PALM10: ما مآلات التنافس الياباني الصيني على النفوذ في دول جزر المحيط الهادئ؟
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
انطلاقاً من الأهمية الاستراتيجية الكبرى التي تحظى بها دول جزر المحيط الهادئ، وكذلك التنافس المُتزايد بين اليابان والصين على النفوذ والمكانة في هذه الدول، استضافت العاصمة اليابانية طوكيو، في الفترة من 16 إلى 18 يوليو 2024، القمة العاشرة لقادة اليابان ودول جزر المحيط الهادئ (PALM10)، بمشاركة اليابان و18 دولة ومنطقة أعضاء في منتدى جزر المحيط الهادئ، وهي الآلية التي دُشنت لأول مرة بمبادرة يابانية في عام 1997، ويجري عقدها بانتظام في طوكيو مرة كل ثلاث سنوات.
أبعاد التوقيت:
عُقدت القمة العاشرة لقادة اليابان ودول جزر المحيط الهادئ في ظل توقيت بالغ الأهمية؛ وذلك بالنظر إلى السياقات التي تزامنت مع انعقادها؛ ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1. تقارب أمني وعسكري: لطالما عملت اليابان على تعزيز علاقاتها وتحالفها مع دول جزر المحيط الهادئ، عبر تقديم الدعم في العديد من المجالات. وفي هذا الإطار، اتجهت اليابان ودول جزر المحيط الهادئ خلال السنوات القليلة الماضية إلى توسيع تعاونهما الأمني والدفاعي؛ إذ تعمل طوكيو على تعزيز قدرات المراقبة البحرية لهذه الدول، وكذلك قدرتها على مواجهة المخاطر المناخية والجيوسياسية، فضلاً عن تبادل الرؤى بشأن القضايا والتحديات الأمنية المشتركة.
وفي هذا السياق، استضافت وزارة الدفاع اليابانية، يومي 19 و20 مارس 2024، فعاليات الدورة الثانية من محادثات الحوار الدفاعي بين اليابان وجزر المحيط الهادئ، والتي طرح خلالها وزير الدفاع الياباني، مينورو كيهارا، “مفهوم التعاون من أجل الجهود الأمنية الموحدة في منطقة جزر المحيط الهادئ”، كتعبير عن وجهة نظر اليابان لتعزيز التعاون الدفاعي والأمني في المنطقة. وقد عُقدت الدورة الأولى للحوار الدفاعي بين الجانبين افتراضياً في سبتمبر 2021؛ إذ أكدت أهمية تعزيز التفاهم المتبادل وبناء الثقة بين السلطات الدفاعية في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية.
2. تعزيز الصين علاقاتها مع دول جزر الهادئ: عملت الصين خلال الفترة الماضية على تعزيز علاقاتها مع دول جزر المحيط الهادئ، عبر استخدام العديد من الأدوات والآليات، ولاسيما زيادة المساعدات الاقتصادية والتنموية ودبلوماسية الزيارات، فضلاً عن التعاون الأمني والدفاعي.
وقد تجسدت أبرز مؤشرات تنامي العلاقات بين الجانبين في الفترة الأخيرة؛ إذ تزايد النفوذ الصيني في المنطقة، في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وناورو، بعد إعلان الأخيرة، في يناير 2024، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان. وكذلك، زيارة رئيسي وزراء فانواتو، شارلوت سالواي، وجزر سليمان، جيريما مانيلي، إلى الصين في يوليو 2024.
