خطاب الأكاذيب لــ نتنياهو في الكونجرس الأمريكي الصهيوني
تاريخ النشر: 1st, August 2024 GMT
يقول فلاسفة عصر (التنوير الأوروبي) وهُم بأعداد وازنة، إنه لا قيمة فعلية حقيقية من سرد تاريخ الملوك والأباطرة وقادة الحروب من القادة العسكريين وغيرهم، لأن الفائدة التاريخية المرجوة محدودة جداً إن لم تكن منعدمة تماماً، في مقارنة منصفة مع ما يقدمه من تعاليم وكتابات وأفكار عدد من المفكرين والفلاسفة والعلماء في عصور غابرة من الحضارات الإنسانية المتعاقبة، أي في عصر الفلاسفة الأوائل من زمن الحضارة الإغريقية، والحضارة الفارسية، والحضارة اليمنية (سبأ وحِمْيَر ومعين وقتبان وأوسان وحضرموت)، والحضارة السورية التي يسميها المستشرقون الأوروبيون بـ (الآشورية) في تحريف صريح للمسمّى الحقيقي لتلك الحضارة، وما أكثر التزوير العلني والمبطن الذي لجأ إليه المستشرقون الأوروبيون البيض في تزوير حقائق التاريخ ومعطيات الجغرافيا.
تذكرت عدداً من كتابات ومقولات عددٍ من هؤلاء المفكرين والفلاسفة وأنا استمع كغيري لخطاب مجرم الحرب الصهيوني بنيامين نتنياهو -رئيس وزراء الكيان الصهيوني الإسرائيلي اليهودي، أمام عددٍ من أعضاء الكونجرس الأمريكي ومجلس الشيوخ الأمريكي (في شهر يوليو 2024م)، وهُم في الغالب أمريكيون صهاينة عنصريون أو دعموا للصعود إلى ذلك الكرسي بمساندة ودعم من اللوبي اليهودي الصهيوني المتغلغل في جسد جميع المؤسسات الحزبية والحكومية وحتى المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد تمت دعوة مجرم الحرب (نتنياهو) من قِبل قادة الحزب الجمهوري كدعاية انتخابية رخيصة في الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر القادم لهذا العام 2024م، لدعم مرشحهم الجمهوري وحشد اللوبي اليهودي الصهيوني لذلك الهدف، واُعطيت له مساحة من الزمن في الاستماع لهذيانه وأكاذيبه والرد عليه بقيام الأعضاء والتصفيق له بحرارة منقطعة النظير، مع العلم أن هناك أعضاءً من المجلسين من الحزب الديمقراطي قد غابوا وتغيبوا احتجاجاً على سلوك وشخص مجرم الحرب (نتنياهو).
من سيقرأ خطاب مجرم الحرب وكلمات خطابه الأرعن وكأنه يُلقيه في زمن السلم، وكأن الجيش الصهيوني اليهودي لم يشن عدواناً وحشياً نازياً فاشياً على الشعب الفلسطيني مُنذ الثامن من أكتوبر عام 2023م وما زال مستمراً في العدوان الإجرامي حتى هذه اللحظة التي نُسجل فيها هذا المقال عن خطاب المجرم (نتنياهو)،
والغريب أنه يردد بسذاجة ذلك المجرم، ويقول أنه خلال مدة حربه الحالية على الشعب الفلسطيني لم يقتل أي مدني فلسطيني، مع أن أرقام إجرام جيشه النازي تتحدث عن انه قد قتل وجرح ما يزيد عن مائة ألف شهيد وجريح جُلُّهم من الأطفال والنساء والشيوخ من المدنيين، والأغرب من ذلك أن الصهاينة الأمريكان كافأوه بتصفيق حار جداً جداً جداً، وتم نقل الخطاب على الهواء عبر العديد من وسائل الإعلام الأمريكي والعربي والأجنبي، ونقلته الفضائيات والقنوات وجميع وسائل التواصل الاجتماعي، كيف لنا أن نفهم نحن البشر الأسوياء كل ذلك المشهد الإعلامي الكاذب، وفي مغالطة صريحة للعقل والقلب وجميع حواس الإنسان، كيف؟!، كيف؟!، كيف؟!.
