على الرغم من أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، يتسم بالبراغماتية وعدم الاتساق في سياساته الخارجية، فإنه يبدو صارماً في السباق الانتخابي لعام 2024 في مواجهة تيار الهيمنة داخل حزبه الجمهوري، والذي يدعو إلى الحفاظ على القيادة الأمريكية للنظام العالمي. لقد أصبح التركيز على جعل الولايات المتحدة أمة عظيمة مرة أخرى مُحفزاً على العودة إلى تيار العزلة في السياسة الخارجية الأمريكية؛ وهو ما يسمح ربما بمزيد من تعدد مراكز القوى في النظام الدولي.

وعموماً شهدت السنوات الأخيرة تحولاً في مشهد القوى العالمية نحو عالم أكثر تعددية في الأقطاب. ويحمل هذا الاتجاه آثاراً كبيرة على إفريقيا؛ القارة التي كثيراً ما تم تهميشها في النظام الدولي. ولإطلاق العنان لإمكانات إفريقيا؛ من الأهمية بمكان أن نفهم كيف يمكن لهذه التغيرات العالمية أن تؤثر في القارة السمراء وأن تناور بشكل استراتيجي في هذا المشهد المتحول؟ لقد كانت إفريقيا، تاريخياً، فاعلاً رئيسياً على الساحة العالمية، على الرغم من التحديات العديدة التي تواجهها. ويعتمد مستقبل القارة على التخطيط المدروس، واتخاذ القرار، والعمل من جانب الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية.

وفي هذا السياق، تُعد النمذجة الاستشرافية وتخطيط السيناريوهات كتلك التي يقوم بها “معهد الدراسات الأمنية” في جنوب إفريقيا من الأدوات الأساسية التي يمكن أن تساعد إفريقيا على تحديد الفرص والتهديدات المُحتملة والاستجابة لها. إن نمذجة الاستشراف المستقبلي هي عملية تخطيط استراتيجي تُستخدم لتوقع المستقبل وتشكيله من خلال تحليل الاتجاهات والتطورات المُحتملة، وتتضمن أساليب منهجية متعددة التخصصات لتحديد وتقييم السيناريوهات المستقبلية المُحتملة وآثارها؛ ويكمن هدفها الأسمى في توجيه عملية صنع القرار وصياغة السياسات والتخطيط الاستراتيجي من خلال بحث وجهات النظر طويلة المدى والتحديات والفرص المُحتملة. فهناك تقليد غني في بناء السيناريوهات والاستشراف في إفريقيا، ومن الضروري تسليط الضوء على هذا التقليد والاستفادة منه، ومن خلال هذا التقليد؛ يمكن تحليل تداعيات احتمال إعادة انتخاب ترامب على النظام الدولي ومستقبل إفريقيا في ظل التعددية القطبية.

العزلة الأمريكية وصعود أوروبا:

إذا أُعيد انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، فمن المُرجح أن يشهد مستقبل النظام العالمي تحولات كبيرة؛ مما يخلق مشهداً جيوسياسياً معقداً ومتقلباً. ومن الممكن أن تشهد ولاية ترامب الثانية موقفاً متردداً من حلف شمال الأطلسي “الناتو”؛ مما يؤدي إلى فراغ في السلطة في أوروبا. ومن المُرجح أن يجبر هذا السيناريو الدول الأوروبية على تعزيز آليات الدفاع الخاصة بها، وتعزيز المزيد من الوحدة وتحويل الاتحاد الأوروبي إلى كيان جيوسياسي أكثر قوة؛ ونتيجة لذلك؛ يمكن أن تشهد أوروبا عودة نفوذها، وتضع نفسها كثقل موازن لتراجع القيادة العالمية للولايات المتحدة. وفي آسيا، قد تؤدي سياسات ترامب إلى تسريع وتيرة الانتشار النووي. ومن الممكن أن يدفع النهج الذي تتبناه إدارته في التعامل مع الالتزامات الأمنية والتجارة دولاً مثل: اليابان وكوريا الجنوبية، بل وحتى تايوان، إلى تطوير ترساناتها النووية كوسيلة ردع ضد التهديدات الإقليمية، وخاصةً من الصين وكوريا الشمالية؛ ومن شأن هذا التسلح النووي أن يزيد من التوترات ومن خطر نشوب صراعات في المنطقة؛ مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