3. توتر العلاقات الصينية اليابانية: تشهد العلاقات بين بكين وطوكيو منذ عدة أعوام توتراً ملحوظاً على خلفية تباين مواقف الدولتين إزاء العديد من القضايا الجوهرية التي ترتبط بعلاقاتهما الثنائية، ولاسيما الموقف الياباني إزاء أزمة تايوان، والذي ترى الصين أنه يمثل انحيازاً لما تُطلق عليه بكين “قوى استقلال” تايوان. وقد تمثل أحدث مؤشرات التوتر بين الدولتين في قيام الصين بحث اليابان على أداء دور بناء في الحفاظ على السلام والاستقرار والتنمية، وعدم العمل “كطليعة” لتوسع حلف شمال الأطلسي “الناتو” في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وذلك رداً على الكتاب الأبيض الدفاعي الجديد الذي أصدرته اليابان في 12 يوليو 2024، وأشارت فيه لأول مرة إلى التدريبات العسكرية التي أجرتها الصين مؤخراً حول جزيرة تايوان كجزء مما وصفته “استراتيجية الغزو التي تنتهجها بكين”؛ إذ أعربت الصين عن استيائها الشديد ومعارضتها الحازمة للكتاب الأبيض، واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية، لين جيان، أنه “يتدخل بشكل خطر في الشؤون الداخلية للصين، ويسعى مرة أخرى إلى ترويج رواية “التهديد الصيني”، ويضخم التوترات الإقليمية”.
ومن الملاحظ أيضاً أن القمة جاءت في أعقاب انعقاد قمة حلف الناتو بواشنطن في الفترة من 9 إلى 11 يوليو 2024، والتي اعتبرت الصين تهديداً، وشاركت فيها اليابان وأستراليا ونيوزيلندا، وهي دول تتنافس مع الصين على النفوذ في منطقة جزر المحيط الهادئ.
دوافع الاهتمام:
هناك العديد من الاعتبارات والدوافع التي تقف وراء اهتمام كلٍ من اليابان والصين بتعزيز علاقات التعاون مع دول جزر المحيط الهادئ، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1. المصالح اليابانية: تمتلك اليابان العديد من المصالح المهمة في دول ومناطق جزر المحيط الهادئ. وعلى رأسها الحفاظ على حرية الوصول غير المُقيد إلى الطرق البحرية عبر أوقيانوسيا، سواء للسفن البحرية أم التجارية؛ إذ تمر السفن التي تحمل واردات الطاقة لليابان عبر طرق الملاحة المحيطة بدول جزر المحيط الهادئ. كما تقوم اليابان باستيراد الموارد الطبيعية من دول جزر المحيط الهادئ، وتعتمد بشكل خاص على مصايد الأسماك الواقعة في المناطق الاقتصادية الخالصة لهذه الدول.
فضلاً عن الدور المهم الذي تؤديه دول جزر المحيط الهادئ في المنتديات الدولية المتعددة الأطراف، والتي ترتكز على المساواة القانونية بين الدول الأعضاء بصرف النظر عن أحجامها؛ إذ تأمل اليابان في حشد دعم وتأييد هذه الدول لمبادراتها، مثل: احترام قانون البحار والتسوية السلمية للنزاعات، فضلاً عن إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك دعم رؤيتها لمنطقة المحيطيْن الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة؛ ومن ثم، فإن من مصلحة اليابان أن تحافظ على علاقات جيدة مع دول جزر المحيط الهادئ؛ وذلك بهدف موازنة النفوذ الإقليمي المتزايد للصين في هذه الدول.
2. المصالح الصينية: تحظى دول جزر المحيط الهادئ بموقع استراتيجي مهم، ولاسيما سيطرتها على مناطق بحرية كبيرة وقربها من خطوط الاتصال التجارية والبحرية في المحيط الهادئ؛ وهو ما يجعلها تمثل أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للصين، وذلك على الرغم من صغر المساحة الجغرافية لهذه الدول وكذلك امتلاكها اقتصادات صغيرة؛ وهو ما يجعل الصين تعمل على زيادة نفوذها الدبلوماسي في العديد من دول جزر المحيط الهادئ.
كما أنها تمثل أهمية أمنية كبيرة بالنسبة للصين على المدى الطويل؛ إذ يهدف جيش التحرير الشعبي الصيني لتطوير استراتيجيته البحرية التي قد تنطلق لإقامة قواعد عسكرية في الجزر القريبة من الصين.
