سياسة الاغتيالات الإسرائيلية: نجاح تكتيكي وفشل استراتيجي
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
نجاح تكتيكي بالغ الوضوح، وفشل استراتيجي أكثر وضوحاً. هكذا هو تقييمي لعمليات الاغتيال والتصفية التي برعت فيها إسرائيل منذ سبعة عقود، في محاولاتها العقيمة لحسم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإسدال الستار على القضية الفلسطينية العادلة، ومناصريها.
بلغت هذه المحاولات الإسرائيلية ذروة جديدة ليلة أمس الأول، ليلة الثلاثاء/الأربعاء، حيث بفارق ساعات قليلة، نجحت اجهزة الأمن والإجرام الإسرائيلية، وذراعها التنفيذي، في اغتيال (أو ربما محاولة اغتيال) القائد المرموق في «حزب الله» اللبناني، فؤاد شكر، في العاصمة بيروت، وفي معقل قيادة المقاومة في «الضاحية»، ثم في اغتيال القائد الفلسطيني، إسماعيل هنيّة، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في العاصمة الإيرانية، طهران، وفي بيت الضيافة الخاص بـ»الحرس الثوري» الإيراني تحديداً.
إنها خسارة معنوية ومادية كبيرة للعمل الوطني الفلسطيني، ولمناصريه عملياً، في العمل العسكري المباشر، من جنوب لبنان الى اليمن والعراق، وحتى طهران، التي استهدفت قواعد عسكرية إسرائيلية بنحو 330 صاروخاً ومسيّرة، ليلة 13/14 نيسان/ابريل الماضي لأول مرة.
سبق هاتين الجريمتين الإسرائيليتين، منذ طوفان وزلزال السابع من أكتوبر، مسلسل من الاغتيالات والتصفيات، كان من أبرزها وأكثرها إيلاماً، اغتيال القائد الفلسطيني، صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، في بيروت، واغتيال، (أو محاولة اغتيال)، القائد الميداني لكتائب عز الدين القسّام، محمد الضيف.
لم تبدأ إسرائيل اعتماد سياسة الاغتيالات لقيادات وكوادر العمل والنضال الفلسطيني، ومناصريهم، لا أمس ولا منذ انفجار زلزال السابع من اكتوبر. بدأت هذه العمليات الإجرامية يوم 12.7.1956 تحديداً، قبل 68 سنة، باغتيال العميد في الجيش المصري، الشهيد مصطفى حافظ، كان ذلك بذريعة تدريب الفدائيين الفلسطينيين الأوائل في قطاع غزة، حيث أوفده الزعيم العربي الخالد، جمال عبد الناصر، (بعد أن رفّعه الى رتبة عميد)، الى قطاع غزة، أيام كان القطاع تحت الإدارة المصرية، لتلك المهمة. وهناك التقى هو ومساعدوه مع الشباب الفلسطينيين، الذين كان بعضهم قد بدأ بتنفيذ عمليات فدائية ضد أهداف إسرائيلية، ومن أبرزهم خليل الوزير (ابو جهاد)، ومحمد الإفرنجي وحمد العايدي وآخرون.
هذا النجاح الإسرائيلي التكتيكي، باغتيال مصطفى حافظ، أنتج خسارتين استراتيجيتين لإسرائيل، على الصعيد المصري العربي، وعلى الصعيد الوطني الفلسطيني:
ـ الصعيد المصري: بعد 14 يوماً فقط من اغتيال مصطفى حافظ، أعلن جمال عبد الناصر، من الإسكندرية، يوم 26.7.1956، قرار تأميم قناة السويس، وطرد الحامية البريطانية من محيط قناة السويس، ووهب مصر «عيد الجلاء»، الأمر الذي أدّى الى حبك المؤامرة البريطانية (بسبب التأميم والإجلاء) الفرنسية (بسبب دعم مصر للثورة الجزائرية) الإسرائيلية (لألف سبب وسبب)، وتم انطلاق العدوان الثلاثي على مصر، يوم 29.10.1956، الذي انتهى الى: 1ـ خسارة بريطانيا لكل مستعمراتها شرق السويس، وخسارة اسمها المُبجّل «بريطانيا العظمى»، لتصبح مجرد «الجزر البريطانية»، واستسلامها المطلق للسياسة الأمريكية، بحيث أصبحت دولة بلا سياسة خارجية مستقلة، (وآخر ما يثبت ذلك موقفها من الحرب الإسرائيلية الإجرامية الهمجية الحالية على قطاع غزة وأهله واللاجئين فيه، وهذا بعد موقفها المشين من حرب الخليج الثانية)، بالإضافة لسقوط انطوني إيدن وحكومته. و2ـ هزيمة فرنسا في مواجهة الثورة الجزائرية، وسقوط غي موليه وحكومته، ولاحقاً الجمهورية الرابعة، وقيام «الجمهورية الخامسة» في عهد شارل ديغول. و3ـ إجبار إسرائيل على الانسحاب من كل شبه جزيرة سيناء المصرية، ومن قطاع غزة الفلسطيني يوم 15 آذار/مارس 1957، بقرار/أمر من البيت الأبيض والكرملين، رغم احتفال بن غوريون باحتلال سيناء وقطاع غزة، وتبجحه بالحديث عن قيام «الهيكل الثالث». (ذلك دون أن ننسى أن ترافق تأديب أمريكا لإسرائيل، مع إعجاب أمريكي بالكفاءة العسكرية لإسرائيل، وبدء تثبيت دعمها القوي لها، ونسج التحالف معها، الذي تطور الى «تحالف استراتيجي»، ساعدها ومكّنها من الانتصار المذهل في حرب حزيران/يونيو 1967، وأنقذها من الهزيمة في حرب اكتوبر 1973، وأخرج لها مصر من معادلة أي حرب عربية يمكن أن تشن عليها).
