لجريدة عمان:
2024-09-09@04:30:13 GMT

بلاد مات فتيتها لتحيا

تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT

بقيت البلاد، ورحل الغزاة. ولم تذهب دماؤهم هدرا.

شهدنا وشاهدنا القليل والكثير.

قرن من الشهادة والشهداء الذين وجدوا أنفسهم كأنبل ما يكون في القلوب والكتب؛ فقد بدأ الشهداء يخلدون منذ لحظة الاستشهاد، دخلوا الشعر والقصص والروايات والأفلام والمسرحيات والفن التشكيلي.

وللباحثين أن يستقصوا حضور الشهيد أدبيا وفنيا، حيث صارت الشهادة والاستشهاد جزءا من الذاكرة، وجزءا أصيلا في مجالات الإبداع.

كنا أطفالا بعد بضع سنين على حرب عام 1967، تلك العام التي ولدنا في صيفها الحار، حين تداولنا كلمات شهيد وجريح وأسير، لكن ما سحرنا وقتها، ما ذكره الكبار من أن جثث الشهداء لا تبلى، حيث كنا نسمع لسرديات من كان يجد الشهداء في الجبال، وكيف كان الأهالي حين يقتربون منهم، يجدونهم كما هم، والحديث عن شهداء الجيش العربي الأردني من الجنود الأردنيين والفلسطينيين، الذين جمعتهم أجمل وحدة عربية منذ نكبة فلسطين عام 1948، حتى هزيمة عام 1967.

للطفل فينا أن يبني أخيلته، التي تتوقد في كل مناسبة للحديث عن شهداء فلسطين والعروبة عام 1948، كذلك شهداء عام 1967، ثم لتنشر لوحة الشهيدة لينا النابلسي، طالبة المدرسة، التي رسمها الفنان سليمان منصور، حيث كان لبقعة الدم الأحمر على سنابل القمح الخضراء أثر سحريّ، فكأنها كانت نائمة. سنشهد سقوط الشهداء أطفالا وفتيانا، ثم في انتفاضة عام 1987، كنا في مطلع الشباب ونحن نرى مجايلينا يرتقون شهداء، منهم الأقرباء والأصدقاء، حيث صار بإمكاننا اختبار الرؤية والرؤيا.

في الانتفاضة الثانية، كنت كاتبا ومحررا، واخترت الكتابة عن العديد من الشهداء، وكنت أختار الحديث مع أحد أفراد الأسرة: أب أم أخ أخت، وصديق. ولم تكن لتسلم عيوني من البكاء بمجرد ترك بيت أسرة الشهيد خاصة في ظل الاستماع لتفاصيل اليوم الأخير للشهيد، وكيف كانوا يسردون عن حياته، وعرفت أن الشهداء فعلا أكرم منا جميعا، وأن الله يختار شهداءه.

في حروب غزة، ولبنان، كنا نرى سقوط الشهداء، لكن في هذه الحرب، فقد أصبح الشهداء بعشرات الآلاف، إلى درجة أن هناك أسرا استشهد كافة أفرادها.

استخدم الفلسطينيون مصطلح شهيد منذ زمن الاحتلال الإنجليزي لفلسطين، حيث لم يطلقوا هذا المصطلح على القتلى الفلسطينيين في صفوف جيش الدولة العثمانية كما تفيد بذلك الروايات الشفوية. وكانوا يميلون إلى استخدام كلمة «قتل» أيام الأتراك في حروبهم ضد أوروبا وغيرها، ربما لأن المعارك لم تكن على أرض فلسطين، وربما لأن المقاتلين الفلسطينيين الذين قتلوا في حروب تركيا (الدولة العثمانية) لم يقاتلوا باختيارهم، بل جبرا عنهم، حيث كانوا يساقون إلى «الجهادية» من دون إرادة.

أما في حالة الاحتلال الإنجليزي، فالقتلى الفلسطينيون الشهداء استشهدوا على أرض فلسطين، وباختياراتهم ورغباتهم دون جبر أو ضغط من أحد، بل كان المجاهد الثائر يتعرض للسجن والتعذيب إن عرف أنه من الثوار.

