سودانايل:
2024-12-22@03:45:07 GMT

الجمهوريون هم من إخترعوا مصطلح “دولة 56”

تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT

محمود عثمان رزق

7 أبريل 2024

لقد تفاجأ السودانيون على جميع مستوياتهم بظهور مصطلح جديد في الساحة السودانية بعد إندلاع الحرب التي بدأها الدعم السريع في 15 أبريل 2023. إنتشر مصطلح "دولة 56 " إنتشار النار في الهشيم وخاصة وسط جنود الدعم السريع. فبعد كل كلمة أو ظهور إعلامي لهؤلاء الجنود أو المستشارين أو قادتهم تسمع السب والهجوم ولعن "دولة 56"!! فسألت نفسي وغيري ما المقصود بهذا المصطلح؟ ومن أين مدرسة فكرية جاء؟ ومن إخترعه؟ وكم عمره؟ ولماذا لم نسمع به طوال هذه السنين؟ وماذا فعلت دولة "56" حتى تهاجم كل هذا الهجوم؟ ومن ألقى بهذا الكرت لهؤلاء المتمردين ليجعلوا منه شعاراً ومشروعاً يبرر لهم شنائعهم؟ وللأسف لم أجد إجابة لأسئلتي هذه.



وبدأت أتابع المقابلات واللايفاتية والمقالات فلاحظت أن المصطلح المختلق بدأ يكبر ويُستخدم بكثافة شكلت منه مُسلَّمة وأساساً لمظلومية متوهمة أعانت هؤلاء على تبرير أفعالهم الإجرامية في حق الشعب السوداني وهم يخادعون أنفسهم وهم يعلمون. وبالصدفة وأنا أبحث عن محاضرات عن الهوية السودانية في اليوتيوب وقعت عيني على فديو تحت عنوان "محمود محمد طه ومشكل الهوية وقضايا التهميش" فقررت أن أستمع له من ضمن ما اسمع من أجل تنوع الأرأء لمعرفة الحقيقة أو تجميعها من كل رأي جزءاَ جزءا.

في هذا الفديو كان المتحدث هو د. عبد الله الفكي البشير وقد كان منوط به شرح رأي محمود محمد طه على ضؤ مشروعه الفكري الذي يدعو فيه الى "نقد التصورات وتفكيك الإفتراضات والمسلمات كما يسعى المشروع الى المساهمة في إعادة النظر في المفاهيم والمدلولات وإعادة توصيف العناوين واللافتات الفكرية والثقافية ". ود. الفكي هو من جاء بمصطلح "دولة 56" وهو من شن على الأباء المؤسسين للسودان الحديث حملة شعواء تلقفها الدعم السريع لتصبح له فكرة سياسية تشرعن له حربه ويجعلها جاذباً لدعاة التهميش من السياسيين وحواضنهم السياسية.

في هذا الفديو قال د. عبد الله الفكي بالنص ما يلي: " في الحقيقة الورقة السابقة للدكتور جمعة كندا كومي رائعة وقال دولة السودان منذ الإستقلال حتى ثورة ديسمبر نموذج للدولة المنتهكة للحقوق أو حقوق الأقليات... وفي واقع الأمر أيضاً أنا ورقتي هذه تنطلق من فرضية تقول بأنو في ظل المسار السارت عليهو الدولة السودانية، دولة ما بعد الإستعمار منذ الإستقلال 56 وهي سارت بفكر القادة والساسة المعلومين عندنا، هذه الدولة بسيرها هذا لو ما قامت ثورة ديسمبر لنتهت بأن يكون مصير الشعوب الأصيلة في السودان مصير أبوالرجينز في أستراليا والهنود في أمريكا وكندا. مصير الشعوب الأصيلة شعوب جبال النوبة، وشعوب جنوب السودان قبل الإنفصال، والنيل الأزرق والبجا وكثير من الشعوب الأصيلة كان مصيرهم حيكون مصير أبوالرجينز السودان. وكان ممكن يكونوا في معسكرات في أطراف المدن يحتسون الخمر ويعيشون حياة أبوالرجينز والهنود وهم شعوب أصيلة"

هكذا بدأ الرجل افتتاحيته بتحريض واضح وإفتراضية مريضة متوهمة خبيثة تصور الشعب السوداني الواحد وفقاً للمصطلحات السياسية المعاصرة شعوباً "كثيرة" لا حصر لها ولا عدد، منها الأصيل ومنها غير الأصيل الذي يجب أن يطرد من حدود الدولة الحديثة! وكاد هذا الفكي الذي يحمل الشهادات العليا أن يجعل من كل إثنية وقبيلة سودانية شعباً قائما بذاته، بل كل فخذ من تلك القبائل والإثنيات في نظر الفكي شعب قائم بذاته. والجدير بالذكر أن للجمهريين شغف شديد بكلمة "أصيل" حتى أصبحت الكلمة ومشتقاتها أصل أصيل من فكرهم وفكرتهم وافكارهم.