نحن نكتب مقالنا هذا اليوم، وفي شهر يوليو من عام 2024م وقد مضى على العدوان الصهيوني اليهودي الأمريكي الأوروبي الغربي ما يزيد عن عشرة أشهر، تم فيه تدمير مدن قطاع غزة الفلسطينية بنسب تفوق الــ 70% من منشئاته وبُنيته التحتية، وتم تدمير مُعظم المستشفيات، والمدارس، والجامعات، والكنائس، والمساجد، وآبار مياه الشرب، والمزارع ومحطات تحلية المياه، وتم تدمير كل ما له صلة بالحياة الإنسانية في قطاع غزة، وراح من راح من الشهداء والجرحى والأسرى، ومع ذلك يحتفل الصهاينة الأمريكان بخطاب هذا المجرم القاتل (نتنياهو)، وفوق ذلك ينهض الأعضاء النواب في الكونجرس من مقاعدهم ليصفقوا له بحرارةٍ وبفرحةٍ مُستغربة على أي إنسانٍ عاقل يتابع ذلك المشهد الغريب. دعونا نقرأ المشهد معاً بقليلٍ من الحيادية الإنسانية، وعن ماذا يُعبر ذلك المشهد الإنساني التراجيدي:
أولاً: كيف لأي إنسانٍ عاقل يتابع وسائل الإعلام، ويُشاهد ذلك المُنكر والموقف المشين من قِبَل النخبة الأمريكية المتمثلة بمكانة المجلس التشريعي الذي يُشرِّع القوانين واللوائح لأمة أمريكية ضخمة يتجاوز تعدادها الـ 350 مليون أمريكي، هؤلاء المُشرِّعون يتماهون مع وسائل الإعلام الصهيونية الكاذبة ويصدقون رواية القتلة المجرمين اليهود الإسرائيليين بأنهم شعب مظلوم من قِبل المقاومة الفلسطينية من حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وغيرهم من المقاومين الفلسطينيين، كيف لهؤلاء المُشرِّعين الأمريكان أن يصدقوا بسذاجة مفرطة بأن المجرم القاتل (نتنياهو) يدَّعي بأنه ضحية للإرهاب وضحية للكراهية من قِبل العرب والمسلمين، كيف تنطلي على جهابذة التشريع الأمريكي المُتصهين، وهُم تحت قُبّة البرلمان (الديمقراطي) كل الألاعيب الإسرائيلية الصهيونية اليهودية في أكاذيب الإعلام وخلافه، إنه أمرٌ غريب وعجيب!!!.
ثانياً: ألم يَسُن هؤلاء المُشرِّعون الأمريكان الصهاينة وقبل بضعة أشهر فحسب، قانوناً أمريكياً صهيونياً خاصاً بهم، يقول محتواه (إنه لا يحق لمحكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة وجزء من المنظومة العدلية الدولية، لا يحق لها أن تصدر أي قراراتٍ أو أحكامٍ ضدّ قادة كيان العدو الإسرائيلي)، وحتى بعد إدانتهم من قِبل القُضاة الدوليين.
ثالثاً: ألم يوافق هؤلاء المُشرِّعون الأمريكان، وقبل بضعة أشهر فحسب على موازنة الدعم العسكري الأمريكي لدولة الكيان الصهيوني، وتزويدهم بعشرات المليارات؟، وتم الضغط على إدارة الرئيس/ جو بايدن من أجل تمرير تلك الصفقة لدعم الكيان الإسرائيلي أثناء العدوان الإسرائيلي على مواطني قطاع غزة.
رابعاً: ألا يُذكِّرنا موقف أعضاء مجلسي الشيوخ والكونجرس الأمريكي، وهُم يصفقون بنشوة مفرطة وبحرارة متناهية لكلمات خطاب مجرم الحرب القاتل (نتنياهو)، ألا يُذكِّروننا بأجدادهم الأوروبيين البيض العنصريين حينما غزوا واستعمروا القارتين الأمريكيتين في العام 1492م بقيادة النصاب الدولي “كريستوفر كولمبس”، وقاموا بتزوير الوقائع والأحداث، بل صادروا تاريخ الشعوب الأصلية لتلك الأراضي من حضارة (الإنكا والمايا والأزديك).
