بقيت البلاد، ورحل الغزاة. ولم تذهب دماؤهم هدرا.
شهدنا وشاهدنا القليل والكثير.
قرن من الشهادة والشهداء الذين وجدوا أنفسهم كأنبل ما يكون في القلوب والكتب؛ فقد بدأ الشهداء يخلدون منذ لحظة الاستشهاد، دخلوا الشعر والقصص والروايات والأفلام والمسرحيات والفن التشكيلي.
وللباحثين أن يستقصوا حضور الشهيد أدبيا وفنيا، حيث صارت الشهادة والاستشهاد جزءا من الذاكرة، وجزءا أصيلا في مجالات الإبداع.
كنا أطفالا بعد بضع سنين على حرب عام 1967، تلك العام التي ولدنا في صيفها الحار، حين تداولنا كلمات شهيد وجريح وأسير، لكن ما سحرنا وقتها، ما ذكره الكبار من أن جثث الشهداء لا تبلى، حيث كنا نسمع لسرديات من كان يجد الشهداء في الجبال، وكيف كان الأهالي حين يقتربون منهم، يجدونهم كما هم، والحديث عن شهداء الجيش العربي الأردني من الجنود الأردنيين والفلسطينيين، الذين جمعتهم أجمل وحدة عربية منذ نكبة فلسطين عام 1948، حتى هزيمة عام 1967.
للطفل فينا أن يبني أخيلته، التي تتوقد في كل مناسبة للحديث عن شهداء فلسطين والعروبة عام 1948، كذلك شهداء عام 1967، ثم لتنشر لوحة الشهيدة لينا النابلسي، طالبة المدرسة، التي رسمها الفنان سليمان منصور، حيث كان لبقعة الدم الأحمر على سنابل القمح الخضراء أثر سحريّ، فكأنها كانت نائمة. سنشهد سقوط الشهداء أطفالا وفتيانا، ثم في انتفاضة عام 1987، كنا في مطلع الشباب ونحن نرى مجايلينا يرتقون شهداء، منهم الأقرباء والأصدقاء، حيث صار بإمكاننا اختبار الرؤية والرؤيا.
في الانتفاضة الثانية، كنت كاتبا ومحررا، واخترت الكتابة عن العديد من الشهداء، وكنت أختار الحديث مع أحد أفراد الأسرة: أب أم أخ أخت، وصديق. ولم تكن لتسلم عيوني من البكاء بمجرد ترك بيت أسرة الشهيد خاصة في ظل الاستماع لتفاصيل اليوم الأخير للشهيد، وكيف كانوا يسردون عن حياته، وعرفت أن الشهداء فعلا أكرم منا جميعا، وأن الله يختار شهداءه.
في حروب غزة، ولبنان، كنا نرى سقوط الشهداء، لكن في هذه الحرب، فقد أصبح الشهداء بعشرات الآلاف، إلى درجة أن هناك أسرا استشهد كافة أفرادها.
استخدم الفلسطينيون مصطلح شهيد منذ زمن الاحتلال الإنجليزي لفلسطين، حيث لم يطلقوا هذا المصطلح على القتلى الفلسطينيين في صفوف جيش الدولة العثمانية كما تفيد بذلك الروايات الشفوية. وكانوا يميلون إلى استخدام كلمة «قتل» أيام الأتراك في حروبهم ضد أوروبا وغيرها، ربما لأن المعارك لم تكن على أرض فلسطين، وربما لأن المقاتلين الفلسطينيين الذين قتلوا في حروب تركيا (الدولة العثمانية) لم يقاتلوا باختيارهم، بل جبرا عنهم، حيث كانوا يساقون إلى «الجهادية» من دون إرادة.
أما في حالة الاحتلال الإنجليزي، فالقتلى الفلسطينيون الشهداء استشهدوا على أرض فلسطين، وباختياراتهم ورغباتهم دون جبر أو ضغط من أحد، بل كان المجاهد الثائر يتعرض للسجن والتعذيب إن عرف أنه من الثوار.
وقد استشهدت أعداد كبيرة من الثوار في معاركهم ضد الاحتلال الإنجليزي، أو ضد العصابات اليهودية (الصهيونية) التي كانت ترفع شعار تأسيس دولة لليهود في فلسطين.
وقد كثر عدد الشهداء في المعارك كما في الأعوام 1929، 1935، 1936، 1937، 1948، بشكل خاص لأنها أعوام ثورات وحروب، ولا ننسى المجازر التي تعرض لها الشعب المخلص مثل مجزرة دير ياسين عام 1948م، وكان ممن استشهدوا عرب من الدول العربية الشقيقة، وقد اشتهر شهداء الجيش العراقي والأردني، وقد تكرس مصطلح شهيد وانتشر بعد احتلال فلسطين كاملة عام 1967م، حيث تحفظ الذاكرة الفلسطينية حالات استشهاد الفلسطينيين وإخوانهم العرب من الأردنيين والمصريين.
وبعد قيام الثورة الفلسطينية، أصبح الشهداء يسقطون باستمرار سواء أكان ذلك من خلال عمليات التسلل أو الحروب مثل حرب الكرامة، ومعارك لبنان عندما أقامت الثورة الفلسطينية هناك خصوصا حرب لبنان عام 1982م التي تدج بمجزرة في صبرا وشاتيلا التي سقط فيها 3 آلاف من الشهداء.
وفي داخل فلسطين، سقط شهداء في فلسطين المحتلة عام 1948م خصوصا شهداء يوم الأرض عام 1976م، وقبل ذلك شهداء كفر قاسم عام 1956م، ثم شهداء انتفاضة الأقصى الثانية (13 شهيدا).
