ماذا سيحدث إذا دمر حزب الله منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية؟
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
#سواليف
تتفاقم وتيرة #التوترات الجيوسياسية والمخاطر في منطقة الشرق الأوسط على نحو متسارع، والتي تفتح الباب بدورها أمام سيناريوهات #تصعيد محتملة تنعكس بشكل مباشر على #الأوضاع_الاقتصادية، لا سيما فيما يخص القطاعات الأكثر تعرضاً لتلك الاضطرابات، وعلى رأسها #قطاع_الطاقة.
في هذا السياق، حلل تقرير لصحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية، السيناريوهات المحتملة بخصوص ما إذا دمر #حزب_الله #منصات_الغاز الطبيعي الإسرائيلية.
إذا حدث تصعيد في الشمال، فمن المحتمل أن يستهدف حزب الله منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية.
السيناريو الذي يتم فيه إغلاق جميع المنصات الثلاثة هو سيناريو “كارثي”، ولكنه ممكن.
يمكن للفحم أن يعوض جزءاً من النقص، لكنه لن يكون كافياً.
الطائرة المسيرة التي أطلقها حزب الله ضد منصة إسرائيلية في حقل كاريش السبت الماضي يعد بمثابة جرس إنذار لمدى حساسية قطاع الطاقة في حالة حدوث انقطاعات في إمدادات الغاز الطبيعي.
السبب الرئيسي هو اعتماد إسرائيل شبه الكامل على إمدادات منتظمة من هذه الطاقة: حوالي 70 بالمئة من الكهرباء المحلية تُنتج من الغاز الطبيعي الذي يتم توفيره من ثلاث منصات في البحر الأبيض المتوسط، بينما يتم إنتاج الباقي من الطاقة الشمسية والفحم.
وبحسب التقرير، فإنه “يمكن لإسرائيل زيادة استخدامها للفحم، ولكن ليس بطريقة تلبي جميع احتياجات البلاد”، وسيتعين على محطات الطاقة التحول إلى الديزل، وبصرف النظر عن سعره المرتفع، فإن هذا من شأنه أن يسبب عدداً من التحديات الأخرى. وتشمل هذه المخاطر الاحتفاظ بمخزون كاف، وزيادة التآكل والتلف في توربينات المحطات.
ومن المرجح أن تؤدي الحرب الشاملة في الشمال إلى انقطاع التيار الكهربائي المبرمج والمجدول مسبقاً من أجل إدارة قطاع الطاقة في البلاد لعدة أسابيع.
كذلك من المحتمل أن تكون الأضرار غير المباشرة أكبر؛ إذ ستطلب شركات الغاز الطبيعي تعويضات عن الأضرار المالية التي تكبدتها.
تقوم منصات الغاز الطبيعي قبالة سواحل إسرائيل بعمليات فنية لمعالجة الغاز الطبيعي المنتج من الآبار؛ مثل فصل السوائل (المياه والنفط) عن الغاز، وتوزيعه على العملاء.
تمتلك إسرائيل ثلاث منصات: (كاريش وليفياثان وتمار).
تدير شركة إنيرغيان منصة كاريش، بينما تدير شركة شيفرون ليفياثان وتمار.
تُزود كاريش وتمار معظم الغاز الطبيعي للسوق المحلية، بينما تزود ليفياثان 10 بالمئة فقط من الغاز. يتم تصدير معظم الغاز إلى الأردن ومصر.
في حالة الطوارئ، يمكن لوزير الطاقة أن يأمر بوقف صادرات الغاز الطبيعي، مما يتيح الأولوية للسوق المحلية. وقد حدث ذلك في أكتوبر عندما تم إغلاق منصة تمار لمدة شهر بسبب مخاوف من هجوم. وقد ملأت ليفياثان الفجوة ولم تكن هناك مشاكل كبيرة في سوق الطاقة المحلية.
