنت الولايات المتحدة إستراتيجيتها لتحديد سياستها الخارجية مع دولتَي السنغال وغانا، كي تعتمد عليهما لمزيد من النفوذ من أجل التصدّي لتحرّكات الدول الكبرى كروسيا والصين.
وعلى القيادة الأفريقية عدم التسرّع في اتخاذ موقف سياسي أو قرار يفضي إلى ضياع المصلحة الوطنية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات نائب وزیر الخارجیة الأمیرکی الولایات المتحدة الأمیرکیة ة فی غرب أفریقیا دول غرب أفریقیا ملیون دولار فی المنطقة سیاسی ة غانا فی من خلال سیاسی ا من أجل
إقرأ أيضاً:
خطط أبوظبي الطموحة نحو تحقيق أهداف الأمم المتحدة للاستدامة: نموذج للمستقبل
د. شيخة سالم الظاهري
منذ انطلاقتها في عام 1996، جسَّدت هيئة البيئة – أبوظبي إيماناً عميقاً بأن البيئة تشكل أساساً وتاريخاً لإمارة أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة، وارتبط عملها ارتباطاً أصيلاً بأحد أهم ملامح الماضي، الذي تجلّى في الإرث البيئي الغني لأبناء الإمارات المتجذِّرين في بيئتهم البرية والبحرية؛ فكانت برامج الهيئة وخططها امتداداً طبيعياً للموروث الغني للمغفور له الوالد المؤسِّس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، والقيم التي جسَّدها في صون البيئة واستدامة مواردها وتعزيز سُبُل الحياة، فوق الأرض وتحت الماء.
تلك العلاقة الوثيقة بالماضي عزَّزت رُؤى الهيئة وتطلُّعاتها للأجيال المقبلة، بل كانت قاعدة دافعة لها نحو آفاق مستقبل مستدام، تمثَّلت في رؤيتها حول «بيئة مستدامة ومُصانة وصحية تعزِّز جودة الحياة»، دعمتها توجُّهات دولة الإمارات ورؤى قيادتها الرشيدة نحو الاستدامة وعلى رأسها صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي توج تلك التوجُّهات بإعلانه تمديد مبادرة «عام الاستدامة» لتشمل عام 2024، للبناء على الإنجازات التي حققتها دولة الإمارات في تعزيز جهود الاستدامة خلال عام 2023.
يلحظ المتتبِّعُ لمبادرات وأعمال هيئة البيئة – أبوظبي بوضوحٍ ارتباطَ خططها واستراتيجياتها بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الـ17، التي تجتهد حكومات العالم وتسابق الزمن، لإنجاز أكبر قدر ممكن منها بالسرعة المطلوبة، ولا سيما تلك المرتبطة بالبيئة في مختلف ميادينها البرية والبحرية، وما يعيش فيها من كائنات حية، وبالتغيُّر المناخي وأوجهه العديدة، سعياً للتخفيف من الآثار التي تهدِّد حياة الأجيال المستقبلية.
تشكِّل أهداف التنمية المستدامة الـ17 إطاراً شاملاً لمعالجة القضايا الأكثر إلحاحاً في العالم، بدءاً من العمل المناخي إلى المياه النظيفة والمدن المستدامة.
وبالنسبة إلى أبوظبي، الإمارة التي يزيد يوماً بعد يوم ارتباطُ اسمها بالنمو السريع والحداثة، فإنَّ تحقيق هذه الأهداف ليس التزاماً فحسب، بل ضرورة استراتيجية تتقاطع مع رؤيتها لمستقبل مستدام؛ فنهج الإمارة في الاستدامة متجذِّر بعمق في رؤاها وأجنداتها وخططها المستقبلية.
وتعمل هيئة البيئة - أبوظبي على تحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر مبادرات بيئية محلية ذات أثر عالمي، متسقة مع أهداف الأمم المتحدة.
