من طرف المسيد: زِوِيْنِي
يرويها محمد سيد احمد الحسن
بقلم عادل سيد احمد
واسمها زينب بت علي ود موسى، واصل ابوها من ضاحية القرير التي تنقسم إلى قرير قوز هند والقرير قوز ود قرافي الذين هم أهلها ومنهم بت كارديق جدة الفنان عثمان اليمني وهي بنت عم زِوِيْنِي لزم.
ومسك جدنا علي ود موسى الساقية رقم واحد في المقل (ساقية الحليلي)، وظل يزرع مع الناس وعانى معهم ما عانوا في تلك الفترة، ولكن عندما انسحب الأتراك تحت ضغط جيش المهدي انكسر الناس وتشتتوا.
وصدر الأمر لكمال ياورو وهو لواء تركي بأن يقيم قيقرة (قاعدة عسكرية) في مكان شمال الكردة ... وهناك قبضوا على الناس الهائمين في الصحراء والخلاء والضالين.
وجاءت معلومات للمهدي او الخليفة بأن الأتراك يجمعون اطرافهم ويعدون العدة للهجوم على الخرطوم.
وكان شيخ الهدي كما شيخه الخير مقيمان في بربر.. فأرسل المهدي لشيخ الخير ليعين شيخ الهدي (وهو شايقي) حاكما على دنقلا (وثلاثتهم طبعا تبع الطريقة السمانية) وأمره بطرد كمال ياورو وجيشه من الكردة.
وجمع شيخ الهدي زعماء الشايقية وطالبهم بتكوين جيش قوامه الشباب من سن ستة عشر عاما إلى أربعين عام. وكان هؤلاء الشباب لا يؤمنون لا بالمهدي ولا الطريقة السمانية.
وأرسل شيوخ الشايقية لمصطفى ياورو وحكوا له عما دار وقالوا له انهم سيأتونه لا ليقاتلوه ولكن لينضموا له. ولكن عندما وصلوا القاعدة اتضح ان من بينهم مناصير اهل نعمان ود قمر وهو الذي أغرق الباخرة كربكان وقتل اللواء ستيوارت اليد اليمني لغردون وآخر رجل انجليزي أرسله غردون لمصر. وكان الناس في القاعدة يعرفون نعمان ود قمر شيخ المناصير ولما راوه ظنوا ان الشايقية انما خدعوهم وان هناك مؤامرة. ففتحوا عليهم النار وهم غافلين لذلك كانت الابادة كبيرة، لأن الشايقية كانوا غير متحسبين ولا مستعدين للجري او الاختباء وخلافه... ولكن مع ذلك هرب بعض الناس ومن ضمنهم علي ود موسى والد زِوِيْنِي ووصل الى المقل.
ولكن ارسل مصطفى ياورو باخرة تأديبية من الكردة وحتى كريمة وصدف ان عثروا على علي ود موسى وكان ينقل الماء من النيل إلى أولاده في البيت أو لبناته في الحقيقة ... فتابعوه إلى أن قام بإيصال الماء ثم اردوه قتيلا بعد أن وضع قربة الماء وقالت زِوِيْنِي: ضربوه أمامنا.
وزِوِيْنِي هي الأكبر بين أخواتها لذلك تولت إدارة الأراضي وكانت كثيرة واطرافها كثيرة، ويقال ان عدد الناس الذين يتغدون عندها بلغ أربعين شخصا منهم أبناء زوجها ومن بينهم أبناء ضراتها (بت الشُندُهابي مثلا) بالضرورة وأولاد اخوانها... ولهذا السبب سميت زِوِيْنِي وتعني انها زينة اي طيبة وكريمة وهي كلمة أصلها عربي.
وانا بالذات أدين لها بمعارف كثيرة فأنا الولد الذكر الأول في ذريتها فكانت تعزني وتعتني بي.
وكان الرجل عندما يتزوج فوق امرأته بنت الأصول يتنازل لها عن كل حقوقه في الأرض والنخيل ... وتنازل لها جدي الحسن عن كل ما يملك وصار أولاده من الاخريات بلا حق. فجبرها الناس لتتنازل لأولاد الحسن من الزوجة الثانية (بت الشُندُهابي) وظل الباقي باسمها إلى أن توفى ابنها سيد احمد، والحق كان مسجل باسم زِوِيْنِي وانا لم إرث من ابي، انما وهبت لي زِوِيْنِي الأرض والنخل وسجلت لي كل الحق الذي كنت سأرثه إذا ما كان أبي على قيد الحياة... لأن المورث اذا مات قبل الوارث يسمى الوارث (جنا فطيسة) وليس له الحق في الميراث. ولكن زِوِيْنِي تخطت ذلك كله وجعلتي اتمتع بموجب الهبة كما يتمتع الوارث تماما.
وكانت زِوِيْنِي شاعرة ومزارعة ومقاتلة ولها صولات وجولات.
لقد عشت معها وانا في حوالي السابعة من عمري فمعلوماتي لن تكن دقيقة ولا كثيرة لأني انتقلت للعيش مع جدي ود كرار وجدتي بت نعمي، ولم ارجع للمقل مرة أخرى الا لأبكيها وكانت وفاتها في العام 1961م. فلم اعرفها وانا كبير ولكن زوجتي حرم التقتها في النصف الثاني من الخمسينيات عندما زارت المقل وكانت قد جاءت اصلا لحضور زواج اخوها علي بضاحية الكرفاب القريبة من المقل.
