باستعدادات وخطط إدارية ينقصها التمويل وميزانيات شحيحة مواردها تجابه الولايات السودانية موسم خريف هذا العام بكل ما يحمله من أخطار سيول وفيضانات وكوارث. وضربت سيول وأمطار ولايات وسط وشمال البلاد، وبمعدلات متوسطة أجزاء ولايات الجزيرة والخرطوم، متسببة في انهيار مئات المنازل في كل من ولايتي الشمالية والنيل الأبيض، في وقت جففت فيه الحرب مواعين الموارد وأضعفت مستوى الاستعدادات والتحوطات ورفعت احتمالات الأخطار المتوقعة.

على رغم أن الولايات كافة باستثناء الخرطوم قد شكلت لجاناً وغرف طوارئ خاصة بمجابهة آثار الخريف من أمطار وسيول أو فيضانات مثل كل عام، لكن معظمها واجه معضلة توفر الميزانيات اللازمة لتسيير أعمالها وتوفير المطلوبات والمعينات اللازمة لطوارئ الخريف التي كانت الحكومة المركزية تسهم بقدر كبير في توفيرها على نحو إسعافي للولايات شديدة التأثر، نتيجة التداعيات الاقتصادية وشح الموارد بسبب الحرب المستعرة، منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي حتى اليوم.

وفي ظل ضعف التمويل، توقع متخصصون ومراقبون حدوث أضرار مادية وبشرية وتداعيات صحية وبيئية كبيرة جراء سيول وأمطار هذا الخريف، بخاصة في ولاية الخرطوم، حيث دفنت معظم مجاري تصريف الأمطار تحت الركام والأنقاض وغابت الآليات واللجان الإشرافية والميدانية هذا العام. وكذلك غيبت الحرب الاجتماع السنوي الدوري للمجلس القومي للدفاع المدني الذي كان يترأسه وزير الداخلية، وتم تكليف المدير العام لقوات الشرطة بمهامه، منتصف الأسبوع الماضي، ويضم جميع ولاة وحكام الأقاليم والولايات، وهو معني بوضع خطة طوارئ، فضلاً عن توفير إمكانات وموجهات الحد من الكوارث وتقليل الآثار الناجمة عنها.

ورأى مراقبون أن عدم انعقاد دورة المجلس القومي للدفاع المدني، بسبب الحرب هذا العام، سينعكس بصورة سلبية على الأداء في غرف الطوارئ بالولايات التي تعاني بشدة من ضعف الموارد لتمويل توفير المعينات اللازمة لمجابهة الطوارئ المتوقعة من الأمطار والسيول، بخاصة الولايات التي تأثرت بالنزوح بصورة كبيرة ضغطت على المرافق الخدمية في مجالات الصحة والبيئة العامة فيها، وأثرت في قنوات التصريف ومعدلات إفراز النفايات، مما يجعل وضعها حرجاً أمام تداعيات هذا الخريف، وتوقع متخصصون أن تعيش ولاية الخرطوم خريفاً كارثياً هذا الموسم في ظل الدمار والخراب وتراكمات الآثار البيئية السالبة للحرب، كونها من دون سائر الولايات لم تتمكن هذا الموسم من اتخاذ أي تحوطات أو استعدادات لفصل الأمطار في وقت تعاني فيه تدهوراً مريعاً وضعفاً كبيراً في البنى التحتية لتصريف مياه السيول والأمطار والفيضانات.

وحذر ناشطون في مجال البيئة من أن غياب الاستعدادات السنوية للخريف على مستوى الولاية بسبب الحرب، مع عدم إمكان التخلص العاجل من النفايات المتراكمة قبل حلول موسم الأمطار سيجعل بيئة الولاية غير صالحة للعيش، كما سيشكل مع عوامل أخرى مثل انتشار الجثث المتحللة ومخلفات الحرب والبارود حواضن للتلوث والميكروبات والذباب والبعوض، مما يهدد بانتشار أمراض وبائية خطرة مثل الطاعون والملاريا والتيفوئيد وغيرها. ولفت الناشطون إلى أن هذا الواقع الخطر يضع على عاتق المواطنين مسؤولية كبيرة في الإسهام قدر الإمكان في التقليل من الأخطار المتوقعة عبر العمل على مستوى مناطقهم وأحيائهم بشكل مبكر في إزالة النفايات الجافة ودفن العضوية منها حال عدم التمكن من التخلص منها.