وتساهم الهيئة في تحسين التكيف المناخي، حماية البيئة البحرية، الحفاظ على التنوع البيولوجي، وتطبيق السياسات المستدامة عبر عدة مجالات رئيسية. من خلال سياسات فاعلة، مثل تقليل الانبعاثات الكربونية وتحسين جودة الهواء، وجهودها في الحفاظ على موارد المياه والنظم البيئية البرية، تعزز الهيئة من استدامة بيئة أبوظبي لصالح الأجيال القادمة.
لقد تجسَّد انسجام هيئة البيئة – أبوظبي مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ولا سيما الهدف الـ13 (تغيُّر المناخ)، في أوجه ومناحٍ عديدة، أبرزها «استراتيجية التغيُّر المناخي لإمارة أبوظبي»، التي حدَّدت هيئة البيئة – أبوظبي خططاً خمسية شاملة لتحقيقها، لتسهم في تعزيز مرونة الإمارة في التعامل مع التغيُّر المناخي، وتصبُّ في أهداف دولة الإمارات في الوصول إلى الحياد المناخي، وترسِّخ ريادة الدولة عالمياً في مسيرة التنمية المستدامة.
توفِّر هذه الخطط الشاملة حلولاً استباقية لتعزيز التنويع الاقتصادي من خلال الابتكار واستخدام التقنيات منخفضة الكربون من خلال العمل مع شركائنا الاستراتيجيين لتحقيق مستهدف إنتاج 60% من الكهرباء في أبوظبي من مصادر متجددة بحلول 2035 بقيادة دائرة الطاقة، والعمل مع دائرة النقل لتطبيق استراتيجية النقل منخفض الانبعاثات.
ومن خلال هذه الاستراتيجية، يتم تعزيز القطاعات الحيوية، مثل البنية التحتية والطاقة والبيئة والصحة، ليس لضمان استمرارية الأعمال فحسب، وإنما أيضاً لضمان مرونة وسرعة الاستجابة للتغيرات المناخية.
ويتمثَّل الهدف في الوصول بجميع هذه القطاعات إلى اكتمال قدرتها وتعزيزها على التكيُّف بشكل كامل مع أيِّ تداعيات محتمَلة لتغيُّر المناخ بحلول عام 2050، وكذلك التمكُّن خلال خمس سنوات، وفقاً للخطط، من خفض انبعاثات الكربون في الإمارة بنسبة 22%، مقارنة بمستويات عام 2016، أي ما يكافِئ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تختزنها 500 مليون شجرة في 10 سنوات.
وقد أعلنت الهيئة ودائرة الطاقة مؤخراً عن تحقيق تقدم كبير في تنفيذ استراتيجية التغير المناخي لإمارة أبوظبي 2023- 2027 من خلال خفض نحو 26 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون من انبعاثات غازات الدفيئة بحلول نهاية 2024 وهو ما يعادل تقريباً 60% من مجمل الخفض المخطط الوصول إليه بحلول 2027. كما شهد عام 2024 تحقيق تقدم بنسبة 30% في وضع خطط تكيف لجميع القطاعات الرئيسية الأكثر هشاشة للتغير المناخي من أصل مستهدف 100% بحلول عام 2027.
وفي ضوء ذلك النهج، الذي ترسِّخه هيئة البيئة – أبوظبي، تشرع الإمارة في سلسلة من المشاريع الطموحة التي تهدف إلى الحدِّ من انبعاثات الكربون، والحفاظ على التنوُّع البيولوجي، وتعزيز الإدارة المستدامة للموارد. ولا تقتصر هذه الجهود على الامتثال البيئي فحسب، بل تهدف إلى تقديم مثال عالمي لكيفية مواءمة الإمارة بين التقدُّم والاستدامة البيئية.
وانسجاما مع الهدف 3 (الصحة الجيدة والرفاه) تتبنى هيئة البيئة - أبوظبي تقنيات متقدمة ضمن برامجها البيئية، فمن خلال برنامج إدارة جودة الهواء، تراقب الهيئة مستويات الملوثات عبر شبكة من المحطات، مما يساهم في تحسين جودة الهواء وتقليل الوفيات والأمراض المرتبطة بالتلوث.
