بقلم: نزار بولحية

ما هي النتائج والعواقب التي هدد البيان الأخير للخارجية الجزائرية باستخلاصها من القرار الفرنسي الجديد بخصوص الصحراء؟ هل سيمضي الجزائريون إلى الحد الأقصى كأن يقطعوا علاقاتهم مع باريس؟ لطالما اعتبر جيرانهم أن ملف الصحراء هو “النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، مثلما قال العاهل المغربي في أحد خطاباته قبل عامين.

فهل يبدو الأمر مماثلا بالنسبة لهم؟ وفي تلك الحالة هل ستتدهور علاقاتهم حتما بكل دولة تقدم على أخذ موقف معاد أو مضاد لموقفهم من تلك القضية؟

لقد دخل المغاربة قبل أكثر من ثلاث سنوات في أزمة حادة وعميقة مع الألمان، بعد أن “سجلت ألمانيا موقفا سلبيا بشأن قضية الصحراء المغربية”، مثلما جاء حينها في بيان لخارجية الرباط، أعقبتها أزمة أخرى ربما لا تقل عنها حدة وعمقا مع الجارة الإيبيرية، بعد استقبالها بشكل سري لزعيم البوليساريو في إسبانيا وتحت اسم مستعار وبمبرر العلاج، لكنهم خرجوا من كلا الأزمتين باعترافين ثمينين ووازنين، كان الأول من برلين وأقر بأن “مقترح الحكم الذاتي يمثل قاعدة جيدة لحل نزاع الصحراء”، وجاء الثاني من مدريد ليعلن أن “المبادرة المغربية للحكم الذاتي للصحراء هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل النزاع ” الصحراوي.

لكن بماذا خرجت الجزائر بالمقابل من أزمتها الأخيرة مع إسبانيا؟ وبماذا يمكن أن تخرج من أزمتها المفترضة غدا مع فرنسا؟ والأهم من ذلك إن كانت باريس قد فعلتها اليوم، فعلى من سيأتي الدور في المستقبل القريب، أي في الشهور والسنوات القليلة المقبلة؟ هل على بريطانيا مثلا؟ أم على إيطاليا التي يعدها الجزائريون الآن أكبر وأوثق شريك أوروبي لهم؟ أم أن المفاجأة التي ستحصل هي أن روسيا والصين، وهما اللتان تعتبران أقرب الحلفاء التقليديين للجزائر ستلتحقان بدورهما بالقائمة الموسعة للمعترفين بسيادة الرباط على الصحراء؟ في كل الأحوال يبدو أن القطار المغربي لن يتوقف عند المحطة الفرنسية، والسؤال الذي يطرح نفسه وللوهلة الأولى هو، لماذا صدرت عن دولة واحدة فقط من بين نحو ثمان وثلاثين دولة تقريبا تقيم علاقات مع ما تسمى بـ”الجمهورية الصحراوية ” التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد منتصف السبعينيات، ردة فعل غاضبة على قبول بعض الحكومات الغربية وترحيبها بمقترح الحكم الذاتي، الذي عرضه المغرب منذ ما يقرب من عقدين، كحل نهائي وموضوعي للنزاع الصحراوي؟ ولماذا لم تقم بالمقابل باقي تلك الدول لا بإصدار بيانات منفردة، ولا حتى جماعية للتنديد والاستنكار، ولم تبادر بدعوة السفراء المعتمدين لديها لإبلاغهم رفضها التام واحتجاجها الشديد على تلك القرارات، أسوة بما فعلته الجزائر في وقت من الأوقات مع إسبانيا مثلا وبما قد تتجه لفعله في الأسابيع المقبلة مع فرنسا؟ قد يبدو الأمر ملتبسا بعض الشيء. فإن كان الجزائريون يقولون دائما وأبدا إنهم ليسوا طرفا في الملف الصحراوي، وأن لا مطالب ولا أطماع لهم بأي شكل من الأشكال في تلك المنطقة بالذات، فما الذي يعطيهم إذن مثل ذلك الاستثناء؟ وما الذي يجعلهم يتصرفون بشكل يكاد يكون فريدا من نوعه ويرهنون مصير ومستقبل علاقاتهم ببعض الدول بموقفها من مشكل خارجي يعتبرون أن لا ناقة ولا جمل لهم فيه؟ ربما سيرد البعض بأن هناك معطى ربما يبدو فارقا، فإن كانت باقي الدول التي اعترفت بجمهورية البوليساريو قد فعلت ذلك في مراحل سابقة وتحت مبررات أو دوافع عقائدية أو أيديولوجية في الغالب، إلا أنها لم تقدم لذلك التنظيم المسلح ما قدمته له الجزائر لا من دعم مادي وعسكري ودبلوماسي فقط، بل من إسناد مباشر من خلال منحه موطئ قدم للنشاط من داخل التراب الجزائري أي من تندوف. وهذا ما يجعلها حساسة جدا لاي تغير قد يطرأ على خطوط التماس القريبة من حدودها لانها تعلم جيدا أن ذلك قد تكون له تبعات و انعكاسات مباشرة على أمنها واستقرارها.

