يقال أن كل نهضة وتقدم تبدأ بثبات أخلاقي وكل تخلف وتراجع يبدأ بسقوط أخلاقي، ومن الملاحظ أن العدو بدأ يشتغل على الصغائر فلا يدع شاردة أو واردة إلا وقال فيها شيئا يفصح عن نذالة خصومته وفجورها، بالأمس اشتغل العدو على حوادث قد تكون عارضة تحدث في أي تجمع إنساني وحاول استغلالها استغلالا رخيصا كحوادث القتل التي تحدث بين الفينة والأخرى لسبب اجتماعي أو آخر، ويحوّل القضايا إلى قضايا رأي عام، وحين تتم المحاكمة وتنفيذ أحكام القضاء بصورة عاجلة يجعل منها قضايا أخرى يهدف من ورائها إلى بث الريبة والشك في موضوع الأحكام، وسلامة الإجراءات القضائية، وهو يجهد في تأليب الرأي العام ويحاول تفكيك بنية المجتمع، ويحدث فصلا بين السلطة وحواضنها الاجتماعية، ومثل ذلك يعزّ عليه بسبب واحد وبسيط وهو أن السلطة الوطنية بصنعاء تبسط يدها على كامل الأرض، وتحقق نجاحات أمنية غير مسبوقة، وحين المقارنة تكون كفة السلطة الوطنية بصنعاء راجحة على سلطة المحتل ومرتزقته، كما أن الكثير من القضايا والجرائم التي شهدها المجتمع الواقع تحت نير الاحتلال ومرتزقته، لم تضبط ولم يحقق فيها، بل يقال إن السلطة القضائية مشلولة الكف والساعد في مناطق الاحتلال .
اليوم يحاول العدو أن يطلق العنان لبعض مرتزقته من رعايا السفير ويقومون بحملة تمس الجوانب الأخلاقية في تعبير فاضح عن حالة السقوط والشعور بالهزيمة والتفسخ القيمي وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الصراعات والخصومات ويستنكره كل من يحمل ضميرا حيا وقد استنكره الخصوم أنفسهم ونصحوا السفير بتوجيه الرعايا الذين ينساقون وراء توجيهاته بالكف عن هذه المهزلة التي تعبر عن السقوط في الرذائل ولا تنال إلا من الذين يقولون بها ويرعون توجهها .
صنعاء خلال حالة الاضطراب والتموج والثورات وخلال زمن العدوان مع ما صاحب ذلك من أحداث ظلت تقدم نموذجا إنسانيا فريدا، ونموذجا فريدا للمدنية والتعايش، ونموذجا فريدا للدولة المتخيلة التي كان المجتمع ينشدها خلال السنين الخوالي، وقد فشل المرتزقة في تقديم أي نموذج بل كانوا دمى يلهو بها الأمريكي والإسرائيلي والسعودي والإماراتي، وهو الأمر الذي جعل من تلك الثلة من البشر دون قيمة واقعية، أو أخلاقية .
اليوم يفرش المرتزقة الجفون للمستعمر كي يحتل اليمن، فبريطانيا تعود هذه المرة ليس إلى عدن بل إلى المهرة في حالة من حالات تبادل الأدوار بين الدول السبع، في حين تضع أمريكا يدها على عدن وقاعدة العند وباب المندب وميناء بلحاف بشبوة، وتتواجد في جزر البحر، كما تضع إسرائيل يدها على جزيرة سقطرى، في مقابل ذلك تتواجد فرنسا في الطرف المقابل في القرن الأفريقي، يحدث ذلك في الجنوب الذي قالت الأيام أنه لم يستقر ولن يستقر ،ومن يدعون الشرعية يمارسون التضليل ويقرون بالوصاية على اليمن وأهله حتى تمر من تحت الطاولة مشاريع المستعمر الأجنبي الذي يبسط يده على الموانئ والممرات البحرية وعلى الجزر اليمنية ذات الأهمية الاستراتيجية في طرق الملاحة الدولية .
