السيناريو الأكثر ترجيحا للرد الإيراني على ضربة هنية
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
في منتصف أبريل الماضي وردا على القصف الذي استهدف قنصليتها في العاصمة السورية دمشق نفذت إيران هجوما مباشرا بالمسيرات الانتحارية والصواريخ تجاه إسرائيل، وأطلقت عليه اسم "الوعد الصادق".
وبينما كانت وسائل إعلامها تعرض مشاهد الإطلاق العابرة للحدود، خرج القائد العام لـ"الحرس الثوري"، حسين سلامي معلنا أن ما فعلوه كان "محدودا وناجحا" ومحذّرا من "مغبة استهداف المصالح الإيرانية مجددا وفي أي مكان".
وقالت إسرائيل بعد ذلك بأيام إنها نفذت ردا مضادا داخل الأراضي الإيرانية، وعادت الأربعاء لتتهم باستهداف مكان إقامة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية في العاصمة طهران، مما أسفر عن مقتله مع مرافقه.
ولا تعتبر عملية اغتيال هنية ضربة كبيرة لحركة حماس فحسب وفقا لمراقبين، بل تستهدف أيضا سيادة إيران صاحبة الأرض والمبنى الذي قتل فيه هنية، المخصص لضيوف "الحرس الثوري".
وجاءت بعد ساعات قليلة من قصف تبنته إسرائيل في الضاحية الجنوبية ببيروت وأسفر عن مقتل القيادي البارز في "حزب الله" اللبناني، فؤاد شكر. كما سبق العملية بأسبوع استهداف إسرائيلي لميناء الحديدة باليمن، ردا على هجوم نفذه الحوثيون بطائرة مسيرة وصلت إلى تل أبيب.
ويوضح مراقبون وخبراء تحدثوا لموقع "الحرة" أن ضربة اسماعيل هنية في طهران تضع إيران أمام "اختبار حقيقي" و"معضلة" ترتبط تفاصيلها بعدة أسباب ومعطيات.
جزء من تلك الأسباب يتعلق بطبيعة الرد المحتمل الذي قد تنفذه وما إذا كان تقليديا كما حصل سابقا بـ"المسيرات والصواريخ" فقط، بينما تذهب أخرى باتجاه تحويله إلى أشد وأقوى، الأمر الذي يدفع إسرائيل لإعادة الكرّة مجددا.
ما الأصداء الإيرانية الآن؟آخر التصريحات وأوضحها التي خرجت من طهران جاءت على لسان رئيس هيئة الأركان الإيرانية، اللواء محمد باقري بعد مشاركته في مراسم تشييع هنية، حيث قال إنهم "يدرسون مع محور المقاومة كيفية الرد" على اغتيال هنية.
وأضاف سلامي حسبما نقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية: "الرد سيكون حتميا.. ويجب اتخاذ إجراءات متعددة، والكيان الصهيوني سيندم على فعلته"، على حد تعبيره.
ويتقاطع حديث المسؤول العسكري الإيراني مع معلومات نشرتها وكالة "رويترز" نقلا عن 5 مصادر، عصر الخميس، ومفادها أن "مسؤولين إيرانيين كبارا سيلتقون بممثلي حلفاء طهران في المنطقة من لبنان والعراق واليمن".
ويأتي اللقاء بهدف "مناقشة الرد المحتمل على إسرائيل بعد قتل إسماعيل هنية"، وفق "رويترز".
وقبل حديث المصادر الخمسة للوكالة نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر رسمية إيرانية لم تسمها أن المرشد الإيراني، علي خامنئي أصدر أوامره بضرب إسرائيل مباشرة ردا على مقتل هنية في طهران.وذكرت الصحيفة أن "خامنئي أصدر أوامره بهذا الشأن خلال اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي، صباح الأربعاء، بعد وقت قصير من إعلان إيران عن مقتل هنية".
يتفق خبراء ومراقبون تحدث إليهم موقع "الحرة" على فكرة أن الرد الإيراني المحتمل قد يكون "متعدد الاتجاهات"، بمعنى ليس من طهران فقط بل من وكلائها في لبنان واليمن.
وقد تشترك فيه أيضا حركة "حماس"، كون الضربة استهدفت زعيمها السياسي الأبرز.
ويعتقد الباحث الأمني الإيراني، حميد رضا عزيزي أن "سيناريو الرد بالوكالة فقط، أي مع عدم مشاركة إيران نفسها وتفويضها لا يبدو سيناريو قويا في الوقت الحالي".
ويقول، وهو زميل زائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (swp)، إن "السيناريو الأكثر ترجيحا في الوقت الحالي هو رد منسق من إيران وبعض أو كل حلفائها الإقليميين".
