عراقيل نفط اليمن... الفساد وأضرار الآبار والتقسيم
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
في تطور يمثل انفراجاً جزئياً على مسار التسوية الاقتصادية، تستعد الحكومة اليمنية لاستئناف تصدير النفط الخام بعد قرابة عامين من التوقف الإجباري نتيجة هجمات الحوثيين على ميناءين لتصدير النفط هما الضبة بمحافظة حضرموت والنشيمة بمحافظة شبوة على البحر العربي (جنوبي شرق البلاد) في النصف الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
وتم استئناف تصدير النفط وفقاً للاتفاق الأخير بين الحكومة والحوثيين بشأن خفض التصعيد الاقتصادي، ويتضمن الاتفاق سماح الحوثيين للحكومة باستئناف تصدير الخام مقابل إنهاء التصعيد المصرفي من قبل الحكومة وإيقاف قرارات البنك المركزي المعترف به دولياً المتعلقة بإلغاء الطبعة القديمة من النقود المتداولة في مناطق الحوثيين ووقف نقل المقرات الرئيسية للبنوك التجارية من صنعاء إلى مدينة عدن الجنوبية حيث مقر الحكومة اليمنية.
صعوبات الإنتاج في اليمن
واجهت الحكومة اليمنية صعوبات في إعادة الإنتاج إلى المستوى السابق قبل التوقف. وأوضح الباحث في هيئة إنتاج واستكشاف النفط اليمنية لبيب ناشر، لـ"العربي الجديد": "فترة التوقف الطويلة لمدة عامين ينتج عنها تضرر الآبار، وبالتالي صعوبة في العودة إلى المستوى السابق من الإنتاج قبل التوقف، لذلك تحتاج هذه الآبار إلى صيانة مكلفة".
ومثلت عائدات النفط الخام أكثر من 70% من الموازنة العامة للدولة في فترة ما قبل الحرب واستمرت الحكومة في الاعتماد الكلي على عائدات هذا القطاع، خلال سنوات الحرب، على الرغم من تراجع الإنتاج من نحو 300 ألف برميل إلى 70 ألف برميل يومياً، وفقاً لبيانات حكومية.
وبلغت عائدات النفط 700 مليون دولار في العام 2020، و998 مليون دولار في عام 2021، وحققت الحكومة قفزة في مبيعات الخام خلال عشرة أشهر من عام 2022 من خلال عائدات وصلت إلى 1.2 مليون دولار نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية.
وتسبب توقف الخام في انهيار قيمة الريال اليمني بشكل متسارع، من 1260 ريالاً للدولار في يونيو 2022 إلى 1900 ريال للدولار خلال يوليو/ تموز الماضي، نتيجة انخفاض احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي. واعتبر خبراء اقتصاد أن استئناف تصدير النفط قد يساهم جزئياً في معالجة الأزمة المالية للحكومة التي فقدت أهم مصادر إيراداتها منذ أن توقفت صادرات النفط بسبب هجمات الحوثيين.
خطر الفساد
يؤكد خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد" أن استفادة الحكومة من عائدات النفط ترتبط بالجهود الحكومية لتنفيذ إصلاحات مالية وإدارية ومكافحة الفساد. وأوضح المحلل الاقتصادي عبد الواحد العوبلي لـ"العربي الجديد" أن "فساد الحكومة يلتهم عائدات النفط المحدودة، دون تأثير واضح في تحسن مستوى الخدمات أو أجور موظفي القطاع العام، مع تدني قيمة الرواتب بسبب التضخم الناتج عن الانخفاض المستمر في قيمة العملة الوطنية".
وعلى الرغم من التوقعات الإيجابية بشأن تحقيق الاستقرار المالي للحكومة باستئناف تصدير النفط، غير أن الحكومة ستحصل على إجمالي العائدات بشكل مؤقت خلال نصف عام، بعد ذلك ستحصل على عائدات أقل وسيكون عليها تقاسم الإيرادات مع جماعة الحوثيين لتغطية رواتب موظفي القطاع العام في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة.
