ماذا سيحدث إذا دمر حزب الله منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية؟
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
#سواليف
تتفاقم وتيرة #التوترات الجيوسياسية والمخاطر في منطقة الشرق الأوسط على نحو متسارع، والتي تفتح الباب بدورها أمام سيناريوهات #تصعيد محتملة تنعكس بشكل مباشر على #الأوضاع_الاقتصادية، لا سيما فيما يخص القطاعات الأكثر تعرضاً لتلك الاضطرابات، وعلى رأسها #قطاع_الطاقة.
في هذا السياق، حلل تقرير لصحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية، السيناريوهات المحتملة بخصوص ما إذا دمر #حزب_الله #منصات_الغاز الطبيعي الإسرائيلية.
إذا حدث تصعيد في الشمال، فمن المحتمل أن يستهدف حزب الله منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية.
السيناريو الذي يتم فيه إغلاق جميع المنصات الثلاثة هو سيناريو “كارثي”، ولكنه ممكن.
يمكن للفحم أن يعوض جزءاً من النقص، لكنه لن يكون كافياً.
الطائرة المسيرة التي أطلقها حزب الله ضد منصة إسرائيلية في حقل كاريش السبت الماضي يعد بمثابة جرس إنذار لمدى حساسية قطاع الطاقة في حالة حدوث انقطاعات في إمدادات الغاز الطبيعي.
السبب الرئيسي هو اعتماد إسرائيل شبه الكامل على إمدادات منتظمة من هذه الطاقة: حوالي 70 بالمئة من الكهرباء المحلية تُنتج من الغاز الطبيعي الذي يتم توفيره من ثلاث منصات في البحر الأبيض المتوسط، بينما يتم إنتاج الباقي من الطاقة الشمسية والفحم.
وبحسب التقرير، فإنه “يمكن لإسرائيل زيادة استخدامها للفحم، ولكن ليس بطريقة تلبي جميع احتياجات البلاد”، وسيتعين على محطات الطاقة التحول إلى الديزل، وبصرف النظر عن سعره المرتفع، فإن هذا من شأنه أن يسبب عدداً من التحديات الأخرى. وتشمل هذه المخاطر الاحتفاظ بمخزون كاف، وزيادة التآكل والتلف في توربينات المحطات.
ومن المرجح أن تؤدي الحرب الشاملة في الشمال إلى انقطاع التيار الكهربائي المبرمج والمجدول مسبقاً من أجل إدارة قطاع الطاقة في البلاد لعدة أسابيع.
كذلك من المحتمل أن تكون الأضرار غير المباشرة أكبر؛ إذ ستطلب شركات الغاز الطبيعي تعويضات عن الأضرار المالية التي تكبدتها.
تقوم منصات الغاز الطبيعي قبالة سواحل إسرائيل بعمليات فنية لمعالجة الغاز الطبيعي المنتج من الآبار؛ مثل فصل السوائل (المياه والنفط) عن الغاز، وتوزيعه على العملاء.
تمتلك إسرائيل ثلاث منصات: (كاريش وليفياثان وتمار).
تدير شركة إنيرغيان منصة كاريش، بينما تدير شركة شيفرون ليفياثان وتمار.
تُزود كاريش وتمار معظم الغاز الطبيعي للسوق المحلية، بينما تزود ليفياثان 10 بالمئة فقط من الغاز. يتم تصدير معظم الغاز إلى الأردن ومصر.
في حالة الطوارئ، يمكن لوزير الطاقة أن يأمر بوقف صادرات الغاز الطبيعي، مما يتيح الأولوية للسوق المحلية. وقد حدث ذلك في أكتوبر عندما تم إغلاق منصة تمار لمدة شهر بسبب مخاوف من هجوم. وقد ملأت ليفياثان الفجوة ولم تكن هناك مشاكل كبيرة في سوق الطاقة المحلية.
