لجريدة عمان:
2025-04-28@04:01:44 GMT

السياحة باعتبارها مطلبًا تعبديًا

تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT

السياحة باعتبارها مطلبًا تعبديًا

عندما أنزل الله شريعته على نبيه صلى الله عليه وسلـم جعلها شاملة لجميع مناحي الحياة ولم تكن مجرد تعاليم دينية وطقوس عبادية فقط، وإنما أحاطت بجميع متطلبات الإنسان من الجوانب الجسدية والروحية، وكل ما يتعلق بهذين المكونين الأساسين عند البشر، للرقي بهما في أكمل صورة ارتضاها الخالق عز وجل لمخلوقه الذي أقامه خليفة على أرضه.

ولو تتبعنا الجوانب التي نصت عليها الشريعة الإسلامية من الأوامر والنواهي لوجدنا أنا تضع الخطة الإلهية في أجلى صورها وأكثرها إشراقا وتنظيما لحياة الإنسان، وربطتها بحياته الواقعية، ولو تتبعنا جانبا من هذه الجوانب التي نحن بصددها هذه الأيام فالناس يجدولون إجازاتهم السنوية للتوافق مع إجازة أبنائهم الطلبة الصيفية، ليخرجوا معهم في رحلات داخلية وخارجية، يقضون خلالها أوقات للمتعة والترفيه والتعلم، وقد يظن البعض أنه جانب تكميلي من الجوانب الحياتية، إلا أن مقدار التوجيه الإسلامي في هذا الجانب حافل وفسيح.

ويرقى هذا التوجيه إلى أن يجعل من السياحة عبادة تشتمل على مجموعة من العبادات، وتحصل من خلالها الكثير من الفوائد الروحية والفكرية والمعرفية والنفسية، وقد نشأ في العصر الحديث مصطلح «السياحة الدينية» وهو يدل على السفر من أجل العبادة، ويشمل زيارة أماكن العبادة كزيارة المسجد الحرام وتأدية العمرة والحج، وكذالك زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه، وكذلك زيارة المسجد الأقصى الذي نسأل الله أن يحرره من أيدي اليهود الغاصبين، وكذلك زيارة المعالم الدينية، فهي سياحة ذات مقصد تعبدي.

وهنالك سياحة تأريخية وهي زيارة لأماكن استيطان الأمم السابقة ومعرفة أحوالهم من خلال آثارهم التي تركوها، وكيف أنهم وصلوا مرحلة عظيمة من الحضارة والعمران، وكيف كانت نهايتهم، وقد حث القرآن الكريم على السير في الأرض في الكثير من الآيات الكريمات، حيث قال الله عز وجل في سورة الروم: «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» فالله يدعوا الناس إلى زيارة تلك الأماكن والاطلاع على أحوال الأقوام السابقين، وكيف أن الله مكن لهم في الأرض وأمدهم بأسباب الرخاء والبذخ فأصبحوا ممالك عظيمة، إلا أنهم عندما أرسل الله لهم الرسل وأنزل عليهم الكتب كفروا بأنعم الله فأهلكهم الله إما بعذاب مباشر من عنده، أو أنه سلط عليهم أمما استولت على ممالكهم.

وأنت تحصل على معرفة أخبار تلك الأمم من خلال السياحة التي يتم فيها النظر في آثارهم وقراءة تاريخهم المكتوب، والتعرف على نقوشاتهم وكتاباتهم التي تكشف عن الكثير من تفاصيل حياتهم الاجتماعية وأعرافهم وقوانينهم وشرائعهم.

كما أن زيارة الأماكن السياحية ذات المناظر الطبيعة الفطرية من خضرة وأمطار وأنهار، وسهول مكسوة بالأعشاب والزهور كما هو الحاصل في هذه الأيام من زيارة الناس لمحافظة ظفار والاستمتاع بأجوائها التي منّ الله عليها بهذا الجو الاستثنائي في فصل الصيف، فأصبحت وجهة سياحية مميزة لكل دول الخليج، والدول العربية، فهذه السياحة تساعد الإنسان على التأمل في جميل ما خلق الله له في هذه الأرض، وكيف أن الله كسا سهول ظفار وجبالها بتلك الخضرة التي يظللها السحاب والضباب، فالله تعالى يقول في سورة الحج: « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» ولو تأملنا كيف أن تلك الأعشاب والزهور على مر السنين تنثر بذورها في الأرض ويتم حفظها بطريقة ربانية حتى العام المقبل فإذا تدفقت السحب والأمطار على تلك السهول والجبال المملوءة بالبذور أنبتها الله وأحياها بهد موت وركود وسكون. وقد ضرب الله مثلا لبعث البشر بعد أن ذكر مراحل عمرهم وموتهم مثل الأرض الميتة التي أحياها بعد إنزال المطر فقال تعالى في سورة الحج: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ».

فعلى المسلم أن يجعل من هذه الرحلات السياحية مدرسة تتعلم فيها الأسر القيم الإسلامية الحنيفة والتي من ضمنها الحفاظ على النظافة واحترام الأنظمة والقوانين التي من خلالها تتحقق المصالح العامة، وأن تكون هذه الرحلات تطبيقا عمليا لزرع القيم، ومحاربة الظواهر السلبية، وأن تكون الرحلة ليست مجرد لعب ولهو وأكل فقط وإنما يتخللها التعليم والتوجيه والتأمل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ال أ ر ض

إقرأ أيضاً:

أمين الأعلى للشئون الإسلامية يلقي كلمة وزارة الأوقاف في مؤتمر كلية الشريعة

ألقى الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، كلمة وزارة الأوقاف نيابةً عن الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وذلك خلال مشاركته في فعاليات مؤتمر: “بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة”، الذي تعقده كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، تحت رعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.

