أبعاد تطورات الموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
بعد تردد دام زهاء ثلاثة سنوات عرفت برودة في العلاقات بين الرباط وباريس، اختار الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون الانتقال بالموقف الفرنسي من قضية الصحراء إلى مستوى يرضي المغرب ويساير الدينامية الدولية التي تعرفها قضية الصحراء، منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية في 2020 رسميا الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء.
ويمكن القول أنه تطور كبير في الموقف الفرنسي تجاه قضية الصحراء المغربية عكسته رسالة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 25 لاعتلائه العرش ليشكل هذا الموقف هدية كبرى للمغاربة في هذه المناسبة.
لا شك أن فرنسا كانت من أهم الدول في مجلس الأمن التي تدعم المغرب بشأن القرارات التي تهم قضية الصحراء في مجلس الأمن، وكانت تترافع في مستويات دولية متعددة لصالح المغرب، لكنها كانت تعتبر فقط أن مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب يتسم ب »الجدية والمصداقية »، ولا تدفع في اتجاه حل نهائي للملف، لكن اليوم انتقل الموقف إلى مستوى آخر أكثر تقدما. كيف ذلك؟
في رسالة ماكرون إلى الملك هناك تأكيد على جانبين: الأول هو أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب « يشكل، من الآن فصاعداً، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي عادل، مستدام ومتفاوض بشأنه طبقاً لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة »، أي أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الوحيد الذي يجب من خلاله حل هذه القضية في إطار السيادة المغربية.
وتتجلى قوة الموقف الفرنسي بوضوح في اعتبار ماكرون أن « حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية ». وأن فرنسا تعتزم عمليا التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي.
أما الجانب الثاني الذي لا يقل أهمية، ويرتبط بالجانب الاول وهو اعتبار ماكرون أن فرنسا تدرك أن قضية الصحراء مسألة أمن قومي بالنسبة للمغرب، أي أنها مسألة حاسمة ومصيرية بالنسبة للمغرب.
الكثير من المراقبين يرون بأن ماكرون عمل على تدارك التأخر في اتخاذ موقف داعم لحليف تاريخي لفرنسا في ملف حساس. ربما كان سبب التأخر هو « غضب » اوساط فرنسية من سعي المغرب إلى تنويع تحالفته منذ توقيعه الاتفاق الثلاثي مع أمريكا وإسرائيل كان من أبرز محاوره دعم سيادة المغرب على الصحراء، وبالتالي كان هناك شعور ب »الخيبة » لسعي المغرب لتجاوز المحور التقليدي الفرنسي، وهناك من رأى بأن فرنسا وجدت نفسها بعد توقيع الاتفاق الثلاثي في دار غفلون، بحيث لم تعلم به إلا في الأيام الأخيرة لتوقيعه.
وبعد الأزمة التي وقعت بين البلدين خلال السنوات الأخيرة والتي كان من مظاهرها التضييق على المغاربة الراغبين في الحصول على تأشيرة الدخول للتراب الفرنسي، وتأجيل زيارة ماكرون للمغرب، وتأخير عدد من مشاريع التعاون بين البلدين، أدركت فرنسا أن عليها مواكبة التطورات الجارية، ومسايرة الدينامية الدولية.
لقد كان الخطاب الملكي في 20غشت 2022، واضحا بشأن ارتباط السياسة الخارجية للمغرب بقضية الصحراء حين قال الملك محمد السادس إن « ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم »، وأنه « المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات ». ومنذ ذلك الحين تبنى المغرب سياسة تتسم ب »الصرامة » مع الدول الأوربية التي تربطها مصالح مع المغرب وفي نفس لا تعترف بوضوح بسيادة المغرب على الصحراء. ودعا ناصر بوريطة وزير الخارجية أكثر من مرة الدول الاوربية إلى الخروج من منطقة الراحة والانخراط في دينامية الموقف الأمريكي من قضية الصحراء. وفعلا نجح المغرب، في كسب مواقف عدة دول أوربية، مثل ألمانيا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا إضافة إلى دول أخرى مثل المجر وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا، التي أعلنت دعم مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
ورغم أن هذه المواقف لم تصل إلى مستوى الموقف الأمريكي الذي اعلن صراحة الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، إلا أنها تتجه لتصل إليه، خاصة مع الاعتراف بأن مخطط الحكم الذاتي هو الحل الممكن لحل النزاع.
ورغم هذه الدينامية بقيت باريس تنتظر متأخرة عن الركب بل راهن ماكرون على التقارب مع الجزائر على حساب المغرب، قبل أن ينتبه إلى أن هذا الموقف سيزيد من ابتعاد فرنسا عن المغرب وتضيع مصالح فرنسا مع بلدي حليف تاريخيا.