لقد وقع العدو في التناقض في خطابه الذي يستهدف اليمن، ولذلك سوف بفشل كما فشل في عدوانه رغم ضخامة آلة الدمار والرعب التي استخدمها في العدوان، وفشل العدو لا يعني أن نقعد مع القاعدين ونقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، بل يتطلب جهدا مكثفا لبيان الزيف والتضليل وفضح الأكاذيب والأضاليل بخطاب مواز يتسع نطاقه ليشمل كل وسائل الاتصال والتواصل، وقد أصبحنا اليوم مطالبين بوضع الخطط والاستراتيجيات التي تفضح العدو وتبين للناس والرأي العام العالمي ما غاب عنهم، كل الوسائل اليوم متاحة، ولا بد لنا من تنظيم جيش إلكتروني، كما يحاول العدو أن يصنع، حتى نخوض معركة الوعي وننتصر فيها، فالمعركة العسكرية يقر العدو بفشله فيها، وقد قرأنا تصريحات في سالف الأيام تقر بذلك، ولذلك فالمعركة القادمة التي يعد لها العدو هي معركة فصل السلطة عن مجتمعها، وثمة أخطاء إجرائية تحدث شرخا في جدار الوجدان العام لابد من الوقوف أمامها ببصيرة ووعي ودراية وعلم حتى لا نجعل للعدو شروخا ينفذ منها ليبث سمومه .
اليوم تطرأ قضايا يجتهد فيها البعض فيقع في الخطأ وقد يقع في الصواب لكن صوابها قد يشكل حالة صادمة لمن اعتاد ذلك الحال، وليس من الحكمة أن نصدم المجتمع بموانع اليوم في قضايا يعتادها في سوالف أيامه اجتهادا منا، أو رفضا منا لها، فالله حين أراد تحريم الخمر على قوم كانوا يرونه من ضرورات وجودهم كثف الحديث عنه، وخلق له البدائل في الحياة الأخرى وتدرج في تحريمه على مراحل ثلاث، ولذلك قد يضخم العدو الصغائر ويخلق منها كبائر حتى يصل إلى مبتغاه، وهو ما يحدث اليوم بالفعل، فكل حادث يحدث كقضايا اعتيادية يتداخل العدو حتى يجعل منها قضايا كبرى وله غاياته وأهدافه من وراء ذلك .
المعركة مستمرة والانتصار فيها يتطلب منا وعيا واستعدادا نفسيا لمواجهتها، كما يتطلب قدرات ثقافية واستراتيجيات واشتغالا ممنهجا، فتفكيك خطاب العدو في المرحلة الراهنة من ضرورات الانتصار فيها .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حرب ضد الهوية الإسلامية .. المساجد هدف الصهاينة من اليوم الأول
يمانيون – متابعات
تاريخيًا، كانت المساجد والمقدسات الإسلامية في فلسطين شاهدة على عمق الهوية الثقافية والدينية للشعب الفلسطيني. ولأنها كذلك، فقد ركّز عليها العدو المحتل باكرًا حين مارس عليها صنوف الاعتداءات بهدف تهويدها ومحوها. ونذكّر هنا بحادثة إحراق المسجد الأقصى الشهيرة (صباح يوم الخميس 21 أغسطس 1969/ 7 جمادى الآخرة 1389هـ). ورغم أنه من أقدس المواقع الإسلامية، فقد تكررت الاعتداءات الصهيونية عليه مرارًا، ناهيك عن الاقتحامات المتواصلة بشكل أصبح مؤخرًا شبه يومي، ولا يُخفي اليهود رغبتهم الشديدة في فرض السيطرة عليه وتهويد محيطه، علاوة على أعمال الحفريات التي تهدد بانهياره.
احراق المساجد الأقصى عام 1969
المدينة المقدسة برمتها تتعرض معالمها الإسلامية للتهديد بشكل يومي، ويمارس العدو المحتل صنوف الانتهاكات على قاصديها يوميًا. هذا الوضع يعكس استراتيجية العدو الإسرائيلي في السيطرة على المدينة، ومحاولة فرض واقع جديد يهدف إلى تهويدها. وجدير بالذكر هنا أن المسجد الأقصى، برمزيته الدينية الكبيرة في الوعي الإسلامي، اتخذ منه اليهود المحتلون معيارًا لقياس ردّة الفعل، ليس الفلسطينية وحسب، بل في عموم العالم الإسلامي.
