لجريدة عمان:
2024-09-09@04:26:15 GMT

السياحة باعتبارها مطلبًا تعبديًا

تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT

السياحة باعتبارها مطلبًا تعبديًا

عندما أنزل الله شريعته على نبيه صلى الله عليه وسلـم جعلها شاملة لجميع مناحي الحياة ولم تكن مجرد تعاليم دينية وطقوس عبادية فقط، وإنما أحاطت بجميع متطلبات الإنسان من الجوانب الجسدية والروحية، وكل ما يتعلق بهذين المكونين الأساسين عند البشر، للرقي بهما في أكمل صورة ارتضاها الخالق عز وجل لمخلوقه الذي أقامه خليفة على أرضه.

ولو تتبعنا الجوانب التي نصت عليها الشريعة الإسلامية من الأوامر والنواهي لوجدنا أنا تضع الخطة الإلهية في أجلى صورها وأكثرها إشراقا وتنظيما لحياة الإنسان، وربطتها بحياته الواقعية، ولو تتبعنا جانبا من هذه الجوانب التي نحن بصددها هذه الأيام فالناس يجدولون إجازاتهم السنوية للتوافق مع إجازة أبنائهم الطلبة الصيفية، ليخرجوا معهم في رحلات داخلية وخارجية، يقضون خلالها أوقات للمتعة والترفيه والتعلم، وقد يظن البعض أنه جانب تكميلي من الجوانب الحياتية، إلا أن مقدار التوجيه الإسلامي في هذا الجانب حافل وفسيح.

ويرقى هذا التوجيه إلى أن يجعل من السياحة عبادة تشتمل على مجموعة من العبادات، وتحصل من خلالها الكثير من الفوائد الروحية والفكرية والمعرفية والنفسية، وقد نشأ في العصر الحديث مصطلح «السياحة الدينية» وهو يدل على السفر من أجل العبادة، ويشمل زيارة أماكن العبادة كزيارة المسجد الحرام وتأدية العمرة والحج، وكذالك زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه، وكذلك زيارة المسجد الأقصى الذي نسأل الله أن يحرره من أيدي اليهود الغاصبين، وكذلك زيارة المعالم الدينية، فهي سياحة ذات مقصد تعبدي.

وهنالك سياحة تأريخية وهي زيارة لأماكن استيطان الأمم السابقة ومعرفة أحوالهم من خلال آثارهم التي تركوها، وكيف أنهم وصلوا مرحلة عظيمة من الحضارة والعمران، وكيف كانت نهايتهم، وقد حث القرآن الكريم على السير في الأرض في الكثير من الآيات الكريمات، حيث قال الله عز وجل في سورة الروم: «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» فالله يدعوا الناس إلى زيارة تلك الأماكن والاطلاع على أحوال الأقوام السابقين، وكيف أن الله مكن لهم في الأرض وأمدهم بأسباب الرخاء والبذخ فأصبحوا ممالك عظيمة، إلا أنهم عندما أرسل الله لهم الرسل وأنزل عليهم الكتب كفروا بأنعم الله فأهلكهم الله إما بعذاب مباشر من عنده، أو أنه سلط عليهم أمما استولت على ممالكهم.

وأنت تحصل على معرفة أخبار تلك الأمم من خلال السياحة التي يتم فيها النظر في آثارهم وقراءة تاريخهم المكتوب، والتعرف على نقوشاتهم وكتاباتهم التي تكشف عن الكثير من تفاصيل حياتهم الاجتماعية وأعرافهم وقوانينهم وشرائعهم.

كما أن زيارة الأماكن السياحية ذات المناظر الطبيعة الفطرية من خضرة وأمطار وأنهار، وسهول مكسوة بالأعشاب والزهور كما هو الحاصل في هذه الأيام من زيارة الناس لمحافظة ظفار والاستمتاع بأجوائها التي منّ الله عليها بهذا الجو الاستثنائي في فصل الصيف، فأصبحت وجهة سياحية مميزة لكل دول الخليج، والدول العربية، فهذه السياحة تساعد الإنسان على التأمل في جميل ما خلق الله له في هذه الأرض، وكيف أن الله كسا سهول ظفار وجبالها بتلك الخضرة التي يظللها السحاب والضباب، فالله تعالى يقول في سورة الحج: « أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» ولو تأملنا كيف أن تلك الأعشاب والزهور على مر السنين تنثر بذورها في الأرض ويتم حفظها بطريقة ربانية حتى العام المقبل فإذا تدفقت السحب والأمطار على تلك السهول والجبال المملوءة بالبذور أنبتها الله وأحياها بهد موت وركود وسكون. وقد ضرب الله مثلا لبعث البشر بعد أن ذكر مراحل عمرهم وموتهم مثل الأرض الميتة التي أحياها بعد إنزال المطر فقال تعالى في سورة الحج: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ».

فعلى المسلم أن يجعل من هذه الرحلات السياحية مدرسة تتعلم فيها الأسر القيم الإسلامية الحنيفة والتي من ضمنها الحفاظ على النظافة واحترام الأنظمة والقوانين التي من خلالها تتحقق المصالح العامة، وأن تكون هذه الرحلات تطبيقا عمليا لزرع القيم، ومحاربة الظواهر السلبية، وأن تكون الرحلة ليست مجرد لعب ولهو وأكل فقط وإنما يتخللها التعليم والتوجيه والتأمل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ال أ ر ض

إقرأ أيضاً:

بو حبيب التقى وزير السياحة ورئيسة جمعية بيروت ماراثون

استقبل وزير الخارجية والمغتربين، عبدالله بوحبيب، وزير السياحة وليد نصار، ترافقه السيدة مي الخليل، رئيسة جمعية بيروت ماراثون، ووضعته في أجواء التحضيرات الجارية  لماراثون بيروت ٢٠٢٤، وكيفية تشجيع مشاركة الاغتراب اللبناني، كما التقى سفير جمهوريّة الدومينيكان لدى لبنان المقيم في انقرة، الفيس علم، وتباحثا في العلاقات الثنائية بين البلدين، وامكانية فتح سفارة للدومينيكان في لبنان.

مقالات مشابهة

  • من الذي سمى الرسول باسم "محمد"؟
  • وزير الصحة يشيد بجهود هيئة مستشفى الثورة بالحديدة
  • إسرائيل تبلغ الاتحاد الأوروبي بتأجيل زيارة مسؤول السياسة الخارجية
  • الفنون باعتبارها صناعة..
  • فلسفة الوجود.. لمحة فكرية
  • الهواري: المجتمعات التي تمتلئ بالأمل قادرة على تحقيق حاجاتها بالسعي والعمل
  • بو حبيب التقى وزير السياحة ورئيسة جمعية بيروت ماراثون
  • لتصحيح الأخطاء وتوجيه اللاعبين.. فقرة فنية خاصة بمران الزمالك
  • الزمالك يركز على الجوانب الخططية في مرانه الصباحي
  • كتشنر التي كانت تعاكسنا أغرقه الله في بحر الشمال يا خينا: كيف اساء كتشنر إعداد معركة سومي (1916) (1-2)