طهران- على دأبها، توعدت إيران عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في عاصمتها طهران بالانتقام له، وتوعّد المرشد الأعلى علي خامنئي "الكيان الصهيوني" بردٍّ قاسٍ، مؤكدا أن الانتقام لدم هنية "من واجبات بلاده لأن الاغتيال وقع على أراضيها".

وعلى وقع الصدمة التي سادت البلاد جراء وصول يد الغدر إلى الضيف الذي قصدها بدعوة رسمية للمشاركة في مراسم أداء اليمين الدستورية لرئيسها الجديد مسعود بزشكيان، أعلنت إيران الحداد 3 أيام، ونشرت لافتات في طهران تتوعد بالانتقام لدماء الضيف.

وبرفع "راية الثأر الحمراء" فوق قبة جمكران بمدينة قم، يصبح الانتقام حتميا، إذ اعتاد متابعو الشأن الإيراني هذه المشاهد كلما صدرت الأوامر من المرشد الأعلى بالانتقام، والذي سبق وأطلق تهديدا مماثلا ردا على اغتيال الإدارة الأميركية السابقة القائد السابق لفيلق القدس الجنرال قاسم سليماني. وردّ الحرس الثوري بقصف قاعدة "عين الأسد" العراقية التي تؤوي جنودا أميركيين.

عمليات علنية

وتصبح طهران مطالبة -من الرأي العام- بالإعلان عن عملياتها عندما يأتي التهديد بالانتقام من هرم السلطة على غرار قصف مقرات داخل العراق وباكستان مطلع العام الجاري، ردا على تفجيري كرمان، وأخيرا عملية "الوعد الصادق" بشنها هجوما عسكريا مباشرا على إسرائيل في أبريل/نيسان الماضي، ردا على استهداف قنصليتها في دمشق.

ويبدو أن مسؤولين إيرانيين تعمدوا تسريب الأوامر التي أصدرها المرشد الأعلى "بضرب إسرائيل مباشرة" إلى صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية. ونقلت عنهم أن من بين الخيارات هجوما منسقا من طهران واليمن وسوريا والعراق لتحقيق أقصى تأثير، مما أثار تساؤلات عن الخيارات الأخرى والسيناريوهات المحتملة للرد الإيراني على اغتيال هنية.

وقد تشكّل هذه التسريبات، المنقولة عن 3 مسؤولين إيرانيين مطلعين، حول "الهجوم المتوقع بالمُسيّرات والصواريخ على أهداف عسكرية بمحيط تل أبيب وحيفا" السيناريو الأول. وذلك على غرار عملية "الوعد الصادق" السابقة، حيث أمسى الحديث يدور في إيران، منذ أمس الثلاثاء، عن نُسخ متتالية قد تُسمى الوعد الصادق الثانية والثالثة وربما أكثر.

بيد أن الباحث العسكري علي عبدي يرى في تنفيذ عملية مشابهة للوعد الصادق تراجعا في ظل مساعي "العدو" -خلال الفترة السابقة- لترميم خروقاته الأمنية والعسكرية، موضحا أنها كانت أول هجوم مباشر تشنه إيران على إسرائيل، وحرصت حينها على إظهار جانب من قوتها فحسب.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف أنه خلافا للعملية السابقة التي لم يعتبر منها كيان الاحتلال، فإن الرد على اغتيال هنية لا بد أن "يهدر دما صهيونيا"، حسب تعبيره. وباعتقاده، فإن الرد الإيراني هذه المرة قد يكون محدودا لكنه قد يمتاز بتحييد بعض العناصر "المجرمة التي تلطخت أياديهم بدماء الأبرياء في غزة، أو شاركوا في استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت أو هجوم طهران".

سيناريوهات محتملة

من جانبه، يتحدث الباحث في الشؤون الأمنية محمد قادري عن "عمليات هجينة" ضمن السيناريوهات المحتملة للانتقام الإيراني. وأوضح أن "الهجومين الإسرائيليين على الضاحية الجنوبية وطهران طالا الدماء الفلسطينية واللبنانية والإيرانية، ولا بد من رد متوازنٍ يشكّل تحديا حقيقيا يتجاوز العمليات العسكرية، وقد يشمل الحرب السيبرانية والنفسية والأمنية".