ملامح مُتعددة للتنافس:
تتنافس اليابان والصين على النفوذ والمكانة في دول جزر المحيط الهادئ في العديد من المجالات؛ ويمكن توضيح أبرز ملامح هذا التنافس في الآتي:
1. انتقادات مُتبادلة: في سياق تنافسها على النفوذ مع الصين، تعمد اليابان إلى دفع دول جزر المحيط الهادئ إلى تبني مواقف رافضة لما ترى طوكيو أنه محاولات من جانب بكين لاستخدام القوة في تغيير الوضع القائم؛ وهو ما تجسد في إعلان اليابان وهذه الدول، في البيان المشترك الصادر في ختام القمّة، عن رفضهما الشديد لأية محاولة أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن عن طريق التهديد أو باستخدام القوة أو بالإكراه، وذلك في إشارة ضمنية إلى التحركات الصينية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ورداً على هذا الموقف، طالبت وزارة الخارجية الصينية اليابان ودول المحيط الهادئ الأخرى بضرورة المساعدة في تعزيز السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة بدلاً من انتقاد الصين. كما اتهمت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية الرسمية، اليابان باستخدام القمة “للإغراء الاقتصادي” وممارسة “الضغط السياسي والعسكري” على دول المحيط الهادئ لتتوافق مع رغباتها.
2. التنافس الأمني والعسكري: تعمل اليابان منذ إعلانها عن طرح مبادرة منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة، في عام 2016، على زيادة وجودها الأمني والعسكري في دول جزر المحيط الهادئ. وقد تجسدت أبرز مؤشرات ذلك في: زيارات قوات الدفاع الذاتي اليابانية للموانئ والمطارات في هذه الدول، وإجراء قوات الدفاع الذاتي البحرية تدريبات مع نظيراتها في تونغا، وفيجي، وجزر سليمان، وبالاو، فضلاً عن قيام طوكيو بإرسال قوات الدفاع الذاتي للعمل في أنشطة الإغاثة في حالات الكوارث في تونغا.
وخلال القمة الأخيرة، اتفقت اليابان وهذه الدول على تعزيز التبادلات الدفاعية، من خلال إتاحة محطات توقف لطائرات وسفن قوات الدفاع الذاتي اليابانية في المحيط الهادئ، وتكثيف التدريب والتعاون الدفاعي. كما عملت اليابان على تهدئة مخاوف دول جزر المحيط الهادئ بشأن آلية تصريف المياه المعالجة من محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية، بتأكيد أنها آمنة وتستوفي المعايير الدولية.
وبدورها، عملت الصين على تعزيز تعاونها الأمني والدفاعي مع دول جزر المحيط الهادئ؛ إذ وقعت اتفاقاً أمنياً مع جزر سليمان في عام 2022، أشارت تسريبات إلى أنه يتضمن بنداً يسمح للصين بنشر أفراد عسكريين في الجزر، فضلاً عن استخدام البلاد كقاعدة للمراقبة الجوية لجزر المحيط الهادئ الأخرى وأستراليا. كذلك، أشارت تقارير إلى أن حكومة فانواتو تدرس السماح للصين ببناء قاعدة عسكرية ومنشآت بحرية فيها.
3. التنافس الاقتصادي والتنموي: تشارك اليابان بالتعاون مع أستراليا والولايات المتحدة في العديد من مشروعات تطوير البنية التحتية في دول جزر المحيط الهادئ. كما أنها تُعد أيضاً أحد أعضاء برنامج الشركاء في المحيط الهادئ الأزرق، الذي تم تدشينه في يونيو 2022؛ لتنسيق المساعدة لهذه الدول.
وخلال القمة الأخيرة، أطلقت اليابان ودول جزر المحيط الهادئ عدة مبادرات جديدة لتعزيز التعاون الاقتصادي، منها: تبرع طوكيو بسفينة أبحاث مصايد الأسماك لكل من جزر مارشال وميكرونيزيا وبابوا غينيا الجديدة وفانواتو؛ لمساعدتها على مراقبة موارد مصايد الأسماك. وكذلك، “مبادرة المحيط الهادئ للمرونة المناخية”؛ لمساعدة دول جزر المحيط الهادئ على تخفيف آثار تغير المناخ. فضلاً عن تطوير البنية التحتية عالية الجودة في هذه الدول، بما في ذلك الكابلات البحرية.