ويضيف التقرير: “حتى الآن، لا نعرف أن شظايا قد أصابت منصة تمار، وكان التحرك لإغلاقها بناءً على مخاوف تتعلق بإمكانية حدوث أضرار.. يبدو أن إغلاق واحدة أو اثنتين من المنصات هو سيناريو مطروح، وهو ما شهدناه بالفعل. ومع ذلك، فإن إغلاق جميع المنصات الثلاثة هو سيناريو متطرف لم نشهده بعد في زمن الحرب. ومع ذلك، لا يزال يمثل سيناريو محتملاً قد يؤثر بشكل كبير على الإسرائيليين”.
أزمات اقتصادية عربية وأمل بالحلول
ونقل تقرير الصحيفة عن المدير التنفيذي لشركة إيكو إنرجي (شركة استشارات اقتصادية استراتيجية) والمحاضر في جامعة رايخمان في هرتسليا، أميت مور، قوله: “أعتقد بأنه في بداية الحرب الشاملة مع حزب الله، سيأمر وزير الدفاع يوآف غالانت، شركة شيفرون وإنيرغيان بتعليق العمليات”.
ويضيف:
إذا أصاب صاروخ منصة خلال عمليات الغاز الطبيعي، فإن الأضرار قد تكون كبيرة وقد تستغرق سنوات لإصلاحها.
إذا حدث الهجوم عندما لا تكون هناك عمليات غاز، فقد تكون الأضرار أقل.
ذلك يعتمد أساساً على المكان الذي أصابته. ويجب أن نتذكر أيضاً أن المنصة بها العشرات من العمال الذين ستكون حياتهم معرضة للخطر.
تتمتع المنصات بحماية نسبية، حيث تم استثمار أكثر من 3 مليارات شيكل في الدفاع عنها: 1.7 مليار شيكل (455 مليون دولار) لشراء أربع سفن بحرية، و1.5 مليار شيكل لشراء صواريخ اعتراضية، وأنظمة حرب إلكترونية وأنظمة أخرى.
لكن تماماً كما اخترقت طائرة مسيرة تابعة للحوثيين أخيراً قلب تل أبيب وضرب صاروخ من حزب الله ملعب كرة قدم في الجولان، من الواضح الآن “أن لا نظام دفاعي” يمكن أن يوفر حماية بنسبة 100 بالمئة.
وفي هذا السياق، يقول مور: “المنصات محمية نسبياً.. ومع ذلك، وفقاً للتقارير الأجنبية، يمتلك حزب الله صواريخ ياخونت روسية (مضادة للسفن) تلقاها من إيران تطير على ارتفاع الموج، مما يتفادى بعض أنظمة الدفاع الجوي.. وبالتالي، تظل المنصات معرضة للخطر.”
نقص حاد
وحول ماذا سيحدث إذا تم إغلاق جميع المنصات الثلاثة بسبب الحرب الشاملة؟ يشير التقرير إلى أنه إذا توقفت عن العمل لبضع ساعات، فمن المحتمل ألا يكون هناك تأثير ملحوظ. ولكن إذا استمر الإغلاق لعدة أيام أو أكثر، فإن إسرائيل ستواجه مشكلة على نطاق مختلف تماماً.
ولفهم نطاق الأضرار، يقول التقرير “يمكننا فحص استهلاك الكهرباء في يوم عادي في يوليو.. على سبيل المثال، يوم الأربعاء الماضي، استهلكت البلاد حوالي 14.7 غيغاوات من الكهرباء حوالي الساعة 3 عصراً.. حوالي 9.1 غيغاوات من ذلك كان يتم إنتاجه من الغاز الطبيعي، والباقي من الطاقة المتجددة (3.8 غيغاوات) والفحم (1.5 غيغاوات)”.
على الرغم من أن ذلك يعتبر استهلاكاً مرتفعاً نسبياً، إلا أنه لم يكن ذروة إنتاج الغاز الطبيعي في ذلك اليوم. ففي حوالي الساعة 9 مساءً، أنتجت محطات الطاقة التي تعمل بالغاز الطبيعي 10.2 غيغاوات من أصل 13 غيغاوات مستهلكة، مع توليد الفحم حوالي 2 غيغاوات. بعبارة أخرى، على الرغم من أن الاستهلاك كان أقل في المساء، إلا أن الإنتاج من الغاز الطبيعي والفحم كان أعلى بسبب نقص الطاقة الشمسية بعد الغروب.