نائب رئيس جامعة الأزهر: ‏المسجد محور مهم للتربية والثقافة وترسيخ الهوية‏رئيس جامعة الأزهر: تقوية مناعة الروح بمكارم الأخلاق ضرورة لتحصين الإنسان ضد الانحرافات

وقد استهل البيومي، كلمته بنقل تحيات معالي وزير الأوقاف وتقديره للقائمين على تنظيم هذا المؤتمر المهم، ثم افتتح حديثه بالتأكيد على أن الإرادة الأزلية، التي اقتضتها الحكمة الإلهية، قد شاءت أن يكون الإنسان خليفة الله في أرضه، مشيرًا إلى الحوار الذي دار في الملأ الأعلى حول كينونة الاستخلاف وأحقيته.

وأكد في كلمته أن الأزهر الشريف في عالم الإنسان وبنائه، قد دثر الكون على اختلاف ألسنته وألوانه بدفء معارفه وعلومه، فما استشعر وافد إليه بغربة في وجهه وجسده ولسانه، وكأنها أرواح تلاقت على غير أنساب بينها، فحقق لها الأزهر المعمور واقعية اللقاء، وقد كانت مثلا في ما ورائيات الفضاء. 

وأضاف أن الأزهر إذا ما أصقل وليده في بنيانه، وصنعه على عينه، أركبه سفن النجاة، وأعاذه من غوائل الأفكار بصلوات إثرها دعوات، وكأنه يقول: جنبك الله الشبهة وعصمك من الحيرة، وجعل بينك وبين المعرفة نسبا وبين الصدق سببا، وحبب إليك التثبت، وزين في عينيك الإنصاف، وأذاقك حلاوة التقوى، وأشعر قلبك عز الحق، وأودع صدرك برد اليقين، وطرد عنك ذل اليأس، وألهمك ما في الباطل من الذلة، وما في الجهل من القلة، فإذا بأبواب السماء وقد تفتحت عرفانا بماء منهمر، وتفجرت ينابيع الحياة لديه كوثرا وعيونا، وإذا بعناية السماء تتعانق مع إرادات الأرض، فيأتي الأزهري في حقيقة أمره على أمر قد قدر،" تحوطه يد الرعاية وبوارق الهداية "وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا"، فلعمري:
لَيسَ الَّذِي يَبنِي الحِجَارَةَ مِثلَ مَن
يَبنِي العُقُولَ النَّيِّرَاتِ وَيَعْمُرُ
مَا شَادَ بَانٍ فِي الكِنَانَةَ مِثْلَمَا
شَادَ المُعِزُّ الفَاطِمِيُّ وَجَوهَرُ.

وأضاف أن الأزهر في منهجية بنائه وقد رأى من أمر العالم عجبا، فأنبأه بما لم يحط به خبرا، ورأى العالم يستقبل الصباح يستيقظ فيه الإنسان، ولم تستيقظ فيه الإنسانية، وتستيقظ فيه الأجسام، ولا تستيقظ فيه القلوب والأرواح، وما أكثر النهار المظلم والصبح الكاذب في مسيرة العالم وتاريخه، هنا استلهم الأزهر من صحة نسبه واتصال سنده ما تشرق به الأرض بنور ربها، ثم سطره الأبرار عند ربهم في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا".

واختتم البيومي كلمته بهذه الكلمات المؤثرة:
وما الأزهر في احتفاله اليوم إلا لأنه رأى مجدًا تفجر من أنوار يعقوب، عاينه وقد اتخذ من العلم محرابًا يتقرب به إلى الله، وجعله سببًا لشفاء القلوب من آلامها، بعدما ظنت أنها قد وقفت على أعتاب الدنيا تودع الحياة، فإذا بأقدار الله تجري تتلمس الأسباب من الأرض وتتعلق بالرحمات من السماء، فحق للأزهر أن يفاخر بأن لعظماء الرجال في الحياة مواقف، وصنع هو لنفسه مواقف تنحني لها عظماء الرجال.

طباعة شارك الأوقاف الأزهر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية مؤتمر كلية الشريعة كلية الشريعة والقانون

مقالات مشابهة

  • عندما تتكلم الأرض: خواطر من لحظات الزلزال
  • ولي العهد يوجه بإطلاق اسم الدكتور مطلب النفيسة على أحد شوارع الرياض
  • ولي العهد يوجه بإطلاق اسم الدكتور مطلب النفيسة على أحد شوارع العاصمة الرياض
  • احذروا القوي السياسية التي تعبث بالأمن
  • لهفي علي وطني أراه ممزقا وأري شعوب الأرض يفرقها الهناء
  • أمين الأعلى للشئون الإسلامية يلقي كلمة وزارة الأوقاف في مؤتمر كلية الشريعة
  • نوّه بتحقيق الوزارة مستهدف 100 مليون سائح.. وزير السياحة يهنئ القيادة الرشيدة بما تحقق من إنجازات في رؤية المملكة 2030
  • وزير السياحة يهنئ القيادة الرشيدة بما تحقق من إنجازات في رؤية المملكة 2030 ومن بينها القفزات القياسية للقطاع السياحي بالمملكة
  • تقرير: ليلة الآليات المحترقة .. حين تُقصف الأذرع التي تساعد غزة على النجاة
  • السيسي: نرفع الهامات إجلالًا للقوات المسلحة التي قدمت الشهداء دفاعًا عن الأرض والعرض