التاريخ يعيد نفسه في ميدان سمحان الحافة
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
خالد بن سعد الشنفري
لميدان سمحان بالحافة حكايات وحكايات ارتبطت معظمها بذاكرتي الغضة في ستينيات القرن الماضي وظلت ترافقني لأكثر من 5 عقود من الزمن إلى يومنا هذا رغم ما أخذ وأعطى الزمن على هذه الذاكرة.
في الحقيقة إن الذي نشط الذاكرة اليوم عن ميدان سمحان وذكريات مهد طفولتي بالحافة هو فعاليات عودة الماضي لعامه الثاني هذا الخريف على أرض ميدان سمحان الذي يتوسط إطلالة ظفار على بحر العرب وبندرها التاريخي على العالم، حيث اشتمل هذا العام على فعاليات أكثر تنوعًا ومناشط فنية وثقافية جمعت بين بيئات ظفار الثلاث الحضرية والريفية والبدوية والتي سطرها شباب الحافة وظفار عموما على أرض ميدان سمحان.
نُثمِّن هذا المسعى المشكور من هؤلاء الشباب لاستننباط عبق الماضي مع إيقاع العصر الحديث في بانوراما رائعة لتحقيق مطلب تجسيد وتزاوج الأصالة والمعاصره معًا في موقع واحد في أبهى حللها لتذكير أنفسهم أولًا، وثانيًا لنقل تراثهم الذي يفاخرون به وخصوصيته إلى زائري ظفار في خريفها من كل مناطق عمان الحبيبة المترامية الأطراف ومن أنحاء دول مجلس التعاون الجارة، الذين تتزايد زياراتهم إلى ظفار وبالذات في خريفها الماطر وجوها وطبيعتها الاستثنائية الفريدة، وذلك دون كل ما يحيط بها من شبه الجزيرة العربية؛ بل والعالم العربي، رغم تغير طبيعة المناخ على مستوى العالم في الأعوام الأخيرة، وكأنَّ حال ظفار وخريفها يقول: أنا هنا حالة استثنائية اصطفاها الرحمن لا تتبدل ولا تتغير وستظل كما كانت هكذا منذ آلاف السنين.
العادة أنه يوجد ميدان يتوسط كل منطقة سكانية من مناطق ظفار يسمى عادة باسمها، ومخصص لمناسبات أفراح وأتراح هذه المنطقة وهبوت أعراسها وجميع فنونها التقليدية، لكن ميدان سمحان بالحافة كان استثناءً من هذه القاعدة؛ فهو لم يُسمَّ باسم الحافة ولا يُعرف إلّا باسم ميدان سمحان، وما لهذا الاسم السمح الجميل القوي من معانٍ كثيرة لغويًا، ثم إنه الميدان الوحيد في ظفار الذي يُطل على شاطئ بحر العرب مباشرةً، وقد منحه ذلك ميزات كثيرة بدءًا من اتساع المساحة بامتداد الشاطئ والبعد النظري لزرقة ماء البحر وجمالها والتهوية في كل الفصول.
لم يكن ميدان سمحان للأفراح والهبوت والفنون المختلفة فقط كبقية ميادين مناطق ظفار؛ بل كان يُستغل في أوقات عديدة كموقع للحل والعقد والصلح بين أبناء المنطقة، وأيضا كان سوقًا شعبيًا بكل المقاييس في الفترة المسائية من كل يوم؛ حيث كانت العادة أن سوق الحافة (الماركيت)- وهو بالمناسبة السوق المركزي الوحيد في ظفار قديمًا وحديثًا- للحوم والأسماك والخضار ومنتجات محلية أخرى، وكان يسمى قديمًا بـ"سوق العرضة" وتتواصل فيه عمليات البيع والشراء من الصباح الباكر إلى وقت صلاة الظهر وتتوقف الحركة فيه نهائيًا بعد ذلك.