أما في الضفة الغربية وقطاع غزة فقد سقط الشهداء في الإضرابات والمظاهرات والانتفاضات الصغيرة، والانتفاضتين الأولى والثانية التي بلغ عدد الشهداء فيها الآلاف ناهيك عن مجازر قبية، والحرم الإبراهيمي، والمسجد الأقصى.
وكان الشهداء من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ.. ولم يقتصروا على فئة معينة.
ويؤمن الناس أن الله يحفظ جثة الشهيد تكريما له، كما يؤمنوا بأن رائحة المسك تنبعث منه بعد استشهاده.
والشهيد مصطلح تاريخي نشأ بنشوء الإسلام، فهو ميزة للمسلمين الموحدين بالله الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والشهيد من قتل في سبيل الله ووطنه وشعبه وقيمه وعقيدته، كما أن من يموت بسبب المرض أو الغرق يعد شهيدا، ويستخدم الفلسطينيون لفظة شهيد على كل مناضل فلسطيني وعربي جاهد ضد الاحتلال وسقط بعدها بدون التمييز على أساس الدين، حيث إن المجتمع الفلسطيني يتكون من أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية.
والشهادة هي إحدى الحسنيين اللتين وعد الله عبادة المؤمنين بها، وهي بالإضافة للشهادة، النصر.
والشهيد لا يغسل كما الميت العادي، ولا يكفن، بل يدفن بثيابه، وهكذا فعل الفلسطينيون في تاريخهم الحديث والمعاصر.
والشهيد الذي يختار الجهاد في سبيل الله والوطن هو أكثر الناس إيمانا بعدالة القضية التي يجاهد في سبيلها، لذلك فإنه يعلم مسبقا أنه معرض للقتل، ورغم ذلك يستمر في النضال بسبب إيمانه العميق. لذلك فإن الناس يحترمون الشهداء كثيرا، وقد انتشرت عبارة «الشهداء أكرم منا جميعا» في الانتفاضة الأولى والثانية.
ووجود الشهداء الفلسطينيين يمثل دافعا لاستمرار النضال وحمل الرسالة، وتذكيرا بالهدف الذي قام المجاهدون واستشهدوا من أجل تحقيقه.
للباحثين في الحياة تأمل ظاهرة الاستشهاد في فلسطين، وما فيها من دلالات، تحمل الأمل في التحرر، والأمل في الغد؛ ولعلنا هنا نردد ما قاله أحمد شوقي في قصيدته عن دمشق التي تعرضت للعدوان الفرنسي: بلاد مات فتيتها لتحيا وزالوا دون قومهم ليبقوا.
تحسين يقين كاتب فلسطيني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشهداء فی شهداء فی
إقرأ أيضاً:
دعاء الامتحان الصعب والنجاح: الأدعية التي تساعد الطلاب على التوفيق
دعاء الامتحان الصعب والنجاح: الأدعية التي تساعد الطلاب على التوفيق يبحث الكثير من الناس عن دعاء الامتحان الصعب ودعاء النجاح في الاختبارات، خاصة في فترات الامتحانات التي تشهد توترًا وقلقًا لدى الطلاب. من خلال الدعاء لله تعالى في مثل هذه الأوقات، يمكن للإنسان أن يطلب التوفيق والنجاح في كل ما يهمه، وهذا يتفق مع قوله تعالى: "ادعوني أستجب لكم". ورغم عدم وجود نصوص محددة لدعاء الامتحان في السنة النبوية، فإن الدعاء لله تعالى في أي وقت وحين يعد من الأعمال المستحبة، خاصة إذا كان في صالح الطالب أو من أجل التوفيق في الاختبارات.
دعاء الامتحان الصعب
اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقه قولي، باسم الله الفتاح، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا، فإنك إن شئت تجعل الصعب سهلًا يا أرحم الراحمين. هذا الدعاء يعين الطالب على تجاوز الصعوبات في الامتحانات ويزيل التوتر والقلق.
اللهم يا جامع الناس إلى يومٍ لا ريب فيه، رد إلى حاجتي وأنت أرحم الراحمين، اللهم افتح علينا بسيدنا محمد ما أغلِق علينا، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، والهادي إلى صراطك المستقيم. هذا الدعاء يطلب من الله الفتح والتوفيق في جميع الأمور المتعلقة بالامتحانات.
اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، أنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر. هذا الدعاء يطلب من الله سبحانه وتعالى العون في اختبار صعب أو نهائي ويحث الطالب على الثقة في رحمة الله.
اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. هذا الدعاء هو دعاء مستجاب ويطلب من الله الفرج والتوفيق في الامتحانات الصعبة.
اللهم افتح عليّ فتوح العارفين بحكمتك، وانشر عليّ رحمتك، وذكّرني ما نسيت، وأطلق به لساني، وقوّي به عزمي بحولك وقوتك. هذا الدعاء يساعد الطالب في تخفيف التوتر والقلق قبل الدخول إلى الامتحان.
الدعاء قبل وبعد الامتحان يُعد من أهم وسائل دعم الطلاب نفسيًا ومعنويًا. إن التوجه إلى الله بالدعاء يبعث في النفوس الاطمئنان ويساعد على التخلص من القلق، مما يساهم في تحسين الأداء والتركيز في الامتحانات. كما أن الدعاء للأبناء بالتوفيق والنجاح له تأثير إيجابي، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده".