كييف وغزة تشطران قلب طبيب فلسطيني يعيش بين حربين
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
في أوكرانيا التي مزقتها الحرب، يعيش الطبيب الفلسطيني الشهير بإسم "عليا شابانوفيتش غالي"، والذي ينتظر صف طويل من المرضى أمام عيادته.
ورغم أن الطبيب واسمه بالعربية "علاء شعبان أبو غالي" يعيش في أوكرانيا بعد مغادرته الأراضي الفلسطينية عقبل عشرات السنين، فإن عائلته تبعد عنه آلاف الكيلومترات بقطاع غزة المحاصر.
ونادرا ما وجد أبو غالي سببا للاندماج على مدار الثلاثين عاما التي عاشها في أوكرانيا، حيث انتقل إلى هناك وسط حالة من عدم الاستقرار بغزة، واستقر في منزله الجديد بالعاصمة كييف، واتخذ اسما مختلفا يتناسب مع اللغة المحلية بشكل أفضل، وتزوج بامرأة أوكرانية.
ويتواصل أبو غالي هاتفيا مع والدته وإخوته في مدينة رفح جنوبي غزة، لكنه يعيش حياة شبيهة بحياة أقاربه "إلى حد ما".
ففي فبراير عام 2022، تسبب غزو روسيا لأوكرانيا في تحويل حياة أبو غالي إلى جحيم، مع شن غارات جوية وهجمات صاروخية حول عيادته.
وبعد قرابة 20 شهرا، حولت الحرب بين إسرائيل وحماس مسقط رأس أبو غالي إلى "جحيم"، ما أدى لتشتيت عائلته.
وهزت الحربان العنيفتان توازنات القوة الإقليمية والعالمية، لكنهما اندلعتا في عالمين منفصلين.
وانتقدت أوكرانيا حلفاءها عندما هرعوا لمساندة ودعم إسرائيل، بينما تعاني قواتها - التي تحتاج للدعم - في الخطوط الأمامية. في المقابل، استنكر الفلسطينيون المعايير المزدوجة في الدعم الدولي.
وأسفر القصف الإسرائيلي المكثف والقتال العنيف عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة ومحو مدن بأكملها.
وفي حياة أبو غالي، يتداخل الصراعان الداميان، فقد قتل ابن شقيقه في غارة إسرائيلية قبل شهر أثناء بحثه عن الطعام في غزة. وبعد أسابيع، دمر صاروخ روسي عيادته الخاصة التي عمل فيها معظم حياته المهنية بأوكرانيا.
كما قتل بعض زملائه الأطباء وبعض المرضى في القصف.
ويقول أبو غالي ( 48 عاما): "كنت في حرب هناك، والآن أنا في حرب هنا، نصف قلبي وعقلي هنا، والنصف الثاني هناك"، وهو واقف داخل مركز طبي بينما كان عمال يكنسون الزجاج والحطام.
كان أبو غالي "آخر العنقود" في عائلته. وكانت والدته تقول إن الابن الأصغر هو الأجمل. وكان غالي أصغر عشرة أشقاء، وهو المفضل لديها. وعندما كان في التاسعة من عمره، توفي والده.
كانت عائلة أبو غالي فقيرة، لكن الابن الأصغر تفوق في الدراسة وحلم بأن يصبح طبيبا متخصصا في أمراض النساء والولادة بعد أن رأى بعض قريباته يعانين أثناء الحمل.
وفي عام 1987، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في غزة والضفة الغربية.
انضم أبو غالي إلى حركة فتح، التي تتبنى أيديولوجية قومية قبل وقت طويل من تأسيس حركة حماس الإسلامية.
واعتقل أصدقاء أبو غالي واحدا تلو الآخر وخضعوا للاستجواب، وسجن بعضهم وحمل آخرون السلاح. وكان أمامه خياران: إما البقاء والمخاطرة بأن يعيش المصير نفسه أو المغادرة.
وتلقى أبو غالي في هذه الأثناء أخبارا جيدة: هناك فرصة كي يدرس الطب في كازاخستان. ودع عائلته بالدموع وهو لا يعرف ما إذا كان سيراهم مرة أخرى.
وسافر إلى موسكو على أمل اللحاق بقطار ينقله إلى مدينة ألماتي في كازاخستان، لكنه تلقى نبأ رفض الجامعة أن يدرس في ألماتي، قبل أن يعثر على فرصة في كييف.
هكذا وصل أبو غالي الشاب إلى أوكرانيا عام 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مباشرة. لكنه وجد صعوبة في التأقلم، وبدأ الأمر باللغة الأوكرانية، وهكذا في كييف، غير اسمه علاء إلى "عليا".
كما حول اسمه والده، شعبان، إلى شابانوفيتش.
وأثناء تعلمه اللغة الروسية، التي يتحدث بها معظم الأوكرانيين الذين عاشوا في ظل الاتحاد السوفيتي، واجه أبو غالي صعوبة في إنجاز ذلك، إلا أن بعض الجيران ساعدوه. ومن خلالهم، التقى بزوجته، وانتهى بهما الأمر إلى إنجاب ثلاثة أطفال.
وأنهى أبو غالي دراسته في كلية الطب وأصبح طبيبا متخصصا في أمراض النساء والولادة. كانت الأيام الأولى من حياته المهنية طويلة، حيث كان يكشف على عشرات المريضات. وفي النهاية، عمل في عيادة بمركز أدونيس الطبي، حيث ذاع صيته.
في الثامن من يوليو الماضي، كان أبو غالي يمارس عمله لكن ذهنه كان مشغولا بقطاع غزة.
وقبل أسبوع، تواصل معه أحد أقاربه وعلم أن ابنة شقيقته، 12 عاما، قتلت عندما تقدمت دبابات إسرائيلية إلى حافة منطقة المواصي للنازحين الفلسطينيين شمال غربي رفح.
وكعشرات الآلاف من سكان غزة، فرت أسرته إلى المواصي سيرا على الأقدام بعد أن وصفت إسرائيل المنطقة بـ "الآمنة".
وكان أبو غالي في حالة حداد بالفعل، فقد قتل ابن أخيه، فتحي، في الشهر السابق.
وفي المركز الطبي الذي يعمل فيه، دوت الغارات الجوية طوال الصباح. وقبل أن يستقبل المريضة التالية، تحدث أبو غالي إلى مديرة المركز.
أخبرته بأنها مرت للتو على مستشفى أوخماديت، أكبر مستشفى للأطفال في أوكرانيا، والذي استهدف بصاروخ قبل ساعات ما خلف مشهدا مروعا.
وبعد فترة وجيزة، أصبحت حياة أبو غالي أكثر ظلاما. انطلق صاروخ روسي بسرعة نحو المركز الطبي، ما تسبب في انفجار دمر الطابقين الثالث والرابع، حيث كانت عيادة أبو غالي.
ووسط سحابة كثيفة من الحطام، بحث أبو غالي عن زملائه وسط جثث مخضبة بالدماء.
ورأى مريضة واستخدم هاتفها للإضاءة، وأخرجها من تحت السقف المنهار، بينما توفي زملاؤه وآخرون، بلغ عددهم تسعة أشخاص.
وعثر أبو غالي على زميله الطبيب، فيكتور براغوتسا، ينزف بغزارة وسط الجثث. لكنه لم يتمكن من إنقاذه.
وكان أبو غالي رأي صور حرب غزة لعدة أشهر، وكان الأمر كما لو أن هذه الصور تسربت بطريقة ما إلى حياته في أوكرانيا.
وقال: "لا يوجد شيء مقدس. الأطباء يقتلون، الأطفال يقتلون، المدنيون يقتلون، هذه هي الحياة التي نعيشها".
وبعد أسبوعين، وقف أبو غالي في نفس المكان ينظر إلى جدران المركز الطبي المدمرة، بينما كان عمال يغربلون الأنقاض.
وأضاف: "ما الذي أشعر به؟ إنه الألم ولا شيء آخر".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی أوکرانیا فی غزة
إقرأ أيضاً:
رئيس بولندا يزور كييف.. وطائرة روسية مسيّرة تضرب مبنى سكنيا في أوديسا
وصل الرئيس البولندي المنتهية ولايته أندريه دودا، السبت، إلى العاصمة الأوكرانية كييف، في زيارة تحمل رسائل دعم رمزية وسياسية، تزامناً مع تصعيد روسي جديد استهدف مدينة أوديسا جنوبي البلاد، أسفر عن قتيلين و14 جريحاً على الأقل.
وكان في استقبال دودا بمحطة القطار وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، الذي وصف الضيف البولندي بأنه "صديق حقيقي لأوكرانيا"، في إشارة إلى المواقف المتقدمة التي تبناها دودا دعماً لكييف خلال ولايته، والتي تنتهي في آب/أغسطس المقبل.