وقالوا إنهم اكتشفوا أرض الأمريكيتين وأنه ليس بها بشر وأنهم (أي الأوروبيون البيض) قاموا بإعمار القارتين، وقد ظهر بعد ذلك أن الإنسان الأوروبي الأبيض العنصري قد أباد وأعدم شعوب ما كانوا يسمونهم بالهنود الحُمر، أعدموا منهم ما يزيد على 120 مليون إنسان، إن من صفق بحرارة للقاتل المجرم (نتنياهو) من أعضاء الكونجرس الأمريكي لقتل أكثر من (40,000) شهيد فلسطيني أعدمتهم العصابات الصهيونية العسكرية وبأسلحة أمريكية وأوروبية، هم ذاتهم أحفاد المجرمين الأوائل من الأوروبيين العنصريين البيض الذين غزوا القارة الأمريكية وقتلوا الملايين من السكان الأصليين لأمريكا، يقولون “ما أشبه الليلة بالبارحة”.
خامساً: ألا يُذكِّرنا هؤلاء الأمريكان البيض العنصريين بما فعله أجدادهم المستعمرون الأوروبيون في القارة الأفريقية السوداء، والذين لازالوا يدفعون التعويضات المادية على قتل أبنائها؟ إلا أنها تثبت بما لا يدع مجالاً للشك إدانتهم بأنهم أعدموا وصفّوا وقتلوا الملايين من الشعب الأفريقي بحجة أنهم بشر غير مكتملي النمو، وأنه “أي الإنسان الأوروبي العنصري الأبيض” هو من سيطوّر جيناتهم الوراثية الآدمية نحو التطور البشري؟ قتلوا الملايين من الشعب الجزائري، وشعب جنوب أفريقيا، ومن الشعب الكونغولي والموزمبيقي و و و.
سادساً: ألا يُذكِّرنا موقف هؤلاء الأمريكان العنصريين بأجدادهم البريطانيين حينما استعمروا شبه القارة الهندية وامتصوا وسرقوا ونهبوا ثرواتها وتركوا جزءاً من الشعب الهندي وهم بالملايين يموتون جوعاً، كما كان يردد المجرم” تشرشل- رئيس وزراء بريطانيا (العظمى)” في الحرب العالمية الثانية، قائلا: إن هؤلاء الهنود يموتون لأنهم كسالى ولا فائدة فيهم، هكذا تتجلى العنصرية المقيتة المُشينة في سلوك هؤلاء الأوروبيين العنصريين.
سابعاً: ألا يُذكِّرنا الأمريكان الصهاينة اليوم بأجدادهم البريطانيين حينما غزوا قارة أستراليا وأبادوا سكانها الأصليين السود بحجة أنهم بشر غير أسوياء يتوجب إبادتهم، وقتلوا مُعظم سكان الجزيرة / القارة الأصليين، ونقلوا إلى القارة البكر مجاميع بريطانية بيضاء هم من خريجي السجون ومن الذين عليهم أحكام قانونيةً جنائية ليستوطنوا بدلاً عن سكان الجزيرة الأصليين، ومن تبقى منهم وهرب إلى الغابات والجبال تم عزلهم في جيتوهات ومناطق عزل، كي يبقوا كالحيوانات معزولين يكملون بهم برامج السياح الأجانب القادمين إلى جزيرة أستراليا للتنزه والاستمتاع بمشاهدة الإنسان الأول والذي تمت تصفية الجزء الأعظم منهم، هكذا هم المستعمرون الأوروبيون البيض العنصريون، وهكذا هي أعمالهم القذرة وغير الإنسانية.
الخلاصة: إن الممارسات غير الأخلاقية وغير الإنسانية والجرائم البشعة التي يرتكبها العدو الصهيوني الإسرائيلي ضد أهلنا في قطاع غزة وفلسطين المحتلة كلها منذ تاريخ 8 أكتوبر 2023م وحتى لحظة كتابة مقالنا في 29 يوليو 2024م، هي نتاج ثقافة عنصرية، وممارسة غير إنسانية قذرة، تشرّبها العدو الإسرائيلي من تربة الاستعمار الأوروبي الأبيض المريض وتوابعه من أمراض الشوفينية والماسونية والعنصرية الصهيونية والنازية والفاشية والمرض المتوارث من عقدة التفوق العرقي للإنسان الأبيض مُنذ لحظة ميلاد الفكر الاستعماري الاحتلالي القذر في أوروبا، وانتشاره حول العالم. ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
اللاعقلانية واللاتاريخانية في خطاب النخب حول الحرب الأهلية:
اللاعقلانية واللاتاريخانية في خطاب النخب حول الحرب الأهلية:نموذج المسوّغات الإثنية والجهوية الجنجويدية : نقد سردية صديق صبأ بعد أن أهداني منهج التاريخانية والعقلانية
الفاضل الهاشمي
١٠ ابريل ٢٠٢٥
عقل باطن تراثي علي طرفىْ نقيض جدلي:
إضاءة:
"بسأل عن علي الفارس البقود تسعين
هو اللدر العلي ضهرو الخبوب والطين
ما بياكل الضعيف ومابسولب المسكين"
إظلام:
"يتسولب من العلج الحرير وأكسي
لا تعاين الوجود ضربك بي شر سوي
وسيفك في غضاريف الرجال أروي"
مقدمة:
يلجأ كل من يغض الطرف الجدلي عن التحليل الطبقي وتقاطعاته الثقافية والعرقية والدينية الى تصنيف الحرب كحرب بين مجتمعات وقبائل وهم يعلمون انها حرب بين نخب (النخب هنا بمعناها العام حيث تضم الدكتور وشيخ القبيلة) تضّق واسعاً بإستخدامها ثقافة وسحن وتاريخ مجتمعاتها أو كل معالم الدولة المألوفة وشعار انقاذ وطن رومانسي العلاقة. هذه النخب تتناول مفاهيم العدالة والسلام الإجتماعيين بتملّق ولاء كلامي كاذب وطق حنك عابر لتمويه وتغبيش وتعويم مصالحها الطبقية المدسوسة في سموم الجهوية والعنصرية المضادة. انهم يدقون طبول الحرب ويسوّقونها وكأنها حرب لاطبقية وتصويرها كحرب أعراق وقبائل ومناطقية جهوية لتبرير وترسيخ أنانياتهم الطبقية وما تنتجه من صراعات زائفة. ورطة التحليل الانثربولوجي الخام انه يخاصم البداهة والحقيقة الطبقية لكنه في نفس الوقت مصدق لوجود ونشاط نخب سياسية/مالية/عسكرية في كل مجموعة اثنوثقافية. وعلى هذا المنوال تعترف النخب بالنظام الهرمي على مستوى الاجزاء القبيلية والمناطقية الصغيرة ولا تعترف به على نطاق مساحة الوطن مابعد الاستعماري.
لذا تكمن ورطة هذا التحليل فى النهج اللاطبقي في قراءة أنثربولجية ذات عين واحدة تبصر الواقع الإقتصادي الاجتماعي السياسي. هذا جزء من أزمات العلوم الإجتماعية في الجامعات ومراكز البحوث الملتزمة بقيم وقوانين نظم المعرفة والايديولوجيا الليبرالية الجديدة فى عليائها اللااجتماعي ولاتاريخي (من نقاش مع المنصور جعفر).
هذا هو مشهد صديقي أستاذ آدم الجباري الذي نهديه من اللاعقلانية وأثننة وقبلنة الصراع، فيقع في اللاتاريخانية بتجاهل الصراع الاجتماعي في سيرورة تطور مؤسسة القوات المسلحة (الجيش السوداني) الطبقية الذي تناسي مشروعه الوطني العظيم الذي تشرّب عقيدة "نحن جند الله، جند الوطن"، ويا لها من عقيدة ملتبسة لتدنيس الدين والوطن معاً. جيش تطوّر بقدرة قادر من مغبّة سوءآت البازنقر الي مصاف تحول عميق وجذري الي بزنس أسواق إستثمارية كبري للنفط والذهب والسمسم والصمغ والفول السوداني وتهريب المعادن الثمينة.
نقصد باللاتاريخانية العبارة الإنجليزية
(ahistoricism )
كمفهوم يتجاهل السياق التاريخي الاجتماعي للظواهر ويتناولها خارج سياقها التاريخي الاجتماعي. بؤس هذا المنهج أنه ينطوي على بديل العنصرية والإثننة والجهوية.
أيديولوجيا الوجبات السريعة (١):
السياق التاريخي للجيش السوداني ومؤسساته الأمنية
سيّان خطلاً دعم الجنجويد إثنياً وقبلياً بإستصحاب ثنائية المركز/الهامش أو دعم الجيش بذريعة الوطنية والسودانوية أو الدين (كمؤسسة مختطفة مخترقة لاحقاً). هناك تيارات تقدمية، في فضاء الأدب السياسي وعلم الاجتماع والإقتصاد السياسي، تناولت المؤسسة العسكرية كمؤسسة تم إختراعها وصناعتها في الأساس لقمع المعارضين في حركات التحرر الوطني منذ الإستعمار وحافظت علي ذات وظيفتها في الفترة مابعد الكولونيالية وفي عصر العولمة وتحولت الي "بزنس" سياسي فاسد بجدارة. ليس ثمة مغالطة في وقائع تاريخ مؤسسة البازنقر وحمضها النووي التي نبهنا له د. عشاري. رسّخ ذلك التاريخ سوءآت المؤسسة العسكرية السودانية لاحقاً من دموية ومقابر جماعية ومشارح ومعتقلات سرية وإحتيال مستمر لسرقة ثروات الشعب السوداني الممثّل في القطاع العام بتبنّي آيدلوجيا ومفاهيم واستراتيجيات البنك الدولي وصندوق النقد التي تنبري الي تصفية ذلك القطاع كما نعلم جميعاً.
تأملنا سياق نشوء الجيش السوداني تاريخياً ضمن سياق علائق الرق بتشابكاته العرقية والأثنية، ووفقا لتمظهراته "العنصرية" أو "الاستعلاء العرقي" ؛ هكذا تجسّد تاريخ الجيش السوداني كمؤسسة بازنقرية وهي "كظاهرة تاريخية، بأنها النواة الأولى للجيش النظامي السوداني كما نعرفه اليوم. وهي، وان كانت بداياتها تعود الى ما عرف بزرائب تجارة الرقيق، والتي يقوم بحراستها والمساعدة في الصيد، بعض الرقيق أنفسهم بناء على توجيهات السيد مالك الزرائب. الا انها وبناء على توصيات محمد علي باشا، أصبحت النواة الأولى للجندي النظامي، والمؤسسة العسكرية الحديثة. لذلك فإن "البازنقر"، ووفقا للتعريف السابق للبازنقرية كمؤسسة، هو نواة الجندي النظامي السوداني المنبت والذي يعمل في خدمة تاجر الرقيق أيا كان موقع ومسمى هذا التاجر: مالك للزرائب، أو مؤسسة استعمارية، كما هو الحال مع التركية، أو "جهادية" في نسختها المهدوية، أو قوة دفاع السودان، كما هو الحال مع الاستعمار البريطاني، وأخيرا ما يعرف ب "قوات الشعب المسلحة" عبر نظم الحكم في دولة ما بعد الاستقلال. ونحن نواصل اقتباس عبد الخالق من عشاري ، "أن البازنقرية تظل هي السمة الملازمة لهذه المؤسسة من خلال عمالتها للغير وارتهان ارادتها وإئتمارها للاسياد: مصر، السعودية والإمارات. من هذا المنطلق، يعرف الكاتب "البازنقر، هو الجندي (العبد) النذل، والنذالة خصيصة لزومية، للتمييز بينه وبين (العببيد الأشراف) الذين قاوموا تجارة الرق مثلما فعل البازنقر" ص١٠٣. والبازنقر، مستوجب للإحتقار كونه "في خدمة السيد، يؤدي البازنقر أكثر الأفعال دناءة وانحطاطا ضد أهله، بما في ذلك شن العدوان ضدهم، وتقتيله لهم تقتيلا، وتعذيبه لهم، واغتصابه جنسيا قريباته، واخفاءه بالقسر عشرات المئات من الشباب الثوار ورفضه الإفصاح عن أماكن وجودهم أو عن مصائرهم" ص ١٠٣. يزعم عشاري في ذلك الكتاب أن الكباشي في بازنقريته "يُجسدِن عقيدة الجيش السوداني الراهن، بما هو جيش إجرامي عدو للشعب خائن للوطن. ومن ثم فإن البازنقر، (العبد) في هيئة الضابط في الجيش، محتقر، ليس فقط، كما هو يعلم، محتقر من قبل أسياده في السعودية والإمارات ومصر، وإنما كذلك هو البازنقر محتقر بين ضحاياه، وبين الشباب الثوار المقاومين ضد اجرامه ونذالته" ( مقتطف من مؤسسة البازنقر ، عبد الخالق السر حول عشاري).
