سودانايل:
2024-09-09@03:28:24 GMT

من طرف المسيد: زِوِيْنِي

تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT

من طرف المسيد: زِوِيْنِي
يرويها محمد سيد احمد الحسن
بقلم عادل سيد احمد

واسمها زينب بت علي ود موسى، واصل ابوها من ضاحية القرير التي تنقسم إلى قرير قوز هند والقرير قوز ود قرافي الذين هم أهلها ومنهم بت كارديق جدة الفنان عثمان اليمني وهي بنت عم زِوِيْنِي لزم.
ومسك جدنا علي ود موسى الساقية رقم واحد في المقل (ساقية الحليلي)، وظل يزرع مع الناس وعانى معهم ما عانوا في تلك الفترة، ولكن عندما انسحب الأتراك تحت ضغط جيش المهدي انكسر الناس وتشتتوا.


وصدر الأمر لكمال ياورو وهو لواء تركي بأن يقيم قيقرة (قاعدة عسكرية) في مكان شمال الكردة ... وهناك قبضوا على الناس الهائمين في الصحراء والخلاء والضالين.
وجاءت معلومات للمهدي او الخليفة بأن الأتراك يجمعون اطرافهم ويعدون العدة للهجوم على الخرطوم.
وكان شيخ الهدي كما شيخه الخير مقيمان في بربر.. فأرسل المهدي لشيخ الخير ليعين شيخ الهدي (وهو شايقي) حاكما على دنقلا (وثلاثتهم طبعا تبع الطريقة السمانية) وأمره بطرد كمال ياورو وجيشه من الكردة.
وجمع شيخ الهدي زعماء الشايقية وطالبهم بتكوين جيش قوامه الشباب من سن ستة عشر عاما إلى أربعين عام. وكان هؤلاء الشباب لا يؤمنون لا بالمهدي ولا الطريقة السمانية.
وأرسل شيوخ الشايقية لمصطفى ياورو وحكوا له عما دار وقالوا له انهم سيأتونه لا ليقاتلوه ولكن لينضموا له. ولكن عندما وصلوا القاعدة اتضح ان من بينهم مناصير اهل نعمان ود قمر وهو الذي أغرق الباخرة كربكان وقتل اللواء ستيوارت اليد اليمني لغردون وآخر رجل انجليزي أرسله غردون لمصر. وكان الناس في القاعدة يعرفون نعمان ود قمر شيخ المناصير ولما راوه ظنوا ان الشايقية انما خدعوهم وان هناك مؤامرة. ففتحوا عليهم النار وهم غافلين لذلك كانت الابادة كبيرة، لأن الشايقية كانوا غير متحسبين ولا مستعدين للجري او الاختباء وخلافه... ولكن مع ذلك هرب بعض الناس ومن ضمنهم علي ود موسى والد زِوِيْنِي ووصل الى المقل.
ولكن ارسل مصطفى ياورو باخرة تأديبية من الكردة وحتى كريمة وصدف ان عثروا على علي ود موسى وكان ينقل الماء من النيل إلى أولاده في البيت أو لبناته في الحقيقة ... فتابعوه إلى أن قام بإيصال الماء ثم اردوه قتيلا بعد أن وضع قربة الماء وقالت زِوِيْنِي: ضربوه أمامنا.
وزِوِيْنِي هي الأكبر بين أخواتها لذلك تولت إدارة الأراضي وكانت كثيرة واطرافها كثيرة، ويقال ان عدد الناس الذين يتغدون عندها بلغ أربعين شخصا منهم أبناء زوجها ومن بينهم أبناء ضراتها (بت الشُندُهابي مثلا) بالضرورة وأولاد اخوانها... ولهذا السبب سميت زِوِيْنِي وتعني انها زينة اي طيبة وكريمة وهي كلمة أصلها عربي.
وانا بالذات أدين لها بمعارف كثيرة فأنا الولد الذكر الأول في ذريتها فكانت تعزني وتعتني بي.
