الجمع بين الفن والطب يصنع مستقبلًا متمتعًا بالإبداع والرحمة، إذ تمكّن صاحب الـ23 عامًا أن يجمع بمهارته بين العديد من المواهب التي تمثَّلت في التصوير، والدوبلاج، والفويس أوفر، والرياضة، فضلًا عن موهبة الفن التي حوَّلت مسار حياته وجعلته أسيرًا وسط الألوان والإبداع.

«محمد» يجمع بين الفن والطب البيطري

محمد سالم من أبناء محافظة بني سويف، تخرج في كلية العلوم الزراعية عام 2023، ثم التحق بكلية الطب البيطري بجامعة بني سويف بسبب رغبته في التخفيف عن آلام الحيوانات نظرًا لحبه الشديد لهم، وكان حظه جيدا في تلك السنة لأنه صدر قرار في عدد قليل من المحافظات، بينها بنها ومدينة المنصورة وبني سويف، «إذا ما حصل طالب ما على تقدير مرتفع في الكليات العلمية، من حقه الدراسة بعد ذلك في إحدى الكليات الطبية» بحسبما يروي لـ«الوطن»: «الحلم بدأ بفكرة، من وأنا صغير كنت بحب أرسم في الكراسات والكتب وكل حاجة ليها علاقة بالتعليم، وكمان كنت بحاول طول الوقت أطور نفسي بنفسي».

آمن محمد بقدراته الفنية فلم تمنعه دراسة الطب من أن يبدأ بالرسم على الورق ثم البورتريهات، حتى تمكّن من الرسم على المجات بطريقة «الهاند ميد» من أجل المال، ثم وصل بالرسم إلى مرحلة جديدة وهي الرسم على الجدران أو ما يعرف بـ«الجرافيتي».

«No Risk ..No Fun».. شعار رفعه «محمد» في حياته خلال الفترة الماضية، خاصة وأنّ الرسم على الجدران جعل الشاب العشريني يشعر بفارق في حياته وساعدت في تحسين نفسيته: «أنا لقيت نفسي جدًا في الجرافيتي، غير أني متقن الرسم على الورق وكويس في الألوان، بس حبيت أجرب صابت بقى مصابتش أنا كده كده بجرب»، وعن أول تجربة خاضها في رسم الجرافيتي يقول «محمد»: «جربت النوع ده من الرسم أول مرة في شقة عريس، وقدرت أخلصها كلها، والجودة كانت كويسة جدًا».

أسرة «محمد» هي جمهوره الأول

كانت أسرة «محمد» هي الداعم الأول والأكبر في مشواره، إذ آمنوا بموهبته منذ طفولته، وحرصوا على تشجيعه ماديًا ومعنويًا، وبخاصة خاله الذي كان سببًا في رسم بوادر مستقبله، بعدما مهَّد له الطريق للتعرف إلى محمد ماضي عميد كلية الفنون التطبيقية بجامعة بني سويف: «العميد لقى فيا موهبة تستحق الاكتشاف والاهتمام بيها، فإداني فرصة وخلاني ألتحق بأتيليه الفنون في الجامعة».

نجح الشاب العشريني في اجتياز الجزء الأكاديمي الخاص بالأتيليه، وجمعه بعميد كلية الفنون التطبيقية علاقة وطيدة، أفسحت له المجال لعرض لوحاته الفنية عليه عقب انتهائه منها حتى يستفيد من آرائه: «أنا دايمًا كنت بعرض اللوحات على العميد عشان أتأكد من جودتها ودقتها، وكمان شاركت مع العميد لمدة سنتين في مؤسسة إبداع».

وعن الموازنة بين دراسة الطب ومجال الفن، يقول «محمد»: «أنا بقدر أوفق كويس بين الدراسة والشغل بأنّي أقسم أيام الدراسة أربع أيام، ولو جالي شغل بأجله في أيام الإجازة، عشان مجيش على الدراسة أو أقصر في شغلي».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الرسم على الجدران الجرافيتي الطب البيطري الرسم الرسم على

إقرأ أيضاً:

الفنون باعتبارها صناعة..

تُعد الفنون بأنواعها من أهم الصناعات الفنية المرتبطة بحياة المجتمعات، لأنها تعكس الفنون الحضارية المتطوِّرة عبر الحقب التاريخية ، كما تقدِّم صورة ذهنية عن قدرة تلك المجتمعات على التواصل بين شعوب العالم؛ ذلك لأنها تكشف الأسس الحضارية والفكرية التي انطلقت منها، ومدى تأثُّرها بفنون العالم، ولهذا فإنها مجال حضاري له قيمته الثقافية والاجتماعية، التي تربطه بالشعوب .

ولهذا فإن العالم اليوم يتسابق من أجل إبراز تلك الفنون سواء أكانت بصرية أو سمعية أو بصرية سمعية، بحيث تقدِّم من خلالها الدول العمق الحضاري الذي تنتمي إليه من ناحية، وقدرتها الإبداعية من ناحية أخرى؛ فنحن نتعرَّف على حضارة الشعوب من خلال الفنون التي تقدمها، وقدرتها على تمثُّلها باعتبارها فنونا حيَّة قادرة على التفاعل والتشارك.