الحل الأول لنقص الغاز الطبيعي سيكون من خلال محطتي الطاقة التي تعمل بالفحم في إسرائيل: روتنبرغ في أشكلون وأورات رابين في حيفا. يمكنهما إنتاج الطاقة بشكل مستقر لعدة أسابيع بناءً على كميات الفحم المخزنة بجانبهما.
وبعبارة أخرى، حتى لو لم يدخل كيلوغرام واحد من الفحم إلى إسرائيل، فإنهما سيعملان بكامل طاقتهما لأكثر من شهر وبسعر معقول، وفق التقرير.
وبحسب شركة الكهرباء الإسرائيلية، فإن تكلفة الإنتاج من الفحم هي ضعف تكلفة الغاز الطبيعي. وبالمقارنة، تكلفة الإنتاج من الديزل أعلى بـ 16 مرة من تكلفة الغاز الطبيعي. بشكل إجمالي، يمكن لمحطات الطاقة بالفحم توليد ما يصل إلى 4.85 غيغاوات.
ويتحدث التقرير في هذا السياق عن عجز الطاقة الذي يُمكن أن يحدث، قائلاً: “لنعد إلى ما حدث يوم الأربعاء الماضي في الساعة الثالثة بعد الظهر، فلتلبية استهلاك الطاقة في البلاد البالغ 14.7 غيغاوات، حتى إذا زاد الإنتاج من الفحم إلى 4.85 غيغاوات (بدلاً من 1.5 غيغاوات الأصلية)، مع 3.8 غيغاوات الناتجة من الطاقة المتجددة “فإننا نصل فقط إلى 8.65 غيغاوات.. بدون الطاقة المنتجة من الغاز الطبيعي، سيكون هناك نقص بحوالي 6 غيغاوات. عند الساعة 9 مساءً، وسيكون النقص أكثر من 8 جيجاوات. كيف سنتعامل مع ذلك؟”.
خطط بديلة
في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، تقول خبيرة النفط والغاز، لوري هايتايان، إنه:
إذا استهدف حزب الله منصات الغاز الإسرائيلية فلا شك أنه سيكون هناك ارتفاع طفيف في الأسعار (عالمياً)، وسيكون هنالك تأثير ملحوظ داخل إسرائيل أو حتى الأردن ومصر، على حسب المنصات التي يتم تعطيلها.
لكن إسرائيل لديها خطة في حال وجود أي نوع من التهديد للمنصات، وهي توقيف المنصات الثلاثة الرئيسية: كاريش وليڤياثان وتمار من العمل؛ لتفادي أي ضربات قد يكون لها تأثير أكبر.
في حال إغلاق المنصات الثلاثة الإسرائيلية هذه فقد يكون هناك تأثير على الأردن ومصر؛ لأنهما تستعملان الغاز الإسرائيلي في محطاتهما ولاستخدامهما الداخلي.
بالنسبة لإسرائيل فلديها خطة فيما يخص عمل محطات الكهرباء بالديزل وعلى الفحم.. إلا في حال تم ضرب منشآت التخزين وبعض محطات التكرير والتخزين.
وتضيف: إذا دمر حزب الله المنصات الإسرائيلية وتدخلت إيران فحينها سيكون هناك ارتفاع أكثر للأسعار (عالمياً)؛ لأن إيران منتج ومصدر مهم أكثر من إسرائيل في النفط والغاز ولها تأثير عالمي أكثر على الأسعار العالمية والأسواق.
وتشير إلى أن ثمة سيناريوهين لتصاعد الأحداث وانعكاساتها على الأسعار عالمياً:
السيناريو الأول: حرب إسرائيل مع حزب الله سترفع الأسعار بشكل طفيف (عالمياً).
السيناريو الثاني: إذا كان هناك تدخل إيراني يستلزم الرد الإسرائيلي والأميركي فقد يكون هناك ارتفاع أكبر ملحوظ في الأسعار.
سيناريوهات التصعيد
بدوره، يقول الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون الطاقة عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
التطورات الجديدة ربما تجعل المنطقة ساحة مفتوحة للحرب، وهذا يمثل الكثير لمنصات الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط (..).