ويضيف التقرير: “حتى الآن، لا نعرف أن شظايا قد أصابت منصة تمار، وكان التحرك لإغلاقها بناءً على مخاوف تتعلق بإمكانية حدوث أضرار.. يبدو أن إغلاق واحدة أو اثنتين من المنصات هو سيناريو مطروح، وهو ما شهدناه بالفعل. ومع ذلك، فإن إغلاق جميع المنصات الثلاثة هو سيناريو متطرف لم نشهده بعد في زمن الحرب. ومع ذلك، لا يزال يمثل سيناريو محتملاً قد يؤثر بشكل كبير على الإسرائيليين”.
أزمات اقتصادية عربية وأمل بالحلول
ونقل تقرير الصحيفة عن المدير التنفيذي لشركة إيكو إنرجي (شركة استشارات اقتصادية استراتيجية) والمحاضر في جامعة رايخمان في هرتسليا، أميت مور، قوله: “أعتقد بأنه في بداية الحرب الشاملة مع حزب الله، سيأمر وزير الدفاع يوآف غالانت، شركة شيفرون وإنيرغيان بتعليق العمليات”.
ويضيف:
إذا أصاب صاروخ منصة خلال عمليات الغاز الطبيعي، فإن الأضرار قد تكون كبيرة وقد تستغرق سنوات لإصلاحها.
إذا حدث الهجوم عندما لا تكون هناك عمليات غاز، فقد تكون الأضرار أقل.
ذلك يعتمد أساساً على المكان الذي أصابته. ويجب أن نتذكر أيضاً أن المنصة بها العشرات من العمال الذين ستكون حياتهم معرضة للخطر.
تتمتع المنصات بحماية نسبية، حيث تم استثمار أكثر من 3 مليارات شيكل في الدفاع عنها: 1.7 مليار شيكل (455 مليون دولار) لشراء أربع سفن بحرية، و1.5 مليار شيكل لشراء صواريخ اعتراضية، وأنظمة حرب إلكترونية وأنظمة أخرى.
لكن تماماً كما اخترقت طائرة مسيرة تابعة للحوثيين أخيراً قلب تل أبيب وضرب صاروخ من حزب الله ملعب كرة قدم في الجولان، من الواضح الآن “أن لا نظام دفاعي” يمكن أن يوفر حماية بنسبة 100 بالمئة.
وفي هذا السياق، يقول مور: “المنصات محمية نسبياً.. ومع ذلك، وفقاً للتقارير الأجنبية، يمتلك حزب الله صواريخ ياخونت روسية (مضادة للسفن) تلقاها من إيران تطير على ارتفاع الموج، مما يتفادى بعض أنظمة الدفاع الجوي.. وبالتالي، تظل المنصات معرضة للخطر.”
نقص حاد
وحول ماذا سيحدث إذا تم إغلاق جميع المنصات الثلاثة بسبب الحرب الشاملة؟ يشير التقرير إلى أنه إذا توقفت عن العمل لبضع ساعات، فمن المحتمل ألا يكون هناك تأثير ملحوظ. ولكن إذا استمر الإغلاق لعدة أيام أو أكثر، فإن إسرائيل ستواجه مشكلة على نطاق مختلف تماماً.
ولفهم نطاق الأضرار، يقول التقرير “يمكننا فحص استهلاك الكهرباء في يوم عادي في يوليو.. على سبيل المثال، يوم الأربعاء الماضي، استهلكت البلاد حوالي 14.7 غيغاوات من الكهرباء حوالي الساعة 3 عصراً.. حوالي 9.1 غيغاوات من ذلك كان يتم إنتاجه من الغاز الطبيعي، والباقي من الطاقة المتجددة (3.8 غيغاوات) والفحم (1.5 غيغاوات)”.