لكن ما الذي يعنيه مثل ذلك التخوف؟ هل يعني أن الجزائريين لا يضعون في حسبانهم فرضية أن يتم في يوم ما غلق ملف الصحراء بشكل نهائي، من خلال فرض المجتمع الدولي لتسوية قد تقوم على أساس مبادرة الحكم الذاتي التي عرضتها الرباط؟ إنهم يقولون دائما انهم سيقبلون بما يقبل به الصحراويون وأنه متى وافق هؤلاء على الحل المغربي، فإنهم لن يترددوا أبدا في قبوله. غير أن الامر قد لا يبدو بمثل تلك السهولة والبساطة. إذ سيكون من الصعب عليهم بعد كل الجهود الضخمة التي بذلوها لدعم البوليساريو أن يسلموا في الاخير بنتيجة أخرى غير انفصال الصحراء عن المغرب. ولعل الحجة التي يتعلقون بها في هذا الجانب هي الشرعية الدولية ووجود ملف الصحراء في لجنة تصفية الاستعمار في الأمم المتحدة، واتفاق المغرب والبوليساريو مطلع التسعينيات وبرعاية أممية على وقف إطلاق النار والقيام باستفتاء عجز المنتظم الأممي لاعتبارات موضوعية عن تنظيمه. لكن ماذا سيحدث غدا إن سقطت تلك الحجة وأقرت تلك الشرعية بأن الحل الوحيد للمشكل الصحراوي هو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية؟ هل سينقلبون عليها في تلك الحالة؟ لقد مثّل البيان الاحتجاجي الذي أصدرته الخارجية الجزائرية بشكل مفاجئ الخميس الماضي وقالت فيه إنها “أخذت علما بأسف كبير واستنكار شديد بالقرار” الذي اعتبرته بـ”غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي” الذي ” اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية، في إطار السيادة المغربية المزعومة”، على حد تعبيرها، دليلا جديدا على أن الجزائريين باتوا يبحثون عن صفة ما تؤهلهم للاحتجاج لا على فرنسا وحدها، بل على أي دولة قد تعترف غدا بمغربية الصحراء. وكان واضحا ومنذ البداية، ومثلما أشار إليه البيان إلى أنه “تم إبلاغ السلطات الجزائرية بفحوى القرار من قبل نظيرتها الفرنسية في الأيام الأخيرة”.

ولعل هذا المعطى قد لا يخلو من دلالات، فهو يشير وبشكل ما إلى أن باريس وسواء أرادت الجزائر ذلك أم لا، فإنها تعتبرها طرفا أساسيا من أطراف المشكل الصحراوي. لكن هل يسمح لها ذلك الوضع بأن تكون أول من يكشف عن قرار سيادي لدولة أخرى قبل صدوره الفعلي من الجهة المخولة أصلا بذلك أي فرنسا؟ إن المناورة الفرنسية هنا تحمل قدرا كبيرا من المخاتلة، فالفرنسيون يعلمون أكثر من غيرهم أن اعترافهم بمغربية الصحراء يحمل ثقلا تاريخيا مهما في منطقة فصلوا جغرافيتها بشكل عشوائي ومتعسف قبل خروجهم منها رسميا في الستينيات، ويعرفون بالمقابل مدى تمسك الجزائريين بالحدود الموروثة عن الاستعمار. فهل كانوا يريدون منهم في تلك الحالة أن يخلعوا نظارة الصحراء وينظروا للعالم فقط بنظارة جزائرية؟ التطورات المقبلة قد تكشف النقاب عن ذلك.