ويظهر ذلك جليًا من خلال تتبع حوادث الاعتداء المختلفة على المسجد الأقصى في سبعة عقود من الاحتلال، والنتيجة الكارثية تظهر نجاح اليهود في كي الوعي الإسلامي وترويضه بالتدريج على القبول بالانتهاكات، والتي أضحت مؤخرًا مجرد خبر يومي لا يثير المشاعر الدينية ولا يستنهض الغيرة القومية. وهذه واحدة من نتائج العمل التراكمي لليهود على تغفيل الأمة وتخديرها وفصلها عن مقدساتها ورموزها.
وهنا الدور يناط بوسائل الإعلام العربية التي قدمت الخبر مجردًا عن سياقه الصدامي الحضاري الديني. والأصل أن أخبار الاعتداءات على المسجد الأقصى يجب أن تحظى بخصوصية بالغة في التقديم والترتيب، إذ إن الاعتداء على المقدسات لا يُمثل فقط اعتداءً على مبنى عادي أو حتى موقع عبادة، بقدر ما هو هجومٌ على الهوية الإسلامية بأكملها.
إبادة الفلسطينيين وإعدام هويتهم:
في غزة، وقبل معركة الطوفان، شهدت المساجد والمقدسات هجمات متكررة، حيث يتم استهدافها بشكل مركز مع كل عدوان إسرائيلي. في العدوان على غزة في عام 2014، تم تدمير عدد من المساجد بشكل كامل وعلى نحو متعمد. ودائمًا كانت إحصاءات الدمار التي طالت المساجد تنسجم تمامًا مع أهداف الإسرائيلي ونواياه في استئصال جذور الوجود الفلسطيني بهويته الإسلامية، وصولاً إلى خلق واقع جديد يتجاهل تاريخ الشعب الفلسطيني المسلم وحقوقه، واستبداله بالمغتصبين اليهود.
في معركة الطوفان، وفي فصول الاعتداءات والإبادة الجماعية الصهيونية على غزة وسكانها وهويتها، وجد العدو الصهيوني فرصته لتطال نيرانه كل مساجد القطاع بالتدمير الجزئي أو الكلي. في أحدث بياناتها، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بقطاع غزة، قبل أيام، أن جيش العدو الإسرائيلي دمر خلال حرب الإبادة الجماعية على القطاع 79 بالمئة من مساجد القطاع و3 كنائس، واستهدف 19 مقبرة.
وقالت الوزارة في بيان لها: “جيش الاحتلال الإسرائيلي دمر 814 مسجداً من أصل 1245، بما نسبته 79 بالمئة، وتضرر 148 مسجداً، بالإضافة إلى 3 كنائس، واستهدف 19 مقبرة من أصل 60 بشكل ممنهج ومتعمد.” وأضافت: “تكلفة الخسائر والأضرار التي تعرضت لها الوزارة نحو 350 مليون دولار.” وتابعت: “خلال حرب الإبادة، قام جيش الاحتلال بنبش القبور وسرقة الآلاف من جثامين الأموات والشهداء، والتمثيل بها بعد قتلهم بطرائق همجية وحشية.”
ولفت بيان الأوقاف إلى أن العدو الإسرائيلي دمر 11 مقراً إداريًا وتعليميًا، ما نسبته 79 بالمئة من إجمالي المقرات بالقطاع البالغة 14 مقرًا. وقالت الوزارة إن الجيش الإسرائيلي قتل 238 من موظفيها، واعتقل 19 آخرين خلال عملياته البرية بالقطاع.