وقد يشمل ذلك بالتأكيد بحسب رضا عزيزي "حزب الله" والميليشيات العراقية والحوثيين في اليمن.
ويوضح الباحث لموقع "الحرة" أن حادثة اغتيال هنية لم تكن بمعزل عن غيرها، بل جاءت ضمن سلسلة أحداث تصعيدية في جميع أنحاء المنطقة.
وبعدما أشار إلى مقتل القيادي في "حزب الله"، فؤاد شكر والهجوم الأميركي على مواقع لـ"الحشد الشعبي" في العراق وضربة ميناء الحديدة تابع أن "كل هذه الجهات الفاعلة المختلفة فيما يسمى (محور المقاومة) سيكون لديها حوافزها الخاصة لإظهار الرد على إسرائيل".
ومن غير المستبعد أن تحث إيران وكلاءها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان على الانضمام إلى أي ضربة صاروخية و/أو بطائرات بدون طيار ضد إسرائيل لتعقيد الدفاعات الإسرائيلية، كما يرى المحلل العسكري في معهد هيدسون بواشنطن، ريتشارد وايتز.
ويضيف وايتز لموقع "الحرة" أن "الحكومة الإيرانية شعرت بالحرج من سهولة وقوع عملية الاغتيال في عاصمتها"، وأن "تكرار الضربة الصاروخية والطائرات بدون طيار كما حدث في أبريل لن يمحو هذا حقا".
وفي خطابه الأول بعد مقتل شكر في الضاحية الجنوبية ببيروت وهنية في طهران قال زعيم "حزب الله" في لبنان، حسن نصر الله إن "كل جبهات الإسناد دخلت في مرحلة جديدة وتصاعدها يتوقف على ردات فعل العدو"، في إشارة إلى إسرائيل.
وأضاف بنبرة تهديد: "ستبكون كثيرا لأنكم لا تعلمون أي خطوط حمراء تجاوزتم".
وقال أيضا: "نحن في معركة مفتوحة في كل الجبهات وقد دخلت في مرحلة جديدة".
ويعتقد كبير الخبراء الأميركيين في "المجلس الأطلسي"، ريتش أوتزن أنه من المرجح للغاية أن تستخدم إيران مجموعات وكيلة إقليمية لمحاولة الانتقام لضربة هنية.
وكان هنية "أداة في جهودهم بالوكالة، ولذا سيكون هناك قدر معين من التناسق في ذلك"، على حد قول أوتزن لموقع "الحرة".
ويضيف أن ما سبق يتماشى أيضا "مع حرب الظل مع إسرائيل التي يحتفظ فيها كلا الجانبين بقدر من الإنكار المعقول".
ومع ذلك، وبينما يشير إلى أن "الانتقام الناجح لإيران قد يصلح صورة رعاية الإرهاب أو إدارة الوكلاء بكفاءة" يرى أن "الرد لن يستطيع إصلاح صورة إيران بأنها قادرة على حماية (الضيوف) بنجاح على أراضيها".
ولا ينظر المسؤولون الإيرانيون، بحسب "نيويورك تايمز" إلى مقتل هنية على أنه مجرد عملية انتهازية من جانب إسرائيل لأحد أعدائها، بل إنها أيضا "إهانة" لجهازهم الأمني مما يشير إلى أنه يمكن استهداف وقتل أي شخص في إيران على أي مستوى.
ويقول الباحث الأمني رضا عزيزي إن مقتل هنية "ألحق ضررا استخباراتيا قويا للغاية بالنسبة لإيران".
ولذلك من المحتمل أن تحاول استخدام هذا كفرصة ليس فقط للرد، ولكن أيضا "لإعادة التأكيد على التنسيق مع حلفائها الإقليميين داخل محور المقاومة"، بحسب رضا عزيزي.
ويعيد الباحث التأكيد على اعتقاده بأن "السيناريو الأكثر احتمالية هو استجابة منسقة من قبل هذه الجهات الفاعلة المختلفة".
و"ربما يكون اغتيال زعيم إسرائيلي في إسرائيل أو دولة غربية أفضل لإيران ولكنه سيكون أكثر خطورة"، وفق المحلل العسكري وايتز.
ويستبعد أن تتغير معادلة الحرب في غزة إلا إذا "شن حزب الله هجوما واسع النطاق ضد إسرائيل".
وفي ضربة أبريل كانت إسرائيل قد أعلنت أن إيران أطلقت قرابة 300 طائرة مسيرة في هجومها، إضافة لتنفيذ هجمات صاروخية، جاء بعضها من العراق واليمن.