كل منصات الغاز (الإسرائيلية) قريبة من لبنان وفي مرمى صواريخ حزب الله، حقل ليڤياثان قريب من حيفا ومنصة حقل تمار قريبة من السواحل الفلسطينية من الجهة الشمالية وكذلك منصة حقل كاريش القريبة من الحدود اللبنانية (..).
كل ذلك سوف يكون له انعكاسات خطيرة، فإسرائيل تعتمد بنسبة أكثر من 70 بالمئة على توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي، وتعتمد على هذه الحقول في تغذية احتياجاتها.
لا تمتلك إسرائيل في الوقت نفسه مخزونات استراتيجية ملائمة من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أن مخزوناتها من الديزل والفحم لتشغيل محطات الكهرباء أيضاً لا تصل لمخزونات كافية تلبي احتياجاتها لفترة أكثر من أسبوعين.
إسرائيل قد تبدأ تواجه ضمن هذا السيناريو انقطاعات طويلة للكهرباء، وما يحمله ذلك من انقطاعات لخدمات أخرى؛ لأن تل أبيب تعتمد على الكهرباء في نقل وتحلية المياه على سبيل المثال، بجانب العمليات المالية.
أثر انقطاع الكهرباء على إسرائيل سيكون مدمراً ويسبب شللاً للحياة العامة.
ماذا عن مصر والأردن؟
يشدد على أن الأزمة سوف تنسحب على الأردن ومصر، ذلك أن الأردن يعتمد على الكهرباء من إنتاج الغاز الذي يأتي من إسرائيل (..) لذلك سيواجه انقطاعات في الكهرباء (..)، وسيكون الأردن قادراً على توليد الكهرباء لـ 6 ساعات في اليوم فقط، لوجود استخدامات للصخر الزيتي، ويستطيع الأردن أيضاً طلب كميات من الغاز الطبيعي المسال ولكن ذلك يحتاج إلى أسبوعين أو أكثر عن طريق السفينة العائمة في العقبة.
أما فيما يتعلق بمصر، فيوضح الشوبكي، أن الوضع الداخلي يمكن أن يتأثر بشكل واضح، فيما يلفت إلى أنه قد تم تدارك ذلك خلال أسابيع بزيادة طلبيات الشحنات من الغاز الطبيعي المسال لتعويض المفقود من الغاز القادم من إسرائيل، مردفاً: سواء الأردن أو مصر، فأمامها هذه البدائل، وتصاعد الأحداث سيكلف مبالغ طائلة على البلدين، وأسعار الغاز العالمية سترتفع بشكل واضح، وهذا بالتأكيد سيجعل أوروبا في حرج أيضاً.
ويضيف:
تصاعد الأحداث سيرفع أيضاً أسعار الغاز العالمية بنسب قد تصل من 5 إلى 10 بالمئة.. وسيعتمد الارتفاع على طول وفترة انقطاع غاز الشرق المتوسط أو الغاز الإسرائيلي.
أسعار النفط يمكن أن تشتعل إذا ما تم العبث في سلامة ومرور سفن الطاقة في مضيق هرمز، الذي يتحكم في قرابة
ثلث إمدادات النفط العالم و20 بالمئة من الغاز (..).
سيناريو مطروح
من جانبها، تقول أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، وفاء علي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “لا شك أن الأوراق اختلطت وكُسِرت عديد من القواعد في هذه المرحلة، التي تتصاعد فيها الأحداث والتوترات الجيوسياسية وحرب الطائرات غير المأهولة”.
وتضيف: “يبدو وكأن الجميع استسلم لإطالة أمد الصراع (في الشرق الأوسط) وبالتالي تهديد أمن الملاحة والتجارة العالمية ومعه أهم ملف عالمي ألا وهو ملف الطاقة، الذي يؤثر بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية عالمياً وخصوصاً منطقة بؤرة الصراع الشرق الأوسط”.
وتستطرد: “هذا يدفعنا إلى التساؤل عن السيناريوهات المحتملة إذا فكر حزب الله في ضرب منصات الغاز الإسرائيلية انتقاماً لما يحدث من اعتداءات من جانب إسرائيل، وهو تصور قد يكون صعباً ولكنه محتملاً، وقد يسفر عنه غلق أو ضرب ثلاث منصات غاز إسرائيلية وعلى رأسها منصة حقل كاريش”.