لقد كتب عشاري بإسهاب عن طبيعة المؤسسة العسكرية ذات النسب الجينولوجي في البازنقرية، الضاربة عميقا في تاريخ الرق، ومنتوجها الجندي "العبد البازنقر"، في وحشيته وضراوته البالغة في التنكيل بأهله، مرضاة لسيده. فالبازنقرية، كعبودية ونذالة، هي حالة ماثلة ومجسدة في علاقة المؤسسة العسكرية الراهنة، ورهط البازنقرات من العسكر الذين يقودونها ويرهنون البلد بكاملها لتجار الرقيق المعاصرين، محمد بن سلمان ومحمد بن زايد. يستطرد عبد الخالق في نقده الرصين لموقف مماثل آخر من الكاتب دوغلاس جونسون الذي بيّن "الإشكال البنيوي الذي ظل ملازماً للقوات المسلحة في ظل تشابك مصالحها وولائها للدولة الزبائنية التي أنشأها المستعمر، على حساب المصالح العليا للوطن والمواطن". (راجع المصدر في آخر المقال).
ليس في نيّتي هنا تناول عدمي ونفي مطلق تعميمي لبنية المؤسسة العسكرية، وإنما تفكيك جينولوجيا تاريخها نحو زجر قويم حكيم واقعي يردّها ويحاصرها نحو صواب "وطني" قويم. الحكمة والتناول العلمي غير العاطفي يقتضي عدم تعميم يضع بطانية وحيدة الجانب في صيرورة موسسة وبنية عسكرية كان ضمنها حركات ومجموعات دفعت الغالي والنفيس حتي تستقيم المؤسسة البازنقرية الي قوام وطني يرفض الظلم وخدمة الراسمال الإستعماري ومابعد الإستعماري والفاشي الجديد. أقصد عدم إستبعاد لحظات تقدمية ثورية من سياق محاولات نخب المؤسسة العسكرية في إحداث اختراقات برجوازية ثورية ، لو يصح التعبير. منها حراك الثورة العرابية والمهدية في السودان كان حراك عسكري خارج المؤسسة العسكرية الإستعمارية الرسمية. هناك حركات وشخصيات رفعت شعار تثوير المؤسسة العسكرية منذ علي عبد اللطيف وعبد الفضيل ألماظ لغاية حركة شهداء يوليو، وهذا خارج نطاق هذا المقال. دوننا الآن وفي مناطق سيطرة الجيش ومليشياته المكوزنة يتم القتل على الهوية وقتل المدنيين النشطاء علي الهوية العرقية والسياسية. مؤسسة عسكرية لا تستحى من الهروب والتمركز حول مقراتها ومنشآتها تاركة المواطنين تحت رحمة المليشيات التي صنعتها وإخترعتها.