اقتصادياً، من المُرجح أن تؤدي سياسات ترامب الحمائية، بما في ذلك الرسوم الجمركية المرتفعة وضوابط الهجرة الصارمة، إلى انخفاض كبير في قيمة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية في العالم. وقد يفيد هذا الانخفاض، الاتحاد الأوروبي والصين، اللذين قد يتعاونان لتقديم عملة احتياطية بديلة؛ مما يزيد من تقليص الهيمنة الاقتصادية الأمريكية؛ ومن شأن الانعزالية الاقتصادية الناجمة عن ذلك أن تدفع الولايات المتحدة نحو موقف أكثر انعزالية، مع التركيز على القضايا الأمنية والاقتصادية في نصف الكرة الغربي؛ وهو ما قد يؤدي إلى زيادة التدخلات العسكرية في أمريكا اللاتينية في ظل عقيدة تذكرنا بمبدأ “مونرو”. وفي العموم، قد تبشر ولاية ترامب الثانية بعالم أكثر تعددية الأقطاب، يتسم بعودة أوروبا إلى الظهور، وآسيا النووية، وتراجع الولايات المتحدة؛ وهو ما من شأنه أن يغير بشكل جذري ديناميكيات القوة العالمية والعلاقات الدولية.

تأثيرات عالمية في إفريقيا:

تشير الاتجاهات العالمية إلى التحول نحو عالم متعدد الأقطاب؛ إذ تؤثر الدول القوية المتعددة في الشؤون الدولية، وتحمل هذه التعددية القطبية فرصاً وتحديات لإفريقيا. ولفهم هذه الديناميكيات بشكل أفضل، يمكن استكشاف أربعة سيناريوهات عالمية مُحتملة: عالم مستدام، وعالم منقسم، وعالم في حالة حرب، وعالم ينمو، على النحو التالي:

1- عالم مستدام: في هذا السيناريو، ينجح المجتمع العالمي في تنفيذ السياسات الرامية إلى التخفيف من تغير المناخ وتعزيز التنمية المستدامة. وبوسع إفريقيا، بمواردها الطبيعية الهائلة وغالبية سكانها الشباب، أن تقوم بدور مهم في هذا التحول. ومن الممكن كذلك أن يؤدي تحسين الحكم، والتنفيذ الكامل لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، والاستثمارات في الطاقة المتجددة إلى معدلات نمو سنوية تبلغ 7.7% حتى عام 2043. فعلى سبيل المثال، أظهر التزام إثيوبيا بالطاقة المتجددة بالفعل نتائج واعدة، مع تحقيق قدر كبير من النجاح في استثمارات الطاقة الكهرومائية؛ مما يجعلها واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة. ومن شأن هذا النمو في القارة أن يقلل بشكل كبير من الفقر ويحسن مستويات المعيشة لسكانها.

2- عالم منقسم: هنا تتصاعد التوترات العالمية؛ مما يؤدي إلى التشرذم وزيادة الحمائية. وبالنسبة لإفريقيا؛ قد يعني هذا السيناريو تباطؤ معدلات النمو بنحو 4.5%، وهو ما لن يُترجم بشكل كبير إلى ارتفاع نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي أو الحد من الفقر بسرعة، ومن الممكن أن تصبح القارة السمراء ساحة صراع على النفوذ بين القوى العالمية المتنافسة؛ وهو ما قد يعوق آفاق التنمية فيها. ومن الأمثلة على ذلك، جمهورية إفريقيا الوسطى؛ إذ أدت التدخلات الأجنبية من قِبل روسيا وفرنسا إلى زيادة عدم الاستقرار وإعاقة جهود التنمية.

3- عالم في حالة حرب: ينطوي هذا السيناريو على صراع مسلح مفتوح، ومن المُحتمل أن يشمل مواجهات نووية. وسوف تواجه إفريقيا حالة من عدم الاستقرار الشديد، مع انخفاض معدلات النمو بها إلى نحو 3.3% سنوياً. ومن الممكن أن تشهد القارة حركات انفصالية متضاعفة وانتشار العنف على نطاق واسع؛ مما يؤدي إلى تفاقم الفقر وتقويض جهود التنمية. إن الصراعات الجارية في جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية تجسد كيف يمكن لعدم الاستقرار أن يخنق النمو الاقتصادي والتنمية.