وفي المقابل، قامت الصين بدعم اقتصادات دول جزر المحيط الهادئ من خلال مبادرة الحزام والطريق، عبر تقديم قروض بفائدة مُنخفضة لإقامة مشروعات للبنى التحتية؛ وهو ما مكّنها من الحصول على حق الوصول المُوسّع لأسطول الصيد الخاص بها. ووفقاً للإحصاءات الصينية، فقد بلغت قيمة تجارة بكين مع هذه الدول، ومعظمها من المأكولات البحرية والأخشاب والمعادن، 5.3 مليار دولار في عام 2021، مقارنة بنحو 153 مليون دولار فقط في عام 1992.
4. التنافس السياسي والدبلوماسي: لا يقتصر التنافس بين اليابان والصين على النفوذ في دول جزر المحيط الهادئ على المجالات السابقة، وإنما يمتد أيضاً ليشمل الأبعاد السياسية والدبلوماسية. وفي هذا الإطار؛ وبهدف مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في دول جزر المحيط الهادئ، أطلقت اليابان في عام 1997 آلية اجتماع زعماء دول جزر المحيط الهادئ (PALM)؛ والتي أصبحت الأداة الدبلوماسية الرئيسية لطوكيو لبناء العلاقات مع هذه الدول.
كما عملت اليابان على زيادة تمثيلها الدبلوماسي في هذه الدول؛ إذ افتتحت في يناير 2023، بعثات دبلوماسية جديدة في كيريباتي وكاليدونيا الجديدة؛ ليصل إجمالي عدد دول جزر المحيط الهادئ التي تتمتع فيها اليابان بتمثيل دبلوماسي إلى 10 دول.
ومن جانبها، فقد نجحت الدبلوماسية الصينية في إقناع بعض دول جزر المحيط الهادئ في تحويل اعترافها الدبلوماسي من تايوان إلى الصين. وهذه الدول هي كيريباتي وجزر سليمان في عام 2019، وناورو في يناير عام 2024. وفي الوقت الحالي، تعترف إحدى عشرة دولة جزرية من إجمالي 14 دولة جزرية في المحيط الهادئ بمبدأ “صين واحدة”. كما لجأت الصين إلى توظيف دبلوماسية الجولات الخارجية في سياق تنافسها مع اليابان على النفوذ في تلك الدول، ومنها جولة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في أواخر مايو وأوائل يونيو 2022. هذا بالإضافة إلى عقد منتدى جزر المحيط الهادئ في فيجي عام 2022، بين 10 دول من المحيط الهادئ والصين.
سيناريوهات مُستقبلية:
سوف يستمر التنافس بين اليابان والصين لاجتذاب دول جزر المحيط الهادئ إلى جانبها، في سياق صراع النفوذ بين الدولتين في هذه المنطقة، والذي سيأخذ العديد من السيناريوهات المستقبلية؛ إذ يمكن طرح السيناريوهات الثلاثة التالية:
1. السيناريو الأول: يفترض هذا السيناريو تنامي دور ونفوذ اليابان في منطقة جزر المحيط الهادئ، وذلك انطلاقاً من إدراك طوكيو لوضع التعقيد المتزايد الذي يشوب البيئة المحيطة بتلك المنطقة؛ وهو ما يدفعها للعمل على زيادة الانخراط والتفاعل مع دول جزر المحيط الهادئ. فقد صرح رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، أمام القمة، بأن بلاده تعتزم العمل على ترقية علاقاتها المستقبلية مع دول جزر المحيط الهادئ إلى مستويات أعلى؛ ومما يعضد إمكانية تحقق هذا السيناريو؛ تأييد زعماء 18 دولة ومنطقة جزرية في المحيط الهادئ لمزيد من الانخراط الياباني في تنمية المنطقة.