وقد استشهدت أعداد كبيرة من الثوار في معاركهم ضد الاحتلال الإنجليزي، أو ضد العصابات اليهودية (الصهيونية) التي كانت ترفع شعار تأسيس دولة لليهود في فلسطين.

وقد كثر عدد الشهداء في المعارك كما في الأعوام 1929، 1935، 1936، 1937، 1948، بشكل خاص لأنها أعوام ثورات وحروب، ولا ننسى المجازر التي تعرض لها الشعب المخلص مثل مجزرة دير ياسين عام 1948م، وكان ممن استشهدوا عرب من الدول العربية الشقيقة، وقد اشتهر شهداء الجيش العراقي والأردني، وقد تكرس مصطلح شهيد وانتشر بعد احتلال فلسطين كاملة عام 1967م، حيث تحفظ الذاكرة الفلسطينية حالات استشهاد الفلسطينيين وإخوانهم العرب من الأردنيين والمصريين.

وبعد قيام الثورة الفلسطينية، أصبح الشهداء يسقطون باستمرار سواء أكان ذلك من خلال عمليات التسلل أو الحروب مثل حرب الكرامة، ومعارك لبنان عندما أقامت الثورة الفلسطينية هناك خصوصا حرب لبنان عام 1982م التي تدج بمجزرة في صبرا وشاتيلا التي سقط فيها 3 آلاف من الشهداء.

وفي داخل فلسطين، سقط شهداء في فلسطين المحتلة عام 1948م خصوصا شهداء يوم الأرض عام 1976م، وقبل ذلك شهداء كفر قاسم عام 1956م، ثم شهداء انتفاضة الأقصى الثانية (13 شهيدا).

أما في الضفة الغربية وقطاع غزة فقد سقط الشهداء في الإضرابات والمظاهرات والانتفاضات الصغيرة، والانتفاضتين الأولى والثانية التي بلغ عدد الشهداء فيها الآلاف ناهيك عن مجازر قبية، والحرم الإبراهيمي، والمسجد الأقصى.

وكان الشهداء من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ.. ولم يقتصروا على فئة معينة.

ويؤمن الناس أن الله يحفظ جثة الشهيد تكريما له، كما يؤمنوا بأن رائحة المسك تنبعث منه بعد استشهاده.

والشهيد مصطلح تاريخي نشأ بنشوء الإسلام، فهو ميزة للمسلمين الموحدين بالله الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والشهيد من قتل في سبيل الله ووطنه وشعبه وقيمه وعقيدته، كما أن من يموت بسبب المرض أو الغرق يعد شهيدا، ويستخدم الفلسطينيون لفظة شهيد على كل مناضل فلسطيني وعربي جاهد ضد الاحتلال وسقط بعدها بدون التمييز على أساس الدين، حيث إن المجتمع الفلسطيني يتكون من أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية.

والشهادة هي إحدى الحسنيين اللتين وعد الله عبادة المؤمنين بها، وهي بالإضافة للشهادة، النصر.

والشهيد لا يغسل كما الميت العادي، ولا يكفن، بل يدفن بثيابه، وهكذا فعل الفلسطينيون في تاريخهم الحديث والمعاصر.

والشهيد الذي يختار الجهاد في سبيل الله والوطن هو أكثر الناس إيمانا بعدالة القضية التي يجاهد في سبيلها، لذلك فإنه يعلم مسبقا أنه معرض للقتل، ورغم ذلك يستمر في النضال بسبب إيمانه العميق. لذلك فإن الناس يحترمون الشهداء كثيرا، وقد انتشرت عبارة «الشهداء أكرم منا جميعا» في الانتفاضة الأولى والثانية.

ووجود الشهداء الفلسطينيين يمثل دافعا لاستمرار النضال وحمل الرسالة، وتذكيرا بالهدف الذي قام المجاهدون واستشهدوا من أجل تحقيقه.

للباحثين في الحياة تأمل ظاهرة الاستشهاد في فلسطين، وما فيها من دلالات، تحمل الأمل في التحرر، والأمل في الغد؛ ولعلنا هنا نردد ما قاله أحمد شوقي في قصيدته عن دمشق التي تعرضت للعدوان الفرنسي: بلاد مات فتيتها لتحيا وزالوا دون قومهم ليبقوا.