هذا الوضع يؤكد أهمية إنجاز إصلاحات مالية وإدارية عاجلة ومكافحة الفساد والعمل من أجل تعزيز الإيرادات غير النفطية المتمثلة في الرسوم الجمركية والضريبية والتي يذهب جزء كبير منها إلى جماعات مسلحة في مناطق السيطرة الحكومية.
ويرى العوبلي أن تعامل الحكومة مع أزمة توقف صادرات النفط كان مخيباً للآمال بشدة، مع زيادة النفقات الحكومية بسبب وجود كيان جديد على رأس الدولة، ممثلاً في المجلس الرئاسي، الذي يضم ثمانية أعضاء يمثلون قوى ليست على توافق بينها المجلس الانتقالي الداعي لانفصال جنوب اليمن.
زيادة مكلا
في سياق تحريك ملف استئناف تصدير النفط قام رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بالسفر إلى مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، السبت الماضي، في زيارة وصفها مراقبون أنها تهدف لتمرير صفقة تقاسم إيرادات تصدير النفط مع جماعة الحوثي التي أوقفت تصديره منذ هجماتها على موانئ التصدير في حضرموت وشبوة في أكتوبر من عام 2022.
الزيارة وهدفها كانا محل استياء من أبرز المكونات السياسية في حضرموت، حيث أعلن مؤتمر حضرموت الجامع في بيان صادر عنه رفضه للزيارة التي قال عنها إنها خطيرة وتأتي في ظل ظروف معيشية وخدمية مزرية يعيشها المواطن الحضرمي بسبب عدم تلقي المحافظة مكانتها التي تستحقها من هذه الجهات.
بيان مؤتمر حضرموت الجامع يأتي امتداداً لمواقف معلنة سابقة من قبل أبرز المكونات السياسية في الجنوب، حيث أعلن قياديون في المجلس الانتقالي رفضهم تقاسم ما وصفوها بثروات الجنوب مع جماعة الحوثيين المسيطرة على شمال اليمن.
يأتي ذلك في ظل تخوف سعودي من تعطيل اتفاق تقاسم إيرادات النفط، خاصة أن حضرموت تسيطر على أكثر من 60% من الإنتاج حالياً، حيث تحصل هذه المحافظات منذ استئناف تصدير النفط عام 2017 على نسبة 25% من الإيرادات.
مواقف من شأنها تعقيد الملف الاقتصادي أكثر، خاصة بعد حالة الغضب الشعبي في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية من تراجعها عن القرارات الاقتصادية التي كانت اتخذتها ضد مصارف وبنوك رفضت نقل مقراتها إلى عدن، حيث تراجعت الحكومة عنها وقدمت المزيد من التنازلات لجماعة الحوثيين.
وحسب تقرير صادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي في عام 2016، فإن إجمالي الإيرادات النفطية، خلال العام 2014، حوالي خمسة مليارات دولار، حسب أسعار الصّرف في ذلك العام.
عدة تحديات
المحلل الاقتصادي إياد ناصر قال لـ"العربي الجديد" إن حكومة الشرعية تواجه العديد من التحديات الاقتصادية في ظل توقفها عن تصدير النفط والغاز، حيث أن جميع مواردها المالية لا تكفي لصرف 25% فقط من رواتب الموظفين الحكوميين، بالإضافة إلى العبء الكبير الذي تفرضه رواتب المسؤولين في الخارج والذين يقبضون رواتبهم بالعملة الصعبة، كما أن الحكومة تدفع شهريا مبلغ وقدره 12 مليون دولار شهريا للمسؤولين في الخارج".
وأضاف المحلل الاقتصادي أن توقف تصدير النفط تسبب بانهيار اقتصادي كبير نتيجة الفارق بين المصروفات والإيرادات، وهو ما انعكس سلباً على قيمة سعر الصرف الذي بلغ أدنى قيمة له بوصول سعر الدولار إلى 1900 ريال، وبالتالي فاستئناف التصدير يمثل أولوية للحكومة وقد تضطر لتقديم الكثير من التنازلات من أجل ذلك".