على الرغم من أن ذلك يعتبر استهلاكاً مرتفعاً نسبياً، إلا أنه لم يكن ذروة إنتاج الغاز الطبيعي في ذلك اليوم. ففي حوالي الساعة 9 مساءً، أنتجت محطات الطاقة التي تعمل بالغاز الطبيعي 10.2 غيغاوات من أصل 13 غيغاوات مستهلكة، مع توليد الفحم حوالي 2 غيغاوات. بعبارة أخرى، على الرغم من أن الاستهلاك كان أقل في المساء، إلا أن الإنتاج من الغاز الطبيعي والفحم كان أعلى بسبب نقص الطاقة الشمسية بعد الغروب.
الحل الأول لنقص الغاز الطبيعي سيكون من خلال محطتي الطاقة التي تعمل بالفحم في إسرائيل: روتنبرغ في أشكلون وأورات رابين في حيفا. يمكنهما إنتاج الطاقة بشكل مستقر لعدة أسابيع بناءً على كميات الفحم المخزنة بجانبهما.
وبعبارة أخرى، حتى لو لم يدخل كيلوغرام واحد من الفحم إلى إسرائيل، فإنهما سيعملان بكامل طاقتهما لأكثر من شهر وبسعر معقول، وفق التقرير.
وبحسب شركة الكهرباء الإسرائيلية، فإن تكلفة الإنتاج من الفحم هي ضعف تكلفة الغاز الطبيعي. وبالمقارنة، تكلفة الإنتاج من الديزل أعلى بـ 16 مرة من تكلفة الغاز الطبيعي. بشكل إجمالي، يمكن لمحطات الطاقة بالفحم توليد ما يصل إلى 4.85 غيغاوات.
ويتحدث التقرير في هذا السياق عن عجز الطاقة الذي يُمكن أن يحدث، قائلاً: “لنعد إلى ما حدث يوم الأربعاء الماضي في الساعة الثالثة بعد الظهر، فلتلبية استهلاك الطاقة في البلاد البالغ 14.7 غيغاوات، حتى إذا زاد الإنتاج من الفحم إلى 4.85 غيغاوات (بدلاً من 1.5 غيغاوات الأصلية)، مع 3.8 غيغاوات الناتجة من الطاقة المتجددة “فإننا نصل فقط إلى 8.65 غيغاوات.. بدون الطاقة المنتجة من الغاز الطبيعي، سيكون هناك نقص بحوالي 6 غيغاوات. عند الساعة 9 مساءً، وسيكون النقص أكثر من 8 جيجاوات. كيف سنتعامل مع ذلك؟”.
خطط بديلة
في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، تقول خبيرة النفط والغاز، لوري هايتايان، إنه:
إذا استهدف حزب الله منصات الغاز الإسرائيلية فلا شك أنه سيكون هناك ارتفاع طفيف في الأسعار (عالمياً)، وسيكون هنالك تأثير ملحوظ داخل إسرائيل أو حتى الأردن ومصر، على حسب المنصات التي يتم تعطيلها.
لكن إسرائيل لديها خطة في حال وجود أي نوع من التهديد للمنصات، وهي توقيف المنصات الثلاثة الرئيسية: كاريش وليڤياثان وتمار من العمل؛ لتفادي أي ضربات قد يكون لها تأثير أكبر.
في حال إغلاق المنصات الثلاثة الإسرائيلية هذه فقد يكون هناك تأثير على الأردن ومصر؛ لأنهما تستعملان الغاز الإسرائيلي في محطاتهما ولاستخدامهما الداخلي.
بالنسبة لإسرائيل فلديها خطة فيما يخص عمل محطات الكهرباء بالديزل وعلى الفحم.. إلا في حال تم ضرب منشآت التخزين وبعض محطات التكرير والتخزين.
وتضيف: إذا دمر حزب الله المنصات الإسرائيلية وتدخلت إيران فحينها سيكون هناك ارتفاع أكثر للأسعار (عالمياً)؛ لأن إيران منتج ومصدر مهم أكثر من إسرائيل في النفط والغاز ولها تأثير عالمي أكثر على الأسعار العالمية والأسواق.
