كشفت دراسة أصدرها صندوق النقد الدولى مؤخراً، بعنوان «مخاطر الأمن السيبرانى.. مخاوف متزايدة إزاء الاستقرار المالى الكلى»، عن أن عدد الهجمات السيبرانية ارتفع بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية، تصل إلى أكثر من الضعف منذ جائحة «كورونا»، وبينما سجلت بعض الشركات، فى الفترة السابقة، خسائر طفيفة نسبياً، نتيجة الهجمات السيبرانية.

  جرائم أمن المعلومات تهدد الاستقرار المالي العالمي.. ومخاطر تهدد «الملاءة المالية» لكبرى الشركات

بدأت بعض الشركات تسجل خسائر أكثر حدة لاحقاً، نتيجة الهجمات السيبرانية، وضرب صندوق النقد، فى تقريره، مثالاً على مخاطر جرائم أمن المعلومات، يتمثل فى هيئة الاستعلام الائتمانى الأمريكية (Equifax)، التى تحملت غرامات بقيمة تجاوزت مليار دولار، عقب تعرضها لحادث ضخم فى عام 2017، نتج عنه اختراق بيانات حوالى 150 مليون عميل.

وبحسب دراسة صندوق النقد الدولى، فإن تقرير الاستقرار المالى العالمى كشف عن تزايد الخسائر الجسيمة الناجمة عن حوادث الأمن السيبرانى، ومن المحتمل أن تتسبب هذه الخسائر فى مشكلات تمويلية لعدد من الشركات الكبرى، كما تهدد ملاءتها المالية، ولفت التقرير إلى أنه منذ عام 2017 ازداد حجم تلك الخسائر الجسيمة بأكثر من أربعة أضعاف، ليصل إلى 2.5 مليار دولار، ورجحت الدراسة أن الخسائر غير المباشرة قد تتجاوز هذا الرقم بكثير، بما فى ذلك أضرار السمعة، أو التحديثات الأمنية.

الشركات المالية تتعرض لـ20% من الهجمات والبنوك القطاع الأكثر عرضة لعصابات «الهاكرز»

وأكدت الدراسة أن القطاع المالى العالمى، على الأخص، عرضة للمخاطر السيبرانية، وأصبح يواجه تهديدات بالغة بسبب جرائم أمن المعلومات، وأشارت إلى أن الشركات المالية، التى تتعامل مع كم ضخم من البيانات والمعاملات الحساسة، غالباً ما تكون هدفاً لعصابات الجرائم السيبرانية، سعياً لسرقة الأموال، أو تعطيل الأنشطة الاقتصادية، وتشكل الهجمات التى تشنها عصابات «الهاكرز» على الشركات المالية حوالى خُمس إجمالى الجرائم الإلكترونية، ويُعد قطاع البنوك هو الأكثر عرضة لتلك الهجمات.

 معدلات غير مسبوقة للجرائم الإلكترونية في ظل نمو التحول الرقمي وتصاعد الاضطرابات السياسية

ومن شأن الحوادث التى يتعرض لها القطاع المالى أن تهدد الاستقرار المالى والاقتصادى، إذا ما أدت إلى تآكل الثقة فى النظام المالى، أو تعطيل الخدمات الضرورية، أو انتقال التداعيات إلى مؤسسات أخرى، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدى حادث سيبرانى جسيم فى إحدى المؤسسات المالية إلى تقويض الثقة، وربما تنشأ عنه موجة بيع عارمة فى الأسواق، أو سحب جماعى للودائع المصرفية فى الحالات القصوى، وجاء فى تقرير صندوق النقد الدولى أنه «رغم أننا لم نشهد حتى الآن سحباً جماعياً للودائع إثر هجمات سيبرانية، يشير تحليلنا إلى خروج تدفقات محدودة من الودائع بوتيرة ثابتة إلى حد ما، من البنوك الأمريكية الأصغر حجماً، عقب الهجمات السيبرانية». وأضافت الدراسة أنه يمكن أن تنشأ تداعيات حادة على النشاط الاقتصادى نتيجة الحوادث السيبرانية، التى تؤدى إلى تعطيل الخدمات الأساسية، مثل شبكات المدفوعات، فعلى سبيل المثال، الهجوم الذى تعرض له بنك ليسوتو المركزى فى ديسمبر الماضى، والذى أدى إلى تعطيل نظام المدفوعات الوطنى، وبالتالى توقف المعاملات فى البنوك المحلية.