وكان الرجل عندما يتزوج فوق امرأته بنت الأصول يتنازل لها عن كل حقوقه في الأرض والنخيل ... وتنازل لها جدي الحسن عن كل ما يملك وصار أولاده من الاخريات بلا حق. فجبرها الناس لتتنازل لأولاد الحسن من الزوجة الثانية (بت الشُندُهابي) وظل الباقي باسمها إلى أن توفى ابنها سيد احمد، والحق كان مسجل باسم زِوِيْنِي وانا لم إرث من ابي، انما وهبت لي زِوِيْنِي الأرض والنخل وسجلت لي كل الحق الذي كنت سأرثه إذا ما كان أبي على قيد الحياة... لأن المورث اذا مات قبل الوارث يسمى الوارث (جنا فطيسة) وليس له الحق في الميراث. ولكن زِوِيْنِي تخطت ذلك كله وجعلتي اتمتع بموجب الهبة كما يتمتع الوارث تماما.
وكانت زِوِيْنِي شاعرة ومزارعة ومقاتلة ولها صولات وجولات.
لقد عشت معها وانا في حوالي السابعة من عمري فمعلوماتي لن تكن دقيقة ولا كثيرة لأني انتقلت للعيش مع جدي ود كرار وجدتي بت نعمي، ولم ارجع للمقل مرة أخرى الا لأبكيها وكانت وفاتها في العام 1961م. فلم اعرفها وانا كبير ولكن زوجتي حرم التقتها في النصف الثاني من الخمسينيات عندما زارت المقل وكانت قد جاءت اصلا لحضور زواج اخوها علي بضاحية الكرفاب القريبة من المقل.
واتذكرها وانا طفل، اتذكر البليلة وقناديل عيش الريف واللبن الدسم الذي لم تنزع منه القشطة واشم رائحة زِوِيْنِي حتى الان.
وقد كانت امرأة ذكية وعطوفة ومنصفة وكانت تدافع عن بسطاء الناس وكانت تهجو وشعرها لاذع ومنه:
- ما شفتي جبل يا كسبة الليلي
وفي حوش بت صلاح رامي الجعيلي
وردت عليها كسبة:
- كُت قايلاك جبل واترك سبيقة
وأخير منك بنيتن بي عقيقا
وكان جبل والجعيلي متنافسان حول امرأة. وكان جبل ابن عمها والجعيلي وكسبة من الصلحاب.
ويقال ان سوركتي خال زوجها الحسن ود صالح وبسبب الكسرة وجوع الناس ولما كثرت السرقات، فكان كلما اشتكوا له أحد أقاربه في سرقة يربط حجر في رقبة السارق ويلقي به في النهر وقد القى بالكثيرين، ولم يكن ذلك يرضي زِوِيْنِي فقالت قصيدة طويلة منها:
- يا سوركتي فالك في شمالك
كتلت اين عمك ولا ود خالك
ود شلي اليتيم دان كاتلو مالك؟
جيت تجر محجوب، نصيح، ابى ينجرالك!
وكانت زِوِيْنِي مستورة الحال وكريمة وانا لا أدري هل سبب ذلك هو وساع اراضيها ام جودها؟
وقد حكت مرة انه وبعد المجاعة جاءها ابن عمها وطلب منها قيراط تيراب (بذور) قمح ليزرعه. وكانت هي زهجانة وقد طفح بها الكيل من كثرة طلبات المحتاجين حولها، فقالت له:
- ما عندي.
وفي الليل البحر كسر واول ما ضرب ضرب قسيبتها التي تخزن فيها القمح. وكان ابن عمها من اول اللذين نفروا لمساعدتها، فقالت ناديته وقلت له:
- تعال شيل القمح. البخل خرابة!
وكانت امرأة فكهة ومستنيرة وما جاعت ولا سمحت لمن حولها بأن يجوعوا.
وفيما بعد عرفت انها كانت تترك لمبة الجاز مضيئة للصباح على أمل أن يعود لها ولا سيد احمد فلا يضلوا طريقهم في الظلام إلى البيت.
رحم الله جدتي زينب بت علي ود موسى (زِوِيْنِي) واسكنها فسيح الجنان.

amsidahmed@outlook.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: سید احمد

إقرأ أيضاً:

محمد مغربي يكتب: قوانين الذكاء الاصطناعي.. ولكن!