وبرأي قادري، فإن "الانتظار نصف الرد، وإبقاء الاحتلال واقفا على رجل ونصف لفترة غير محدودة بإمكانه أن يشكّل أحد السيناريوهات المحتملة لتنفيذ الانتقام على مراحل وليس مرة واحدة، بغية رسم خطوط حمراء وفق الإرادة الإيرانية".

وفي تصريحه للجزيرة نت، توقع أن تحشد إسرائيل -خلال الأيام المقبلة- حلفاءها الغربيين للدفاع عنها، مؤكدا أن أصابع المقاومة كانت ولا تزال على الزناد، وأن استنفار حلفاء تل أبيب للدفاع عنها لا يمكن أن يستمر طويلا.

من ناحيته، يشير الخبير العسكري والعقيد المتقاعد في الحرس الثوري محمد رضا محمدي إلى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن.

وقال إنه حصل على ضوء أخضر من القادة الأميركيين للقيام بهجومي طهران والضاحية الجنوبية، مؤكدا ضرورة تبني "سياسة القنص والاصطياد" حيال كل من يدعم أو يأمر باغتيال قادة المقاومة، أو يشارك في تنفيذ تلك العمليات، على حد تعبيره.

وبرأي محمدي، هذا السيناريو كفيل بجعل هؤلاء الجناة ملاحقين داخل بلادهم وخارجها ويسلب أمنهم، مضيفا أن "اليد التي أمرت أو دعمت أو امتدت لاغتيال قادة المقاومة لا ينبغي الاكتفاء بقطعها، وإنما بإنهاء حياة صاحبها عاجلا أو آجلا، لمنع تكرار مثل هذه العمليات الإرهابية"، حسب وصفه.

وحدة الساحات

أما الباحث في الشؤون الإسرائيلية مجيد صفا تاج، فيشير إلى ما سماه "وحدة ساحات المقاومة الإسلامية الممتدة من غزة ولبنان ثم سوريا والعراق، وصولا إلى إيران واليمن".

ورأى في عمليات الاحتلال الإسرائيلي وحماته الغربيين، التي طالت مؤخرا جميع حلقات هذا المحور، مبررا "لتوجيه السلاح من جميع هذه الجبهات نحو العدو الصهيوني".

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح صفا تاج أن الاحتلال الإسرائيلي لا يفهم سوى لغة القوة، وأنه يعول كثيرا على دعم حلفائه الغربيين في مواجهة "عدوه اللدود الجمهورية الإسلامية"، مؤكدا ضرورة مهاجمته عبر جبهات متعددة تجعل حماته يسرعون لتهدئة الوضع بدلا من مشاركتهم في حرب يرغب بها نتنياهو.

وبرأي الباحث الإيراني، فإن عدم توجيه ضربة قاسمة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جعلت إسرائيل تتمادى في جرائمها على قطاع غزة ومهاجمة الحلقات الأخرى من محور المقاومة.

وأكد أنه بعيدا عن عشرات السيناريوهات الممكنة والمحتملة للرد على جرائم الاحتلال، فإنه يعتبر مهاجمته عبر شتى الجبهات خيارا مجديا يستنزف قدراته ويجعل المستوطنين يعيشون "برزخا تمهيدا لهروبهم دون رجعة من الأراضي الفلسطينية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على اغتیال

إقرأ أيضاً:

إيران الدولة الثوريّة تشدّ أحزمة المواجهة

 