في الولاية الشمالية اجتاحت الأمطار والسيول، نهاية الأسبوع الماضي، أجزاءً واسعة من محليات دنقلا ومروي والبرقيق ووادي حلفا والدبة والقولد متسببة في أضرار وخسائر متفاوتة بلغت في جملتها تضرر نحو 464 منزلاً بشكل كلي وجزئي، فضلاً عن أضرار بعض المزارع، وفصلت التقارير الأولية للحصر الذي لا يزال مستمراً تضرر 300 منزل تضرراً كلياً وجزئياً بمحلية مروي و164 منزلاً بكل من محليات الدبة ودنقلا والقولد، في وقت ظلت فيه غرفة طوارئ الخريف والفيضانات بالولاية في حال انعقاد يومي لمتابعة الموقف بغرض إجراء التدخلات الفورية اللازمة. وأكدت غرفة الطوارئ على ضرورة تقديم المساعدات العاجلة للمتأثرين فور اكتمال عمليات الحصر المستمرة بالمحليات المتضررة.

وشدد المدير العام بوزارة البنى التحتية والتنمية العمرانية رئيس غرفة الطوارئ خالد موسي علي لوكالة السودان للأنباء “سونا” على أن التحدي الكبير الذي يواجه عمل الغرفة هو تأخر تصديق ميزانية طوارئ الخريف حتى الآن بسبب ظروف الحرب، وأوضح مدير الدفاع المدني بالولاية الشمالية مقرر غرفة الطوارئ خالد سليمان رضوان أنه تم استعراض الميزانية التشغيلية للمحليات والقطاعات توطئة لرفعها للجنة العليا لطوارئ الخريف لإجازتها في صورتها النهائية، ودعا علي إلى ضرورة تضافر الجهود وتسخير الإمكانات المتاحة والتنسيق بين غرفة طوارئ الخريف المركزية وغرف الطوارئ بالمحليات من أجل درء آثار الأمطار والسيول بالولاية، مهيباً بالمديرين التنفيذيين في محليات الولاية المختلفة مد غرفة الطوارئ بتقارير يومية حول الموقف الأمطار والسيول والفيضانات حتى تتمكن الغرفة من رفعها للجنة الولائية العليا للطوارئ بشكل دوري.

وفي ولاية النيل الأبيض تسببت الأمطار الغزيرة التي شهدتها الولاية في تضرر أكثر من 17 قرية وأدت إلى انهيار ما يزيد على 400 منزل جزئياً وكلياً، فيما لا تزال السلطات المتخصصة تواصل عمليات حصر الأضرار في مناطق متفرقة من بينها مدينة ربك عاصمة الولاية، وتعتبر قرى محلية الجبلين، من أكثر المناطق تضرراً بالولاية بسبب طبيعة منازلها الطينية التي لم تصمد كثيراً أمام تجمعات المياه الكبيرة.

وبحسب مصدر مسؤول بالولاية، فقد شرعت السلطات في عبر الحفارات ومعالجة مشكلات قنوات التصريف وفتح المجاري الفرعية والرئيسة للتخلص من تراكمات المياه الكبيرة التي لم تحتملها القنوات، وعبر المصدر عن مخاوف حقيقية من الآثار الصحية والبيئية التي ستخلفها أمطار هذا العام، فضلاً عن خطرها على المناطق الزراعية، مشيراً إلى أن الأخطار تظل قائمة في ظل شح الإمكانات وتأثر ميزانيات التحوطات بالحرب المستمرة.

ولفت المصدر نفسه أيضاً إلى أن النيل الأبيض وكل الولايات ستفتقد هذا الموسم بشدة الدعم الإغاثي الإسعافي، مثل مواد الإيواء والآليات والعون الغذائي الإنساني الذي كان يصل إليها من الحكومة المركزية والمنظمات في الخرطوم خلال الكوارث والأزمات الذي انقطع بشكل نهائي جراء الحرب.

ففي ولاية الجزيرة، شكا مواطنون من أن الأمطار التي شهدتها أجزاء عدة من الولاية، الأسبوع الماضي، بما فيها العاصمة ود مدني، تسببت في مضاعفات بيئية كبيرة نتيجة اختلاط مياه الأمطار مع النفايات المتراكمة، وناشد المواطنون السلطات المحلية سرعة التحرك لمعالجة الوضع قبل استفحاله، بخاصة في الأسواق ووسط المدينة، بعد أن تسبب عدد النازحين الكبير في زيادة كبيرة لمعدلات النفايات.

وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد حذرت من انتشار الأمراض والأوبئة في السودان مع حلول فصل الخريف، واصفة الوضع الصحي في السودان، بخاصة العاصمة الخرطوم، بالكارثي المتفاقم وسط نقص إمدادات الكهرباء والمياه النقية، وحذرت المتحدثة الإقليمية باسم اللجنة إليونا سينينكو من أن الأوضاع الحالية تزيد من خطر انتشار الأمراض والأوبئة، خصوصاً مع بدء موسم الأمطار.