اعتاد تجار الفواكه وتجار اللحوم نقل ما تبقى من بضائعهم بعد عصر كل يوم إلى ميدان سمحان بالحافة القريب منهم؛ وذلك نظرًا لعدم وجود الثلاجات في تلك الفترة في ظفار كلها لعدم وجود الطاقة الكهربائية أصلًا- إلّا في قصر الحصن- ليبيعوها في الفترة المسائية في الميدان.
كان ميدان سمحان بعد عصر كل يوم يعج بالحركة والحياة، ويتنقل الناس بينه وبين شاطئ البحر، فيقوم الجزارون بشواء ما تبقى من لحومهم، وذلك بإعداد المشاكيك وقليها بشحومها في مقلاة كبيرة على نار الحطب الهادئة أو طهيها في قدور كبيرة (مفهيش) وبيعها بالقطعة ليتمكن من شرائها الكبار والصغار، ويعرض أصحاب الفواكه البطيخ (الجح) الظفاري القديم زكي الرائحة قاني الإحمرار، على أشكال مثلثات ومربعات جميلة الشكل، إضافة إلى منتجات بيوت وأسر أهالي الحافة من الحلويات؛ كقشاط النارجيل وكعك القالب الظفاري والمقصقص (منداسي أو باخمري) والفندال المطبوخ واللقيمات وغيرها وغيرها؛ بل وحتى بيع وتبادل أي مقتنيات أخرى بما فيها الأسلحة النارية والبيضاء وذخيرتها، كل ذلك إلى جانب تفريغ الشباب لطاقاتهم بالميدان بممارسة الألعاب الشعبية العديدة؛ ككرة القريع والقفز في الهواء (الكمز) على رمل الشاطئ الفضي الناعم، وغيرها من الألعاب الشاطئية.
كانت حياة كاملة تبدأ بعد عصر كل يوم على ميدان سمحان الحافة إلى وقت رفع آذان المغرب من مسجد الشيخ عبد الله العتيق في وسط الميدان، فيذر الجميع البيع واللعب ويتوجهوا في جماعات سراعًا كي لا تفوتهم صلاة المغرب جماعةً.
ما زلتُ اتذكرُ أقدم حدث كبير، ما زال عالقًا بذاكرتي وكنت ما زلت غضا حينها، وكان ذلك في إعصار 1964 على ظفار، وكادت الحافة بسببه أن تغرق من تجمعات المياه الهائلة عليها، فخرج كبار رجالاتها إلى ميدان سمحان يتداولون الأمر فيما بينهم لإنقاذ الحافة، وقرروا حينها شق خندق من الميدان إلى البحر عبر الشاطئ لتصريف المياه، ونُفِذَ العمل بالفعل جماعيًا على مدى يومين أو ثلاثة واشترك فيه كل أهل الحافة صغارًا وكبارًا.
وحدث آخر كبير ومهم شهدتُهُ في ميدان سمحان الحافة وما زال عالقًا بالذاكرة، وكان ذلك في العام 1973 أثناء اندلاع حرب أكتوبر المجيدة، بين العرب وإسرائيل، وتنادت عمان كلها لجمع التبرعات للمجهود الحربي، ولم يكن حينها أي ميدان يتسع للجماهير الغفيرة التي أتت من كل حدب وصوب لتشارك في التبرع للمجهود الحربي؛ فاختير ميدان سمحان لذلك لاتساع مساحته. وأذكر أن اللوحات كانت من القماش الأبيض تغطي الميدان ومكتوب عليها باللون الأحمر عبارة "تبرع بريال تساهم في شراء رصاصة وتقتل جندي اسرائلي".
شكرًا صاحب السمو السيد محافظ ظفار، شكرًا سعادة الدكتور رئيس بلدية ظفار، والشكر لكل شباب الحافة وظفار عمومًا، بمختلف بيئاتها وولايتها، وكل من ساهم في عودة الماضي وجعل من مقولة "التاريخ يعيد نفسه" تتحقق على أرض ميدان سمحان الحافة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ظفار يتوج بطلا لدوري الدرجة الأولى لكرة القدم
توج الفريق الأول لكرة القدم بنادي ظفار بطلًا لدوري الدرجة الأولى لكرة القدم، وذلك عقب فوزه على المستضيف فريق مسقط بنتيجة 1/2 في المباراة التي جمعتهما على ملعب استاد السيب الرياضي، ضمن لقاءات الأسبوع العاشر والأخير لمنافسات المرحلة الثانية الحاسمة لدوري الدرجة الأولى لكرة القدم.
