بعد "الاغتيالين".. ما حدود الرد "الآمن" الذي لا يشعل حربا؟
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
حيرة كبيرة تعيشها إيران وجماعة حزب الله اللبنانية في أعقاب الضربتين المتتاليتين في بيروت وطهران، اللتين اتهمت إسرائيل بالوقوف وراءهما، واستهدفتا قياديين بارزين في حزب الله وحركة حماس.
يتفق المحللون على أن الضربتين كانتا قريبتين للغاية وفي معقل إيران وحزب الله بحيث لا يمكن أن تمران "دون رد".
قد يكون التحضير لهذا الرد لاستعادة استراتيجية الردع دون إشعال فتيل تصعيد أكبر "العمل الأكثر حساسية" في عام شهد اقترابا كبيرا من شفا حرب إقليمية.
وأسفرت الضربة على الضاحية الجنوبية لبيروت مساء الثلاثاء عن مقتل القيادي البارز في حزب الله، فؤاد شكر، والذي تقول إسرائيل إنه مسؤول عن ضربة صاروخية استهدفت ملعب كرة قدم في قرية مجدل شمس بمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 12 طفلا.
ونفى حزب الله مسؤوليته عن هذه الضربة.
ورغم أن هدف ضربة بيروت كان "شخصية عسكرية"، إلا أنها أصابت حيا مكتظا بالسكان يقع على مشارف العاصمة اللبنانية، حيث توجد عدة مكاتب لحزب الله، ما أسفر عن مقتل 5 مدنيين على الأقل وإصابة العشرات.
وبعد مرور أقل من 12 ساعة، أعلنت حركة حماس الفلسطينية - حليفة حزب الله والمدعومة من إيران كذلك - اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، في غارة جوية إسرائيلية بطهران، حيث كان يحضر مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
لم تعلن إسرائيل أو تنف مسؤوليتها عن اغتيال هنية، الذي يأتي بعد نحو 10 أشهر من بدء الحرب الوحشية في غزة، كما يتزامن مع ضغط وسطاء دوليين، على رأسهم الولايات المتحدة، لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن.
رد محسوب
يقول محللون إن جماعة حزب الله وإيران تشعران بأنه لابد من الرد، لكن حساباتهما تختلف.
وفي هذا السياق، قال نائب رئيس مركز "كارنيغي للشرق الأوسط" والباحث في شؤون حزب الله مهند الحاج علي: "رغم أن إسرائيل قصفت الضاحية الجنوبية لبيروت أيضا في يناير الماضي، مما أدى لمقتل القيادي في حماس صالح العاروري، إلا أن ضربة الثلاثاء استهدفت قياديا بارزا في حزب الله وقتلت مدنيين".
ويضيف: "هذه المرة، ذهبت إسرائيل إلى مدى أبعد، وقتلت قياديا بارزا في حزب الله، يجب على حزب الله الرد، وإن لم يفعل، فستكون هناك قاعدة جديدة هي قتل المدنيين على الجانب الإسرائيلي سيؤدي لاستهداف ضواحي بيروت، حزب الله لا يستطيع تحمل هذا".
ومن أجل إعادة إرساء الردع بعد ضربة الثلاثاء، قال الحاج علي: "حزب الله سيضطر إلى الضرب بشكل أعمق في الأراضي الإسرائيلية، وهذا يجلب معه مخاطر كبيرة".
اتفق أندرياس كريغ المحلل العسكري ومحاضر الدراسات الأمنية في "كينغز كولدج" بلندن، على أن حزب الله "سيشعر بالحاجة إلى تنفيذ ضربة انتقامية كبيرة".
وقال: "أعتقد أن حزب الله تعرض لضربة أقوى بكثير، ضربة مؤلمة للغاية مقارنة بإيران. ففي المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، هذا تصعيد كبير حيث يتعين على حزب الله الرد بشكل مناسب في الوقت المناسب لاستعادة الردع".
ومع ذلك، قال كريغ، فإن حزب الله سيضرب هدفا عسكريا إسرائيليا مهما على الأرجح، مثل القاعدة الجوية القريبة من حيفا والتي ظهرت في مقطع مصور من طائرة مسيرة نشره الحزب في يوليو الماضي، بدلا من هدف مدني.
ومن المرجح أن يسعى حزب الله الى إحداث أضرار مادية فقط بضربته لتجنب مزيد من التصعيد.