ـ الصعيد الفلسطيني: بعد سنتين من اغتيال مصطفى حافظ، ساهم/بادر خليل الوزير، مع الزعيم الفلسطيني الخالد، ياسر عرفات، وصلاح خلف (ابو اياد) وعبدالله الدنّان وتوفيق شديد وغيرهم، الى تأسيس «حركة فتح»، وأصبح الرجل الثاني فيها، وكان واحداً من ابرز القيادات الفلسطينية الثورية، ونال عند استشهاده يوم 16.4.1988، بجدارة، لقب «أمير الشهداء»، كما سمّاه أبو عمار، ولقب «أول الرصاص، أول الحجارة».
هذه كانت من بين النتائج المباشرة لنجاح إسرائيل في اغتيال مصطفى حافظ: نجاح تكتيكي أكيد، وفشل استراتيجي مُدوّ.
من ذلك الاغتيال قبل 68 سنة الى يومنا هذا، اغتالت إسرائيل، وأجهزتها الإجرامية، مئات القيادات والكوادر الفلسطينية في النضال التحرري الفلسطيني، وفي صفوف مناصريهم معنوياً وعملياً. من القائد الرمز، ياسر عرفات، الى زعيم ومؤسس حركة حماس، الشيخ أحمد ياسين، الى أمين عام الجبهة الشعبية، أبو علي مصطفى، (الذي انتقمت له الجبهة الشعبية باغتيال الوزير الإسرائيلي العنصري، رحبعام زِئيفي)، الى فتحي الشقاقي، امين عام الجهاد الإسلامي. ومن الكوادر الفلسطينية المناضلة… حدّث ولا حرج: من غسّان كنفاني الى سعيد حمّامي، ومحمود الهمشري، وعز الدين القلق، ووائل زعيتر، ومنذر ابو غزالة، ومأمون مريش، ويحيى عيّاش، والمناضلين في «عملية سافوي» الذين ألقت بهم جموع إسرائيلية فاقدة للحس الإنساني، من الطابق الخامس في فندق سافوي (في تل ابيب)، وغيرهم وغيرهم. فماذا كانت النتيجة؟. كانت نجاحا تكتيكيا وخسارة استراتيجية.
على أن هذه النتائج السلبية لسياسة الاغتيالات التي تتغنى وتفتخر إسرائيل وأجهزتها الأمنية بتنفيذها والنجاح فيها لا تقتصر على من هم في صميم العمل الوطني الفلسطيني. إنها تمتد لتشمل الأكثر تضاماً وانتصاراً لشعب فلسطين ومناضليه. تصل الى الأقرب الى شمال فلسطين: كانت «حركة أمل» وليدة التحالف والتعاون والتكامل بين مناضلي الطائفة الشيعة في جنوب لبنان، والنضال الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وعمودها الفقري، (في حينه)، حركة فتح، ثم انطلق «حزب الله» اللبناني من رحم حركة أمل، وحقق نتائج باهرة في مواجهة الإحتلال والإستعمار والهيمنة الإسرائيلية على أجزاء واسعة من لبنان، ومن جنوبه خاصة، وتولى الشيخ صبحي الطفيلي منصب الأمين العام للحزب، وعندما تخلى عن موقعه هذا جراء خلافات تنظيمية داخلية، تولى عالم الدين، السيد عبّاس موسوي منصب الأمين العام لحزب الله، الى أن اغتالته إسرائيل يوم 16.2.1992. وخلفه في منصب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ويكاد لا يخلو تقرير أو مقال صحافي او حوار في أيٍّ من وسائل الإعلام الإسرائيلية، من عض أصابع النّدم على اغتيال الموسوي والتسبب في تولي السيد حسن نصرالله، بالغ الذكاء وصاحب الشخصية الكارزماتية، ما هو فيه من موقع يقض، جديّاً، مضاجع القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
اغتيال الشهيد اسماعيل هنية يندرج، بالتأكيد، في خانة «نجاح تكتيكي، وفشل استراتيجي».
