تناولت أولى جلسات نقاش اليوم الأول من معرض المدينة المنورة للكتاب، كيفية استخدام الخيال أداة للتفاهم والتأثير الاجتماعي عبر مزجه بالأحداث الواقعية والوقائع الحقيقية، وإسهاماته في تعزيز التفاهم والتواصل بين الثقافات والمجتمعات المختلفة، وذلك في الجلسة التي أتت بعنوان "خيال وواقع: التقاء الخيال بالواقع"، وتحدث فيها كل من الروائي السعودي أسامة المسلم، والدكتورة هناء نمنكاني، ضمن البرنامج الثقافي للمعرض.


وأكد المسلم، أن الواقع أصبح غريبًا أكثر من الخيال، وهو أحق بتصويره في القصص والروايات، لافتًا إلى أن الرواية يمكن أن تعيدنا إلى الواقع، وتكشف طبيعتنا الإنسانية الحقيقية، مشيرًا إلى أن القصص عبر التاريخ كانت الوسيلة لنقل المعلومة أو القيمة، لأنها تعتبر إناء سهلاً للتداول.

وتناول المسلم، في الجلسة جوانب كتابة القصة والرواية في ضوء الخيال، وقال: "يمكن أن تُكتب قصة تتضمن شخصية جيدة وأخرى سيئة، وكل شخص يختار من يُمثله منها، وليس بالضرورة توجيه القارئ، وإنما ترك حرية الاختيار له، فلا يوجد شر مطلق وخير مطلق، ولن تجد إنسانًا خيّرًا كليًّا أو شريرًا على الإطلاق، ولكن القصة تمنحك المجال أن ترى عاقبتهما، لأن الرواية هي توجيه غير مباشر، سواء مكتوبة أو شفهية، فالأمهات كنّ يروين قصصًا بعواقب وخيمة للتحذير، بدلًا من وضع التعليمات المباشرة، والتي قد لا تكون مستساغة للأبناء".

من جهتها، أكدت الدكتورة هناء نمنكاني، أن سرد القصص بالاستعانة بالخيال كان دومًا له دور مهم عبر التاريخ وفي الأساليب القصصية الحديثة.

وقالت: "من الأمور التي غيّرت مجرى حياتي هي القصص التي تتضمن الخيال والأمثلة، وحينما تواجهنا المشكلات فإننا نحلها بالخيال، وليس بالمنطق وحده، إذ يمكننا تخيل الحلول الممكنة، فخيال القصة والرواية يستطيع أن يحفّز التفكير لدى القارئ".

وأوضحت نمنكاني، أن الحكمة في سطور الرواية تصل للإنسان بشكل أسهل من إملائها إملاءً مباشرًا، وأن الأشخاص يمكنهم إطلاق العنان لخيالهم، بشرط أن يعودوا إلى الواقع.

المصدر: صحيفة عاجل

كلمات دلالية: أخبار السعودية معرض المدينة المنورة للكتاب آخر أخبار السعودية

إقرأ أيضاً:

السوجرة قرية من وحي الخيال

قررنا أن نقضي يومنا بطريقة مختلفة، فاخترنا أن يكون الإفطار في مكان لا يشبه غيره، "قرية السوجرة"، تجربة تشعرك وكأنك على وشك الدخول إلى فصل من كتاب قديم، تحمله أوراقه عبق التاريخ، وتروي سطوره حكايات من زمن بعيد، وصلنا إلى القرية التي تقع بين جبلين، تمامًا كأنها مخبأة بعناية في حضن الطبيعة، وكأن الجبال تحرسها من عبث الزمن، السكون كان سيد المكان، لا صوت سوى همسات الريح التي تمر بخفة بين البيوت الحجرية، وكأنها تهمس لنا بقصص من عاشوا هنا قبل عشرات السنين، قرية السوجرة ليست كبقية القرى؛ فهي تعود بأصولها إلى أكثر من 500 عام، عاش فيها جدّان شقيقان، وأسّسا معًا نواة لحياة بسيطة جمعت حولها ست عائلات فقط، ورغم قلة عدد السكان، إلا أن الترابط والانسجام كانا واضحين في كل ركن، في كل حجر من جدران البيوت، وفي كل شجرة زُرعت بيدٍ محبة، ما أثار دهشتنا أن الحكومة لم تُجبر الأهالي على إخلاء القرية كما يحدث في بعض المناطق النائية، بل احترمت ارتباطهم بالمكان، وجلبت إليهم الخدمات الأساسية، حتى في الحالات الطارئة، لم يكن مستحيلًا الوصول إليهم، فكانت طائرات "الهليكوبتر" تُرسل عند الحاجة، وكأن السماء نفسها كانت مفتوحة لهم عند الضرورة.

تخيّل أن تعيش في قرية منعزلة عن العالم، وتضطر أن تمشي لأيام فقط لتصل إلى السوق الأقرب! هذا ما كان يفعله أهل السوجرة، كانوا يحملون معهم ما زرعته أيديهم من ثمار، ويتوجهون إلى سوق نزوى، في رحلة تستغرق ثلاثة أيام كاملة، يومًا ونصف اليوم ذهابًا، ويومًا ونصف اليوم عودة، يبيعون ثمارهم هناك، ويشترون ما يحتاجونه من طعام وبهارات وأساسيات حياتهم البسيطة، تخيّل كل تلك المسافة، كل ذاك الجهد، فقط لتأمين لقمة العيش، لكنه كان جزءًا من نمط حياة لا يعرف التذمر، بل تحكمه القناعة والرضا، أوقاتهم كانت تسير على إيقاع الطبيعة والعبادة، يصحون مع أذان الفجر، ويبدؤون يومهم مع شروق الشمس، ويخلدون إلى النوم بعد صلاة العشاء، حين يغمر الظلام القرية ويعود السكون ليحتضنها من جديد، لا ضوضاء، لا أضواء اصطناعية، فقط سكون يعلّق الزمن بين الجبلين.