ويتمثل أحد الاعتبارات الأخرى فى نمو اعتماد الشركات المالية على مقدمى خدمات تكنولوجيا المعلومات الخارجيين، الذى قد يزداد بمرور الوقت، مع صعود أهمية الذكاء الاصطناعى، ويمكن لمقدمى الخدمات الخارجيين تعزيز صلابة العمليات، ولكنهم يجعلون أيضاً القطاع المالى عرضة لصدمات نظامية، فعلى سبيل المثال، تعرض أحد مقدمى خدمات تكنولوجيا المعلومات السحابية لهجوم باستخدام «فيروسات الفدية» فى عام 2023، نتج عنه انقطاع الخدمات عبر 60 اتحاداً ائتمانياً فى الولايات المتحدة الأمريكية فى آن واحد، وطالبت الدراسة بضرورة أن تواكب السياسات وأطر الحوكمة المخاطر السيبرانية الهائلة والمتنامية التى تواجه النظام المالى العالمى، بسبب زيادة التحول الرقمى، والاضطرابات الجغرافية والسياسية، ونظراً لأن الحوافز الخاصة ربما لا تكون كافية للتصدى للمخاطر السيبرانية، فإن بعض الشركات، على سبيل المثال، قد تمتنع عن نشر معلومات كاملة حول تداعيات تلك الحوادث على النظام المالى، مما يؤكد أن هناك حاجة إلى تدخل حكومى.

وأشار صندوق النقد الدولى إلى أن أطر سياسات الأمن السيبرانى على البنوك المركزية والسلطات الرقابية لا تزال غير كافية فى الغالب، ولا سيما فى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وعلى سبيل المثال، يطبق حوالى نصف البلدان فقط، التى شملها المسح، استراتيجيات وطنية، أو أطراً تنظيمية مخصصة للأمن السيبرانى فى القطاع المالى، كما أن تعزيز صلابة القطاع المالى يتطلب من السلطات وضع استراتيجيات وطنية كافية لحماية الأمن السيبرانى، مصحوبة بأطر تنظيمية وقدرات رقابية فعالة، بما فى ذلك التقييم الدورى لبيئة الأمن السيبرانى، وتحديد المخاطر النظامية المحتملة الناجمة عن الروابط والتركزات، بما فى ذلك المرتبطة بمقدمى الخدمات الخارجيين، بالإضافة إلى تشجيع «النضج السيبرانى» بين شركات القطاع المالى، بما فى ذلك الاستعانة بخبراء الأمن السيبرانى فى مجالس الإدارات، وهو ما تؤيده التحليلات الواردة، التى تشير إلى أن تعزيز الحوكمة السيبرانية قد يساهم فى الحد من المخاطر السيبرانية. وأشارت الدراسة إلى أنه نظراً لأن الهجمات غالباً ما تنشأ من خارج البلد الأصلى للشركة المالية، ويمكن تحويل مكاسبها المالية عبر الحدود، يتعين التصدى بنجاح للمخاطر السيبرانية، وفى ظل الاعتراف بأن حوادث الأمن السيبرانى واقعة لا محالة، فإن القطاع المالى يحتاج إلى تزويده بالقدرات اللازمة لتقديم الخدمات الأساسية أثناء الاضطرابات، ولذلك ينبغى على الشركات المالية وضع إجراءات للاستجابة والتعافى واختبارها، وفى نفس الوقت، يتوجب على السلطات الوطنية تنفيذ بروتوكولات للاستجابة وأطر لإدارة الأزمات، مع ضمان فاعليتها، واختتمت الدراسة بالتأكيد على أن صندوق النقد يضطلع بدور فعال فى مساعدة البلدان الأعضاء على تعزيز أطر الأمن السيبرانى، عبر تقديم المشورة بشأن السياسات، كجزء من برنامج تقييم القطاع المالى، ومن خلال أنشطة بناء القدرات.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأمن السيبرانى الهجمات السیبرانیة صندوق النقد الدولى الشرکات المالیة الأمن السیبرانى على سبیل المثال القطاع المالى بما فى ذلک إلى أن