ويمكن القول أن الموقف الفرنسي اليوم هو الأقرب إلى الموقف الأميركي، والأكثر تقدما ضمن مواقف الدول الأوربية الأخرى، ما يعني أن فرنسا ستتحرك لدفع دول أوربية أخرى حليفة لتعزيز موقف المغرب في صحرائه، ولهذا كانت الرسالة الملكية إلى ماكرون مفعمة بالترحيب والشكر، والدعوة إلى زيارة المغرب لفتح أفاق واعدة في علاقات البلدين..
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: المغرب على الصحراء السیادة المغربیة الموقف الفرنسی قضیة الصحراء الحکم الذاتی أن فرنسا
إقرأ أيضاً:
ما هي العقبات التي تمنع تنظيم الإسلام في فرنسا مُنذ ربع قرن؟
تُحاول الدولة الفرنسية منذ ربع قرن دون جدوى إعادة تشكيل تمثيل الإسلام بشكل صحيح في البلاد، لكنّ النكسات وخيبات الأمل كانت دائماً من نصيبها، فما إن تعتقد السلطات أنّها حققت هدفها حتى تبدأ جهودها بالتراجع.
في بداية عام 2000، أطلق جان بيير شيفينمان، وزير الداخلية آنذاك، أولى الحوارات الرسمية التي أدّت في عام 2003 إلى ولادة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، تحت رعاية الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
Influences étrangères, attentats, argent du halal... Les six failles qui empêchent l’organisation de l’islam en France
L’État français tente en vain, depuis un quart de siècle, de façonner sa représentation dans le pays.https://t.co/d9WAQ66YHE
ومع تزايد سيطرة تنظيم الإخوان الإرهابي على المجلس المذكور على مدى 20 عاماً، رفض الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الاعتراف به، فاستبدله في فبراير (شباط) عام 2022 بمنتدى الإسلام في فرنسا (Forif) تحت إشراف وزير الداخلية الأسبق جيرالد دارمانين، الذي كان مسؤولاً عن تنظيم عمل الأديان في فرنسا.
وعلى الرغم من أنّ من يُدير المُنتدى ممثلون دينيون أقل انخراطاً في السياسة وأكثر تكنوقراطية من المجلس الإخواني المُنحل، إلا أنّه لم ينتج بعد أيّ شيء ملموس عن الهيكل الديني الحديث خلال 3 سنوات من وجوده. ويرى عالم الاجتماع فرانك فريغوسي، الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، أنّ "الرجال والنساء الذين هم في صدد اختراع إسلام الغد، هم أكثر براغماتية بكثير مما يريد أتباع التطرّف الديني أو السلفيين أو الإخوان".
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي جان ماري غينوا، أنّه، ورغم الفشل المتكرر، هناك حلول موجودة، حتى لو لم يكن أيّ منها حلاً سحرياً. لكنّ هناك العديد من العقبات التي تحول دون تشكيل مُستقر لـِ "إسلام فرنسا"، سواء على الجانب الإسلامي الداخلي أو على الجانب الجمهوري العلماني، كما أنّ بعضها يتعلّق بالسياق الدولي.
La loi confortant le respect des principes de la République que le Gouvernement a fait voter est un texte important qui donne les moyens à l’Etat de se défendre face au séparatisme islamiste et à ceux qui veulent renverser les valeurs de la République. #ZoneInterdite pic.twitter.com/TWpEDlvy25
— Gérald DARMANIN (@GDarmanin) January 23, 2022 تنافس لا ينتهيمن الخارج، لا يبدو الانقسام واضحاً، لكنّه حقيقي جداً. إذ هناك 3 مُجتمعات مُتنافسة تُهيمن على المشهد الإسلامي الفرنسي "الجزائريون، والمغاربة، والأتراك". وبحسب مسؤول كبير في الجالية المسلمة، يعتقد الجزائريون أنّهم الممثلون التاريخيون للإسلام في فرنسا. والمُفارقة أنّ إنشاء مُنتدى "فوريف"، الذي كان له هدف مُعلن هو الحدّ من التأثيرات الأجنبية، لم يتمكن من منع السياسيين من استغلال هذه التنافسات التاريخية.
ومنذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عملت وزارة الداخلية، المسؤولة عن الأديان، على دفع الجاليات الإسلامية المختلفة الموجودة في فرنسا إلى تنظيم أنفسها، لكنّ التنافس الداخلي والخارجي أدّى إلى متاهة أضعفت الهياكل الإسلامية كافة.
وحاول المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي تتجاهله الدولة الآن بسبب تبعيته للإخوان، ويُمثّل نحو نصف مساجد فرنسا، إصلاح نفسه، لكنّ السلطات الرسمية ترفض الحوار معه.