المحلل السياسي عماد شمسان قال لـ"العربي الجديد" إن الحديث عن استئناف تصدير النفط وتقاسم إيراداته سيمثل ضربة جديدة للحكومة الشرعية في حال عدم وجود التزامات من قبل جماعة الحوثيين بصرف رواتب الموظفين من عائدات النفط، في ظل ضغط الحوثيين أن تقوم السعودية أو الحكومة الشرعية بصرف رواتب الموظفين، ما يعني أن إيرادات النفط ستكون من نصيب جماعة الحوثي وسيتم توظيفها في خدمة أجندتها السياسية والعسكرية، ولن يستفيد منها المواطن.
وأشار المحلل السياسي إلى أن الاتفاق يجب أن يحدد آلية واضحة ومحددة لصرف رواتب الموظفين، كأن يتم توريد الإيرادات إلى إحدى البنوك التي تقوم بدورها بصرفها إلى الموظفين عبر التوريد إلى حساباتهم المصرفية مثلاً، بحيث لا تسلم إلى أيدي قيادات جماعة الحوثي، خاصة أن اتفاق استوكهولم كان ينص على أن تقوم الجماعة بصرف الرواتب من إيرادات ميناء الحديدة وهو ما تنصلت عنه الجماعة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن اقتصاد الحكومة النفط فساد استئناف تصدیر النفط جماعة الحوثیین رواتب الموظفین العربی الجدید عائدات النفط ملیون دولار
إقرأ أيضاً:
معهد أمريكي: هل تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية استباق أمريكي لإجراء عسكري مباشر ضدهم في اليمن؟ (ترجمة خاصة)
قال معهد أمريكي إن تصنيف الإدارة الجديدة للبيت الأبيض جماعة الحوثي "منظمة إرهابية أجنبية" استباق لإجراء عسكري مباشر ضد الجماعة في اليمن التي تنفذ هجمات ضد سفن الشحن في البحر الأحمر منذ عام ونصف.
وأضاف معهد دول الخليج العربي بواشنطن (AGSIW) في تحليل للباحث جريجوري د. جونسن وترجمه للعربية "الموقع بوست" إن ذلك يزيد من احتمال تورط واشنطن في صراع طويل الأمد آخر في الشرق الأوسط.
وأضاف "في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني، استأنفت ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية ما انتهت إليه ولايته الأولى، فأعادت تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية. وبدا الأمر التنفيذي وكأنه يهدد بتوسيع نطاق الحرب في اليمن، حيث نص على أن "سياسة الولايات المتحدة الآن هي التعاون مع شركائها الإقليميين للقضاء على قدرات الحوثيين وعملياتهم، وحرمانهم من الموارد، وبالتالي إنهاء هجماتهم على أفراد ومدنيين أمريكيين، وشركاء الولايات المتحدة، والشحن البحري في البحر الأحمر".
ويأتي قرار ترامب -حسب التحليل- في أعقاب وقف إطلاق النار المعلن في غزة وبيان الحوثيين في التاسع عشر من يناير/كانون الثاني الذي تعهدوا فيه بوقف الهجمات على الشحن التجاري في البحر الأحمر طالما استمر وقف إطلاق النار. وأفرج الحوثيون بعد ذلك عن طاقم سفينة الشحن جالاكسي ليدر التي استولوا عليها قبل أكثر من عام.
من نواح عديدة، يرى جريجوري د. جونسن أن الأمر التنفيذي لترامب محاولة لحرمان الحوثيين من النصر في البحر الأحمر.
وقال "لأكثر من عام، استهدفت المجموعة السفن التجارية والسفن البحرية الأمريكية. لقد حاولت إدارة الرئيس السابق جوزيف بايدن الابن اتباع استراتيجية الدفاع والردع والتدهور، والتي لم تفعل شيئًا لردع الحوثيين أو تدهورهم".
