???? هل نسفت مسيّرات الدعم السريع طاولة جنيف؟
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
في نفس الوقت الذي كانت تحلق فيه مسيّرات ميليشيا الدعم السريع في سماء جبيت كان القائد العام للجيش السوداني الفريق أول البرهان يتلقى التحية من طابور العرض العسكري لضباط الكلية الحربية، فيما لم يحول دوي الانفجار دون إكمال مراسم التخرُّج بنفس الفدائية التي تدربوا عليها، وقد بدا لافتاً وجه العقيد عبد الرحمن حسن وهو يستحضر أيامه الأخيرة في مصنع الرجال وعرين الأبطال، إذ أنه اليوم أيضًا سيقدم نفسه فداءاً للوطن، ليلحق بركب شهداء الحرس الرئاسي، وهو تقريبًا المشهد الذي لم يبارح ذاكرة البرهان – المُثقلة بالتضحيات – أثناء تشيع العقيد عبد الرحمن والمساعد مصعب أحمد، ضحايا غدر التمرد، كما لو أن رداءهما الملطَّخَ بالدماء خط على جبال المنطقة العسكرية رسالة تضمنها خطاب قائد الجيش لاحقاً؛ وهى (لا تصالح).
من يخشى المسيّرات؟
رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قدم خطاباً حماسياً عقب الحادثة، وضع فيه النقاط على الحروف، ليستبين بشكل أوضح موقف الحكومة الرافض للإملاءات الخارجية، وقال البرهان إن الجيش لن يتفاوض مع قوات “الدعم السريع ولا يخشى الطائرات المسيّرة”.
وأضاف في حفل تخريج دفعات من الطلبة الحربيين بـ جبيت، أنه لايمانع في الوصول إلى سلام، ولكن يجب أن يحفظ عزة وكرامة الشعب السوداني، وتابع “نريد أن تتوقف الحرب ورأسنا فوق ومنتصرين، لايمكن أن تتوقف الحرب والعدو متواجد في منازل المواطنين”.
لكن المثير في الأمر هو موقف الحكومة الأمريكية التي رفضت إدانة محاولة اغتيال البرهان، واكتفت بالتلميح أنها كانت تعلم بأمر مسيّرات الدعم السريع.
ونقلت قناة الشرق السعودية عن مصدر في الخارجية الأميركية قوله: “نحن على علم بالتقارير عن هجوم بالمُسيّرات في السودان ونؤكد أننا نعارض العنف”، دون الإشارة إلى من يؤجج ذلك العنف، وبدا الحديث المنسوب إلى مصدر في الخارجية الأميركية كما لو أنه فقط يلتمس الأعذار للوفد الأمريكي الذي طالب بلقاء البرهان في مطار بورتسودان عوضاً عن قصر الضيافة في المدينة الساحلية، وجاءهم الرد سريعاً بالرفض.
ميليشيا إرهابية
يرى القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي خالد الفحل المحاولة الإرهابية لاستهداف رئيس مجلس السيادة بأنها تأتي فى إطار سياسة الضغط التى ظلت تمارسها المليشيا منذ توقيع اتفاق جدة، والهدن التى صاحبت ذلك الاتفاق.
وقال الفحل لـموفع “المحقق” الإخباري إن ميليشيا الدعم السريع تمارس المزيد من التصعيد والانتهاكات بغية رضوخ الجيش والتوقيع على أى صيغة اتفاق تحقق لهم أهدافهم بالعودة للمشهد من جديد. لافتاً إلى أن الجيش السودانى نجح فى كسر الحصار الخارجي وامتصاص الصدمة الأولى والقضاء على الكتلة الصلبة للمليشيا، لذلك هذا الأسلوب لن يمكن المليشيا من تحقيق أهدافهم لأن الواقع الميداني للعمليات العسكرية فى مصلحة الجيش الوطني.
واعتبر الفحل أن حرب المسيّرات واستهداف المدنيين والتدوين العشوائي سوف يعجل بتصنيف مليشيا الدعم السريع المتمردة جماعة إرهابية، وأضاف: “لن يمثل كرت ضغط على القوات المسلحة التى تلتزم بالقوانين الدولية فى التعامل مع المليشيات وعدم استهداف المدنيين”.
نسف مشاريع الاستسلام
في المقابل ينظر الكاتب الصحفي ضياء الدين بلال، في تدوينة على صفحته على موقع فيس بوك، إلى تداعيات مسيّرات المليشيا بأنها أخطأت البرهان وأصابت عدة أهداف، من بينها محاولة الدفع بقيادة الجيش للاستسلام على موائد التفاوض، بينما حَدثَ عكس المُراد، وفقاً لضياء الذي يرى بأن المسار الآن أبعد عن محطة جنيف، وأكثر عزماً على التمسُّك بخيارات الشعب في منع تحويل انتهاكات وفظاعات المليشيا لمكاسب سياسية وعسكرية، مشيراً إلى أن التطورات العسكرية الآخيرة ومحاولة استهداف القائد العام للجيش بأنها “نسفت كل مشاريع الاستسلام المُتفاوض عليه”، وأصبحت القضية واضحة إمّا انتصارٌ حاسمٌ أو اتّفاق سلام يُحَقِّق إخلاء المنازل السكنية والأعيان المدنية، وإنهاء تعدُّد الجيوش، وجبر ضرر المُواطنين.