وأضاف الجيش الإسرائيلي، حينها، أن الدفاعات الجوية تصدت لـ 99 بالمئة منها.
وقالت إيران في المقابل إن ردها في تلك الفترة استهدف مركزا استخباريا إسرائيليا شمال الجولان، استُخدم في تخطيط وتنفيذ العملية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق.
وأضافت أيضا على لسان مسؤوليها أن الرد استهدف كذلك قاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية المقر الرئيسي لطائرات "إف 35"، القريبة من مفاعل ديمونا النووي.
وفيما يتعلق بالرد المحتمل الآن يرجح الباحث الأمني رضا عزيزي أنه "قد نشهد هجوما ضخما واحدا من قبل هذه الجهات الفاعلة المختلفة: إيران وحزب الله والميليشيات العراقية والحوثيين".
أو قد نشهد الرد على مراحل، مثل قيام بعض الجهات المذكورة والمرتبطة بإيران ببعض العمليات ثم في المرحلة التالية ينضم إليها آخرون.
ويتصور الباحث السياسي الإيراني المقيم في طهران، سعيد شارودي أن "الرد المحتمل سيكون مختلفا عن ذاك الذي حصل في أبريل".
ويقول لموقع "الحرة": "إيران تريد أن تقول هذه المرة: إذا لم تتعلموا الدرس من الضربة السابقة سأرد عليكم هذه المرة بضربة قد تجعلكم تفكرون في المستقبل مليّا عند تنفيذ أي عمل عدائي".
وقد يكون الهجوم من إيران وبأسلحة إيرانية ولا يستبعد شارودي ان تنضم أطراف أخرى، مثل "حزب الله" والحوثيين في اليمن.
ويتابع: "قد تجمع إيران وحماس وحزب الله والحوثيين في اليمن ويكون الرد رباعيا"، مما "سيضعف إسرائيل ويسبب لها المتاعب في المستقبل"، على حد تعبيره.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الرد المحتمل مقتل هنیة حزب الله فی الیمن فی طهران هنیة فی
إقرأ أيضاً:
اعتقال بريطانيين في إيران.. سياقات التصعيد وانعكاساته
طهران- مثلت قضية اعتقال السلطة القضائية الإيرانية مواطنين بريطانيين -في ديسمبر/كانون الأول الماضي- بتهمة التجسس وجمع المعلومات تحت غطاء السياحة خطوة جديدة في سياق التوتر بين طهران ولندن، أثارت ردود فعل دولية وتساؤلات حول تداعياتها على العلاقات بين البلدين.
وأوضح المتحدث باسم السلطة القضائية أن المعتقلين كانوا ينشطون في عدة محافظات، وأنهم تعاونوا مع مؤسسات تعمل كواجهة لأجهزة استخبارات غربية، ويأتي هذا الإعلان في ظل تصاعد التوتر بين طهران ولندن، لا سيما بعد فرض بريطانيا عقوبات جديدة على مسؤولين إيرانيين بسبب ما وصفتها بانتهاكات حقوق الإنسان.
كما أنه يتزامن مع تحركات دبلوماسية، أبرزها لقاء السفير البريطاني في طهران هوغو شورت مواطنين بريطانيين محتجزين في سجن كرمان الإيراني، وهو لقاء نادر أثار تكهنات حول إذا ما كان جزءا من جهود لحل قضايا المعتقلين عبر قنوات خلفية.
وتاريخيا، شهدت العلاقات الإيرانية البريطانية أزمات متكررة تتعلق بمزدوجي الجنسية، إذ سبق أن اتُهمت طهران باستخدامهم كورقة ضغط سياسية، وهو ما تنفيه السلطات الإيرانية، مؤكدة أن القضايا الأمنية تُنظر وفق القوانين المحلية من دون اعتبارات خارجية.
رأى الدبلوماسي الإيراني السابق أبو القاسم دلفي أن التطورات الأخيرة تعكس مرحلة إعادة ضبط في العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أن القنوات الدبلوماسية لا تزال مفتوحة رغم التصعيد الأمني.
إعلانوقال دلفي للجزيرة نت إن ما نشهده ليس مجرد أزمة أمنية، بل إنه جزء من مشهد أكبر يتضمن إعادة تقييم العلاقة بين طهران ولندن، حيث لا يبدو أن الطرفين يسعيان إلى القطيعة الكاملة.
وأشار إلى أن السماح بلقاء القنصليين البريطانيين مع المعتقلين يعكس توجها أكثر توازنا في إدارة الملف، مقارنة بفترات سابقة شهدت قيودا أكبر على مثل هذه اللقاءات.