4- عالم النمو: في هذا السيناريو، يتم إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي على الاستدامة؛ مما يؤدي إلى نمو مرتفع، ولكن أيضاً إلى ارتفاع عدم المساواة. وقد تشهد إفريقيا ظهور رابحين وخاسرين؛ إذ تستفيد بعض المناطق والقطاعات، بينما تتخلف مناطق وقطاعات أخرى عن الركب؛ ومن شأن عالم النمو أن يقدم فرصاً للتوسع الاقتصادي السريع، ولكن الافتقار إلى الاستدامة قد يؤدي إلى عواقب سلبية طويلة الأمد. فعلى سبيل المثال، شهد الاقتصاد القائم على النفط في نيجيريا نمواً كبيراً، ولكن الفوائد لم يتم توزيعها بالتساوي؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مستويات عدم المساواة والتدهور البيئي.

دور الجهات الخارجية:

في عالم متعدد الأقطاب، ترتفع أهمية إفريقيا وقيمتها الجيوستراتيجية. فالقوى الكبرى مثل: الولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوروبي، والجهات الفاعلة الصاعدة مثل: الهند والبرازيل وتركيا؛ أصبحت مهتمة على نحو متزايد بموارد إفريقيا، وأسواقها، ودعمها السياسي. ويتعين على الدول الإفريقية أن تدرس موقفها من هذه العلاقات بعناية؛ لتعظيم فوائدها وتقليل المخاطر المُحتملة. لقد اتسم ارتباط الصين بإفريقيا باستثمارات كبيرة في البنية التحتية، والتعدين، والتصنيع. وفي حين حفزت هذه الاستثمارات النمو الاقتصادي؛ فإنها أدت أيضاً إلى مخاوف بشأن الاعتماد على الديون وديناميكيات السلطة غير المتكافئة. فعلى سبيل المثال، قامت “مبادرة الحزام والطريق الصينية” بتمويل العديد من مشروعات البنية التحتية في جميع أنحاء إفريقيا، مثل السكك الحديدية في كينيا. ومع ذلك، فإن عبء الديون الثقيل المرتبط بهذه المشروعات أثار المخاوف بشأن الاستدامة المالية الطويلة الأجل للبلدان الإفريقية. ويتعين على إفريقيا أن تتفاوض على شروط أفضل وأن تضمن توافق الاستثمارات الصينية مع أهدافها التنموية الطويلة الأجل.

أما بالنسبة للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، فإنهم يؤكدون أهمية قضايا الحكم والديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي حين أن دعم هذه القوى أمر بالغ الأهمية للتنمية المؤسسية؛ ينبغي للدول الإفريقية الاستفادة من هذه العلاقات لتعزيز قدرتها على النمو المستدام ذاتياً بدلاً من الاعتماد بشكل مفرط على المساعدات. على سبيل المثال، أتاح قانون النمو والفرص في إفريقيا (أغوا) إمكانية وصول السلع الإفريقية إلى أسواق الولايات المتحدة؛ مما عزز النمو الاقتصادي والتنمية. ومع ذلك، يجب على الدول الإفريقية أيضاً التركيز على بناء الصناعات المحلية لضمان الاستدامة على المدى الطويل.

ومن جهة أخرى، تقدم دول مثل: الهند والبرازيل وأعضاء مجموعة “بريكس” شراكات بديلة يمكن أن تساعد على تنويع الارتباطات الاقتصادية والسياسية لإفريقيا. ومن الممكن أن توفر هذه العلاقات فرصاً جديدة للتجارة والاستثمار ونقل التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، أسهمت استثمارات الهند في قطاع الرعاية الصحية في إفريقيا، مثل إنشاء مصانع الأدوية، في تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية وخلق فرص العمل.

فاعلية المؤسسات الإقليمية:

من أجل الوقوف على أرض صلبة في عالم متعدد الأقطاب، يتعين على الدول الإفريقية أن تعمل على تعزيز مؤسساتها الإقليمية والقارية. وهنا يتعين على الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، القيام بأدوار مؤثرة في تعزيز التكامل الاقتصادي والسلام والأمن. وغالباً ما تواجه هذه المؤسسات تحديات تتعلق بالإرادة السياسية والقدرة والتمويل. وتحدد أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، إطاراً استراتيجياً لتنمية القارة. ويتعين على الدول الإفريقية أن تلتزم بهذه الأجندة، وأن تضمن حصول الاتحاد الإفريقي على الموارد والسلطة اللازمة لتنفيذ سياساته بفعالية. ويشمل ذلك معالجة قضايا الحكم وحقوق الإنسان وحل النزاعات. إن تدخل الاتحاد الإفريقي في حل الصراع السوداني يشكل شهادة على دوره المُحتمل في الحفاظ على السلام والاستقرار في جميع أنحاء القارة.