انطلاقة المباراة جاءت بين أقدام لاعبي مسقط في الدقائق الخمس الأولى وكانت متوسطة فنيًا من الجانبين، بعدها ارتفع الرتم الفني للمباراة تدريجيًا مع مرور الوقت من جانب لاعبي الفريقين في محاولة للمبادرة والتقدم أكثر للأمام بهدف إحراز هدف مبكر يريح به الأعصاب، وتحرك وسط مسقط بوجود عبدالعزيز الوهيبي وعفان البوسعيدي والمحترف الأجنبي عبدالله أولاتونجي، وتنفيذهم لمجموعة من الكرات العرضية والطويلة لثنائي المقدمة نبراس المعشري ومنذر الوهيبي مع وجود مساندة من قائد الفريق يعقوب السيابي من الخلف، حيث شكلت هجماتهم خطورة حقيقية على مرمى الحارس مازن الكاسبي، لعل أخطرها تسديدة منذر الوهيبي القوية من خارج الصندوق لتعبر إلى خارج المرمى في الدقيقة 15، وفرص أخرى جاءت عبر الوهيبي والمعشري شكلت في الوقت نفسه خطورة حقيقية على مرمى حارس ظفار الذي اختبر في أكثر من مناسبة، وحاول ظفار إحراز هدف التقدم عبر رأسية المهاجم محمد الحبسي عند الدقيقة 41 خرجت بجانب القائم الأيمن لمرمى مسقط، لينتهي الشوط الأول بالتعادل السلبي.
الشوط الثاني جاءت بدايته سريعة جدًا، عكس بداية الشوط الأول التي كانت بدايتها متوسطة فنيًا، خاصة من جانب لاعبي مسقط الذين بحثوا عن الانتصار ولا شيء غيره، كون الخروج بنتيجة التعادل السلبي أو الإيجابي لا تخدم الفريق بأي حال من الأحوال، على عكس لاعبي ظفار الذين لعبوا بدون أي ضغوطات تذكر بعد أن ضمن فريقهم العودة لدوري عمانتل في الموسم المقبل مبكرًا، لتكون البداية جيدة للفريقين فنيًا في الدقائق الأولى لانطلاقته، وأهدر مسقط فرصة سانحة للتسجيل عبر لاعبه المتألق نبراس المعشري في الدقيقة 54.
ونجح مسقط في إحراز هدف التقدم عبر البديل عبدالله المشرفي في الدقيقة 66 بتسديدة جميلة باغت بها حارس ظفار مازن الكاسبي، ومن ثم واصل مسقط ضغطه على مرمى ظفار، واستمر التنافس على أشده، وتمكن ظفار في إدراك التعادل عند الدقيقة 89، ومن ثم نجح عبدالله زاهر في إحراز الهدف الثاني لظفار في الدقيقة 92، لتنتهي المباراة بفوز ظفار على مسقط 1/2.
أدار المباراة الحكم الدولي نايف البلوشي، وساعده على الخطوط جاسم الخروصي مساعدًا أول، وصالح البلوشي مساعدًا ثانيًا، وعبدالعزيز الغنبوصي حكمًا رابعًا، وعبدالله بن مبارك الشماخي مقيّمًا للحكام، وخالد بن حميد الحراصي مراقبًا للمباراة، وصالح الجابري منسقًا أمنيًا للمباراة، ومحمود بن سالم الحبسي منسقًا إعلاميًا للمباراة، وداود الرحبي منسقًا عامًا للمباراة.