وأضاف أن تعيين سفير جديد لإيران في لندن بعد فترة من إدارة السفارة على مستوى قائم بالأعمال فقط قد يكون إشارة على رغبة في إعادة ترتيب العلاقات، لكنه شدد على أن ذلك لا يعني غياب المشكلات العالقة.
وقال دلفي إن علينا أن ننتظر لنرى إذا ما كانت هذه التطورات ستؤدي إلى تغييرات جوهرية في العلاقة بين البلدين، أم أنها مجرد إجراءات شكلية في سياق التعامل مع الضغوط الدولية.
كما أشار إلى أن وصول حزب العمال وتولي رئيس الوزراء كير ستارمر الحكم قد يؤدي إلى تغييرات في السياسة البريطانية تجاه إيران، إذ قد تتبنى الحكومة الجديدة نهجا أكثر براغماتية مقارنة بالإدارات السابقة.
جدل قانونييثير اعتقال مزدوجي الجنسية تساؤلات من الناحية القانونية حول مدى التزام الدول بمعايير المحاكمة العادلة والإخطار القنصلي ويشير أستاذ القانون الدولي محسن عبد اللهي إلى أن إيران لا تعترف بالجنسية الثانية لمواطنيها، مما يعني أن مزدوجي الجنسية الذين يتم احتجازهم يُعاملون حصريا كمواطنين إيرانيين.
وأوضح عبد اللهي، في حديثه مع الجزيرة نت، أن نهج إيران يستند إلى مبدأ مفاده أن الجنسية الأساسية هي التي تُطبق داخل حدودها، ولذلك لا تعتبر نفسها ملزمة بتنفيذ أحكام الإخطار القنصلي المنصوص عليها في اتفاقية فيينا لعام 1963 بشأن المواطنين الإيرانيين الذين يحملون جنسية أخرى.
وأضاف أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وكل من إيران والمملكة المتحدة طرف فيه، يكفل حقوق المحاكمة العادلة لأي شخص محتجز، بغض النظر عن جنسيته.
إعلانكما أشار عبد اللهي إلى أن حالات سابقة شهدت توترات مماثلة، مثل قضية المواطنة نازنين زاغاري راتكليف، التي اعتقلتها السلطات الإيرانية عام 2016 ورفضت الاعتراف بجنسيتها البريطانية، رغم مطالبة لندن بتوفير الحماية الدبلوماسية لها.
وتطرق أيضا إلى اتفاقية لاهاي لعام 1930، التي تنص على أن الدول لا يمكنها تقديم الحماية الدبلوماسية لمواطنيها مزدوجي الجنسية في مواجهة الدولة التي يحملون جنسيتها الأساسية، ومع ذلك، أوضح أن القانون الدولي المعاصر يتجه نحو السماح بمنح هذه الحماية إذا كانت جنسية الشخص الغالبة هي جنسية الدولة التي تسعى لتقديم الدعم، شريطة أن تكون هذه الجنسية هي المهيمنة وقت وقوع الضرر والمطالبة بالحماية.
وأكد عبد اللهي أن معظم التدخلات الحكومية في قضايا مزدوجي الجنسية على الساحة الدولية تتعلق بالمطالبات بالتعويضات المالية أكثر من القضايا الأمنية، وأضاف أنه لم يُعرض أي ملف أمني من هذا النوع حتى الآن أمام محكمة دولية، إذ تُحل هذه القضايا عادة عبر القنوات الدبلوماسية.
وفيما يتعلق بالموقف الإيراني، أوضح عبد اللهي أن السلطات تنظر إلى قضايا مزدوجي الجنسية ضمن إطار أوسع من المخاوف الأمنية، كما أشار إلى بعض التقارير تزعم تورط مزدوجي الجنسية في أنشطة استخباراتية ضد المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية.
وأضاف أنه في ظل هذه الظروف، ترى إيران أن التعامل مع المحتجزين مزدوجي الجنسية يخضع لاعتبارات أمنية، وليس فقط للمعايير المعتادة للحماية الدبلوماسية، وشدد على أن النهج الأكثر فاعلية بالنسبة لإيران في هذه القضايا هو تعزيز الشفافية في الإجراءات القضائية والالتزام بشكل أكبر بمعايير المحاكمة العادلة، الأمر الذي من شأنه أن يخفف الضغوط الدولية.
إعلانوقال "عندما تصبح القضايا الأمنية محور العلاقات الدولية، فإن الحلول القانونية البحتة لا تكفي، ويتعين على الدول إيجاد توازن بين الاعتبارات الأمنية والالتزامات الدولية".