وفي المقابل، تُعد المجموعات الاقتصادية الإقليمية، مثل: الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ومجموعة شرق إفريقيا، ذات أهمية بالغة بالنسبة للتكامل والتعاون الإقليميين، ومن الممكن أن يؤدي تعزيز هذه التجمعات إلى تعزيز قوة التفاوض الجماعي التي تتمتع بها إفريقيا على الساحة العالمية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والنمو داخل الأقاليم الإفريقية. إن الوساطة الناجحة التي قامت بها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في الأزمة السياسية في غامبيا عام 2017 تسلط الضوء على أهمية التعاون الإقليمي في معالجة التحديات السياسية والأمنية.

الحكم الرشيد والعمل الجماعي:

إن نجاح إفريقيا في عالم متعدد الأقطاب يتوقف على القيادة الفعالة والعمل الجماعي. ويتعين على الزعماء الأفارقة أن يتبنوا رؤية استراتيجية طويلة الأمد لبلدانهم وللقارة ككل. ويشمل ذلك تعزيز الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة. إن القيادة القوية ذات الرؤية الحكيمة تشكل ضرورة أساسية لدفع عجلة التنمية وضمان حماية مصالح إفريقيا في المفاوضات العالمية. ويجب على القادة إعطاء الأولوية لرفاهية مواطنيهم على المكاسب الشخصية أو السياسية، والعمل على تحقيق النمو المستدام والشامل. على سبيل المثال، كان لرئيس رواندا، بول كاغامي، الفضل في تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية من خلال قيادته ورؤيته الاستراتيجية. كما يتعين على الدول الإفريقية أن تتحد لمواجهة التحديات المشتركة وتحقيق الأهداف المشتركة، ويشمل ذلك تعزيز التجارة البينية الإفريقية، والاستثمار في التعليم والرعاية الصحية، ومعالجة تغير المناخ.

ومن خلال التحدث بصوت واحد؛ تستطيع إفريقيا تعظيم نفوذها في المحافل والمفاوضات الدولية. ويُعد نجاح منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية في تعزيز التجارة البينية الإفريقية مثالاً على فوائد العمل الجماعي.

ختاماً، إن مستقبل إفريقيا في عالم متعدد الأقطاب محفوف بالتحديات، ولكنه غني أيضاً بالفرص. ويتعين على القارة أن تواجه هذا المشهد المُعقد ببصيرة استراتيجية، وأن تستفيد من نقاط قوتها ومواردها الفريدة. فمن خلال تعزيز المؤسسات الإقليمية والقارية القوية، والشراكات التعاونية مع القوى العالمية، وإعطاء الأولوية للحكم الرشيد والعمل الجماعي؛ تستطيع إفريقيا أن ترسم الطريق نحو التنمية المستدامة والشاملة. ويتمثل السبيل إلى إطلاق العنان لإمكانات إفريقيا في قدرتها على التكيف مع التغيرات العالمية، مع الحفاظ على وفائها برؤيتها الطويلة الأجل لتحقيق الرخاء والنمو. وتُظهِر الأمثلة من دول مثل: إثيوبيا، ونيجيريا، وكينيا، ورواندا؛ أن إفريقيا قادرة بالفعل على الازدهار في عالم متعدد الأقطاب بالاستعانة بالفكر الاستراتيجي والقيادة الواعية.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”

 


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

برنامج اقتصادي جديد في تركيا.. ما التحولات المنتظرة؟

إسطنبول- في خطوة تهدف إلى مواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة، أعلنت الحكومة التركية عن برنامجها الاقتصادي الجديد للفترة 2025-2027، ويتضمن تعديلات جذرية في توقعات التضخم والنمو.

وتعكس هذه التعديلات مساعي الحكومة لإعادة توجيه مسار الاقتصاد في ظل ظروف محلية ودولية متغيرة، مع التركيز على تعزيز الاستقرار المالي ومواكبة التحولات العالمية ضمن التوجه المحافظ على نهج تشديد السياسة النقدية.