إيران تحت "حرج" الرد
تتشابه اللحظة الحالية مع ما حدث في أبريل الماضي، عندما اقتربت إسرائيل وإيران من الانزلاق إلى حرب بعد أن قصفت إسرائيل مبنى قنصليا إيرانيا في دمشق، ما أسفر عن مقتل جنرالين إيرانيين.
ردت إيران بضربة مباشرة غير مسبوقة على إسرائيل.
في ذلك الوقت، نجحت الجهود الدبلوماسية في احتواء التصعيد.
لكن هناك اختلافات رئيسية بين الضربتين.
فاغتيال هنية وقع على الأراضي الإيرانية، ما أحرج طهران، وأوضح أن إسرائيل تستطيع ضرب أهداف هناك بكل سهولة.
وفي حين يعتقد بعض المحللين أن استهداف شخصية غير إيرانية سيخفف من وطأة الأزمة، فقد تعهد المسؤولون الإيرانيون بـ"رد قاس".
وقال كريغ: "في حين أضر مقتل هنية بسمعة إيران، وشكل لحظة إذلال لها لأنه أظهر عجز طهران عن حماية ضيوفها البارزين، فإن هنية ليس جزءا لا يتجزأ من محور المقاومة".
وأضاف "وفاة هنية ليس لها أي آثار استراتيجية على إيران بخلاف كونها صفعة على الوجه لأنها كانت الدولة المضيفة، لقد قتل هذا الضيف أثناء وجوده في منطقة عسكرية شديدة الحراسة".
وبالتالي، يعتقد كريغ أن إيران "قد تختار تخفيف ردها".
اللجوء إلى الوكلاء
تقول نومي بئر يعقوب، المشاركة في برنامج الأمن الدولي بمعهد "تشاتم هاوس"، إن إيران "قد تلجأ إلى وكلائها من أجل الرد".
وتضيف "الإيرانيون لديهم رجالهم الذين تم تدريبهم وتسليحهم والتخطيط لهم في كل مكان، ويمكنهم الوصول إلى أي مكان بالعالم. كما يمكنهم ضرب أهداف إسرائيلية أو يهودية على مستوى العالم".
ضربة مباشرة
من جانبه، قال تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي للحكم المسؤول، إنه يتوقع أن يكون رد إيران "ضربة مباشرة أخرى لإسرائيل".
وأضاف أن اغتيال هنية "لم ينفذ على الأراضي الإيرانية فحسب، بل في طهران. لقد كان يحضر مراسم التنصيب. ولا يهم من كان مستهدفا، وما إذا كان الهدف إيرانيا أم لا".
كما ذكر أن الإيرانيين يشعرون على الأرجح بأنهم "إذا كانوا نجحوا عبر استعراض القوة في أبريل الماضي في استعادة الردع في الأمد القريب، فإن هذا الردع انتهى الآن، وسيضطرون إلى القيام بأكثر مما فعلوه في أبريل من أجل استعادة توازن القوى".
وأضاف: "لم يتفاقم تبادل إطلاق النار في أبريل بسبب التدخل الدبلوماسي من جانب الولايات المتحدة وغيرها، وبدا أن الضربة الإيرانية نفسها كانت مصممة بعناية لإحداث "الحد الأدنى من الأضرار".
من جانب آخر، قالت بئر يعقوب: "نعيش لحظة محورية في هذا الصراع. لا أعتقد أننا عشنا لحظة أصعب من هذه نظرا لأننا رأينا ما تستطيع إيران القيام به في أبريل".
وأضافت: "إن لم يتسبب الرد على الضربات في وقوع خسائر في صفوف الإسرائيليين، فلا يزال من الممكن تجنب حرب أوسع نطاقا. نحن في منطقة مضطربة، وهذا لا يبشر بالخير".
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات فؤاد شكر مسعود بزشكيان ضواحي بيروت حزب الله الأراضي الإيرانية إيران الولايات المتحدة حزب الله إيران إسرائيل فؤاد شكر مسعود بزشكيان ضواحي بيروت حزب الله الأراضي الإيرانية إيران الولايات المتحدة أخبار فلسطين فی حزب الله فی أبریل عن مقتل
إقرأ أيضاً:
من هو الشهيد محمد الضيف؟.. مرعب إسرائيل الذي أرهق الإحتلال لثلاثة عقود
أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، مساء الخميس 30 يناير 2025، استشهاد قائدها العام محمد الضيف، بعد مسيرة طويلة، توجها بعمليتي "سيف القدس" (2021) و"طوفان الأقصى" (2023).