ومع ذلك، فإن هناك عقبات قد تحول دون تحقق مثل هذا السيناريو، ومنها: عدم التأييد الكامل من جانب هذه الدول لمبادرة منطقة المحيطيْن الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة التي طرحتها اليابان. وكذلك قرار اليابان بإطلاق المياه المُشعّة المعالجة من محطة فوكوشيما دايتشي النووية في المحيط الهادئ؛ إذ لم تحظ النتائج التي أعلنتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن التزام خطة التفريغ بمعايير السلامة العالمية، بتأييد جميع دول جزر المحيط الهادئ. بجانب عدم توقيع اليابان على مرفق المرونة في المحيط الهادئ، وهو مرفق تمويل إقليمي برأس مال مُستهدف قدره 1.5 مليار دولار؛ بهدف تعزيز قدرة هذه الدول على الصمود في مواجهة تأثيرات تغير المناخ.
2. السيناريو الثاني: يتمحور هذا السيناريو حول اتجاه الدور الصيني في منطقة جزر المحيط الهادئ نحو التزايد في المستقبل، وذلك في ضوء امتلاك الصين الإمكانات والقدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تساعدها على تحقيق أهدافها المختلفة في سياق علاقاتها مع دول المنطقة.
ومع ذلك، فإن هناك بعض العوائق التي قد تعطل إمكانية تحقق مثل هذا السيناريو، وعلى رأسها الإرادة السياسية في هذه الدول، ولاسيما تحالفها مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا ونيوزيلندا؛ ما يجعلها تتردد في قبول أي دور متزايد للصين في المستقبل؛ إذ تميل معظم الحكومات في تلك الدول إلى التعاون مع الدول المجاورة أكثر من الصين. هذا بجانب انخفاض حجم التمويل الذي تقدمه الصين للمنطقة منذ عام 2016، في ضوء تركيز بكين على تعزيز التعاون الأمني مع هذه الدول، فضلاً عن وجود ثلاث دول جزرية ما تزال تعترف بتايوان، وهي بالاو وجزر مارشال وتوفالو.
3. السيناريو الثالث: تبني دول جزر المحيط الهادئ سياسة مُحايدة ترتكز على عدم الانحياز إلى اليابان أو الصين في الصراع الدائر بينهما على النفوذ في هذه الدول، ويُعد هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً، وذلك من خلال إيلاء الأولوية لمصالحها الوطنية في سياق علاقاتها مع الدولتين المتنافستين على النفوذ في المنطقة. وذلك في ضوء كونها دولاً صغيرة، وحرصها على تجنب تكوين أي أعداء، وسعيها إلى الحفاظ على علاقات ودية مع جميع الدول.
وفي التقدير، يمكن القول إن الأهمية الاستراتيجية الكبرى التي تحظى بها دول ومناطق جزر المحيط الهادئ، تجعلها ساحة للتنافس بين اليابان والصين؛ إذ تسعى كل منهما إلى تعزيز نفوذها ومكانتها في هذه الدول؛ بما يؤدي إلى تحقيق المصالح الجوهرية للدولتين، في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية. ورغم تعدد السيناريوهات المطروحة بشأن مستقبل التنافس الياباني الصيني في دول جزر المحيط الهادئ، ما بين زيادة نفوذ اليابان على حساب الصين، أو زيادة نفوذ بكين على حساب طوكيو؛ سيظل سيناريو تبني هذه الدول سياسة محايدة الأكثر ترجيحاً، في ظل حرص دول جزر المحيط الهادئ على إيلاء الأولوية لمصالحها الوطنية، وهو ما بدا واضحاً في قمة (PALM10)، التي استضافتها اليابان مؤخراً.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
في انتظار عودة ترامب.. صفوف الاتحاد الأوروبي والناتو تتقارب رغم التنافس لمواجهة سياسات الرئيس الأمريكي المنتخب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يسعى الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي إلى إبراز صورة الوحدة والتعاون من أجل تعزيز الأمن الجماعي، وذلك لمعرفة ما إذا كانت هذه النوايا الطيبة ستقاوم توجهات الرئيس الأمريكي المستقبلي.