لقد قصد الرجل من كل ذلك التهويل والتخويف تهيئة مستمعيه نفسياً ليسمعوا منه قولاً عجباً هو "أن محمود محمد طه هو الذي فدى المهمشين بنفسه من أن يكون مصيرهم كمصير الهنود في أمريكا وأبوالرجنيز في أستراليا" وهو بهذا القول يضاهي قول النصارى في عيسى، وفي إعتقادهم أن المسيح عليه السلام صلب ومات في الصليب فداءاً لهم ولذنوبهم. والأكثر عجباً من ذلك قوله: إن الحزب الشيوعي ومنصور خالد ومعهم البطل ياسر عرمان كان لهم القدح المعلى في فداء المهمشين!.. إي والله هذا ما قاله الرجل والفديو أمامكم فاسمعوه.

ومن جهتنا نقول للفكي وحيرانه إن الدراسات السياسية الحديثة حددت مفهوم الأوطان والشعوب والحدود الجغرافية والسيادة وغيرها فيما يتعلق بتكوين وإدارة الدولة الحديثة. فالدولة الحديثة تتكون من شعب واحد، وأرض واحدة، وحكومة واحدة، وجيش واحد، وهذا ما حققته بالضبط دولة 56 التي يلعنها الفكي ومن تبعه من الجنجويد ظلماً وبهتناً. وهذا التعريف السياسي الحديث للدولة لا يتعارض مع وجود إثنيات وقبائل وأديان وألسن وألوان مختلفة في الدولة الواحدة، وبالتالي لا يعني وجود شعوب مختلفة في أرض واحدة في دولة حديثة بل يعني بوضوح وجود شعب واحد في أرض واحدة فقط.

نعم، قد تكون الدولة الحديثة مقصرة في التنمية المتوازية بقصد أو غير قصد، وقد تميل للحضر على حساب الريف بسبب البنية التحتية للحضر، وقد تظلم وتتجبر وتنتهك للحقوق عامة أو حقوق بعض الأقليات الإثنية أو الدينية، ولكن كل ذلك له سبل علاج كثيرة ومختلفة ليس منها تقسيم الشعب الواحد لشعوب مختلفة تتناحر فيما بينها مهددة للوحدة الوطنية والسياسية والإجتماعية. لقد طورت المجتمعات الإنسانية الحديثة آليات معاصرة لحل مشاكل الداخل وأيضاً حل مشاكل الخارج تجنباً للحروب الداخلية والخارجية التي تهلك الحرث والنسل.

وعلى كلٍ، إن دولة 56 هي التي توسعت في التعليم على جميع مستوياته حسب قدرتها، وهي التي رفعت للسودان علماً بين الأمم الحديثة، وهي التي جعلت السودان عضواً في جميع المنظمات الدولية والإقليمية الحديثة، وهي التي أنشأت المصانع حسب قدرتها، وعبّدت الطرق وأنشأت الكباري حسب قدرتها، وهي التي دعمت حركات التحرر الأفريقي والعربي بكل شجاعة، وهي التي وزعت الأقاليم وحددت عواصمها، وهي التي جاءت بالفدرالية والحكم المحلي وتواصلت مع كل الإثنيات، وهي التي أسست المحاكم الحديثة والمحكمة العليا والمحكمة الدستورية، وهي التي سنت قائمة طويلة من القوانين المتنوعة التي تحكم الدولة، وهي التي أخرجت البترول وصنّعت السلاح، وهي التي أشركت ممثلين من كل الأقاليم في جميع مستويات الحكم، وهي التي غنت وأنشدت لجميع ربوع السودان...وهي وهي وهي .....وباختصار حسنات 56 أكثر من سيئاتها بكثير جدا ولا مقارنة أصلاً، ومن كان منكم بدون خطيئة فليرمها بأول حجر، والمسألة حساب ما كوار وغلاط من جنس "عنزة ولو طارت".

إن دولة 56 الأولى واجهت واقعاً إجتماعياً متخلفاً جداً، وتمرداً عسكرياً قاتلاً فاجراً من أول يوم، ودولة شاسعة متباعدة الأطراف، وبنية اقتصادية محدودة المفاهيم والطاقات، ووسائل إتصال متخلفة جداً ومحدودة، وخبرة إدارية قليلة في شئون الحكم والإتصال بالعالم الخارجي، ومع ذلك كله رفعت دولة 56 صوت السودان عالياً وحفرت اسمه عميقاً في صفحات التاريخ. إن واجب الأوطان يدعونا لإكمال ما بدأته دولة 56 واستدراك ما فات عليها من تنمية ومشروعات وأفكار وقيم بدلاً من لعنها ولعن قادتها بسبب كلمات قالوها تحت تأثير الآيدلوجيا الثورية المضادة للإستعمار، أو بسبب الحاجة النفسية للإنتماء القومي أو الأممي ضد الإستعمار بسبب حالة الشتات التي عاشوها.