وتشير إلى أن ثمة سيناريوهين لتصاعد الأحداث وانعكاساتها على الأسعار عالمياً:
السيناريو الأول: حرب إسرائيل مع حزب الله سترفع الأسعار بشكل طفيف (عالمياً).
السيناريو الثاني: إذا كان هناك تدخل إيراني يستلزم الرد الإسرائيلي والأميركي فقد يكون هناك ارتفاع أكبر ملحوظ في الأسعار.
سيناريوهات التصعيد
بدوره، يقول الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون الطاقة عامر الشوبكي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
التطورات الجديدة ربما تجعل المنطقة ساحة مفتوحة للحرب، وهذا يمثل الكثير لمنصات الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط (..).
كل منصات الغاز (الإسرائيلية) قريبة من لبنان وفي مرمى صواريخ حزب الله، حقل ليڤياثان قريب من حيفا ومنصة حقل تمار قريبة من السواحل الفلسطينية من الجهة الشمالية وكذلك منصة حقل كاريش القريبة من الحدود اللبنانية (..).
كل ذلك سوف يكون له انعكاسات خطيرة، فإسرائيل تعتمد بنسبة أكثر من 70 بالمئة على توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي، وتعتمد على هذه الحقول في تغذية احتياجاتها.
لا تمتلك إسرائيل في الوقت نفسه مخزونات استراتيجية ملائمة من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أن مخزوناتها من الديزل والفحم لتشغيل محطات الكهرباء أيضاً لا تصل لمخزونات كافية تلبي احتياجاتها لفترة أكثر من أسبوعين.
إسرائيل قد تبدأ تواجه ضمن هذا السيناريو انقطاعات طويلة للكهرباء، وما يحمله ذلك من انقطاعات لخدمات أخرى؛ لأن تل أبيب تعتمد على الكهرباء في نقل وتحلية المياه على سبيل المثال، بجانب العمليات المالية.
أثر انقطاع الكهرباء على إسرائيل سيكون مدمراً ويسبب شللاً للحياة العامة.
ماذا عن مصر والأردن؟
يشدد على أن الأزمة سوف تنسحب على الأردن ومصر، ذلك أن الأردن يعتمد على الكهرباء من إنتاج الغاز الذي يأتي من إسرائيل (..) لذلك سيواجه انقطاعات في الكهرباء (..)، وسيكون الأردن قادراً على توليد الكهرباء لـ 6 ساعات في اليوم فقط، لوجود استخدامات للصخر الزيتي، ويستطيع الأردن أيضاً طلب كميات من الغاز الطبيعي المسال ولكن ذلك يحتاج إلى أسبوعين أو أكثر عن طريق السفينة العائمة في العقبة.
أما فيما يتعلق بمصر، فيوضح الشوبكي، أن الوضع الداخلي يمكن أن يتأثر بشكل واضح، فيما يلفت إلى أنه قد تم تدارك ذلك خلال أسابيع بزيادة طلبيات الشحنات من الغاز الطبيعي المسال لتعويض المفقود من الغاز القادم من إسرائيل، مردفاً: سواء الأردن أو مصر، فأمامها هذه البدائل، وتصاعد الأحداث سيكلف مبالغ طائلة على البلدين، وأسعار الغاز العالمية سترتفع بشكل واضح، وهذا بالتأكيد سيجعل أوروبا في حرج أيضاً.
ويضيف:
تصاعد الأحداث سيرفع أيضاً أسعار الغاز العالمية بنسب قد تصل من 5 إلى 10 بالمئة.. وسيعتمد الارتفاع على طول وفترة انقطاع غاز الشرق المتوسط أو الغاز الإسرائيلي.
أسعار النفط يمكن أن تشتعل إذا ما تم العبث في سلامة ومرور سفن الطاقة في مضيق هرمز، الذي يتحكم في قرابة
ثلث إمدادات النفط العالم و20 بالمئة من الغاز (..).