 

 كاتب وصحافي من تونس

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: الحکم الذاتی فی تلک

إقرأ أيضاً:

وسط التنافس مع أميركا.. الرئيس الصيني يدعو إلى الاكتفاء الذاتي في تطوير الذكاء الاصطناعي

الاقتصاد نيوز - متابعة

تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ "بالاعتماد على الذات وتعزيز الذات" لتطوير الذكاء الاصطناعي في الصين، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية يوم السبت، في الوقت الذي تتنافس فيه البلاد مع الولايات المتحدة على التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو مجال استراتيجي رئيسي.

وأكد الرئيس الصيني، أن "تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي توفر فرصاً كبيرة"، محذّراً "في الوقت ذاته، من أنها تحمل أيضا مخاطر وتحديات غير مسبوقة".

وذكر شي، في تصريحات نقلتها قناة "الصين المركزية"، أن "الذكاء الاصطناعي يجلب معه فرصاً تنموية غير مسبوقة، لكنه يجلب معه أيضاً مخاطر وتحديات غير مسبوقة".

تغيير الإنتاج وأسلوب الحياة البشرية

وأضاف أن "تقنيات الذكاء الاصطناعي ستغير الإنتاج وأسلوب الحياة البشرية بشكل جذري"، مشدداً على "ضرورة تسريع تطوير وتحسين القوانين واللوائح ذات الصلة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن المبادئ الأخلاقية في البلاد".

إلى ذلك، أشار الرئيس الصيني إلى "أهمية إنشاء نظام لمراقبة التكنولوجيات والتحذير من المخاطر والاستجابة لحالات الطوارئ، فضلًا عن ضمان سلامة وموثوقية وإمكانية التحكم في الذكاء الاصطناعي".

وأوضح أنه "من أجل أن تستحوذ الصين على المبادرة وتحصل على المزايا في مجال الذكاء الاصطناعي، من الضروري تحقيق اختراق في النظريات والأساليب والأدوات الأساسية".

خطوة أميركية لتعزيز الذكاء الاصطناعي

وهدد التقدم السريع للصين في مجال الذكاء الاصطناعي الريادة التي كانت تتمتع بها الولايات المتحدة سابقاً في صناعة الذكاء الاصطناعي، ويعود ذلك بشكل كبير إلى شركة ديب سيك DeepSeek الصينية.

وطورت الشركة الصينية نموذج ذكاء اصطناعي بقدرات تضاهي نماذج التفكير الخاصة بشركة أوبن إيه آيOpenAI، ودربت نموذج "R1" الخاص بها بتكلفة زهيدة. وتسببت "ديب سيك" في صدمة لأسهم شركات التكنولوجيا الأميركية، ودفع ذلك الرئيس ترامب إلى القول آنذاك إن "إطلاق ديب سيك، وهو ذكاء اصطناعي من شركة صينية، يجب أن يكون (بمثابة) جرس إنذار لصناعاتنا بأن علينا إلى التركيز الشديد على المنافسة للفوز".

وفي خطوة تعزز المنافسة الأميركية، وقّع الرئيس دونالد ترامب أمراً تنفيذياً جديداً يهدف إلى تعزيز تعليم الذكاء الاصطناعي في المدارس من الروضة إلى الصف الثاني عشر، وإعداد الطلاب لسوق عمل يزداد اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي.

ويتمثل الهدف الرئيسي للأمر التنفيذي الجديد، الذي وقعه ترامب يوم الأربعاء، في "ضمان بقاء الولايات المتحدة رائدة عالميًا في هذه الثورة التكنولوجية".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • أبل تسعي لطرح نظارة ذكية مدعمة بالذكاء الاصطناعي
  • قرارات جديدة للجنة الاعتراف بمؤسسات التعليم العالي غير العُمانية
  • الحكم الفرنسي توربان يدير قمة برشلونة وإنتر ميلان في دوري أبطال أوروبا
  • روسيا تشترط الاعتراف بالقرم وواشنطن تلوح بالانسحاب من المحادثات
  • تحديث منظومة الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي الصادرة من خارج الدولة
  • أول سفيرة لفلسطين في النرويج
  • كيف يبدو المشهد في الضاحية بعد الغارة الاسرائيلية؟
  • الرئيس الصيني شي جين بينغ يدعو للاعتماد الذاتي في تطوير الذكاء الاصطناعي
  • وسط التنافس مع أميركا.. الرئيس الصيني يدعو إلى الاكتفاء الذاتي في تطوير الذكاء الاصطناعي
  • بن حبريش يبحث مع مختصين مقترحات التوجه نحو "الحكم الذاتي" في حضرموت