إقرأ أيضاً:

لدعم استراتيجية تغير المناخ.. صندوق النقد يوافق على تمويل جديد لمصر بـ 1.3 مليار دولار

أكدت وزارتا المالية والبيئة، أنه فى إطار تنفيذ استراتيجية مصر لتغير المناخ 2050، وخطة المساهمات المحددة وطنيًا 2030، وافق صندوق النقد الدولي، على صرف تمويل جديد لمصر تحت صندوق المرونة والاستدامة، بمبلغ ١، ٣ مليار دولار، ضمن حزمة الإصلاحات الهيكلية لدعم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠، والتى تم إعدادها بالاشتراك بين عدد من الوزارات والجهات المعنية بالدولة وبمشاركة البنك المركزى والسفير محمد نصر سفير مصر بفيينا وكبير مفاوضى التمويل ممثلاً عن وزارة الخارجية وبالتنسيق مع وزارات المالية، والتخطيط والتنمية الإقتصادية والتعاون الدولى، والبيئة، والبترول، والكهرباء والطاقة، والموارد المائية والري، ومركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء.

أوضحت وزارتا المالية والبيئة، أن حزمة الإصلاحات الهيكلية المزمع تنفيذها تشمل ١٠ إصلاحات هيكلية فى ٤ مجالات: «تسريع عملية خفض الكربون في مصر، وتحليل المخاطر المالية المتعلقة بالمناخ، وتعزيز إدارة البيانات والمخاطر المتعلقة بالمناخ، وبناء القدرة على التكيف، وتعزيز قدرة القطاع المالي على المرونة في مواجهة التغيرات المناخية ودعم التمويل المناخي، وتحديد وقياس والإفصاح عن آثار خطط الاستثمار والبرامج والمشاريع على الأهداف الوطنية لتغير المناخ».

أشار البيان المشترك، إلى أنه من خلال التعاون بين وزارتي المالية والبيئة والبنك المركزى وبمشاركة كاملة دؤوبة من كافة الوزارات سالفة الذكر، نجحت مصر في الحصول على هذا التمويل لدعم جهودها في تنفيذ التزاماتها ضمن اتفاق باريس لمواجهة تغير المناخ، وذلك في إطار مسارها نحو انتقال أخضر عادل، حيث تم الاتفاق مع الصندوق على عدد من الإصلاحات الهيكلية التى تستطيع مصر تتفيذها، وأيضًا العمل على تعزيز موقف مصر قبيل انعقاد مؤتمر المناخ القادم (COP30)، وذلك في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة، ويؤكد هذا الاهتمام أن قضية تغير المناخ تتصدر أولويات أجندة القيادة السياسية، باعتبارها قضية وجودية لضمان استدامة الكوكب، ويعزز دور مصر في التعاون متعدد الأطراف.

مقالات مشابهة

  • لبنان يبلور نقاط اتفاق مجدّد مع صندوق النقد الدولي
  • مصطفى بكري: تكلفة إعادة إعمار غزة تتجاوز 53 مليار دولار حسب الخطة المصرية
  • الحكومة المصرية تقرر رفع الدعم نهائيا عن الوقود نهاية العام بسبب صندوق النقد الدولي
  • الحارث يكشف حجم خسائر القطاع الصحي جراء حرب
  • صندوق النقد يوافق على صرف 1.3 مليار دولار لمصر.. أين سيتم إنفاقها؟
  • البنك الدولي يقدم مليار دولار لإعادة إعمار لبنان.. قرض ومساعدات دولية
  • لدعم استراتيجية تغير المناخ.. صندوق النقد يوافق على تمويل جديد لمصر بـ 1.3 مليار دولار
  • وزارة المال تسترد مشروع قرض البنك الدولي للإدارة المالية لتعديله
  • صندوق النقد الدولي يوافق على صرف 1.3مليار دولار تمويل جديد لـ مصر
  • صندوق النقد الدولي يوافق على صرف تمويل جديد لمصر بـقيمة 1.3 مليار دولار