فيما وصف التوم هجو، السياسي المعروف والقيادي في المقاومة الشعبية مليشيا الدعم السريع بأنها مجموعة إرهابية جبانة لا تريد السلام، ووصف في لقاء مع الجزيرة مباشر البرهان بالقائد الميداني الشجاع، وقال إنه اختار البقاء وسط قواته ولم يتخلف عن قيادة المعركة بنفسه، مؤكداً أن قيادة الدعم السريع هربت من الميدان وترسل من الخارج المسيّرات لقتل المدنيين في الولايات الآمنة.
ليس بعيدًا عن ذلك ينسج القيادي بتنسيقية تقدم مصباح أحمد على جديلة المخاوف بتقويض تلك تلك المسيّرات لجهود السلام. وقال مصباح في ذات اللقاء إن استهداف القائد العام للجيش السوداني مسألة خطيرة ولها تداعيات سلبية على جهود الاستقرار في السودان، وتوقع أن تتسبب في تقويض الدعوة للتفاوض في جنيف وأضاف “من الممكن للدعم السريع أن يقوم بهذه الخطوة في إطار الحرب”.
مؤامرة فاشلة
من جهته طمأن نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار الشعب السوداني على تماسك مؤسسات الدولة، وقال إن الرئيس عبد الفتاح البرهان أكمل واجبه بتخريج دفعة الضباط في منطقة جبيت. وأضاف عقار في تدوينة على فيسبوك “إن محاولات الإرهابيين وحلفائهم لم ولن تنجح، وسنمضي بشعبنا إلى النصر ببسالة و بلا تردد”.
عموماً ليس ثمة تفسير لمحاولة استهداف البرهان واستئناف القصف العنيف تجاه الفاشر والخرطوم وسيلان الدماء وسط المدنيين نتيجة لذلك القصف سوى أن مليشيا الدعم السريع ومَن يقفون خلفهم لا يرغبون في السلام، وأن جنيف بالنسبة لهم محطة لتحويل هجماتهم العسكرية إلى حصائل سياسية، دون الاعتبار للدمار والموت الذي تخلفه نيرانهم من أجل التفاوض.
وينظر العديد من المراقبين إلى أن التصعيد عبر الطيران المسيّر جلب للدعم السريع نتائج عكسية، بخلاف ما سعت له، ولذلك أنكرت علاقتها بها، بقصد التضليل، وبذات القدر قطع الطريق أمام الجهود الأمريكية التي تحاول الضغط على الجيش السوداني إلى فتح منابر جديدة للتفاوض، فضلاً على ذلك فقد جعل الوصول إلى تسوية مع الدعم السريع أقرب إلى المستحيل، وعزز مواقف الرافضين لمفاوضات جنيف بوصفها محاولة للتهرب من استحقاقات اتفاق جدة، وغسل أيادي الدعم السريع من دماء السودانيين التي ولغوا فيها لأكثر من عام ونصف.
المحقق – عزمي عبد الرازق
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع المسی رات مسی رات
إقرأ أيضاً:
أين تقف .. مع مليشيات الجيش أم مليشيا الدعم السريع؟
طلعت محمد الطيب
رأينا ومنذ بدء هذه الحرب القذرة كيف ظل إعلام الفلول يثابر في إلصاق تهمة إنحياز تنسيقية تقدم إلي قوات الدعم السريع وإتهامها بأنها جناح سياسي له، ولكن دون تقديم حجج مقنعة.
الواقع ان تقدم وغيرها من قوي سياسية ومدنية وافراد ومنظمات تبذل ما تستطيع من جهد لوقف العدائيات وعودة الفريقين إلي طاولة المفاوضات. هذا المقال لا يهدف إلى مناقشة هذا الأمر، بل هو محاولة لتقديم رؤية أقرب لواقع الوجدان السوداني تجاه الفريقين المتحاربين وهي حرب نعلم جميعا إن الوطن والمواطن هو من يدفع تكلفتها الباهظة جدا ويسعى كل العقلاء إلى إيقافها، بل يتوق الناس إلى العودة لحياتهم الطبيعية قبل الحرب رغم ما كان بها من معاناة وشقاء.