تحسين يقين كاتب فلسطيني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشهداء فی شهداء فی

إقرأ أيضاً:

أمسية احتفالية لمكتب الزكاة وهيئة رعاية أسر الشهداء بالحديدة بذكرى المولد النبوي الشريف

الثورة نت/..

نظم مكتب الهيئة العامة للزكاة وهيئة رعاية أسر الشهداء بمحافظة الحديدة، اليوم أمسية احتفالية ابتهاجا بذكرى المولد النبوي الشريف، للعام 1446ھ.

وفي الأمسية أشار وكيل أول المحافظة احمد البشري، إلى أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي، من أهم العوامل التي تعمق الروحية الدينية وترسخ الارتباط بهوية الانتماء للرسول الكريم.

وأشاد بجهود مكتب الزكاة وهيئة أسر الشهداء في تلمس ومساعدة المستضعفين تتويحا لقيم الرحمة والانسانية التي حث عليها رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وخلال الأمسية التي حضرها وكيل المحافظة لشؤون الخدمات محمد حليصي، تطرق مدير مكتب هيئة الزكاة محمد هزاع، الى دلالات إحياء المولد النبوي كرسالة للعالم بتمسك أبناء الشعب اليمني بالهوية الإيمانية والسير على نهج الرسول بعزيمة وإرادة ايمانية وجهادية.

ونوه بأن احياء ذكرى المولد النبوي لهذا العام تتزامن مع النجاحات التي تحققت للشعب اليمني في تطوير مسار العمل الزكوي وصرفها في مصارفها الشرعية وتبني المشاريع الخيرية والانسانية، لافتا الى عظمة الاحتفال بذكرى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله.

فيما تطرق عبدالقادر الاهدل في كلمة العلماء، إلى المعاني التي تحملها ذكرى المولد النبوي والتي تترافق مع الموقف الاستثنائي للشعب اليمني في نصرة الشعب والمقاومة الفلسطينية، حاثا على تعزيز التفاعل مع المناسبة لاظهار المحبة للرسول الأعظم.

واستعرض الدروس الايمانية من إحياء هذه المناسبة الدينية وأهميتها في تعزيز وعي الأجيال وتحصينهم من مخاطر الغزو الغربي الصهيوني الهادف إلى طمس الهوية الإيمانية وفصل الأمة عن مبادئها وقيمها الدينية ونبيها الكريم.

تخللت الأمسية التي حضرها مدير هيئة رعاية أسر الشهداء علي الشعثمي، وعدد من العلماء والقيادات المحلية وموظفي الهيئتين، موشحات دينية وقصيدتين حول عظمة المناسبة والاحتفال بيوم 12 من ربيع الأول.

مقالات مشابهة

  • أمسية احتفالية لمكتب الزكاة وهيئة رعاية أسر الشهداء بالحديدة بذكرى المولد النبوي الشريف
  • تشييع جثامين عدد من شهداء الوطن والقوات المسلحة والأمن بصنعاء
  • سقطوا بغارة إسرائيلية استهدفت آليتهم.. الدفاع المدني ينعى 3 شهداء
  • من راشيل إلى عائشة نور: شهداء التضامن مع فلسطين
  • العدو الصهيوني يواصل حرب الابادة في قطاع غزة لليوم الـ337 للعدوان مخلفا عشرات الشهداء الفلسطينيين والجرحى
  • حمار ”بلاد الروس” يشعل أزمة بين قبائل صنعاء و إب (صور)
  • وزير الري: إزالة التعديات على مصرف بلاد العايد بالشرقية
  • القاهرة الاخبارية: ارتفاع عدد الشهداء إلى 8 جراء قصف الاحتلال مدرسة حليمة السعدية التي تؤوي نازحين في جباليا شمال #غزة
  • الآلاف من الفلسطينيين يشيّعون جثامين عشرة شهداء في مدينة جنين ومخيمها
  • ترامب يهدد الجامعات الأمريكية التي لا تقمع التظاهرات المتضامنة مع فلسطين