ولم توضح القسام، في كلمة مصورة لمتحدثها أبو عبيدة، ظروف استشهاد الضيف الملقب بـ"أبو خالد"، واكتفت بالإشارة إلى أنه ارتقى في ساحات القتال بقطاع غزة ضد إسرائيل "مقبلا غير مدبر".
ونعاه أبو عبيدة قائلا إنه "استشهد هو وثلة من الرجال العظماء أعضاء المجلس العسكري العام للكتائب في خضم معركة طوفان الأقصى حيث مواطن الشرف والبطولة والعطاء".
وأضاف أن هؤلاء القادة "حققوا مرادهم بالشهادة في سبيل الله التي هي غاية أمنياتهم كختام مبارك لحياتهم الحافلة بالعمل في سبيل الله، ثم في سبيل حريتهم ومقدساتهم وأرضهم".
وشدد على أن "هذا ما يليق بقائدنا محمد الضيف الذي أرهق العدو منذ أكثر من 30 سنة، فكيف بربكم لمحمد الضيف أن يُذكر في التاريخ دون لقب الشهيد ووسام الشهادة في سبيل الله؟".
وعلى مدى سنوات، نفذت إسرائيل محاولات عديدة لاغتيال الضيف، لكنها فشلت في تحقيق هدفها، رغم إصابته في إحدى تلك المحاولات.
آخر محاولة لاغتياله أعلنتها إسرائيل كانت في 13 يوليو/ تموز 2024، حين شنت طائرات حربية غارة استهدفت خيام نازحين في منطقة مواصي خان يونس جنوب غزة، التي صنفها الجيش الإسرائيلي بأنها "منطقة آمنة"، ما أسفر عن استشهاد 90 فلسطينيا، معظمهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 300 آخرين.
لكن "القسام" نفت آنذاك صحة اغتياله، قائلة: "هذه ليست المرة الأولى التي يدعي فيها الاحتلال استهداف قيادات فلسطينية، ويتبين كذبها لاحقا، وإن هذه الادعاءات الكاذبة إنما هي للتغطية على حجم المجزرة المروعة".
** فمن محمد الضيف؟
ولد محمد دياب إبراهيم الضيف عام 1965، لأسرة فلسطينية لاجئة عايشت كما آلاف العائلات الفلسطينية آلام اللجوء عام 1948؛ لتعيش رحلة التشرد في مخيمات اللاجئين قبل أن تستقر في مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وفي سن مبكرة، عمل الضيف في أكثر من مهنة ليساعد أسرته الفقيرة، فكان يعمل مع والده في محل "للتنجيد".
درس الضيف في كلية العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، وخلال هذه الفترة برز طالبا نشيطا في العمل الدعوي والطلابي والإغاثي، كما أبدع في مجال المسرح، وتشبع خلال دراسته الجامعية بالفكر الإسلامي.
وبدأ نشاطه العسكري أيام الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حيث انضم إلى حماس في 1989، وكان من أبرز رجالها الميدانيين، فاعتقلته إسرائيل في ذلك العام ليقضي في سجونها سنة ونصفا دون محاكمة بتهمة "العمل في الجهاز العسكري لحماس".
وأوائل تسعينيات القرن الماضي، انتقل الضيف إلى الضفة الغربية مع عدد من قادة "القسام" في قطاع غزة، ومكث فيها مدة من الزمن، وأشرف على تأسيس فرع لكتائب القسام هناك.
في عام 2002، تولى قيادة كتائب القسام بعد اغتيال قائدها صلاح شحادة.
** مدافع عن القدس والأقصى
وعلى مدار حياته وقيادته في القسام، انشغل الضيف بالدفاع عن القدس والمسجد الأقصى في مواجهة اعتداءات إسرائيل.
هذا الأمر جعل اسمه يترد في الهتاف الشهير "إحنا رجال محمد ضيف" الذي بات يردده الفلسطينيون بالمسجد الأقصى في مواجهة الاقتحامات الإسرائيلية له، رغم أنهم لا يهتفون عادة لأي شخصية سياسية سواء كانت فلسطينية أو عربية أو إسلامية.