وقد أدت جهودها إلى خفض مستويات الجسيمات الدقيقة بنسبة 20% خلال السنوات الخمس الماضية، مما يعزز من الجهود المبذولة لتوفير بيئة صحية لسكان أبوظبي كما عملت الهيئة على مراقبة انبعاثات ملوثات الهواء من المركبات باستخدام تقنية الاستشعار عن بُعد والذي يعتبر الأول من نوعه في الدولة ومنطقة الشرق الأوسط.
وفي منحى آخر، يتشابك نهج الهيئة مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ولا سيما عبر جهودها في تحقيق ومتابعة أهداف «المئوية البيئية 2071»، باعتبارها الهيئة المسؤولة عن تنفيذ أجندة البيئة والاستدامة في الإمارة.
وتواصل الهيئة جهودها لتعزيز مكانة أبوظبي كمركزاً عالمياً في مجال البيئة والعمل المناخي بحلول عام 2071، ومن خلال ثلاثة مسارات رئيسية، انسجمَت جميعها مع تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة الـ13 (تغيُّر المناخ)، والـ 14 (الحياة في البر)، والـ 15 (الحياة تحت الماء).
ومرة أخرى، تعكس هذه المبادرات، وغيرها الكثير، مساعي المواءمة مع الهدفين الـ 14 (الحياة تحت الماء) والـ15 (الحياة على اليابسة)، مع التركيز على الحفاظ على النظم البيئية البحرية والبرية، ويأتي ذلك في إطار جهود هيئة البيئة – أبوظبي لحماية وتعزيز الاستخدام المستدام للنظم البيئية، ومَنْع فقدان التنوُّع البيولوجي. وبلا شكٍّ، تطلَّب عمل الهيئة في هذه المناطق إجراء بحوث علمية دقيقة، وحملات توعية عامة لاستعادة الموائل الطبيعية. ومن خلال حماية هذه الموائل، لا تحمي أبوظبي تراثها الطبيعي فحسب، بل تُسهم أيضاً في الجهود العالمية للحفاظ على التنوُّع البيولوجي.
في حين تعتبر حماية البيئات الصحراوية والحياة البرية جزءاً أساسياً من عمل الهيئة. من خلال برنامج المناطق البرية المحمية، قامت الهيئة بزيادة المناطق المحمية لتغطي 15.5% من مساحة أبوظبي، مما يساهم في الهدف 15.1 الخاص بحفظ النظم البيئية. هذه المناطق المحمية تحمي أنواعاً مهمة مثل المها العربي والغزال الرملي، مما يساعد في مكافحة فقدان التنوع البيولوجي.
بالإضافة إلى ذلك، يحافظ مركز المصادر الوراثية النباتية التابع للهيئة على أكثر من 500 نوع من النباتات المحلية، مما يدعم الهدف 15.6 الذي يركز على الحفاظ على التنوع الجيني وتعزيز الاستخدام المستدام للأراضي.
وتنفذ الهيئة مجموعة من البرامج لحماية التنوع البيولوجي التي تركز على الحلول القائمة على الطبيعة في التكيف مع التغير المناخي، ومن أبرزها مشروع إعادة تأهيل الشعاب المرجانية، الذي أُطلق في عام 2021، ويُعد الأكبر من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، وقد حقق نجاحاً ملحوظاً، حيث تم الانتهاء بنجاح من زراعة أكثر من مليون قطعة من الشعاب المرجانية في ثمانية مواقع في مياه الإمارة، مع معدل بقاء للمرجان تجاوز 95% بعد مواسم الصيف.
لطالما كانت جهود أبوظبي لحماية بيئتها الطبيعية مثالاً يُحتذى به، فقد أنشأت الإمارة العديد من المناطق المحمية، ضمن شبكة زايد للمحميات الطبيعية.
