أقام مركز السلطان قابوس الثقافي مساء الأربعاء جلسة حوارية ضمن إطار تنفيذ خطة االنشاط الثقافي بالمركز، وناقشت الجلسة التي أقيمت بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي بولاية السيب "أثر الدراما في تشكيل الوعي الثقافي"، حاورت فيها مديحة السليمانية الدكتور والفنان العماني أحمد الأزكي.

وافتح الأزكي الجلسة بتعريف مفاتيح عنوانها: "الأثر، الدراما، التشكيل، الوعي، والثقافي"، أما التأثير فهو إحساس يحدثه عامل ما، والدراما هي الحياة أو الصراع، أما التشكيل فهو النتيجة التي يحدثها التأثير، والوعي حالة فهم وإدراك شيء ما، في حين الثقافة مجموع مركب من أمور مادية ومعنوية توجه السلوك البشري في مجتمع ما وتقوم بدورين : تشكيل الوعي المعرفي، وتشكيل الوعي السلوكي.

وعرج الازكي على العوامل التي يتشكل منها وعي الفرد والمجتمع والأمة، وذكر منها التربية والتعليم والتجارب الشخصية والثقافة والبيئة الاجتماعية والغعلام ووسا~ل التواصل الاجتماعي، والعادات والتقاليد وغيرها، أما عناصر التأثير الدرامي، فهي كما عددها الأزكي "النص والممثل والموسيقى".

وتناول الأزكي تقنيات السرد والبناء الدرامي التي تساهم في التأثير وتشكيل الوعي، حيث يمكن للدراما استخدام الرموز والرمزيات لتجسيد القيم الدينية وغيرها بشكل غير مباشر، مما يتيح للجمهور التفكير في المعاني والتفسيرات بطريقة أعمق.

وتحدث الأزكي حول تشكيل الوعي الأخلاقي والاجتماعي لدى الناشئة والشباب عبر الدراما، من خلال مناقشة مشاكل وقضايا الشباب، وتقديم الشخصية القدوة، ونقد الممارسات الخاطئة مع معرفة توجهات الشباب ومشاكلهم. وأحال الأزكي إلى نماذج ساهمت في تشكيل الوعي حول التعريف بالتاريخ العماني وتوثيقه عبر منظومة الفن الدرامي، ومن هذه الأعمال مسلسل عمان في التاريخ، ومسلسل الشعر ديوان العرب. كما ضرب الأزكي أمثلة لأعمال درامية وسينمائية عربية وعالمية ساهمت في التأثير وتشكيل الوعي، ومنها ما ساهم في تغيير قوانين، وإصدار تشريعات وتأسيس نقابات وإعادة النظر في حالات إنسانية، ومنها ما خلق تأثيرا نفسيا وعاطفيا.

وخلص الأزكي إلى التأكيد على أهمية الدور الذي تلعبه الدراما في تشكيل الوعي الثقافي والتأثير على المجتمع من خلال تقديم قصص وشخصيات تتناول قضايا اجتماعية وثقافية، إلى جانب مساعدتها على نشر الأفكار والقيم وتعزيز فهم الناس لتجارب وثقافات مختلفة، ومساهمتها في حفظ التراث الثقافي وتعليم الأجيال الجديدة عن تاريخها وقيمها، وإسهامها في تغيير التصورات الثقافية وتوسيع الأفق الثقافي، إلى جانب كونها أداة تعليمية قوية، وعنصر حيوي في تطوير المجتمع وتعزيز تماسكه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی تشکیل الوعی

إقرأ أيضاً:

ماذا لو لم أشاهد مسلسلات سورية في صباي؟!