في بروكسل، تتطلع إدارتان إلى بعضهما البعض. يقعان على بعد بضعة كيلومترات فقط، لكنهما كانا يحدقان في بعضهما البعض لفترة طويلة. إلى الشمال الشرقي من بروكسل، في المنطقة المجاورة مباشرة لمطار زافينتيم، يقع المقر الرئيسي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذى يضم اثنين وثلاثين حليفًا، على رأسهم أولهم الولايات المتحدة وقواتها البالغ عددها ٤٠٠٠ جندي. وحيث يتواجد بالمقر الموظفون المدنيون الدوليون والدبلوماسيون والجنود المسؤولون عن الدفاع الجماعي عن القارة الأوروبية. وإلى الجنوب، حول منطقة شومان، يعمل بضع عشرات الآلاف من التكنوقراط في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، الذي فرض نفسه في مجال الدفاع بعد خروج المملكة المتحدة، في يناير ٢٠٢٠، ومنذ اعتماده، في ٢٠٢٢، لأول "بوصلة استراتيجية" له، وخطته لتطوير الأمن والدفاع، وبالطبع الحرب الروسية فى أوكرانيا، في فبراير ٢٠٢٢.
تسلح الاتحادفي غضون عامين، قام الاتحاد الأوروبي بتسهيل نقل أكثر من ١٠ مليارات يورو من الأسلحة من دوله الأعضاء إلى أوكرانيا، وتولى تمويل تدريب ٦٥ ألف جندي أوكراني، وقدم دعمًا ماليًا بما يصل إلى ٥٠٠ مليون يورو، واستثمارات في صناعة الدفاع، أو حتى بتمويل مشترك بمبلغ ٣٠٠ مليون يورو لشراء الأسلحة، وكان جزء منها مخصصًا لكييف.
ومنذ عام ٢٠٢١، قامت مؤسسات الاتحاد الأوروبى أيضًا بتمويل التعاون في مجال البحوث في مجال صناعة الدفاع. ومن المفترض أن تقدم السلطة التنفيذية الجديدة للاتحاد الأوروبى كتابًا أبيض في غضون ثلاثة أشهر بشأن الدفاع. وتضم هذه السلطة فى تشكيلها الجديد مفوض الدفاع الجديد، الليتواني أندرياس كوبيليوس، بالإضافة إلى كاجا كالاس، الممثلة الأعلى المستقبلية المسئولة عن الشئون الخارجية والقضايا الأمنية.
وهنا، يأتى السؤال: في أي اتجاه سوف يتجه التعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مع اقتراب عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير ٢٠٢٥؟ إن تعيين رئيس الوزراء الهولندي الليبرالي السابق مارك روته، أحد الشخصيات ذات الثقل في الاتحاد الأوروبي، أمينًا عامًا لحلف شمال الأطلسي، ووصول الإستونية كاجا كالاس إلى منصب رئيس الدبلوماسية الأوروبية لتحل محل جوزيب بوريل، يميل إلى طمأنينة اليمين. ويقول دبلوماسي أوروبي، "إنه أمر يبشر بالخير"، في حين التقى المسئولان، اللذان يعرفان بعضهما البعض جيدًا، رسميًا يوم الثلاثاء ١٩ نوفمبر.
حالة أرتكاريالفترة طويلة، كان مجرد ذكر الاتحاد الأوروبي في المقر الرئيسي للحلف يثير غضب قيادات الناتو. وتظاهرت المنظمتان بتجاهل خلافات بعضهما البعض. من المؤكد أن سلف مارك روته، النرويجي ينس ستولتنبرج، كان على اتصال جيد مع أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية، لكنه كان منزعجًا باستمرار من تدخلات الاتحاد الأوروبي في المسائل العسكرية. في الواقع، قام الاتحاد الأوروبي بتجهيز نفسه بمركز قيادة عسكري، من أجل إدارة المهام العسكرية الأوروبية على وجه الخصوص، سواء كانت برية في أفريقيا أو بحرية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. وعلى نحو مماثل، يعكف الاتحاد الأوروبي على وضع قوة رد سريع مستقلة قوامها ٥٠٠٠ رجل على المسار الصحيح، والتي نظمت بالفعل، في عام ٢٠٢٣، مناورة في قادس بإسبانيا. ومن المقرر إجراء تدريب جديد في ألمانيا في عام ٢٠٢٥.