التصعيد هذا سيجعل ملف الغاز في المنطقة على حافة الهاوية، ذلك أن إسرائيل تعتمد بشكل مباشر في توليد الكهرباء على الغاز الطبيعي في حوالي أكثر من 70 بالمئة، بالإضافة إلى أن هذا الأمر سيرفع سعر الطاقة بأكملها وليس الغاز فقط، علاوة على الانقطاع الدائم للكهرباء، بالإضافة إلى أن منصات الغاز عند إصابتها بأضرار تحتاج إلى وقت طويل وستؤثر على دول الجوار التي تمدها إسرائيل بالغاز، بحسب أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة.
وأشارت إلى أنه على الرغم من تمتع المنصات الإسرائيلية بنظام حماية ذاتي إلا أن المسيرات غير المأهولة أصبحت تخترق المجال (الجوي) ولا ترصدها القبة الحديدية، وحتى لو اعتمدت إسرائيل على بدائل أخرى من الفحم والديزل فسيكلفها ذلك كثيراً ولن يؤتى بثماره، وبالتالي فإن “القوس مفتوح لكل الخيارات وسترتفع مع ذلك أسعار الغاز والنفط في ظل هذا التصعيد المستمر”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف التوترات تصعيد الأوضاع الاقتصادية قطاع الطاقة حزب الله منصات الغاز من الغاز الطبیعی الشرق الأوسط الأردن ومصر الإنتاج من یکون هناک الطاقة فی من الفحم حزب الله إلى أنه قد یکون أکثر من مع ذلک إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل تهدد الطاقة الشمسية شبكاتِ الكهرباء؟
في عام 1812 ابتكر رائد الأعمال المغامر فريدريك وينسور مفهوم أو نموذج "المرفق العام." أسس وينسور شركة غاز الإضاءة وفحم الكوك لتزويد سكان لندن بالغاز. (تستخرج الشركة الغاز وفحم الكوك من الفحم الحجري بالتقطير الإتلافي أو الكربنة. وكان هذا الغاز يُستخدم في إنارة الشوارع والأغراض المنزلية من إضاءة وطهي وتدفئة- المترجم).
الفكرة وراء تأسيس الشركة هي ضخ الغاز مباشرة عبر الأنابيب الى المنازل من موقع مركزي بدلا من شراء كل منزل مصدرا خاصا به للطاقة سواء كان ذلك المصدر أكياسا من الفحم أو قطعا من حطب الوقود. فوجود عدد كبير من الزبائن بأنماط مختلفة من الطلب على الخدمة سيتيح تشغيل مصانع انتاج الطاقة بمزيد من الكفاءة.
كان ذلك احتكارا طبيعيا (الاحتكار الطبيعي يعني وجود لاعب كفء واحد في قطاع صناعي أو خدمي تمنع الحواجز والتكلفة الأولية الباهظة من وجود منافسين له– المترجم). فوفورات الحجم الكبير توزِّع تكلفة منشأة انتاج الغاز والأنابيب والمكونات الأخرى على عدد كبير من الزبائن مما يعني أن كل واحد منهم ينفق مبلغا أقل مقابل استهلاك نفس الكمية من الغاز. وهكذا انتشرت حول العالم فكرة "الطاقة بوصفها خدمة."
ألواح الطاقة الشمسية
لكن كهرباء الطاقة الشمسية الرخيصة تفكِّك الآن هذا النموذج. ففي العام الماضي أصبحت باكستان ثالث أكبر مستورد لألواح الطاقة الشمسية. والعديد من هذه الألواح انتهي بها المطاف الى أسطح مباني الشركات التجارية والصناعية أو المزارع لكي تحل محل مولدات وقود الديزل.
أسعار الطاقة في باكستان مرتفعة جدا. ويعود ذلك الى إبرام عقود مكلفة لسداد قيمة السعة التوليدية من محطات صينية في الغالب لتوليد الكهرباء من الفحم الحجري.