لا أدرك مدى ارتباطي الثقافي والعاطفي بالدراما السورية إلا حين أتوقف لأسأل نفسي بجدية إن كنت أنا من أنا الآن، وبلا مبالغة، لو لم يكن بسَّام كوسا أول شخصية تخرج من تلفزيون الصالة العائلية لتنطبع في طفولتي كشخصية حية في دور «نصَّار بن عريبي»؟ كان جلال مشهده وهو يرتل سورة الضحى في زنزانته عشية تنفيذ حكم الإعدام أحد أهم المشاهد في تاريخ علاقتي بالسينما. فماذا لو مُحيت ملحمة «الخوالي» بلوحاتها البطولية وخلفياتها الموسيقية، الحماسية حينا والتراجيدية حينا، من ذاكرة الطفل الذي كنته؟

أما الدراما السورية التاريخية فهي تحيلني لمراجعة الصورة الأولى التي تكونت في وعيي عن ملامح تاريخنا العربي كما صوَّرته ونطقت به تلك الدراما الفصيحة. كيف كنت سأصغي لنبر الشعرِ الجاهلي في كتب المعلقات لاحقا لو لم أستفق مبكرا في طفولتي على مرثيات الزير سالم لأخيه كُليب بصوت سلوم حداد في رائعة حاتم علي وممدوح عدوان؟ كيف ستتجاسر مخيلتي على تكوين ملامح بصرية أولية عن صورة حياة العرب قبل الإسلام وعن مآثرهم في العشق والفروسية لو لم أكن قد شاهدت «الزير سالم» لمرات ومرات منذ أن كنت في السادسة من عمري؟

بصرف النظر عن نمطية تلك الصورة غالبا، وبتجاوز السؤال عن مدى سلامتها الموضوعية واختلاط الأسطوري بالتاريخي فيها، لا بدَّ من القول إن العمل التاريخي الذي قدَّمه لنا الممثلون السوريون، رغم ما نعلمه من تواضع التقنيات والميزانيات الإنتاجية، قد فتح لنا نافذة للتواصل التخييلي مع تاريخنا العربي القديم ورموزه الأسطوريين الذين نقرأ عنهم في كتب التاريخ المغبرَّة على رفوف المكتبات. تلك الأعمال الرائعة التي صوَّرت لنا فصولا حاسمة من تاريخ الصراع السياسي بين الدولة الأموية والدولة العباسية نجحت -على الأقل- في إنقاذ وعي شريحة واسعة من متابعيها من فداحة النظرة الأيديولوجية التعميمية لمبدأ الصراع التاريخي بين الأمم، تماما كما فعل السوريون في الأعمال الملحمية التي روت لنا قصة الحجاج بن يوسف الثقفي وقصة عبدالرحمن الداخل وقصة صلاح الدين الأيوبي وغيرهم؛ حين تمكنت الكتابة الدرامية من إعادة بناء الشخصية التاريخية الجدلية بأسلوب نفسي مركَّب تتحاور فيه كل التناقضات البشرية في الذات الواحدة، متجاوزا النمطية الأسيرةَ لثنائية الخير المطلق أو الشر المطلق كما في مرويات الناس.

هذا البناء النفسي العميق المركَّب للشخصية الدرامية في المسلسل السوري قد بلغ أعلى مستويات نضجه في روائع الثنائي حاتم علي ووليد سيف، كما في الثلاثية الأندلسية. يستوقفني هذان الاسمان، المخرج والمؤلف، لمساءلة نفسي، في هذه المرحلة من العمر ومن السياق السياسي تحديدا، إن كانت علاقتي الشخصية بالقضية الفلسطينية وتفاعلي السياسي والثقافي معها ستبدو بذات القوة والوضوح -كما هي الآن- لو لم أشاهد «التغريبة الفلسطينية» في صباي؟ أكان بوسعي أن أستوعب تراجيديا الشعب الفلسطيني لو لم يكن القائد أبو صالح والأستاذ علي وأخوهما مسعود الذي يقطع الصحراء نحو الكويت ثلاثةَ أبطال أساسيين كثَّفوا في ذاكرتي المعاني المتعددة للنكبة؟ أستطيع الادعاء أنني شاهدت العمل كاملا لخمس مرات منذ أول مرة، هذا فضلا عن الزيارات المتفرقة التي أقصد فيها مشهدا بعينه؛ وبالتالي فإنني أستطيع التأكيد على المقولة التي ترى بأن الواقع هو من يحاكي فن، وليس العكس كما درجنا على القول.