حزمت “إيران الإسلاميّة ” موقفها، عزم قائدها على تدبّر الأمر متوكّلًا على ربّه، توسّط مشهدًا جامعًا لأركان الحكم، على يمينه قادة الأجهزة العسكريّة والأمنيّة، وعلى يساره رئيس الجمهوريّة ورؤساء المجالس والمؤسسات العليا الرسميّة؛ وبلسان الواثق من شعبه، ألقى فصل خطابه أمام العالم وأمام نزق “دونالد ترامب” بكلمته المدوّية “لا” للهيمنة الأمريكيّة وسياساتها الاستكباريّة وأساليبها الاستعلائيّة، بعدما أثبتت التجربة صوابيّة منطق عدم الثقة بالإدارة الأمريكيّة.
تدرك “إيران” اللحظة التاريخيّة جيّدًا، وتعي جدّيّة المخاطر وأهوالها، وتعرف بعمق ما يصيب مجتمعها من آثار عدوانيّة مستمرة منذ عقود عبر ضغوط اقتصاديّة قصوى عليها، لا سيّما بعد تمزيق “ترامب” الاتفاق النووي عام 2018، والافتعالات الدائمة لإضعافها من الداخل وتحريك موجات الفتن فيها، وتفرقة وحدتها وتشويه هويّتها وممارسة كافة أشكال الحرب النفسيّة والناعمة عليها؛ وإعاقة تقدّمها وعلاقاتها.
كما تعلم “طهران” علم اليقين ما أصاب “جبهة المقاومة” من فقد قادتها الكبار منذ كانون الثاني 2020 إلى نهاية العام 2024؛ وهي تراقب عن كثب التغيّرات الاستراتيجيّة في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق واليمن، وتدرس نتائج الحرب العالميّة المتمادية للقضاء على المقاومة والانقلاب على الممانعة السياسيّة للإملاءات الأمريكيّة.
كما أن “طهران” لا تستهين بمسالك المملكة العربيّة السعوديّة نحو التطبيع، وأن ما رعته الصين من تسوية إيرانيّة-سعوديّة لا يعوّل على استمراره، رغم حرصها الأكيد على استقرار المنطقة، إذا ما أُطلقت الصافرة الأمريكيّة للإخلال بها.
تصغي “طهران” دون اضطراب إلى التهديدات المتكرّرة الموجّهة إليها. كما تقرأ بحكمة وشجاعة الرسائل الديبلوماسيّة والإعلاميّة. ويمكن إيراد تهديدين (أمريكيّ وإسرائيليّ) وتحذير (تركيّ)، لاستجلاء الواقع.
التهديد الأبرز، أعلنه “ترامب” واضعًا إيران بين خيارين “الاتفاق أم الحرب”، مستأنفًا عقوبات ولايته الأولى على صادرات النفط الإيرانية.
ينسب “ترامب” إلى “إيران” الضعف حاليًا، فيتحفّز لاتخاذ إجراءات حاسمة ضدّها، وفق ما أدلى به مستشار الأمن القومي مايك والتز (19 كانون الثاني/يناير 2025). حدّد شهرًا واحدًا أمام إيران للانصياع إلى مفاوضات شكلية تنتهي بإملاءاته على برنامجها النووي ثم يستلحقه بتقييد دورها في المنطقة والبحث حول صواريخها الباليستيّة.
فيما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية هدف مناورتها مطلع آذار الجاري بمشاركة وحدة قاذفاتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط “تعزيز التنسيق مع الشركاء الإقليميّين وإظهار قدراتها العسكرية”.
يساوق التهديد الأمريكيّ تحريض إسرائيلي قديم جديد على ضرب إيران، وقد أعلن “بنيامين نتنياهو” عشية الإعلان عن وقف إطلاق النار المزعوم في لبنان، أن السبب الأول لإعلانه هو التزامه بالأمن القومي وتركيز الجهود على مواجهة إيران ومنع طهران من تطوير سلاح نووي، مضيفًا أنه “لن يعطي المزيد من التفاصيل حول ذلك”. بينما أعلن رئيس أركانه الجديد “إيال زامير” أنّ عام 2025 سيركّز على الصراع في غزّة ومع الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، وأنه سوف تتمّ إعادة هيكلة استراتيجية “الجيش” الإسرائيليّ للتعامل مع التهديد الإيرانيّ على وجه التحديد.