استقرار مالي وإصلاحات هيكلية

وأعلن جودت يلماز نائب الرئيس التركي أن البرنامج الاقتصادي الجديد يهدف إلى تحقيق تراجع تدريجي في معدلات التضخم، وصولا إلى مستويات أحادية الرقم، مع تعزيز فرص النمو الاقتصادي.

وأشار إلى أن البرنامج يركز على تعزيز الاستثمار القائم على الإنتاجية، وزيادة التوظيف والإنتاج، في إطار رؤية شاملة تهدف إلى تحسين الأداء الاقتصادي.

الهدف الأساسي من البرنامج هو تحقيق توزيع عادل للدخل مع رفع مستوى الرفاهية بشكل متوازن (شترستوك)

وأوضح يلماز أن الهدف الأساسي من البرنامج هو تحقيق توزيع عادل للدخل بين جميع فئات المجتمع، مع رفع مستوى الرفاهية بشكل متوازن.

وقال إن التنسيق المتكامل بين السياسات النقدية والمالية وسياسات الدخل سيكون حجر الزاوية في هذا البرنامج.

من جانبه، أكد وزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك، أن الأولوية القصوى في الأمد القصير هي مكافحة التضخم وتحقيق استقرار الأسعار، وقال إن خفض التضخم إلى مستويات أحادية سيعزز النمو المستدام ويرفع مستوى الرفاهية.

وفي السياق، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس، عن دعمه برنامج بلاده الاقتصادي متوسط المدى وثقته به.

وقال أردوغان "بالتوازي مع مكافحتنا للتضخم بشكل حاسم، فإننا نثق وندعم برنامجنا الاقتصادي متوسط المدى الذي يعطي الأولوية للاستثمار والإنتاج والتوظيف والصادرات".

زيادة التضخم وتباطؤ النمو

ويضع البرنامج الجديد هدفا لمعدل التضخم عند 41.5% بحلول نهاية عام 2025، مقارنة بـ33% في البرنامج السابق، مع توقع أن يصل التضخم إلى 17.5% في نهاية العام المقبل و9.7% في السنة التي بعدها.

وكشف البرنامج عن تخفيض توقعات النمو لعام 2025 من 4.5% إلى 4%، في حين ستتراجع توقعات النمو للعام الحالي من 4% إلى 3.5%، ولعام 2026 من 5% إلى 4.5%، فيما حُدد هدف النمو لعام 2027 بـ5%.

كما تحدد الدخل القومي في نهاية العام الحالي بتريليون و331 مليار دولار، ونصيب الفرد بـ15 ألفا و550 دولارا، بالزيادة من 12 ألفا و875 دولارا في البرنامج السابق.

وقال يلماز إنه من المستهدف أن يصل عجز الموازنة إلى 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام الحالي، وكان التقدير السابق عند 6.4%، وحُددت نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي بـ3.1% لعام المقبل.

ويتوقع البرنامج الجديد أن ينخفض معدل البطالة إلى 9.3% عام 2024، وهو تراجع ملحوظ مقارنة بالتقديرات السابقة التي بلغت 10.3%، وأوضح يلماز أن هذا الانخفاض يعكس استمرار تعافي الاقتصاد وانتعاشا جزئيا في سوق العمل.

أما في عام 2025، فمن المتوقع أن ترتفع البطالة بشكل طفيف إلى 9.6% كجزء من عملية إعادة التوازن الاقتصادي، على أن تنخفض تدريجيا لتصل إلى 9.2% في عام 2026 و8.8% في 2027.

التحولات في الصادرات والواردات

ويقدر البرنامج أن تصل الصادرات بحلول نهاية العام الحالي إلى 264 مليار دولار، بانخفاض طفيف عن التوقعات السابقة التي كانت عند 267 مليار دولار. في المقابل، شهدت تقديرات الواردات انخفاضا ملحوظا من 372.8 مليار دولار في البرنامج السابق إلى 345 مليار دولار.

أردوغان أعرب عن دعمه برنامج بلاده الاقتصادي متوسط المدى وثقته به (الأناضول)

وتوقع نائب الرئيس التركي أن تشهد الصادرات ارتفاعا تدريجيا لتصل إلى 319.6 مليار دولار بحلول عام 2027، في حين ستزيد الواردات إلى 417.5 مليار دولار، مما يعني تقلص العجز التجاري الخارجي بمرور الوقت، مع تعزيز إستراتيجية النمو القائم على التصدير.