أيديولوجيا الوجبات السريعة (٢):
سياق تطوّر الجيش التاريخي هيأه تبنّي مليشيا الجنجويد جينياً
مغبة خطاب صديقي الجباري هو أنه يدعم الجنجويد بحجة أنهم يمثلون الهامش المغلوب المعرقن المؤثنن وكأن تلك الإثنيات تعيش جغرافياً خارج زمكان المركز، ثم تنهض لإعادة عدالة إفتراضية قوامها اليومي الدم والإغتصاب والنهب. ومثل دعم مؤسسة البازنقر يتبني الجباري وآخرون مغبة دعم الجنجويد أو الجيش السوداني كموقف عاطفي فج عاجل قصير المدى ومنخفض السقف الفكري كونه يتناسي الأساس المادي التاريخي للمؤسسة العسكرية السودانية وولوغها في إختراع المليشيات لتحارب نيابة عن مؤسسة نأت بنفسها عن دورها الوطني في حماية السيادة الوطنية وتحولت الي مرتزقة مأجورة تنهب موارد الدولة وشركاتها وتبيع موارد الدولة الي الأخوان المسلمين "بتراب القروش" وترهن الجيش الي قيادتهم البائسة النهّابة، وتبطش بالمواطنين، واخترعت مهنة الإغتصاب في المؤسسة الأمنية العسكرية والإبادات الجماعية. هذا هو كتاب وتاريخ المؤسسة العسكرية التي سطت عليها مؤسسة الأخوان المسلمين الحزبية التي تنطلق من أيديولوجيا وخطاب سياسي بغيض قائم علي الإحتفاء الفج الكاذب بالدين ولاعلاقة لذلك الخطاب بمفهوم الوطن والوطنية. وقبل ذلك كانت مؤسسة تمارس القمع والمذابح على مواطنيها منذ الاستقلال؛ مذابح جوبا و واو والضعين ومذابح دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق، ومذبحة حوش القيادة العامة، ثم ولغت في الحروب الأهلية الدموية. تناسي د. عشاري فجأة تحليله السابق لبنية الجيش الموضوعية وشروطها التاريخية وإستدار نحو طرح لاتاريخاني يزعم فيه تحوّل مؤسسة الجيش فجأة الي جيش وطني لاعلاقة له بالعنف والإرتزاق والزبائنية وأن مليشيا الجنجويد هي إبن شرعي من أصله الجيني: نطفة، وعلقة ومضغة ثم عظاماً إكتست لحماً فأصبحت على شاكلته جنجويداً؛ أو بمجازٍ آخر، تلك المليشيات تكوّنت عضوياً وجدلياً من المؤسسة العسكرية السودانية كما يتكوّن اللبن من الفرث والدم.
ورطة خطاب دعم الجنجويد الفكرية والأخلاقية تنزلق في تغابي العرفة في إنسياق الجنجويد في ورطة أوساخ مشروع العولمة الإمبربالي الأوروبي حين إستأجر الاتحاد الأوروبي مليشيا الجنجويد في ٢٠١٦ لحراسة الحدود، بهدف منع الأفارقة من الوصول إلى البحر المتوسط ثم أوروبا، في "عملية الخرطوم" التي شنأني حينها سفير بريطانيا إعلامياً ونكرها علي رؤوس الأشهاد حين نشرتها في دراستي بعنوان "التدخلات السياسية في تعدين وتجارة الذهب في السودان ، تحديات الفساد وإنعدام الشفافية" التي نشرتها لي المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً ، ضمن مبادرة الشفافية السودانية في ٢٠١٧. وفي سياق خطاب الوجبات السريعة تستأجر ذات البنية الامبريالية الفرعية السعودية الأماراتية الجيش السوداني ومليشيا الجنجويد وتوظّفهما معاً لمحاربة الحوثيين في اليمن.
وفي ذات المشهد اللاأخلاقي وأسواق تكنلوجيا الأمن والتجسس تدعم الصهيونية سيناريو خداع بزنس سياسي يتبناه طرفا الحرب في السودان. أما فاشية الشمال الكوني اختارت نهب الموارد عبر اتفاقيات نهب الأرض واستلابها وقتل من يدافع عن أرضه حيث شركات الأمن تقتل المواطنين في أراضيهم متى تشاء. هكذا يتغابي خطاب دعم الجنجويد عاطفياً تلك الخطايا.