وبالعودة إلى بسَّام كوسا فإن «باب الحارة» لم يكن من المسلسلات السورية الأثيرة عندي رغم النجاح الجماهيري الكاسح الذي بدا واضحا منذ ظهوره الرمضاني الأول عام 2006. فحتى وهو يؤدي دوره ببراعة في الجزء الأول، لم أجدني قادرا على التفاعل الكامل مع بطل طفولتي في صورة اللص الفقير الذي يحلف على المصحف كذبا، مُفضلا، ولأسباب شخصية بحتة، الحفاظ عليه في الصورة التي استقبلتُه بها لأول مرة في «الخوالي» كبطلٍ من أبطال التحرر العربي ضد الاستعمار العثماني. لم تكن ذائقتي الطفولية يومها مدرَّبة على قبول مشاهدة الممثلين وهم يخلعون جلد شخصياتهم السابقة منتمين إلى دور جديد تماما قد يتناقض أحيانا مع دورهم السابق.

بعد مرور أكثر من عشر سنوات على ذلك المسلسل، وحينما اندلعت أغنيته الشهيرة من رنين هاتف رجل كبير في سن كان يجلس إلى جانبي في صالة الانتظار بأحد المراكز الصحية، استعدت حينها بوضوح تلك الحالة الشعبية المثيرة التي خلقتها أجواء «باب الحارة» بين طلبة المدارس وفي أوساط المجتمع الصغير. بوسعي أن أتذكر حميمية التواصل العائلي الذي كان يسود صالة البيت بمجرد أن يحين موعد الحلقة. أما إن حان موعدها وصادف أنك خارج البيت في تلك الأمسية الرمضانية فليس عليك سوى أن تدلف إلى أقرب حلاقٍ لتتفرَّج على الحلقة مع المنتظرين أدوارهم.

لقد أدخلت الدراما السورية عشاقها من مختلف أقطار العالم العربي إلى ساحة البيت الشامي، حيث الماء والياسمين، قبل أن يتحول هذا النوع من المسلسلات إلى ظاهرة تستنسخ نفسها في أجزاء متلاحقة أو حتى في أعمال أخرى تتوسل النجاح نفسه بالاستنساخ التجاري للتجربة. ولكن من يستطيع أن يكتب بصدق عن الدراما السورية اليوم، أي بعد 2011، بلا نبرة رثائية تطال في الواقع كل ما هو سوري؟ لعل الدراما السورية التي أعرفها والتي أنتمي إليها هي كل ما ادخرته منها في ذاكرتي قبل ذلك العام الفاصل. ويكفي أن تكون شخصياتها مدارا لأحلام الطفولة والمراهقة واحتياطا عاطفيا لا ينضب حتى أعترف بأثرها على تكويني.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

مقالات مشابهة

  • وصول 70 ٪ من الأسمدة وتشكيل لجنة لتحديد مصير عوائد الحساب الذهبى
  • إطلاق معرض “Limbo” للفنان مينا صفوت في مركز محمود مختار الثقافي
  • محمد رجب يعود إلى الدراما بقوّة في رمضان
  • يناقش آليات حمايتها وتعزيز الوعي بأهميتها.. جدة تستضيف اجتماع المبادرة العالمية للشُعب المرجانية
  • ماذا لو لم أشاهد مسلسلات سورية في صباي؟!
  • طلبة جامعة السلطان قابوس ينتزعون الصدارة في مسابقة "تحدي الجامعات"
  • الطلبة العمانيون يتفوقون في تحدي الجامعات بالإمارات
  • شيخ الأزهر يناقش مع وزيري الري والأوقاف رفع الوعي بأهمية ترشيد المياه
  • شيخ الأزهر يناقش مع وزيري الأوقاف والري رفع الوعي بقضية ترشيد المياه
  • سفير المجر يزور «دبي للثقافة» لمناقشة سبل التعاون