سيناريو مطروح
من جانبها، تقول أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، وفاء علي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “لا شك أن الأوراق اختلطت وكُسِرت عديد من القواعد في هذه المرحلة، التي تتصاعد فيها الأحداث والتوترات الجيوسياسية وحرب الطائرات غير المأهولة”.
وتضيف: “يبدو وكأن الجميع استسلم لإطالة أمد الصراع (في الشرق الأوسط) وبالتالي تهديد أمن الملاحة والتجارة العالمية ومعه أهم ملف عالمي ألا وهو ملف الطاقة، الذي يؤثر بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية عالمياً وخصوصاً منطقة بؤرة الصراع الشرق الأوسط”.
وتستطرد: “هذا يدفعنا إلى التساؤل عن السيناريوهات المحتملة إذا فكر حزب الله في ضرب منصات الغاز الإسرائيلية انتقاماً لما يحدث من اعتداءات من جانب إسرائيل، وهو تصور قد يكون صعباً ولكنه محتملاً، وقد يسفر عنه غلق أو ضرب ثلاث منصات غاز إسرائيلية وعلى رأسها منصة حقل كاريش”.
التصعيد هذا سيجعل ملف الغاز في المنطقة على حافة الهاوية، ذلك أن إسرائيل تعتمد بشكل مباشر في توليد الكهرباء على الغاز الطبيعي في حوالي أكثر من 70 بالمئة، بالإضافة إلى أن هذا الأمر سيرفع سعر الطاقة بأكملها وليس الغاز فقط، علاوة على الانقطاع الدائم للكهرباء، بالإضافة إلى أن منصات الغاز عند إصابتها بأضرار تحتاج إلى وقت طويل وستؤثر على دول الجوار التي تمدها إسرائيل بالغاز، بحسب أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة.
وأشارت إلى أنه على الرغم من تمتع المنصات الإسرائيلية بنظام حماية ذاتي إلا أن المسيرات غير المأهولة أصبحت تخترق المجال (الجوي) ولا ترصدها القبة الحديدية، وحتى لو اعتمدت إسرائيل على بدائل أخرى من الفحم والديزل فسيكلفها ذلك كثيراً ولن يؤتى بثماره، وبالتالي فإن “القوس مفتوح لكل الخيارات وسترتفع مع ذلك أسعار الغاز والنفط في ظل هذا التصعيد المستمر”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف التوترات تصعيد الأوضاع الاقتصادية قطاع الطاقة حزب الله منصات الغاز من الغاز الطبیعی الشرق الأوسط الأردن ومصر الإنتاج من یکون هناک الطاقة فی من الفحم حزب الله إلى أنه قد یکون أکثر من مع ذلک إلى أن
إقرأ أيضاً:
ماذا سيحدث للعالم في حال تحاربت الهند وباكستان بالسلاح النووي؟
يعتبر الصراع بين الهند وباكستان واحدًا من أكثر النزاعات تعقيدًا وطولًا في العصر الحديث، وهو قائم منذ انفصال الدولتين عن الإمبراطورية البريطانية عام 1947، وتعود جذوره إلى قضايا دينية وقومية وجغرافية، وأبرزها النزاع على إقليم كشمير.
وشهد إقليم كشمير في 22 نيسان/ أبريل 2025، واحدة من أعنف الهجمات المسلحة منذ سنوات، حيث قُتل 26 سائحًا هنديًا وجُرح آخرون في هجوم أعلنت عن تنفيذه "جبهة المقاومة" المرتبطة بجماعة "لشكر طيبة"، في منطقة بهلغام.
وأعاد الهجوم إلى الأذهان مشاهد التصعيد التي تضع الهند وباكستان دائمًا على حافة حرب، كان آخرها عام 2019، ويجدد التأكيد أن إقليم كشمير لا يزال نقطة الاشتعال الرئيسية بين البلدين.