وفي ختام القول إن الهجوم على دولة 56 لن يصبح برنامجاً سياسياً للجنجويد، ولا لمن يقف وراءهم من أمثال د. عبد الله الفكي البشير وإخوانه الجمهوريين، وأصحابه الشيوعيين، وقادة قحت/تقدم من أمثال ياسر عرمان وغيره. على هؤلاء الجلوس على الأرض لتصميم برنامج سياسي وتنموي حقيقي يقنع الجميع بالوقوف وراءه بدلاً من نبش عيوب التاريخ والآخرين وسواقة الناس بالخلا، فتلك أمة خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، والعيال كبرت وفهمت يا جدعاااان.

morizig@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدولة الحدیثة وهی التی دولة 56

إقرأ أيضاً:

في الذكرى السادسة لثورة ديسمبر.. “تقدم”: الحرب الحالية امتداد لمحاولات النظام البائد الانتقام من الشعب السوداني

التنسيقية ناشدت المجتمعين الإقليمي والدولي لاتخاذ مواقف صارمة تجاه الحرب، بما يسهم في إيقافها وتحقيق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة. 

متابعات – تاق برس

أكدت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) أن الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 هي امتداد لمحاولات النظام البائد الانتقام من الشعب السوداني، محذرة من مخاطرها على وحدة البلاد ومستقبلها.

وأشارت “تقدم” في بيان بمناسبة الذكرى السادسة لثورة ديسمبر إلى أن ذكرى الثورة ليست مناسبة للاحتفاء فقط، بل فرصة للمراجعة والعمل من أجل تحقيق أهداف الثورة، وعلى رأسها وقف الحرب وتأسيس الدولة، إعادة بناء المؤسسات العسكرية والأمنية، وتشكيل سلطة مدنية دستورية تخضع لها كل المؤسسات.

وأكد البيان رفض التنسيقية للإجراءات التي تؤدي إلى تقسيم السودان، مثل الاعتقالات ذات الطابع العرقي، التعديل الجزئي للعملة، امتحانات الشهادة الجزئية، وقطع شبكات الاتصالات عن مناطق بعينها. واعتبرت هذه الممارسات تهديدًا لوحدة السودان، مؤكدة العزم على مقاومتها.

ودعا البيان أطراف النزاع إلى استلهام روح ثورة ديسمبر والاستجابة لتطلعات الشعب السوداني في السلام والعدالة، من خلال وقف الحرب والانخراط في مفاوضات جادة لتنفيذ اتفاقي جدة والمنامة.

كما جددت “تقدم” موقفها الداعم لحماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية، مشددة على أهمية توسيع إجراءات حظر السلاح وولاية المحكمة الجنائية الدولية لتشمل كل السودان.

وناشدت التنسيقية المجتمعين الإقليمي والدولي لاتخاذ مواقف صارمة تجاه الحرب، بما يسهم في إيقافها وتحقيق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة.

واندلعت ثورة ديسمبر في 2018 احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وأدت إلى الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل 2019.

ورغم التغيير السياسي، تواجه البلاد تحديات كبرى أبرزها النزاع المسلح الذي اندلع في أبريل 2023 بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، مما أودى بحياة الآلاف وشرد الملايين، وأدى إلى أزمات إنسانية واقتصادية حادة.

تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدمثورة ديسمبر 2018حرب السودان

مقالات مشابهة

  • مشروع تقسيم “سوريا”
  • الشمالية تحقق شعار “يد تحمل السلاح ويد تبني وتعمر”
  • السودان: “المالية” تشكل لجنة فنية لطوارئ الدفع الإلكتروني
  • محتجون يغلقون طريق “درديب” شرقي السودان وتكدس مئات الركاب والشاحنات
  • 40 دولة تشارك في “بطولة أكاديمية فاطمة بنت مبارك لقفز الحواجز”
  • فتح الانتفاضة: نبارك العملية النوعية والجريئة التي نفذها أبطال اليمن في قلب “يافا”
  • في الذكرى السادسة لثورة ديسمبر.. “تقدم”: الحرب الحالية امتداد لمحاولات النظام البائد الانتقام من الشعب السوداني
  • السودان: أحكام بالسجن المؤبد والإعدام في قضايا تعاون مع “الدعم السريع” 
  • “بلومبيرغ”: مفاوضات إيرانية روسية لبناء قاعدة عسكرية في السودان
  • امتحانات الشهادة السودانية.. الطريق إلى تقسيم السودان عبر “سلاح التعليم”