"Les frères musulmans ont de grosses difficultés à s'implanter dans le monde musulman car souvent listés comme terroristes. En occident ils se développent sans entrave car considérés comme modérés, de gauche, surtout en Belgique et en France." [Florence Bergeaud-Blackler] pic.twitter.com/PKkfy7ujLK
— ⛓️???? #LiberezBoualemSansal ✍️ (@IslamismeFrance) February 3, 2025 جروح الهجمات القاتلةخلال 25 عاماً، تعرّض السياق المُجتمعي لتنظيم الإسلام في فرنسا لاضطرابات عميقة بسبب سلسلة من الهجمات، التي غالباً ما ارتُكبت باسم الإسلام، مما أدّى إلى تصلّب الرأي العام الفرنسي تجاه الدين. وقد وثّقت أجهزة الأمن الفرنسي وقوع حوالي 50 هجوماً إسلامياً قاتلاً، مما ولّد مآسٍ تركت بصمتها على البلاد.
ورغم أنّ كل هذه الأعمال الإرهابية كانت دائماً موضع إدانة واضحة من قبل الهياكل الممثلة للإسلام في فرنسا، إلا أنّها مع ذلك غيرت مناخ التسامح والتعايش تماماً.
كما شهدت الجمهورية الفرنسية تحوّلاً سياسياً وإدارياً بإقرارها في أغسطس (آب) 2021 قانون "تعزيز مبادئ الجمهورية"، المعروف بقانون مكافحة "الانفصالية" الإسلاموية، بهدف تعزيز العلمانية والحياد، وخاصة في الخدمات العامة.
ومن أهم ما تمّ إقراره هو مراقبة الجمعيات الدينية من خلال فرض توقيع "عقد التزام جمهوري"، وهو ما فرض قيوداً إدارية ودقيقة عليها، منها عدم قُدرتها على فتح حسابات مصرفية لمُحاربة التمويل الخارجي، مما أعاق عملها بشكل كبير.
Les enjeux du marché halal sont bien plus préoccupants que les seuls problèmes de compétition économique, le halal est l’instrument d’un djihâd économique.
À lire dans @LeFigaroTV ????https://t.co/VDI7dRtQYZ
استهدف كتاب عالمة الاجتماع الفرنسية البلجيكية فلورنس بيرغود بلاكلر، "الإخوان وشبكاتهم" في عام 2023 فكر التنظيم الإرهابي بشكل مُعمّق.
وهو عمل قدّمه عالم السياسة والمتخصص في الإسلام الراديكالي جيل كيبيل. وقد تجرّأت الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي على كسر أحد المحرمات بشأن حقيقة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا من خلال اتحاد المنظمات الإسلامية، الذي أعيدت تسميته إلى "مسلمي فرنسا"، حيث كان مُستهدفاً بشكل خاص في هذا السياق، وهو ما عرّض الباحثة لموجة من التهديدات بالقتل.
ولم يتنازل اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية السابق عن إمكانية ممارسة دوره بشكل كامل في المجتمعات الغربية، مع دعوته لتطبيق مبادئ الشريعة والقانون الإسلامي في الحياة اليومية العادية، وفقاً لعقيدة صارمة. لتظلّ بذلك المشكلة قائمة في تمثيل الإسلام بشكل صحيح، حيث من غير الممكن تطبيق تعاليم الدين بشكل خاطئ لا يقبل المساومة عبر فرض ممارسات دقيقة للإسلام في السياق الغربي دون أن يُؤدّي ذلك إلى الانفصالية عن المُجتمع الفرنسي.
Influences étrangères, attentats, argent du halal... Les six failles qui empêchent l’organisation de l’islam en France
L’État français tente en vain, depuis un quart de siècle, de façonner sa représentation dans le pays.https://t.co/d9WAQ66YHE
اقترح حكيم القروي، أحد أبرز الشخصيات الإسلامية المُعتدلة والإيجابية في فرنسا، مراراً وتكراراً أن تذهب عوائد الطعام الحلال بشكل مباشر لدعم جهود تنظيم الدين الإسلامي في فرنسا.
وذكر أنّ "الأموال المُتداولة لا تذهب إلى حيث ينبغي أن تذهب، أي في مشاريع تدريب الأئمة، وفي دفع رواتب ممثلي الدين، وفي بناء أماكن العبادة (بهدف منع التمويل الخارجي)".
ولكن في الواقع فإنّ الغالبية العظمى من تلك الأموال تذهب إلى مُستثمرين يتحكمون بها وفقاً لأجندات مشبوهة. وأظهر عُمق هذا الخلاف الإضافي مدى الانقسام العميق الذي يسود المُجتمع الإسلامي نفسه في فرنسا بسبب المال الحلال.