إن الدور الاجتماعي والثقافي الذي تمثله الفنون في المجتمعات لا يقتصر على قدرتها الحضارية ومكانتها في ربط شعوب العالم، بل أيضا في تحقيق الانتماء الاجتماعي والمواطنة؛ فهي نتاج أفراد المجتمع ومبدعيه، إضافة إلى إمكانات التعبير عن فكره وتطلعاته، وتأثير ذلك على الارتقاء بالذوق العام في المجتمع المحلي، وبالتالي فإن ذلك كله سينعكس على الوظائف الجديدة التي يمكن أن تقدمها الفنون من الناحية الثقافية والاجتماعية.

فالإبداع الذي يقدمه الفنانون لا يُظهر قدراتهم الفنية وحسب، بل أيضا يعكس ثقافتهم وثقافة المجتمعات التي ينتمون إليها، ووعيهم بمكامن القوة الثقافية التي تتمتع بها، وبالتالي فإن الأعمال الفنية ليست انفعالات أو تجليات، بل تجربة إنسانية ثقافية تخضع لقواعد وأشكال وأساليب، وتعكس وعي المجتمعات الإنسانية وفكرها ومراحل تطوُّرها عبر الأزمنة، وهذا ما يدفعنا دوما إلى الاعتزاز بالفنون والثقافة الوطنية.

ولأن الفنون تمتلك تلك القوة والقدرة الإنسانية الثقافية والحضارية، فإنها قد ارتبطت بأنماط العيش اليومية؛ إذ نجدها في حياتنا اليومية بدءا من فنون الطعام واللباس والزينة والمصوغات والمعمار والتصوير والتشكيل، إضافة إلى العديد من الأدوات والخدمات وغير ذلك، ولهذا فإنها جزء أصيل في الاقتصادات وما زالت، خاصة في ظل التطورات التقنية المتسارعة، وتغيُّر أنماط الحياة، والانفتاح نحو التجديد والتحديث.

فالفنون صناعة تأسسَّت وفق سيرورة الحياة المعيشية وأصبحت جزءا أصيلا من القطاعات الحيوية، لذا فإن تطويرها يحتاج إلى تغيير الأنماط الإدارية التي تمكِّنها من تحقيق التطلعات، والتمكين من أجل إيجاد فرص أكبر لدخول سوق الأعمال وتطوير أنماط المنافسة، من خلال تمكين الاستثمار في الفنون، وتيسير العمل في ريادة الأعمال المتخصصة في الفنون، والتي تحتاج إلى رعاية خاصة؛ فريادة الأعمال الفنية تختلف عن ريادة الأعمال الأخرى، لما لها من خصوصية من الناحية الاجتماعية والثقافية من جهة، وارتباطها بالفنانين وقدراتهم الإبداعية من ناحية أخرى، إضافة إلى ما تحتاجه من مهارات على المستوى التنظيمي والبيئي، والتحديات التي تواجهها خاصة في ظل بعض التداعيات الاقتصادية، وتغيَّر مستويات المعيشة.

يخبرنا تقرير سوق الفن لعام 2024، الصادر عن اقتصاديات الفنون (آرت بازل)، أنه بعد عامين من النمو انخفضت المبيعات في سوق الفن بنسبة 4% في عام 2023 إلى ما يقدر بنحو 65 مليار دولار، ويرجع ذلك إلى ما يعانيه السوق جرَّاء التداعيات الجيوسياسية، وتحوُّل أنماط الإنفاق الاستهلاكي، إضافة إلى النمو المستمر في المبيعات الإلكترونية، والتي تمثِّل 18% من حجم دوران المبيعات، غير أن زيادة انتشار الابتكارات الرقمية قد أدى إلى زيادة مبيعات الفنون خاصة في ظل زيادة المشاركة في المعارض سواء أكانت المعارض الاعتيادية أو الإلكترونية.

إن التطورات التقنية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي أدى إلى توليد فرص جديدة أمام اتساع الفنون، وأنماط تطوراتها المتزايدة، وكذلك فتح فرص في الأسواق، الأمر الذي أدى إلى ظهور أسواق جديدة منافسة في القطاعات الفنية، إذ يشير تقرير (آرت بازل) إلى أن الولايات المتحدة حافظت على مكانتها كسوق رائدة في جميع أنحاء العالم، حيث تمثِّل 42% من المبيعات من حيث القيمة، بانخفاض بنسبة 3% على أساس سنوي، وأصبحت الصين بما في ذلك هونج كونج، ثاني أكبر سوق فني عالمي، حيث ارتفاعت حصتها إلى 19%، في حين تراجعت المملكة المتحدة إلى المركز الثالث بحصة قدرها 17%، وظلت فرنسا في المركز الرابع المستقر بنسبة 7%.