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني المصري غزة هنية مصر فلسطين غزة هنية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
مصطفى بكري: مصر وقفت مع المقاومة الفلسطينية من اليوم الأول للحرب (فيديو)
أكد الإعلامي مصطفى بكري، أن مصر وقفت مع المقاومة الفلسطينية من أول يوم، معلقا “لا يوجد مصري أدان المقاومة وكنا نتحدث بإيمان حقيقي عن أهمية المقاومة”.
أنصار الله تصدر بيانًا بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة جيش الاحتلال يُعلن قصف 50 هدفًا في غزة خلال 24 ساعة الرئيس السيسي وضع القضية الفلسطينية على عاتقهوقال مصطفى بكري، خلال تقديمه برنامج “حقائق وأسرار”، عبر فضائية “صدى البلد”، إن جميعنا يعلم أهمية المقاومة ولكن مصر قدمت الكثير والرئيس السيسي وضع القضية الفلسطينية على عاتقه.
وتابع مصطفى بكري: "مصر رفضت مخطط التهجير، ولكن الخونة والمتآمرون يقللون من الدور المصري لحل القضية الفلسطينية، معلقا “القضية الفلسطينية قضية كل مصري واللي مش عارف كدة يرجع لتاريخ مصر”.
كشفت جماعة "أنصار الله" اليمنية، اليوم الخميس، عن موقفها من الإعلان عن التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بين إسرائيل وحركة "حماس" الفلسطينية.
وبحسب"سبوتنيك"، قال عبدالملك الحوثي، زعيم "أنصار الله"، في كلمة له، إن "إعلان الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة تطور مهم، والعدو الإسرائيلي اضطر هو والأمريكي إلى الذهاب إلى الاتفاق في غزة بعد أشهر من الجرائم الرهيبة".
وأوضح،"سنواكب مراحل تنفيذ الاتفاق، وأي تراجع إسرائيلي أو مجازر وحصار سنكون جاهزين مباشرة للإسناد العسكري للشعب الفلسطيني".
وأشار، "سنعمل على إسناد الشعب الفلسطيني والوقوف معه بكل أشكال التعاون، لحين تطهير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.
كما أشار الحوثي إلى أن جماعة "أنصار الله" اليمنية نفذت عمليات عسكرية بـ1255 صاروخا، ما بين باليستي ومجنح وفرط صوتي، وطائرات مسيرة، علاوة على الزوارق الحربية.
ولفت إلى أن "إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة في قطاع غزة، وفشلت في استعادة محتجزيها دون صفقة تبادل".
وتوقع الحوثي بأن "أمريكا ستسعى خلال المرحلة القادمة على أن تستفرد بالشعب الفلسطيني، وأن تخلخل وضعه الداخلي، وأن تصفي القضية الفلسطينية، وستفشل".
وأشار إلى أن "العدو سيُحرك قطار التطبيع من جهة، ومن جهة أخرى الحملات الدعائية، ومحاولة إغراق الشعوب في الفتن والأزمات لتُنسى فلسطين".
وفي سياق متصل، علقت إيران، اليوم الخميس، في أول بيان لها على الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين حركة "حماس" الفلسطينية وإسرائيل.
وبحسب"سبوتنيك"، هنأت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيانها الرسمي، الشعب الفلسطيني وأنصار المقاومة في جميع أنحاء العالم، بعد التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.
واعتبرت، أن الاتفاق هو "نتيجة تعاطف شعب غزة مع المقاومة ووقوفه ضد الهجرة القسرية للفلسطينيين.
وأضافت الخارجية الإيرانية، أن "النظام الإسرائيلي المحتل والإبادة الجماعية، على مدى الأشهر الـ15 الماضية، ومن خلال الانتهاكات المنهجية والواسعة النطاق والفاضحة للمبادئ والقواعد الأساسية للقانون الدولي وحقوق الإنسان والقانون الإنساني، فضلا عن ارتكاب أشد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، واصل خطته "الإبادة الاستعمارية" للشعب الفلسطيني - وهي الخطة التي بدأت قبل 8 عقود بدعم أو صمت من القوى الاستعمارية.