وتابع "في الواقع، في الأسابيع الأخيرة، وسع الحوثيون قائمة أهدافهم، وأطلقوا صواريخ على إسرائيل، مما أثار عددًا من الضربات المضادة الإسرائيلية".
يضيف "على عكس حماس وحزب الله، وهما ميليشياتان أخريان مدعومتان من إيران تم تخفيض قوتهما بشكل كبير منذ أكتوبر 2023، عانى الحوثيون من خسائر قليلة نسبيًا على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية. وبدلاً من ذلك، يبدو أن المجموعة استفادت بطرق عديدة من حملتها الصاروخية".
واستدرك "على المستوى المحلي، عززت الدعم وأسكتت المنتقدين الداخليين من خلال الانخراط عسكريًا مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وكلاهما غير محبوبين للغاية عبر الطيف السياسي في اليمن. كما استفاد الحوثيون من تأثير "التجمع حول العلم". فكلما زاد قصف الولايات المتحدة وإسرائيل للحوثيين، زادت شعبية المجموعة".
وعلى المستوى الإقليمي، يقول "أثبت الحوثيون أنهم حلفاء فعالون لإيران، حيث حولوا مكونات الصواريخ التي هربتها إيران إلى البلاد إلى ضربات على إسرائيل. وبمرور الوقت، وإذا لم تتمكن حماس وحزب الله من التعافي، فقد يؤدي هذا إلى زيادة كميات الدعم الإيراني للمجموعة".
بطبيعة الحال، يؤكد أن جزء من نجاح الحوثيين هو نتيجة للجغرافيا المواتية. تسيطر المجموعة على جزء كبير من الساحل اليمني على طول البحر الأحمر ولا تشترك في حدود مع إسرائيل، مما يجعل الضربات الانتقامية أكثر تحديًا. ومن خلال مواجهة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وضعت المجموعة أيضًا خصومها العرب، مثل المملكة العربية السعودية، في موقف صعب.
وقال "على الرغم من أن المملكة العربية السعودية كانت منخرطة في حرب مع الحوثيين منذ ما يقرب من عقد من الزمان، إلا أن المملكة رفضت الانضمام إلى التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة الحوثيين، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن المجموعة كانت تُرى على أنها تدافع عن الفلسطينيين".
واستطرد "في حالة انسحاب المملكة العربية السعودية بالكامل من اليمن، فمن المرجح أن يتحرك الحوثيون نحو حقول النفط والغاز في مأرب، وهو ما من شأنه أن يعزز قبضتهم على السلطة بشكل كامل". لافتا إلى أن الشيء الوحيد الذي منع ذلك حتى الآن هو وجود غطاء جوي سعودي في مأرب. ومن مأرب، سيكون الحوثيون في وضع جيد للتحرك إلى شبوة ومن هناك إلى حضرموت، مما يدمر فعليًا أي آمال في قيام دولة غير حوثية في جنوب اليمن.
على الصعيد الدولي، يتابع "تمكن الحوثيون من تعميق علاقاتهم مع روسيا، التي كانت تبحث عن وسيلة فعالة لمواجهة الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا. وإذا تطورت هذه العلاقات إلى معدات ومساعدات، فقد يتحول الحوثيون إلى تهديد عسكري أكثر أهمية. كما استنزف الحوثيون مخزونات الولايات المتحدة بإجبارها على إطلاق أكثر من 200 صاروخ بتكلفة تزيد عن 500 مليون دولار".
ويرى أن الأمر الأكثر أهمية من التكلفة العالية هو حقيقة أن الصواريخ التي تطلقها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا يمكن استخدامها في المحيط الهادئ، وقد يستغرق تجديد المخزونات سنوات. أخيرًا، وربما الأهم، أنهى الحوثيون الحرب بشروطهم الخاصة، مما سمح لأنفسهم بإعلان النصر على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويهدف الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب إلى إبطال هذا النصر الذي ادعاه الحوثيون بطريقتين. أولاً، والأكثر وضوحاً، يهدد الأمر باتخاذ إجراء عسكري مباشر ضد الحوثيين.