واختار برنامج الأمم المتحدة للبيئة برامج المحافظة على النظم البيئية الساحلية والبحرية وإعادة تأهيلها في أبوظبي ضمن قائمة أفضل عشر مبادرات عالمية لاستعادة وتأهيل النظم البيئية. من خلال برنامج جودة المياه البحرية، تراقب الهيئة صحة النظم البحرية، حيث تتبع مؤشرات هامة مثل الملوحة ودرجة الحرارة ومستويات الملوثات، مما يدعم الهدف 14.1 المتعلق بتقليل التلوث البحري.
كما يعزز برنامج إدارة المصايد السمكية التابع للهيئة الاستخدام المستدام للموارد، سجّلت هيئة البيئة – أبوظبي تحسُّناً ملحوظاً في «مؤشر الصيد المستدام»، وخلال فترة زمنية قصيرة من تطبيق التدابير والإجراءات المتعلقة بالصيد، حيث ارتفعت نسبة المؤشر من 8.9% في عام 2018 إلى 69.1% في نهاية عام 2022.
وانسجاماً مع الهدف 6 (المياه النظيفة والنظافة الصحية) تعمل هيئة البيئة – أبوظبي على مواجهة ندرة المياه عبر برنامج الحفاظ على المياه الجوفية، الذي يهدف إلى تعزيز كفاءة استخدام المياه العذبة وضمان استدامتها.
أسهم هذا البرنامج في تقليل معدل استخراج المياه الجوفية بنسبة 7% خلال السنوات الخمس الماضية، مما يدعم الحفاظ على الموارد المائية الأساسية.
وضمن الهدف 12 (الاستهلاك والإنتاج المسؤولان) تبنت الهيئة سياسة الأكياس البلاستيكية المستخدمة لمرة واحدة، مما قلل استخدامها بنسبة 95% وساعد في الحد من تراكم النفايات، حيث تم تجنب 364 مليون كيس بلاستيكي يستخدم لمرة واحدة، والتي تعادل 2.400 طن من البلاستيك، أو 547.000 طن من غازات الدفيئة، وهو ما يعادل أيضاً الانبعاثات الناتجة عن 130.000 سيارة ركاب تعمل بالبنزين لمدة عام. كما تعمل الهيئة مع شبكة تضم أكثر من 250 شركة لتشجيع استهلاك الموارد بشكل مستدام.
ولتحقيق الهدف 4 (التعليم الجيد) سعت الهيئة من خلال برنامج المدارس المستدامة للوصول إلى نحو 153.000 طالب سنوياً، لتعزيز الوعي البيئي في المناهج الدراسية، مما يمكّن الأجيال الصاعدة من أن يصبحوا حماة للبيئة. يمتد تأثير هذا البرنامج ليشمل الأسر والمجتمعات، مما يخلق تحولاً نحو الاستدامة عبر الأجيال.
تُعَدُّ جهود هيئة البيئة – أبوظبي، وبما يتكامل مع الخطط الاستراتيجية العامة للإمارة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للاستدامة، شاهداً على التزامها بمستقبل مستدام. فمن خلال دمج المسؤولية البيئية مع النمو الاقتصادي، ترسِّخ تجربة الإمارة نموذجاً بيئياً حضارياً للمدن الأخرى حول العالم.
وبينما يجتمع قادة العالم لمناقشة العمل المناخي والتنمية المستدامة، يُعَدُّ نهج أبوظبي نموذجاً يُحتذى به في القيادة الرشيدة، والتخطيط الاستراتيجي، والابتكار الذي يمكن أن يقود إلى تقدُّم ملموس. ففي عالم تزداد فيه تحديات الاستدامة إلحاحاً، تبعث إنجازات أبوظبي الأمل والإلهام. ومن خلال الاستمرار في دفع حدود الممكن، لا تسهم الإمارة في تحقيق الاستدامة العالمية فحسب، بل تمهِّد الطريق لمستقبلٍ أكثرَ مرونةً وازدهاراً لجميع شعوب الأرض.
الأمين العام لهيئة البيئة في أبوظبي