حرب على الهوية الإسلامية لن تنتهي في فلسطين:
إن التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في سياق الحرب على هويتهم ودينهم ومعالمهم الإسلامية هي جزء من صراع حضاري وحلقة من حرب قديمة متجددة على الإسلام والمسلمين. هذه الحرب لا تستهدف فقط المباني، بل تهدف إلى محو الذاكرة الجمعية للفلسطينيين واستئصال جذور وجودهم الإسلامية. وهي بالأولى تعبير عن صدام ديني، ليس الفلسطينيين إلا أول ضحاياه، ويأتي الدور حتمًا على الجميع بدءًا من دول محيط فلسطين.
لم يكن حرق المسجد الأقصى إلا مشهدًا ضمن مسلسلٍ لا ينتهي، قامت عليه ما تُسمى إسرائيل، بدأ صباح الواحد والعشرين من أغسطس عام 1969 حين أضرموا النار في المسجد الأقصى. شجعهم أن نار إحراق المسجد لم تصل حرارتها إلى صدور الأنظمة العربية، ولم تبعث فيهم أي حمية لبيت مقدسهم المبارك. نتيجة لذلك الهوان، تلا الحرق اقتحاماتٌ لباحات المسجد الأقصى، وتجريف لمعالمه وطمس لآثاره وحفر أنفاقٍ أسفله تهدده بالسقوط، بينما يقاوم الفلسطينيون وحدهم بما تيسر من حجارة، يمنعون تدنيس وتهويد ما تبقى من شرف الأمة، فلا يجدون من حكامها سوى الصمت والتطبيع!
ولأن الصهاينة يتحركون من منظور ديني، تجدهم في غزة يقصفون أينما سمعوا مساجد يُذكر فيها اسم الله، بذريعة أو بدون مبررات. تارةً يفتشون عن المساجد، يقصفون جوامع غزة التي تأوي النازحين بحجة أنها تأوي مقاتلي حماس، كما فعلوا في وقائع عدة منها قصف جامع شهداء الأقصى ومسجد الشيخ رضوان ومسجد العطار. وكان حقدهم بيّنًا في قصفهم للجامع العمري التاريخي الشهير، الطاغي بقدمه على زيف تاريخهم ووجودهم المؤقت.
تدمير العدو الإسرائيلي للمساجد في غزة
في جوامع الضفة، يتعمّد الصهاينة بين فينة وأخرى اقتحامها تدنيسًا لها واستهزاءً واستفزازًا لمشاعر الفلسطينيين، في مشهد بات جزءًا من يوميات أهالي الضفة القابعين تحت قبضة المحتل وسطوة المستوطنين اليهود. كذلك الحال في جوامع جنوب لبنان في بلدة مجدل سلم، وجامع الزهراء وجامع الظهيرة، الذي تغنوا على دخانه وتعمدوا نشر مقاطع الفيديو المصورة لهذه الانتهاكات، ومنها مشاهد صعود المنابر والغناء منها، وكذلك إحراق المصاحف داخل المساجد، والذي تكرر في غير مسجد من غزة، واليوم في قرى جنوب لبنان.
العدو يدنس مسجدا بالضفة الغربية، ويرفع «العلم الإسرائيلي» على مئذنة مسجد معاذ بن جبل في مخيم الفوار بمدينة الخليل
من نافل القول إن استمرار الاعتداءات على المساجد والمقدسات الإسلامية وتكررها على هذا النحو الواضح المتعمد والممنهج وغير المسبوق يعكس عقيدة العدو الإسرائيلي المحرفة وخرافاته التوراتية الباطلة في تحقيق مشروع الصهاينة “إسرائيل الكبرى” عبر التأسيس لواقع جديد يتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني بهويته الإسلامية. لكن في ظل هذه الظروف، يبقى الأمل معقودًا على صمود الفلسطينيين في الدفاع عن هويتهم ومقدساتهم، وعلى فعل المحور المساند والمنخرط بالفعل في معركة تتجلى أكثر بطبيعتها الدينية الحضارية، وفيها امتحان عسير وفرز خطير، لعله غير مسبوق في تاريخ الصراع.
——————————————-
موقع أنصار الله – يحيى الشامي