وما يجعل النزاع الطويل بين البلدين خطيرًا بشكل خاص هو وجود سلاح نووي وقدرات عسكرية متطورة لدى كليهما، ويُنظر إلى هذا التسلّح بوصفه عامل ردع رئيسيا يحول دون اندلاع حرب شاملة بين الطرفين، خاصة بعد أن أصبحت الدولتان نوويتين معلنتين في عام 1998.
ومع أن ترسانتيهما النوويتين أقل حجمًا من تلك الخاصة بالقوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، إلا أن موقع الدولتين الجغرافي والصراع المستمر بينهما يجعل من أي تصعيد بينهما خطرًا وجوديًا على المنطقة والعالم.
القدرات النووية
تتبنى الهند سياسة "عدم الاستخدام الأول - No First Use - NFU"، أي إنها لن تبدأ باستخدام السلاح النووي، لكنها تحتفظ بحق الرد "بشكل مدمر"، ومع ذلك، فقد ظهرت في السنوات الأخيرة تلميحات بتعديل هذه السياسة حسب الظروف.
ولا تتبنى باكستان بدورها سياسة "عدم الاستخدام الأول"، وهي تعتبر الترسانة النووية "عامل توازن" في وجه القوة التقليدية الهندية المتفوقة، وتلمح إلى إمكانية استخدام السلاح النووي في حال أي تهديد وجودي.
ويقدر عدد الرؤوس النووية لدى الهند بـ160 رأسًا نوويًا، بينما يقدر العدد بـ170 رأسًا نوويًا لدى باكستان، بحسب ما ذكرت إحصائيات معهد ستوكهولم لعام SIPRI.
وبمقدور الهند إطلاق أسلحة نووية عبر صواريخ باليستية أرضية يصل مداها إلى خمسة آلاف كم، ومن خلال غواصات نووية تحمل صواريخ باليستية، وطائرات مقاتلة قادرة على حمل رؤوس نووية.
وتمتلك باكستان القدرة على إطلاق سلاحها النووي عبر صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، ومن خلال طائرات مقاتلة معدلة مثل إف 16 قادرة على حمل رؤوس نووية، بينما تستمر بالسعي للقدرة على إطلاق هذه الصواريخ من البحر من خلال الغواصات..
وإن ما يهدد بتفاقم الحرب النووية بين البلدين في حال حدوثها هو طبيعة الدولتين المتجاورتين، فقصر المسافات الجغرافية يقلل الوقت المتاح للتحذير أو الرد، كما أن التوتر الدائم يرفع احتمالات سوء التقدير أو التصعيد غير المقصود، وذلك وسط غياب قنوات تواصل استراتيجية مستقرة بين الطرفين.
محاكاة الحرب النووية
تحذر دراسة جامعة راتغرز التي نشرتها مجلة "Bulletin of the Atomic Scientists" من أن اندلاع حرب نووية بين الهند وباكستان قد يؤدي إلى كارثة إنسانية وبيئية عالمية.
وأعدّ الدراسة فريق من الباحثين في جامعات مرموقة، أبرزها جامعة راتغرز، وجامعة كولورادو، ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، بقيادة العالِم المناخي الشهير آلان روبوك.
وتتخيل الدراسة سيناريو يبدأ بهجوم إرهابي على البرلمان الهندي في عام 2025، ما يؤدي إلى تصعيد عسكري بين الهند وباكستان. وفي هذا السيناريو، تستخدم باكستان أولًا 10 أسلحة نووية تكتيكية ضد القوات الهندية، تليها استخدامات متبادلة للأسلحة النووية من كلا الجانبين.
رغم أن الحرب المفترضة تُصنّف على أنها محدودة نسبيًا مقارنة بحرب نووية شاملة بين قوى عظمى، فإن الفريق البحثي افترض سيناريو تقوم فيه كل من الهند وباكستان بتفجير حوالي 250 رأسًا نوويا صغيرة إلى متوسطة الحجم فوق المدن والبُنى التحتية العسكرية والاقتصادية الكبرى في الطرف الآخر.