على أعمدة معبد الكرنك العريق ثمة قاعدة محفورة تقول «الخطأ طبيعة بشرية»، وبالتالى فوجود قوانين تحاسب المخطئ وتردع المعتدى على ممتلكات الغير، أمر لا مناص منه لحماية الإنسان نفسه، هكذا أدار الفراعنة القدماء حياتهم، قبل أن تمر آلاف السنين وتتغير الأوضاع، فلم يعد الأمر يتعلق تماماً بالإنسان، وصار هناك أجهزة يمكنها القيام بالكثير من الأفعال، كما يمكنها أيضاً أن تخطئ، وبالتالى وجب ردعها!

ولأن لكل شىء إيجابى آثاراً سلبية، كانت الطفرة التكنولوجية خلال السنوات الماضية صاحبة إنجاز هائل فى تطور البشرية، لكنها من ناحية أخرى أدت إلى مشكلات كثيرة دفعت دول العالم إلى استحداث قوانين ووضع قواعد ولوائح، فى محاولة منها لعدم خروج الأمر عن السيطرة، وفى مصر كان أبرز الأمثلة قوانين مثل التجارة الإلكترونية التى تنظم عمليات البيع والشراء، بجانب قوانين الملاحقة الإلكترونية لكل من يتعرض لابتزاز أو تحرش عبر التطبيقات.

لكن حتى هذا الوقت، كانت القوانين كلها تتعلق بالعنصر البشرى، أما فى حالة الذكاء الاصطناعى الذى شهد هو الآخر طفرة جعلته يؤدى الكثير من المهام اليومية، كان السؤال الأبرز: فى حالة ارتكاب خطأ، من المسئول؟ وكيف يمكن محاكمة آلة، وما هى احتمالات الخطأ، وهل للمبرمج دور فى ذلك ليكون ضمن دائرة الاتهام؟

تلك الأسئلة تزايدت بشكل كبير بعد ظهور عدة حوادث سببها سوء استخدام الذكاء الاصطناعي، وأبرز الحوادث ما وقع فى مدينة تيمبى بولاية أريزونا الأمريكية، حين اصطدمت سيارة ذاتية القيادة بمشاة، ما أدى إلى وفاة سيدة كانت تعبر الطريق، وأظهرت التحقيقات أن نظام الذكاء الاصطناعي الذى كان يقود السيارة لم يتمكن من التعرف على المشاة بشكل صحيح، مما تسبب فى هذا الحادث المأساوي. 

وفى اليابان، وقعت حادثة أخرى حين تسببت روبوتات صناعية تعمل بالذكاء الاصطناعي فى مصنع للسيارات فى إصابة عدد من العمال بجروح خطيرة، فالروبوتات خرجت عن السيطرة بعد خطأ فى البرمجة، ما أدى إلى تنفيذ أوامر غير متوقعة عرَّضت حياة العمال للخطر.

تلك الحوادث، هي التي دفعت دولاً عالمية إلى وضع تشريعات قانونية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعى، ففى اليابان صدرت قوانين تضمن استخدام روبوتات آمنة ذات معايير صارمة للعمل فى المصانع، أما الاتحاد الأوروبى فبدأ بوضع إطار أشمل يركز على حقوق الإنسان وحماية الخصوصية، بما لا يتعارض مع الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة.

وكذلك سارت أمريكا على الدرب حين بدأت بعض الولايات بسَنِّ قوانين تحدد المسئولية القانونية فى حالات الحوادث الناجمة عن السيارات ذاتية القيادة، لضمان حماية حقوق الضحايا وتعويضهم، ولم تختلف الصين حين وضعت تشريعات لضمان عدم استخدام التكنولوجيا الحديثة بطرق غير قانونية أو مضرة.