لذلك تَبنِّي الطاقة الشمسية الأرخص والأنظف تطورٌ مُرحَّبٌ به. لكنه في ذات الوقت يقود الى حلقة شريرة. فتكاليف تشغيل شبكة الكهرباء وتسديد تكلفة الكهرباء المنتجة بواسطة الفحم الحجري سيتحملها عدد أقل من الناس. وسيكون لديهم حينها أكثر من سبب كاف للتخلي عنها وعدم شرائها مما سيقوض اقتصاديات المشروع بأكمله.
شهدت جنوب افريقيا تطورا شبيها. فتخفيف الأحمال بواسطة شركة الكهرباء المملوكة للدولة "اسكوم" يقطع الكهرباء عن المستهلكين عندما لا تكون هنالك كهرباء كافية لمقابلة الطلب. قاد ذلك الى ازدهار الطاقة الشمسية. وتسبب في مشاكل مالية لحكومات البلديات التي توجب عليها شراء كهرباء تزداد تكلفتها باطراد من شركة اسكوم لبيعها الى المستهلكين. وبحلول شهر نوفمبر كانت لديها فواتير غير مسددة للشركة بقيمة 95 بليون راند (5 بليون دولار أو ما يساوي 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي).
وفي لبنان حيث حددت شركة الكهرباء المملوكة للدولة في عام 2019 توليد الكهرباء لمدة ساعتين في اليوم ارتفعت سعة توليد الكهرباء الطاقة الشمسية من 100 ميجاواط الى 1300 ميجاواط في الفترة من 2020 الى 2023. وتغطي ألواح الخلايا الكهروضوئية أسطح المنازل في أحياء بيروت الأكثر ثراء.
أسعار الطاقة
حتى في أمريكا دفعت أسعار الطاقة المرتفعة وانقطاعات الإمداد الكهربائي بسبب الكوارث الطبيعية الناس الى التخلي عن خدمة شبكة الكهرباء. لقد وجد كل من السيد على السادات وجوشوا بيرس وكلاهما باحثان من جامعة ويسترن أن مزيجا من ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات ومولدات الديزل بديلٌ اقتصادي فعال للاعتماد على شبكة الكهرباء في أجزاء من خمس ولايات أمريكية. كما تنخفض أسعار مثل هذه الأنظمة بحوالي 9% في العام، حسب تقديرات هذين الباحثين. ويعود ذلك الى رخص البطاريات وألواح الطاقة الشمسية.
بالنسبة المتفائلين تقدم هذه التطورات رؤية مستمدة مباشرة من حركة الخضر في سنوات السبعينات. وقتها صاغ أموري لوفينز وهو محلل للطاقة مصطلح "مسار الطاقة الناعم" لوصف مستقبلٍ سيتم فيه إنتاج الطاقة بموارد متجددة ولا مركزيا وبكميات صغيرة.
كتب الباحث بمركز الأبحاث "أميركان انتربرايز انستيتيوت" لين كيسَلِينغ أن اقتصادا صناعيا غنيا "يمكنه العمل بكفاءة دون الاعتماد على محطات كهرباء مركزية على الإطلاق." ويحتفل الليبرتاريون (دعاة تقليص الدور الحكومي في الاقتصاد وحرية الفرد والأسواق) بهذا التحول الى الطاقة الشمسية أيضا. فالتغير التقني يجعل أسواق الكهرباء حرة أو مفتوحة بقدر أكبر للمنافسة، بحسب كيسَلِنغ. وتعني إمكانية "فك الارتباط" بشبكة الكهرباء حتى إذا لم يحدث أن الاحتكارات الطبيعية تواجه تهديد التخلي عنها.
مع ذلك هنالك عيوب في هذا التحول. أحدها الكفاءة. فتكلفة انتاج الوحدة من الطاقة الكهربائية في مزرعة الطاقة الشمسية خلال فترة تشغيلها أو عمرها الافتراضي تبلغ حوالي ربع تكلفة وحدة الكهرباء المنتجة بواسطة الألواح الكهروضوئية المثبتة في أسطح المباني، بحسب تقديرات بنك لازارد. في المزرعة تتوافر اقتصاديات الحجم الكبير في التركيب والصيانة. فوق هذا، الكثير من الكهرباء التي يتم توليدها على أسطح المنازل ومباني الشركات ستضيع هباء في نهاية المطاف (لمحدودية الاستفادة منها من قبل أصحابها.)