حتي نفهم مشاعر الناس تجاه الفريقين المتقاتلين لا بد من الاستعانة بنظرية التطور والحداثة الثانية (استخدمها في مقابل الحداثة الاولي)، لأنها تبنت موقف يرتكز علي حقيقة أن المعرفة ثنائية وهي معرفة العقل مقابل الفطرة. والاستعانة بالتطور لا علاقة له بالقضايا الوجودية الكبري مثل الإيمان والإلحاد بل إنها استعانة ذات طابع معرفي أو ابستمولوجي ودليلي علي ذلك هو وقوف العديد من الدعاة الإسلاميين بحماس شديد مع نظرية التطور بحكم ان العلم الحديث والحفريات ظلت تؤكد صحتها في مجملها. هناك مثلا الشيخ عدنان ابراهيم في أوروبا وهناك عبد الصبور شاهين في مصر وهو للمفارقة كان ممن قدموا دعوة ضد الكاتب الراحل نصر حامد أبو زيد يكفره فيها ويؤيد ضرورة التفريق بينه وبين زوجته!.
بل حتي رموز الإسلام السياسى من أمثال القرضاوي كان قد صرح في لقاء تلفزيوني شهير فيما يتعلق بنظرية التطور، أنه علي إستعداد لإعادة تأويل النصوص الدينية لتستوعب نظرية التطور. وقبل ذلك كان الشهيد محمود محمد طه له موقف واضح مؤيد لنظرية تشارلز داروين بمعني أن أبو البشرية آدم كان له اب وام.
التطور يعني أن اسلاف الإنسان عاشوا ملايين السنين قبل ان يظهر الإنسان بشكله الحديث قبل عشرات الالاف إلي مائة الف سنة تقريبا. ومن المعروف أن غرائز الإنسان تطورت لتعزيز تناسله وتطوره وانطبعت تلك الغرائز في تلافيف الدماغ وهي قوية جدا لأنها ارتبطت ببقاء الإنسان. ومن المعروف ايضا أن الإنسان كان قد عاش آلاف السنين في مجموعات صغيرة ومن الغرائز القوية لديه هي غريزة الانتماء لمجموعته وحمايتها لأن في ذلك حماية لنفسه ولذلك أصبحت غريزة ( نحن) ضد ( الآخرين ) لحماية أنفسنا منهم ، قوية جدا ، بحيث لا يقل تاثيرها علي سلوك الإنسان عن غرائزه الجنسية والبيولوجية الأخري.
تطور العقل بمعني السببية والمنطق كان تطورا لاحقا وبطيئا في مقابل الفطرة intuition حتي ان أحدهم قال أن نمو ريش الطيور بعد أن تطورت من الزواحف كان بغرض التدفئة وليس الطيران وإن الطيران جاء عرضا. عقل الإنسان لانه مازال ضعيفا واسيرا لفطرته الحيوانيه يحتاج إلي روافع مثل المؤسسات والقيم وكل ما شانه تعزيز وترقية التفكير الجماعي. وقد شبه عالم النفس الامريكي الشهير جوناثان هيدت العقل براكب الفيل، والفيل في هذه الحالة هي الفطرة، وإنت لا تملك سوي توجيه ذلك الفيل الضخم إلي الوجهات الصحيحة ولا يمكنك تجاهله لانه سيكون من يقودك في هذه الحالة. مشكلة الحداثة الاولي إنها اعتقدت بقدرة العقل علي السيادة بل تحول دعاتها حتي إلي شئ شبيه ب " عبادة السبب" وهذا ما فعله الناس اثناء الثورة الفرنسية حينما دخلوا إحدى كاتدرائيات باريس وقاموا بتكسير تصاوير العذراء والسيد المسيح وكل الرموز الدينية واستبدلوها بشعارات تمجد السبب reason والعقل.
مع أن الواقع يقول أن القيم الدينية وكل القيم الإنسانية هي ضالة المجتمعات الإنسانية التي تسعى إلي الإستقرار والاحساس بالأمان والسعادة.
غريزة ( نحن) و( هم) هي المتحكمة بقوة الآن في الشهد السوداني، فهناك من يميل وجدانه إلى تأييد مليشيات الجيش لانه ينتمى إلي مجموعات وسط وشمال السودان المهدد ب ( الآخر) او حتي وهم إفتراض قومية الجيش رغم ان كل الدلائل تشير وبقوة الي غير ذلك. هناك من يقف مع قوات الدعم السريع ايضا بحكم الانتماء الجغرافي لغرب السودان وهناك من ينطلق من الانتماء إلي( قبيلته الايديولوجية ) في انحيازه إلي هذا الفريق أو ذاك .
ولذلك علينا أن نساعد عقلنا علي التحكم في ( فيل المعرفة الفطرية ) وتوجيهها إلي الطريق الصحيح ، طريق التفاوض من اجل السلام والامن والتفاهم والاستقرار.
talaat1706@gmail.com