أما التحذير التركيّ لوزير الخارجية “هاكان فيدان، فإنّه يختلف نوعيًّا عما سبقه، لكونه لا يهدّد إيران ومقدّراتها وبرنامجها النوويّ، إنّما يتكامل مع الوعيدين الأمريكيّ-الإسرائيليّ، حاملًا لهجة استقواء ودلالات جديدة أمام الأحداث الجارية وموقعه منها، حيث بدا “كاتم أسرار أردوغان” واضحًا بالنزول عند رغبات الغرب وعدم التصدّي للتوسّع الإسرائيليّ إلا من بضعة تحفّظات كلاميّة، جازمًا في سعي أنقرة إلى ملء الفراغ وتصدّره في الساحة السوريّة على حساب الدور الإيراني الذي غالب إسقاط الدولة السورية وتفكيك وحدتها وانعدام استقرارها وانسلاخها من تاريخها وإيقاعها في فم التنين الأمريكيّ والاحتلال الإسرائيليّ وقطع طرق الإمداد على حركات المقاومة اللبنانيّة والفلسطينيّة.
يتضح أن ما يسمى بالمفاوضات التي يتم التداول حولها ما هي إلا خديعة بائسة لتشويش الرأي العام، وتصب لصالح الهيمنة الأمريكيّة وتستجيب لمعالجة الهواجس الأمنيّة الإسرائيليّة، ولإضعافها أمام منافسيها الإقليميّين، وليست من أجل حلّ المشكلات الإيرانيّة.
يمكن الجزم، بعدم رغبة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في إثارة مواجهة واسعة النطاق، خاصة أنّ تغيّر المشهد الجيوسياسي الراهن لا يبدو في مداه القصير لصالحها، قبل أن تستعيد حركات المقاومة عافيتها وقوّتها، وقبل أن يرسو المشهد السوري على أرضية مغايرة. إلّا أنّ “إيران الإسلاميّة” بكل تأكيد لن تقبل بالرضوخ لشروط “ترامب”، مما يرفع من احتمالية الصراع دون أن تتحدّد معالمه بوضوح.
تقتحم “طهران” مخاطر احتمالية الحرب عليها، بعدما نقضت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) عهدها بالتعويض عن إنسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وبعدما استنفد مسؤولها كافة الإجراءات والتدابير الديبلوماسيّة، واتبعت “أقصى درجات العقلانية”، وتحكّمت بردود أفعالها، وهي تشاهد حرب الإبادة في غزّة والجرائم الأمريكيّة الإسرائيليّة تصب جام حممها على لبنان واليمن والعراق وسورية، فاحتفظت لنفسها بحق الرد على العدوان الإسرائيليّ السافر داخل أراضيها في محافظات طهران وخوزستان وإيلام (26 تشرين الأوّل 2024م).
وتؤكّد “طهران” أن نهجها مستمر، كدولة ثوريّة تضبط مصالحها على مبادئها، وتسير ضمن حدّي درء الخطر وحفظ هويتها وسيادتها وكرامتها الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة؛ إلا إذا وضعت الحرب أثقالها فالسبيل الوحيد هو الدفاع والمواجهة.
باحث في الشؤون الإيرانيّة

مقالات مشابهة

  • آخر استعدادات منتخب الإمارات لمواجهة نظيره الإيراني
  • ترامب يفاوض إيران عبر الإمارات
  • في تصريح صادم.. الرئيس الإيراني: طهران تمر بأزمة لا يسمح بالعيش فيها بعد الآن
  • أول تعليق من إيران على الهجمات الأمريكية ضد اليمن
  • وعيد وإدانة ورفض.. هكذا ردت إيران على "ضرب الحوثيين"
  • اغتيال.. هذا ما قيل في إسرائيل عن غارة ياطر في الجنوب
  • سلامي: إيران لن تتهاون في الرد على أي تهديد والعدو يكرر الأخطاء
  • هكذا تعتزم إسرائيل الرد على ما توصلت له واشنطن وحماس بشأن غزة
  • إيران الدولة الثوريّة تشدّ أحزمة المواجهة
  • في بكين.. قمة ثلاثية لبحث الملف النووي الإيراني