وبدأ الشبان الفلسطينيون في ترديد هذا الهتاف بمنطقة باب العامود، أحد أبواب بلدة القدس القديمة، في بداية شهر رمضان عام 2021 الذي وافق آنذاك 13 أبريل/ نيسان، حينما كانوا يحتجون على إغلاق الشرطة الإسرائيلية المنطقة أمامهم.
وبعد احتجاجات استمرت أكثر من أسبوعين، تخللها إطلاق أكثر من 45 صاروخا من غزة، على تجمعات إسرائيلية محاذية له، تراجعت إسرائيل وأزالت حواجزها من باب العامود.
وآنذاك، حذر الضيف إسرائيل من مغبة الاستمرار في سياساتها في القدس.
ولاحقًا، تكرر اسم الضيف في مظاهرات تم تنظيمها في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، احتجاجا على قرارات إخلاء عشرات العائلات الفلسطينية من منازلها في الحي لصالح مستوطنين.
وعلى إثر ذلك، خصّ الضيف، في بيان صدر في 4 مايو/ أيار 2021، سكان الشيخ جراح بأول إطلالة بعد سنوات من الاختفاء الإعلامي.
إذ قال إنه يحيي "أهلنا الصامدين في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة"، مؤكدا أن "قيادة المقاومة والقسام ترقب ما يجري عن كثب”.
ووجه "تحذيرا واضحا وأخيرا للاحتلال ومغتصبيه بأنه إن لم يتوقف العدوان على أهلنا في حي الشيخ جراح في الحال، فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي وسيدفع العدو الثمن غاليا”.
وبعد أكثر من عامين من ذلك التاريخ، عاد الضيف للدفاع عن المسجد الأقصى، عبر عملية "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي يُعتبر من مهندسيها.
إذ كان من أبرز مبررات إقدام "القسام"، على تلك العملية، تمادي إسرائيل في العدوان على القدس والمسجد الأقصى.
وعلى مدى نحو عقدين من الزمن، جاء الضيف على رأس قائمة الأشخاص الذين تريد إسرائيل تصفيتهم، حيث تتهمه بالوقوف وراء عشرات العمليات العسكرية في بداية العمل المسلّح لكتائب القسام.
ويفتخر جل الفلسطينيين بالضيف وبما حققه من أسطورة في التخفي عن أعين إسرائيل عقودا من الزمن، ودوره الكبير في تطوير الأداء العسكري اللافت لكتائب القسام، وخاصة على صعيد الأنفاق والقوة الصاروخية.
ويعزو جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" فشله لسنوات طويلة في تصفية الضيف إلى شخصيته، وما يتمتع به من حذر، ودهاء، وحسن تفكير، وقدرة على التخفي عن الأنظار، لدرجة أنه سماه "ابن الموت".
** "كما أنتِ هنا مزروعٌ أنا"
وسابقا، نجا الضيف من عدة محاولات اغتيال منها في أغسطس/ آب 2014، حيث قصفت إسرائيل منزلا شمالي مدينة غزة بخمسة صواريخ، ما أدى إلى مقتل 5 فلسطينيين بينهم زوجة القيادي الضيف (وداد) وابنه علي.
كذلك، حاولت إسرائيل اغتيال الضيف عام 2006، وهو ما تسبب، وفق مصادر إسرائيلية، في خسارته لإحدى عينيه، وإصابته في الأطراف.
وحاولت إسرائيل اغتياله للمرة الأولى عام 2001، لكنه نجا، وبعدها بسنة تمت المحاولة الثانية والأشهر، والتي اعترفت إسرائيل فيها بأنه نجا بأعجوبة وذلك عندما أطلقت مروحية صاروخين نحو سيارته في حي الشيخ رضوان بغزة.
وكان آخر المشاهد المسجلة للضيف ظهوره ضمن وثائقي "ما خفي أعظم" على قناة الجزيرة، وهو يضع اللمسات الأخيرة لعملية "طوفان الأقصى".
وحينها ردد كلمات لخصت مسيرته وهو يشير إلى خريطة فلسطين، جاء فيها:
كما أنتِ هنا مزروعٌ أنا
ولِي في هذه الأرض آلافُ البُذُور
ومهما حاوَل الطُّغاةُ قلعَنَا ستُنبِتُ البُذُور
أنا هنا في أرضِي الحبيبة الكثيرة العطاء
ومثلُها عطاؤُنا نواصِلُ الطَّريق لا نوقفُ المَسير