وفيما يخص أسعار الصرف، أشار البرنامج إلى أن متوسط سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية سيكون بحدود 33.2 ليرة للدولار في عام 2024، ويستمر بالارتفاع ليصل إلى 42 ليرة في 2025، ثم 44.4 ليرة في 2026، و46.9 ليرة بحلول عام 2027.

إعادة التوازن عبر سياسات التقشفية

وأكد الباحث في الشأن الاقتصادي، محمد أبو عليان، أن البرنامج الاقتصادي الجديد للحكومة التركية للفترة 2025-2027 يأتي استكمالا للبرنامج السابق (2024-2026)، مشيرا إلى أن الحكومة رأت ضرورة إعادة تقييم التوقعات السابقة بسبب استحالة تحقيق الأهداف والتوقعات التي تم وضعها في البرنامج السابق.

وأوضح أبو عليان في حديث للجزيرة نت أن الحكومة تسعى الآن للتركيز على سياسة الانضباط المالي جنبا إلى جنب مع السياسة النقدية المتشددة، بهدف تحقيق توازن بينهما لضمان الوصول إلى توقعات البرنامج الجديد، وهي سياسة لم تكن مستهدفة في البرنامج السابق ولا سيما بعد إعلان الحكومة عن خفض الإنفاق العام للفترة 2024-2027.

وأضاف أن إعادة تقييم هذه التوقعات تأتي بعد اتساع الفجوة بين الأرقام المحققة فعليا وبين الأهداف التي تم وضعها، وهنا تسعى الحكومة إلى إعادة تجسير الفجوة بين التوقعات والأرقام المحققة فعلا في محاولة لزيادة الشفافية واستعادة الثقة بالتوقعات المستقبلية للمؤشرات الاقتصادية الكلية لما لذلك من أهمية إيجابية على الاقتصاد ككل.

وفيما يتعلق بسعر صرف الليرة التركية، أضاف أبو عليان أن التدهور المستمر في سعر الليرة يظل تحديا، لكن الحكومة تسعى لإدارته وعدم تركه لقوى العرض والطلب بشكل مطلق، وذلك بهدف الوصول إلى الأهداف المحددة في البرنامج الجديد وإبقاء سعر الصرف ضمن المستويات المتوقعة.

وأكد أن معالجة التضخم تتطلب الاستمرار في التشديد النقدي والتقشف المالي، فضلا عن التدخل في الأسواق ومراقبتها بشكل أكبر، وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة. ومع ذلك، فإن البرنامج يتوقع انخفاضا في معدل البطالة، وهو هدف طموح قد يصعب تحقيقه في المدى القصير.

واختتم أبو عليان تصريحاته بالتأكيد على أن البرنامج، رغم احتوائه على أهداف طموحة وتعارضات بين الأهداف الكمية، فإنه يمكن أن يسهم في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا على المدى المتوسط والطويل، مشيرا إلى أن تحقيق الأهداف قد يكون ممكنا إذا استمرت السياسات النقدية والتقشفية بالوتيرة نفسها.

مقالات مشابهة

  • انخفاض اسعار النفط وهدهد سليمان القادم من الصين
  • انجاز حفر اول بئر نفطي متعدد المقاطع في بغداد
  • تقنية صينية متقدمة في واجهة الدماغ والحاسوب تتحدى نيورالينك لإيلون ماسك
  • الصحة العالمية والمراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض تدشنان خطة استجابة لتفشي “جدري القردة”
  • خبراء: جائزة خليفة العالمية للتعليم المبكر رؤية استشرافية للنهوض بالطفولة
  • الصحة العالمية والمراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض تدشنان خطة استجابة لتفشي "جدري القردة"
  • برنامج اقتصادي جديد في تركيا.. ما التحولات المنتظرة؟
  • صحيفة أمريكية تتوقع أكبر أزمة أمنية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية في حال فوز ترامب
  • القرقاوي: "قمة الحكومات" المنصة العالمية الوحيدة لمناقشة مستقبل الإنسان
  • خبراء : جائزة خليفة العالمية للتعليم المبكر رؤية استشرافية للنهوض بالطفولة