ويقدر العدد المفترض للرؤوس النووية في هذه الحرب بـ250 تقريبًا بواقع 125 من كل طرف، وذلك بقوة تفجيرية لكل رأس تتراوح ما بين 15 و100 كيلوطن (أي بقوة قنبلتي هيروشيما أو أكثر).
وافترضت الدراسة أن هذه القنابل سيتم تفجيرها في مدن كبرى، وهو ما يمكن أن يتسبب في مقتل ما بين 50 إلى 125 مليون شخص فورًا، مع تدمير واسع للبنية التحتية المدنية والعسكرية في كلا البلدين.
وستؤدي هذه التفجيرات النووية فوق المدن إلى حرائق ضخمة في المناطق الحضرية، ما سيعمل على إطلاق ما يزيد على الـ5 إلى 36 مليون طن من الدخان والسخام (الكربون الأسود) إلى الغلاف الجوي العلوي.
وهذا الدخان الأسود لا يتبدد بسهولة بل يستقر في طبقة الستراتوسفير، ما يمنع أشعة الشمس من الوصول إلى سطح الأرض. ويُتوقع أن ينخفض متوسط درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 1.5 إلى 2.5 درجة مئوية خلال السنوات الأولى بعد الحرب، وفي بعض المناطق مثل أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية، قد تصل البرودة إلى درجات قياسية، خصوصًا خلال مواسم الزراعة.
وتتسبب هذه التغيرات في الغلاف الجوي بانخفاض معدلات هطول الأمطار بنسبة قد تصل إلى 30 بالمئة في مناطق واسعة، خاصة في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، ما سيؤدي إلى جفاف طويل الأمد، وتدمير مواسم الزراعة المتعاقبة وانتشار واسع للمجاعات وتهديد الأمن الغذائي.
وأكدت الدراسة أن هذا السيناريو سيؤدي إلى تدمير طبقة الأوزون، ما يزيد من التعرض للأشعة فوق البنفسجية الضارة، وهو ما يعزز بشكل هائل انتشار أمراض السرطان، مشيرة إلى تأثر المحيطات وانخفاض درجات حرارة سطح البحر، وانخفاض إنتاجية المحيطات وصيد الأسماك والنظم البيئية البحرية، مع تأثيرات قد تستمر لعقود.
وبينت الدراسة أنه نتيجة لهذا السيناريو فإن الأسواق العالمية ستشهد ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار، ما يجعل الغذاء خارج متناول مئات الملايين من البشر.
وستحدث انهيارات اقتصادية في عدد كبير من الدول، خصوصًا تلك المعتمدة على الصادرات الزراعية، وهجرات جماعية من مناطق منكوبة بالجوع والجفاف، مع تفاقم النزاعات المحلية والدولية نتيجة التنافس على الموارد النادرة.
وتُبرز الدراسة أنه حتى نزاع نووي محدود يمكن أن يُحدث تغييرات دائمة في النظام البيئي العالمي، ما يسلط الضوء على ضرورة الحد من التسلح النووي وتجنب التصعيد العسكري في المناطق المتوترة مثل جنوب آسيا.
وتؤكد الدراسة أنه حتى حرب نووية إقليمية محدودة قد تؤدي إلى كارثة عالمية، ما يستدعي إعادة تقييم السياسات النووية العالمية. وتدعو إلى تقليل الترسانات النووية، وتعزيز المعاهدات الدولية مثل معاهدة حظر الأسلحة النووية، لمنع مثل هذه الكوارث المستقبلية.
وتُظهر الدراسة أن العواقب المحتملة لحرب نووية بين الهند وباكستان تتجاوز الحدود الإقليمية، ما يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات دولية عاجلة لمنع حدوث مثل هذا السيناريو الكارثي. وتختتم الدراسة بجملة: "لا توجد حرب نووية صغيرة، إذ إن النيران التي ستُشعل في مدن جنوب آسيا ستحرق أيضًا مستقبل البشرية جمعاء".