البيوت هناك تُشبه القصص، صغيرة، حجرية، لكنها تحوي دفئًا لا يمكن أن تراه، بل تشعر به، ربما لأن كل جدار فيها شهد ضحكة، وكل زاوية فيها تحمل ذكرى، وكل ممر بين بيوتها ضم خطوات لأجيال مضت، السوجرة ليست مجرد قرية، بل فصل محفوظ من كتاب الهوية العُمانية، هي نموذج لحياة اتسمت بالبساطة، لكنها مشبعة بالقيمة، حياة لا تعرف الإسراف، ولا تلهث خلف التكنولوجيا، بل تسير على إيقاع الشمس والظل، الماء والتربة، الدعاء والكد، وأثناء جلوسنا هناك، وتناول الإفطار وسط هذا الهدوء الساحر، أحسسنا أننا لسنا مجرد زائرين، بل ضيوف على قصة أزلية، قصة لا تزال تُروى رغم أن معظم شخوصها قد غادروها وانتقلوا إلى مساحة مجاورة.

كان أكثر ما لفت انتباهنا في قرية السوجرة هو الانسجام العجيب بين الإنسان والمكان، كل شيء هناك يشعرك وكأن الطبيعة والناس اتفقوا على نوع من التعايش السلمي، لا اعتداء فيه ولا صخب، الأشجار تنمو بهدوء، والمياه تنساب في مجاريها القديمة، والبيوت لا تحاول أن تتجاوز حدود الأرض، بل تتماهى معها، بلون الحجر نفسه وروحه، بينما كنا نتجول في أزقة القرية، مررنا بآثار الدروب الترابية، ربما لأطفال عاشوا هنا قبل عشرات السنين، وربما لحمار يحمل على ظهره الحطب، أو لامرأة كانت عائدة من الحقول، كل شيء له ذاكرة، وله حكاية، حتى الجدران المتصدعة لم تكن مجرد حجارة متهالكة، بل صفحات صامتة من تاريخ عائلات عاشت، وفرحت، وبكت هنا.

سمعنا من أصحاب المكان الذين بقوا في المنطقة والذين كانوا يشرفون على النزل، أن الحياة في السوجرة لم تكن سهلة، لكنها كانت كريمة، كانوا يزرعون ما يأكلون، ويقتسمون ما يجنونه، فلا جوع يستفرد ببيت، ولا حاجة تُترك دون سند، القوة لم تكن في كثرة المال أو البنيان، بل في الترابط، في شعور كل فرد بأن القرية بأكملها تقف خلفه إن احتاج، حدثنا أحد المشرفين القائمين على النزل عن الشتاء هناك، حيث يلبس الضباب القرية بأكملها رداءً من الغموض، ويغلق الجبلان على قريتهما الصغيرة كما لو كانا يحميانها من العالم الخارجي، وفي الصيف، تتزين الحقول بالخضرة.

ما يجعل السوجرة مميزة ليس فقط قدمها أو مكانها، بل استمرارها، قرى كثيرة هُجرت، وبيوت كثيرة تُركت، لكن السوجرة لا تزال تحتفظ ببعض من نبضها، لا تزال تنبض بالقصة، وبالذكرى، وبالأمل، حيث قام أحفاد أولئك الأجداد بإعادة الحياة لها من جديد عبر ترميم المنازل القديمة وتحويلها إلى نُزل تراثية عن طريق شركاتهم العائلية التي تبنّت هذا الدور، لكونهم أحرص الناس على تراثهم، رحلتنا هذه لم تكن مجرد نزهة، بل كانت دعوة للتأمل، وتذكيرًا بأن البساطة ليست نقصًا، بل جمال من نوع مختلف، وفي زمن تتسارع فيه الحياة، وتتشابك فيه الشاشات والتطبيقات، هناك مكان ما بين جبلين، لا يزال يحتفظ بإيقاع الزمن الجميل، وغادرنا السوجرة، لكن بقيت أرواحنا هناك، تسرح بين جدرانها العتيقة، وتتنفس من سكونها الطاهر، وكأن القرية اختارت أن تُقيم فينا، لا أن نُقيم فيها، والذي لا شك فيه أنها الزيارة الأولى، ولكنها حتمًا ليست الأخيرة.

مقالات مشابهة

  • أمير المدينة المنورة يرأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة
  • حكماء المسلمين يشارك في معرض أربيل الدولي للكتاب 2025
  • أمير المدينة المنورة يستقبل مدير عام الأحوال المدنية بالمنطقة
  • بمشاركة 22 دولة .. انطلاق فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب (صور)
  • اجتماع في صنعاء يناقش عمل المجلس الطبي والصعوبات التي تواجهه
  • اجتماع بصنعاء يناقش عمل المجلس الطبي والصعوبات التي تواجهه
  • أمير المدينة المنورة يستقبل قائد قوات أمن المنشآت بالمنطقة
  • السوجرة قرية من وحي الخيال
  • حرس الحدود بمنطقة المدينة المنورة ينقذ 3 مواطنين تعطلت واسطتهم البحرية في عرض البحر
  • في أولى جلساته بالرياض.. منتدى الاستثمار الرياضي يناقش الدور الحكومي لجعل الرياضة رافدًا اقتصاديًا مستدامًا