وعلى مدى سنوات قبل الحرب، وحتى عام 2022 الماضي، ظلت كوارث الأمطار والسيول والفيضانات تتكرر بصورة شبه دائمة في السودان، محدثة أضراراً كبيرة في ولايات عدة على رأسها ولاية الخرطوم نتيجة تدهور البنية التحتية، أسفرت تلك الكوارث المدمرة عن مصرع مئات المواطنين، إلى جانب أضرار مادية كبيرة طاولت أكثر من نصف مليون نسمة، فضلاً عن انهيار أكثر من 40 ألف منزل، وتضرر ما يزيد على 118 ألفاً أخرى، وتدمير 250 مرفقاً ونفوق أكثر من 5.930 من الحيوانات الأليفة والدواجن، وشملت الأضرار ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض والبحر الأحمر وشمال وشرق دارفور.

واندلعت معارك شرسة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” تسببت في نزوح أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون شخص منهم ما يزيد على المليون من العاصمة الخرطوم لجأ بعضهم داخلياً إلى الولايات وفر آخرون إلى دول الجوار، كما طاول الدمار الهائل البنى التحتية وشل القطاع الصحي بنسبة 90 في المئة.

جمال عبدالقادر البدوي – اندبندنت عربية

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: هذا العام أکثر من

إقرأ أيضاً:

قائد القوات الأوغندية يهدد السودان بعد اعتذار بلاده

جدد قائد قوات الدفاع الشعبية الأوغندية موهوزي موسيفيني نجل الرئيس الأوغندي تهديداته باجتياح العاصمة السودانية الخرطوم بعد ساعات من تقديم بلاده اعتذارا رسميا عن تصريحات مشابهة.

ماكرون يدعو طرفي النزاع في السودان إلى إلقاء السلاح برنامج الغذاء العالمي: مقرا للأمم المتحدة بجنوب شرق السودان تعرض لقصف جوي

وبحسب روسيا اليوم، نشر موهوزي نجل الرئيس الأوغندي موسفيني عبر حسابة الرسمي على منصة "إكس" مهددا السودان قائلا: "والدي لو أمرنا بالسيطرة على الخرطوم لفعلنا ذلك غدا".

وجاءت تصريحات قائد قوات الدفاع الشعبي الأوغندية بعد ساعات من بيان للخارجية السودانية رحبت فيه باعتذار الحكومة الأوغندية رسميًا عن التصريحات التي أطلقها قائد قوات الدفاع الأوغندية والتي تحدث فيها عن غزو الخرطوم بدعم من الإدارة الأميركية.

وكان قائد قوات الدفاع الشعبي الأوغندية نجل الرئيس الأوغندي كتب في تغريدة له على منصة "إكس" قبل أيام "نحن فقط ننتظر زميلنا، دونالد ترامب، ليصبح رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، وبدعمه سنتمكن من الاستيلاء على العاصمة السودانية الخرطوم".

وأضاف نجل الزعيم الأوغندي في تدوينته: "سوف تنتهي هذه الفوضى في السودان قريبًا!.. إذا كان هؤلاء الشباب في الخرطوم لا يعرفون ما هي الحرب فسوف يتعلمون".

ودانت السودان تلك التصريحات لقائد قوات الدفاع الشعبي الأوغندية، في بيان للخارجية السودانية في 18 ديسمبر استنكر التصريحات التي نشرها المسؤول العسكري الأوغندي مطالبا باعتذار رسمي من الحكومة الأوغندية.

وقالت الخارجية الأوغندية في مذكرة وجهتها إلى سفارة السودان في كمبالا "إن تلك التعليقات لا تمثل الموقف الرسمي للحكومة الأوغندية" وأن المواقف الرسمية تُعلن عبر القنوات الدبلوماسية المعروفة، وليس عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها نجل الرئيس الأوغندي الذي ينظر إليه على أنه خليفة والده في الحكم جدلا بسبب تصريحاته، حيث سبق توجيهه تغريدات حملت تهديدات لدولة كينيا في إحدى المرات، مما أدى إلى إقالته من منصب قائد القوات البرية في عام 2022.

مقالات مشابهة

  • وزير الصحة : نقل اكثر من 27 الف طن من الادوية لكل ولايات السودان، بتمويل من وزارة المالية بمبلغ 74 مليار
  • رياح شديدة وبرودة تضرب الإسكندرية.. والأجهزة ترفع حالة الطوارئ
  • الصحة ولاية الخرطوم تكشف عن إصابة ووفاة(96) مواطنا وجهود لمحاصرة الأوبئة بالمناطق المحررة
  • ذكريات د. إحسان عباس في السودان
  • مصر ياً اخت بلادي يا شقيقة
  • رغم الاعتذار.. قائد جيش أوغندا يهدد مجددا بـ”غزو الخرطوم”
  • قائد الجيش الأوغندي يهدد بغزو الخرطوم
  • رغم الاعتذار.. قائد جيش أوغندا يهدد مجددا بـ"غزو الخرطوم"
  • قائد القوات الأوغندية يهدد السودان بعد اعتذار بلاده
  • تتعدى 50 ملم.. أمطار رعدية على 9 ولايات غدا