ولهذا فإن زيادة الخدمات الثقافية الإلكترونية، وتوفُّر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتركيز على صناعة الترفيه، إضافة إلى دخول الشباب المبدعين إلى السوق، أدى إلى مرونة هذا القطاع الحيوي وقدرته على الصعود المستمر، وزيادة المبيعات، كل ذلك (يبشر بالتفاؤل) – بتعبير تقرير (آرت بازل) –، ويجعل القطاع آخذ في النمو والتطوُّر؛ فجاذبية الفنون على المدى الطويل باعتبارها وسيلة للرفاه الاقتصادي والتعبير الإنساني الثقافي (لا تزال ثابتة).

إن الارتفاع المتزايد لاقتصاديات الفنون، وقدرتها الإنمائية لسوق الأعمال خاصة فيما يسمى بـ (الوظائف الإبداعية)، يدفع إلى الاهتمام بهذا القطاع المهم ليس لقيمته الاجتماعية والثقافية وحسب، بل أيضا لما يوفِّره من نمو في الصناعات الإبداعية، التي أصبحت تمثِّل توسعا اقتصاديا هائلا وواعدا للتنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل، وتحفيز سبل العيش المستدامة.

والحق أن الصناعات الإبداعية وصناعة الفنون بشكل خاص تحظى باهتمام متزايد في عُمان، نتيجة الوعي المؤسسي بهذه الأهمية التي تمثلها القطاعات الفنية، وما تقوم به من دور في كافة المجالات، ولهذا فإن توجُّه المؤسسات الثقافية والأكاديمية إلى العناية بتدريب الشباب وتعليمهم ضمن حاضنات ومراكز بحثية متخصصة في مجالات الصناعات الإبداعية، بل وتخصيص كلية أكاديمية لتلك الصناعات في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، يشير صراحة إلى ذلك الاهتمام والرعاية، الأمر الذي سيوِّفر مجالا خصبا لقطاع ريادة الأعمال الفنية، وفتح فرص جديدة في سوق الأعمال.

إضافة إلى ذلك فإن ما تقوم به مختبرات الإبداع والابتكار في المجالات الفنية من رعاية ودعم وتدريب للشباب المبدعين والفنانين، يفتح المجال أمامهم لتطوير مهاراتهم وقدراتهم، فالفنون تحتاج دوما إلى الرعاية والدعم المستمر حتى يستطيع الشباب تطوير مهاراتهم وإمكاناتهم الفنية، إلاَّ أن هذا الدعم والرعاية عليه أن لا يتوقَّف عن حد إخراج الأعمال الفنية، بل يجب أن يتسَّع ويتواصل من أجل تشكيل فرص اقتصادية ووظيفية جديدة؛ ذلك لأن مهمة الفن لن تتحقَّق إلا إن كان مصدر دخل للفنان وضمان تحقيقه للرفاه الاجتماعي الذي ينشده، إضافة إلى تيسير سبل تمكين ريادة الأعمال الفنية وتقييم مردودها الاقتصادي وأثرها الاجتماعي والثقافي.

إن الفنون صناعة، وقوة اقتصادية إذا ما أمكننا النظر إليها باعتبارها موردا اقتصاديا، وإمكانا لفتح فرص عمل ومنتجات قادرة على المنافسة محليا وإقليميا، ولهذا فإن الصناعات الإبداعية عموما والفنية بشكل خاص تمثِّل قطاعا واعدا للتنويع الاقتصادي، والاهتمام به وبالفنانين سوف يفتح مجالا واسعا للتطوير الفني وتعزيز مفاهيم الهُوية الوطنية على المستويين الاجتماعي والثقافي، وسيوفِّر ساحة خصبة للمبدعين للإنتاجات الفنية المنافسة.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

مقالات مشابهة

  • في يومه الأول.. مؤتمر تطوير التعليم الطبي باليمن يناقش 15 بحثًا في خمس جلسات علمية
  • وزير الثقافة يفتتح معرض الرسم التاسع لتنمية المواهب بالأوبرا
  • انطلاق مسابقة الكونغ فو بمركز شباب سبورتنج تحت إشراف وزارة الشباب والرياضة ومحافظة بورسعيد
  • العميد سريع: بيان مهم للقوات المسلحة الساعة 40 : 11 مساءً
  • المقاومة الفلسطينية توثّق عملياتها في فيديو يجمع بين صوت «أبوعبيدة» و«أمير عيد»
  • الفنون باعتبارها صناعة..
  • مدير الاستخبارات البريطانية: حماس فكرة لا يمكن القضاء عليها إلا بفكرة أفضل
  • التفاصيل الكاملة لمعرض الرسم السنوي بتنمية المواهب في الأوبرا
  • حقيقة أزمة حجازي مع "العميد".. وأداء لاعبي مصر "معجزة"
  • نادي بني سويف يكرم 138 من أبناء الجمعية العمومية المتفوقين دراسيًا وعلميًا