علاوة على ذلك، التكلفة الأولية للتخلي عن الشبكة تجعل في العادة هذا الخيار ممكنا للأغنياء فقط. فنظرا الى أن الباكستانيين الأكثر ثراء يمكنهم مقابلة تكلفة أنظمة الطاقة الشمسية يجد الأكثر فقرا أنهم مضطرُّون إما الى تحمل المزيد من تكاليف الشبكة أو التخلي عن استخدام الكهرباء تماما.
في لبنان تتكدس في السوق أنظمة الطاقة الشمسية والبطاريات متدنية النوعية لافتقارها الى الضوابط التنظيمية حسبما تقول جيسيكا عبيد الباحثة بمعهد الشرق الأوسط. والشركات الصغيرة التي تظهر فجأة لتركيب هذه الأنظمة تُفلِس ولا يمكنها تقديم خدمات الصيانة.
تحليلات الطاقة الشمسية
يحاول واضعو السياسات الآن إيجاد حلول. تقول جيني تشيس رئيسة فريق تحليلات الطاقة الشمسية بشركة الأبحاث الاستراتيجية "بلومبرغ إن إي في" من الممكن تصميم وتشغيل أنظمة الطاقة الشمسية لكي تتكامل بسلاسة مع شبكات الكهرباء.
مشاكل الكهرباء في باكستان ناشئة عن إرث كهرباء الفحم الحجري باهظة التكلفة وطريقة تسعيرها للمستهلكين. فالتكاليف الثابتة لنقل وتوزيع الكهرباء يتم سدادها من خلال التسعير بالساعة والذي لا يتغير كثيرا بناء على الطلب (بمعنى لا ينخفض سعرها في الساعات التي ينخفض فيها الطلب على الكهرباء ولا يرتفع في الساعات التي تشهد ارتفاعا في استهلاكها– المترجم.)
في الوقت الحالي هنالك عدد قليل من الناس الذين ليست لديهم أنظمة تخزين للطاقة الكهربائية مما يعني أنهم يستخدمون كهرباء الشبكة كاحتياطي ولا يتخلون عنها تماما. نتيجة لذلك أولئك الذين بمقدورهم الحصول على نظام طاقة شمسية خاص بهم يمكنهم الاستفادة من الكهرباء التي ينتجونها عندما تكون الشمس ساطعة والحصول على الكهرباء من الشبكة عندما تغيب الشمس بسعر رخيص لا يعكس التكلفة الحقيقية.
كما يستفيد مستهلكو الكهرباء الذين لديهم أنظمة طاقة شمسية في منازلهم من نظام عدادات "صافي القياس" بالحصول على رصيد كهربائي مقابل تزويد الشبكة العامة بفائض الكهرباء التي تنتجها أنظمتهم أثناء النهار وعندما تكون قيمتها أقل. القضاء على مثل هذه الحوافز (المفرطة في السخاء- المترجم) سيساعد في توزيع تكلفة صيانة الشبكة على مستخدميها بطريقة أكثر عدالة.
مع ذلك، الحل الأفضل لشركات الكهرباء سيكون الاستجابة للمنافسة وترتيب أمورها بناء على ذلك. في باكستان كثيرا ما تخفق الشركات في جعل المستهلكين يسددون فواتير استهلاكهم. وفي جنوب افريقيا مع تمكن شركة "اسكوم" أخيرا من تقليص انقطاعات الكهرباء تباطأ ازدهار الطاقة الشمسية.
وعلى الرغم من أن التوليد اللامركزي للكهرباء قد يكون مهددا ومزعزعا لشبكة الكهرباء لكنه يشكل حافزا لمشغليها لتحسين أدائها. فألواح الطاقة الشمسية المثبتة على أسطح المباني تقدم بديلا لاحتكار خدمة إمداد الكهرباء التي لم يعد بالإمكان اعتبارها احتكارا طبيعيا.