وبنتيجة الفوز هذه رفع فريق ظفار رصيده إلى 21 نقطة واحتل المركز الأول عن جدارة واستحقاق بجدول الترتيب العام، بينما بخسارته في اللحظات الصعبة الأخيرة للمباراة، توقف رصيد فريق مسقط عند رصيده السابق 14 نقطة، وتراجع إلى المركز الثالث خلف فريق بوشر الذي نجح في خطف البطاقة الثانية، عقب فوزه على فريق الاتحاد بنتيجة 1/صفر في المباراة التي أقيمت بالتوقيت نفسه، رافعًا رصيده إلى 19 نقطة، ليرافق سمائل فريق ظفار للصعود لدوري عمانتل للموسم القادم 2026/2025، وحقق سمائل هذا الإنجاز لأول مرة في تاريخه الكروي.
وعقب نهاية المباراة، توج سالم بن عبدالله العبدلي مدير عام الموارد البشرية بشؤون البلاط السلطاني راعي المناسبة بحضور محمد بن سليمان اليحمدي الأمين العام بالاتحاد العماني لكرة القدم نادي ظفار بطلًا لدوري الدرجة الأولى لكرة القدم، حيث قلد لاعبيه والجهازين الفني والإداري الميداليات الذهبية، وبعدها سلم لاعب فريق ظفار فراس بن سعيد الصوري درع الدوري بعد فوزهم بالمركز الأول، كما كرم راعي المناسبة الطاقم التحكيمي للمباراة الختامية في الدوري إلى جانب الفريق الإداري المكلف بها والقائم عليها، ولم يحتفل لاعبو ظفار وجهازاهم الفني والإداري بالفوز بعد تتويجهم بلقب الدوري هذا الموسم.
وتحدث مدرب فريق كرة القدم بنادي ظفار مصبح بن هاشل السعدي عن المواجهة بين الفريقين، وقال: إن المباراة الأخيرة في الدوري أمام مسقط كانت جيدة المستوى الفني وصعبة على الفريقين في الوقت نفسه، كونها آخر مباراة هذا الموسم للفريق في منافسات الدوري، مشيرًا إلى أن المباراة لم تحسم نتيجتها إلا في الوقت المحتسب بدل الضائع، وأشار إلى أنه على الرغم من تقدم مسقط في منتصف الشوط الثاني بهدف السبق، إلا أن ثقته في مجموعة لاعبيه بما فيهم البدلاء كانت كبيرة جدًا للعودة للمباراة من خلال تسجيل هدف التعادل ومن ثم إحراز هدف الفوز، وهو ما تحقق لفريقه في النهاية.
وهنأ السعدي إدارة النادي وأعضاء الجهازين الفني والإداري واللاعبين على الإنجاز الثاني الذي حققه الفريق هذا الموسم بعد فوزه ببطولة كأس السوبر، ومن ثم التتويج بلقب دوري الدرجة الأولى لكرة القدم بقيادته الفنية في موسم واحد، مقدّمًا الشكر لكافة اللاعبين على جهودهم وتضحياتهم الكبيرة هذا الموسم داخل الملعب وخارجه، حيث حارب الفريق على أربع جبهات، وكان منافسًا قويًا فيها حتى اللحظات الأخيرة، وتمنى بدوره أن يواصل الفريق تقديم المستويات الفنية الجيدة وإحراز البطولات على كافة المستويات المحلية والخارجية، كما قدم شكره لإدارة النادي على ثقتهم الكبيرة فيه بتعاقدهم الفني معه هذا الموسم.
وأضاف: أتمنى التوفيق لمسقط في الاستحقاقات، موضحًا أن الفريق قدم مستوى فنيًا جيدًا هذا الموسم وكان نِدًا لفريقه ولبقية الفرق الأخرى، لكن عامل التوفيق لم يكن معه رغم أنه يزخر بمجموعة جيدة من العناصر المحلية، كما هنأ سمائل على صعوده لدوري عمانتل بالموسم المقبل برفقة نادي ظفار.
كما يأمل السعدي استمراره في قيادة ظفار الموسم المقبل بدوري عمانتل، لكنه لم يكشف عن تجديد عقده مع الإدارة لموسم آخر حتى الآن، تاركًا لهم اتخاذ القرار المناسب في هذا الشأن.