ويُعد دودا من أبرز الداعمين الأوروبيين لأوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي في شباط / فبراير 2022، إلا أن خلفه المنتخب، كارول نافروتسكي، وإن أعلن التزامه بمواصلة دعم المجهود الدفاعي لكييف، فقد أبدى تحفظه على انضمامها إلى تحالفات غربية كحلف شمال الأطلسي (الناتو).
Ostatnia taka wizyta w historii. Na końcu kadencji prezydent Andrzej Duda odwiedza dziś Kijowa. Od początku pełnoskalowej wojny to już jego 10 wizyta w Ukrainie. Więcej szczegółów w wiadomościach @RadioZET_NEWS pic.twitter.com/yLaA5MuyGf — Miłosz Gocłowski (@MiloszGoclowski) June 28, 2025
هجوم دام في أوديسا
بالتزامن مع زيارة دودا، شهدت مدينة أوديسا المطلة على البحر الأسود هجوماً روسياً جديداً، حيث اصطدمت طائرة مسيرة بأحد المباني السكنية شاهقة الارتفاع، ما أدى إلى اندلاع حريق ضخم وسقوط قتلى وجرحى.
وأفاد حاكم منطقة أوديسا، أوليه كيبر، أن الهجوم استهدف الطوابق العليا من مبنى مكون من 21 طابقاً، مشيراً إلى العثور على جثتي زوجين تحت الأنقاض بعد السيطرة على الحريق.
وقال كيبر إن 14 شخصاً على الأقل أصيبوا في الهجوم، من بينهم ثلاثة أطفال، أحدهم بحالة خطيرة، في وقت أظهرت فيه مقاطع مصورة من موقع الهجوم رجال الإطفاء وهم يحاولون إخماد النيران وإجلاء السكان عبر سلالم داخلية وسط الظلام والدخان الكثيف.
من جانبه، كتب عمدة أوديسا، هينادي تروخانوف، على منصة "تليغرام"، أن الطائرة المسيّرة كانت جزءاً من موجة هجمات روسية تسببت بانفجارات وحرائق في عدة مناطق بالمدينة، داعياً السكان إلى التزام الحذر واللجوء إلى أماكن آمنة.
وتكثف روسيا منذ أسابيع هجماتها الجوية باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ على المدن الأوكرانية، في ظل استمرار الجمود السياسي والعسكري على الجبهات، وتعثر المساعي الدولية لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف.
وتسعى موسكو إلى استنزاف القدرات الدفاعية الأوكرانية وترويع المدنيين، فيما ترد كييف بعمليات نوعية على أهداف عسكرية في العمق الروسي.
هجوم مضاد على قاعدة روسية
وفي سياق الرد الأوكراني، أعلن الجيش الأوكراني، أمس الجمعة، أنه نفذ عملية نوعية استهدفت قاعدة جوية روسية في منطقة فولغوغراد الواقعة على بُعد نحو 900 كيلومتر من الحدود الأوكرانية.
وأوضح الجيش أن العملية، التي نُفذت بالتنسيق مع جهاز الأمن الأوكراني ووحدات خاصة، أسفرت عن قصف أربع طائرات حربية من طراز "سو-34"، إضافة إلى منشآت فنية تستخدم في صيانة الطائرات.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من وزارة الدفاع الروسية حتى الآن بشأن الهجوم.
وخلال الأشهر الماضية، كثّفت أوكرانيا من عملياتها في العمق الروسي، مستهدفة منشآت عسكرية وصناعية ومواقع استراتيجية، في محاولة لفرض كلفة باهظة على موسكو، وإبراز قدراتها الهجومية المتزايدة رغم الصعوبات اللوجستية والقتالية التي تواجهها على الجبهات.
يأتي التصعيد العسكري وسط تراجع في الزخم الدبلوماسي الرامي لإنهاء الحرب، حيث لم تحقق المحادثات الدولية الأخيرة أي تقدم ملموس، في ظل تمسك كل طرف بشروطه، وتزايد التعقيدات المرتبطة بالتحالفات الإقليمية والدولية.
ويُجمع مراقبون على أن الحرب دخلت مرحلة استنزاف طويلة الأمد، وسط شكوك بشأن قدرة أي من الطرفين على تحقيق مكاسب استراتيجية كبيرة في المدى القريب، ما ينذر باستمرار المعاناة الإنسانية والدمار في المدن الأوكرانية.