واتذكرها وانا طفل، اتذكر البليلة وقناديل عيش الريف واللبن الدسم الذي لم تنزع منه القشطة واشم رائحة زِوِيْنِي حتى الان.
وقد كانت امرأة ذكية وعطوفة ومنصفة وكانت تدافع عن بسطاء الناس وكانت تهجو وشعرها لاذع ومنه:
- ما شفتي جبل يا كسبة الليلي
وفي حوش بت صلاح رامي الجعيلي
وردت عليها كسبة:
- كُت قايلاك جبل واترك سبيقة
وأخير منك بنيتن بي عقيقا
وكان جبل والجعيلي متنافسان حول امرأة. وكان جبل ابن عمها والجعيلي وكسبة من الصلحاب.
ويقال ان سوركتي خال زوجها الحسن ود صالح وبسبب الكسرة وجوع الناس ولما كثرت السرقات، فكان كلما اشتكوا له أحد أقاربه في سرقة يربط حجر في رقبة السارق ويلقي به في النهر وقد القى بالكثيرين، ولم يكن ذلك يرضي زِوِيْنِي فقالت قصيدة طويلة منها:
- يا سوركتي فالك في شمالك
كتلت اين عمك ولا ود خالك
ود شلي اليتيم دان كاتلو مالك؟
جيت تجر محجوب، نصيح، ابى ينجرالك!
وكانت زِوِيْنِي مستورة الحال وكريمة وانا لا أدري هل سبب ذلك هو وساع اراضيها ام جودها؟
وقد حكت مرة انه وبعد المجاعة جاءها ابن عمها وطلب منها قيراط تيراب (بذور) قمح ليزرعه. وكانت هي زهجانة وقد طفح بها الكيل من كثرة طلبات المحتاجين حولها، فقالت له:
- ما عندي.
وفي الليل البحر كسر واول ما ضرب ضرب قسيبتها التي تخزن فيها القمح. وكان ابن عمها من اول اللذين نفروا لمساعدتها، فقالت ناديته وقلت له:
- تعال شيل القمح. البخل خرابة!
وكانت امرأة فكهة ومستنيرة وما جاعت ولا سمحت لمن حولها بأن يجوعوا.
وفيما بعد عرفت انها كانت تترك لمبة الجاز مضيئة للصباح على أمل أن يعود لها ولا سيد احمد فلا يضلوا طريقهم في الظلام إلى البيت.
رحم الله جدتي زينب بت علي ود موسى (زِوِيْنِي) واسكنها فسيح الجنان.
amsidahmed@outlook.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: سید احمد
إقرأ أيضاً:
أحمد موسى يكشف تفاصيل خطة إعمار غزة: 53 مليار دولار و500 ألف فرصة عمل
أكد الإعلامي أحمد موسى أن الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة لاقت قبولًا عربيًا وأوروبيًا، مشيرًا إلى أن مصر أعدت برنامجًا متكاملًا لإعادة إعمار القطاع، يتضمن مراحل زمنية محددة بتمويل ضخم.
وخلال تقديمه برنامج "على مسئوليتي" عبر قناة "صدى البلد"، أوضح أحمد موسى أن مرحلة التعافي تمثل الخطوة التمهيدية في إعادة الإعمار، وتتطلب تمويلًا بقيمة 3 مليارات دولار على مدى 6 أشهر، بهدف توفير الاحتياجات العاجلة للسكان المتضررين.
وأشار أحمد موسى إلى أن المرحلة الأولى من إعادة إعمار غزة تستمر عامين بتكلفة تصل إلى 20 مليار دولار، وتشمل:
• إزالة الركام والاستفادة منه في ردم المناطق الساحلية.
• إنشاء المرافق العامة والشبكات الأساسية.
• بناء وحدات سكنية جديدة لاستيعاب النازحين.
أما المرحلة الثانية، فتستمر عامين ونصف بتكلفة 30 مليار دولار، وتتضمن:
• إنشاء 200 ألف وحدة سكنية لاستيعاب 1.2 مليون نسمة.
• تطوير البنية التحتية وبناء شبكات المرافق العامة.
• إقامة مبانٍ خدمية تشمل المدارس والمستشفيات.
• إنشاء طريق كورنيش على ساحل غزة.
• بناء مطار دولي وميناء صيد لدعم الاقتصاد المحلي.
وأكد أحمد موسى أن إعادة إعمار غزة ستوفر 500 ألف فرصة عمل للشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن التكلفة الإجمالية للمشروع على مدار 5 سنوات ستصل إلى 53 مليار دولار.
وفيما يتعلق بالركام الناتج عن القصف العنيف، أوضح أحمد موسى أن مصر وضعت خطة شاملة لإزالته والتعامل مع الذخائر غير المنفجرة، مشيرًا إلى أن تكلفة هذه العملية تصل إلى 100 مليون دولار، وتشمل:
• التخلص من القنابل والأسلحة غير المنفجرة بحذر.
• تنفيذ عمليات تطهير واسعة لضمان سلامة المناطق المتضررة.
• استخدام الركام في رصف الطرق وتأهيلها
واختتم موسى حديثه بالتأكيد على أن الجهود المصرية في إعادة إعمار غزة تعكس التزام مصر بدعم الشعب الفلسطيني وإعادة بناء القطاع وفق رؤية متكاملة، وهذه خطة أمان واستقرار للجميع وليس الشعب الفلسطيني فقط.