وقال مصدر أوروبى طلب عدم ذكر اسمه: "هذه القوة لا علاقة لها بما يفعله حلف شمال الأطلسي. ويمكن أن تمنح للاتحاد الاستقلال الذاتي خارج القارة الأوروبية. ونرد على الحلف قائلين: هذه كلها وسائل عسكرية بعيدًا عن حلف شمال الأطلسي". وينتقد هذا المصدر هذه "المنافسة" مع وجود صعوبة في إقناع بعض الدول الأوروبية والتحالف العسكري بإرسال عدد كاف من الضباط للعمل بشكل جيد مع القوات التى يعدها الاتحاد.
وفي ١٢ نوفمبر، أثناء جلسة تأكيد تعيينها أمام أعضاء البرلمان الأوروبي، بدا أن كاجا كالاس تدعم هذا التوزيع الصارم للأدوار. وأكدت بالتالي أن "الناتو تحالف عسكري، والاتحاد الأوروبي تحالف اقتصادي"، وأنه من الضروري تجنب وجود سلسلتين قياديتين عسكريتين متنافستين.
وجعل تعليقها جوزيب بوريل يتصبب عرقًا، والذي سيترك منصبه كرئيس للدبلوماسية في نهاية نوفمبر. ويدرك بوريل الدور الذي يلعبه حلف الأطلسي في الدفاع الجماعي، لكنه أشار في ١٩ نوفمبر إلى أن "أوروبا لا يمكنها أن تكون مجرد منتج للذخائر والأسلحة لحلف شمال الأطلسي". وأضاف "نحن اتحاد سياسي، ويجب أن يضمن درجة معينة من الاستقلال الذاتي. إنها مسؤولية استراتيجية. كأوروبيين، يتعين علينا أن نبني الركيزة الأوروبية لحلف شمال الأطلسي"، وفسر كثيرون تصريحات بوريل بأنها طريقة للحفاظ على الفضاء في مواجهة عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، خاصةً أن الأوروبيين لا يزالون لا يعرفون نوايا الملياردير على وجه التحديد.
في عموم الأمر، يتمتع الاتحاد الأوروبي بأصول يحسدها حلف شمال الأطلسي: ميزانيته الضخمة وسلطته التشريعية. بفضل وسائله وأدواته، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يدعم بشكل ملموس تطوير الصناعة الدفاعية في القارة، بما فى ذلك الاستثمار في البنية التحتية العسكرية المشتركة أو تجميع شراء الأسلحة المنتجة على الأراضي الأوروبية، فيما يرغب الناتو في أن يكون له تأثير أكبر على المشتريات، حسبما يذكر مسئول في المنظمة، ويوضح: "يمكننا تجميع الطلب من أجل خفض أسعار الأسلحة لتعزيز صناعة الدفاع، في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية". وهنا تكمن المشكلة بالنسبة للاتحاد الأوروبي. فقد حددت بروكسل لنفسها هدف تطوير صناعتها الخاصة بحيث تعتمد بشكل أقل على حليفتها الأمريكية، التي تصادر بالفعل جزءًا كبيرًا من مشتريات الأسلحة من دول القارة القديمة.
نظرة للأمامورغم كل ذلك، فمع مارك روته، وكاجا كالاس، وأورسولا فون دير لاين، لم يعد الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يرغبان في النظر إلى الوراء بل يرغبان في إبراز صورة الوحدة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي من أجل تعزيز الأمن الجماعي. يجب أن تعطي فرق العمل تحت مسؤولية زعماء الكيانين زخمًا جديدًا لعدد من الموضوعات، مثل التنقل العسكري، من أجل تكييف الطرق والجسور مع المعدات، وتعزيز الحرب ضد الإنترنت، والتهديدات والأعمال التخريبية، خاصة في بحر الشمال أو بحر البلطيق، وتشجيع الابتكار. وإذا كانت حالة الوئام الجديدة ستقاوم دونالد ترامب وتوجهاته، فلننتظر الجواب في عام ٢٠٢٥.