ولأن مصر ليست استثناء من ذلك، إذ بدأ استخدام الذكاء الاصطناعى فيها يأخذ مكانه الطبيعى ويتولى مهام كثيرة، كان لا بد من تقنينه أيضاً ووضع تشريعات تجعلنا نستفيد منه دون إضرار أحد، وظهر ذلك فى مطالبات برلمانية، حيث أكد عدد كبير من النواب أن التطور التكنولوجى يتطلب إطاراً قانونياً شاملاً يضمن استثمار تلك التقنيات ويحمينا من أى مخاطر.

لكن لماذا يحتاج البرلمان إلى الإسراع فى سَنِّ هذه التشريعات، هذا هو السؤال الذى أرى إجابته تتلخص فى النقاط التالية: أولاً، وجود قوانين تنظم استخدام الذكاء الاصطناعى ضرورة لحماية الأفراد من الأخطار المحتملة، ويمكن لهذه القوانين أن تفرض قيوداً على استخدام الذكاء الاصطناعى فى مجالات مثل الرعاية الصحية، حيث يمكن أن تؤدى أخطاء فى القرارات الطبية إلى خسائر فى الأرواح.

ثانياً، تساعد التشريعات فى تعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة فيما يتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعى، عندما يشعر المواطنون أن هناك قوانين تحميهم سيصبحون أكثر استعداداً لاستخدام هذه التكنولوجيا فى حياتهم اليومية. ثالثاً، يمكن أن تشجع القوانين المستثمرين والشركات على تبنى تقنيات الذكاء الاصطناعى بثقة أكبر، فوجود إطار قانونى واضح يساعد الشركات على الاستثمار فى هذه التكنولوجيا دون الخوف من العواقب القانونية فى حالة وقوع أى مشاكل.

وإذا كانت هذه هى الضرورات، فالتحديات لا تقل أهمية عن ذلك، ولن أبالغ حين أقول إن الأمر يحتاج إلى مشرط جرَّاح حتى لا يتم تقييد الابتكار أو زيادة التكلفة على الشركات الصغيرة التى تريد العمل وسط هذه المنظومة، ولذلك فالأسئلة المهمة أيضاً: من سيضع هذه القوانين؟ أى سلطة ستُقرها؟ إلى من سيلجأ المشرعون فى وضع الضوابط واللوائح الخاصة بالذكاء الاصطناعى؟ وأى القضايا التى نستخدم فيها أكثر درجات الحرية؟ وما هى القطاعات التى ستشتد المعايير فيها؟

ولأن آلية إصدار القوانين فى مصر تستلزم دوماً الرجوع إلى المختصين وإقامة حوار مجتمعى حول المواد المراد تفعيلها، فالأمر يجب أن يسير كذلك مع الذكاء الاصطناعى، ولذلك أيضاً يجب اللجوء إلى المختصين، ومناقشتهم والاستفادة من خبراتهم واطلاعهم على القوانين المماثلة حول العالم، وذلك لحماية حقوق المواطنين من ناحية، ولاستخدامٍ آمن لهذه التكنولوجيا من ناحية أخرى، ولن يتحقق ذلك إلا فى ظل صياغة تلبى احتياجات الجميع.

* استشارى تأمين البيانات والمنشآت

مقالات مشابهة

  • أزهري: النبي لم يسجد لصنم قبل البعثة.. وكان يطوف بالكعبة
  • نجل فؤاد المهندس لـ«بين السطور»: عشق الكوميديا منذ صغره.. وكان زملكاويا متعصبا
  • توقع بتراجع جديد للتضخم في مصر.. ولكن
  • الغديري للوفد: اتظلمت في الزمالك وكان نفسي أخد فرصتي
  • حرب مصرية إسرائيلية مستبعدة.. ولكن!!
  • إيقاف وإنهاء الحرب – ولكن كيف؟ (7-8)
  • بينار دينيز وكان يلدريم يستعدان الزواج في روما
  • محمد مغربي يكتب: قوانين الذكاء الاصطناعي.. ولكن!
  • امرأة ليبتون
  • تركيا: العراق أحرز تقدماً في مجال مكافحة الإرهاب ولكن لا نراه كافياً