إقتباس يفصح عن منطلقات الجباري الفكرية والعملية:
المقاربات والمقارنات الجزافية واضحة بين موقف الجيش والقوي السياسية في انتفاضة 85 حيث لم تكن هناك قوة مليشيا أخرى مسلحة والموقف الآن في الحرب الأهلية. حشر التاريخ خارج سياقاته الزمكانية الاجتماعية منهج إعتباطي لاتاريخاني في تناول الظواهر الاجتماعية. أتي الجبارى بذلك المشهد لتمرير إعلاء شأن مليشيا الدعم السريع ويزعم أن "الدعم السريع ايضا مؤسسة عسكرية قانونية" مثله مثل الجيش السوداني، سيئ التاريخ، صنيع البنية والجينات الإستعمارية البازنقرية الذي أعدم المزارعين في عنبر جودة والشباب المدنيين المستنفرين في مذبحة العيلفون ومذابح الضعين وإبادات دارفور منذ ٢٠٠٣ التي كانت نواة مشروع مليشيا تجريبي من ذات المجموعات القبلية التي فرّخت الجنجويد، ويا له من إسم محلي ساخر إرتبط بلاغياً بالجن الذي إمتطي جواداً ثم تاتشراً ومسيّرات. ماذا نفعل بهذه المقارنة الشقية بين مليشيا وجيش خلقها فسواها فعدلها جناً أحمراً خرج من سياق قمقمه وتناقضات الحال والمآل.
ثم يأتي الجباري مرة أخري ويشبّه الجنجويد ببنية جيش البازنقر وليته إكتفي بذلك ولكنه تمرّغ في جهوية سافرة بغيضة. هاكم هذا الإقتباس من منهجه الملولو:
"إذا كنت تعتبر ان الجيش مؤسسة عسكرية قانونية فإن الدعم السريع ايضا مؤسسة عسكرية قانونية ،
- واذا إعتبرت الدعم السريع مليشيا فالجيش هذا ايضا مليشيا لانه منذ تكوينه كان خادما للاستعمار و تحول بعد الاستقلال لخادم لراس المال الطائفي والاقطاعي و في عهد الانقاذ تحول لخادم لراس المال الطفيلي ..... وكانت مهمته الوحيدة منذ زمن الإستعمار هي قمع وقتل واستباحة دم الشعب السوداني واي صوت يطالب بالعدالة وخاصة فقراء الريف وسكان مدن الصفيح حول المدن". لقد إستلف الجباري هنا التحليل الطبقي السليم لبنية الجيش السوداني حتي يخلص الي استنتاج طبيعي دون قصد يسب فيه الجنجويد ويموقعه في درك جيش سوداني خدم الإستعمار والإقطاع والطفيلية .. ونسي أن الجيش تجاوز نفسه وأصبح الطفيلية ذاتها التي تشتري وتبيع الصمغ والدقيق والسمسم والثروات الحيوانية وتبيع ثروات باطن الأرض للإمبرياليات الطرفية الأقليمية والدولية ، ثم يمّمت شطر بيع المياه الباطنية والبحر الأحمر ، فالأزرق والأبيض واللازوردي كمان. هكذا تم ترذيله للجنجويد جينياً مع الجيش الوالد حسب الحمض النووي ... يواصل كاتبنا الجباري في ترذيل مليشيا من صلب مليشيا جناً وسحراً وطفيلية وكأنه يقول "هيهات هيهات لا جنٌ ولا سحرة بقادرين علي أن يلحقوا أثره" .. وكأنه يقول نحن الجنجويد سيؤون مثله.. فيكتب: "واذا اعتبرت قوات الدعم السريع مجرمة فإن هذا الجيش منذ تأسيسة ارتكب جرائم حقيقية وليست افتراضية فقد ازهق ارواح كثير من الأبرياء بلغ عددهم في حقبة النميري ووزير دفاعه سوار الدهب ما يقارب مليون سوداني و اغتصب وحرق قري باكملها بمن فيها من بشر وممتلكات". ليته أكتفي بتلك السيرة الدموية لكليهما حسب المقارنة التي سرعان ما ينكرها بمزيد من الهروب من التحليل الاجتماعي الطبقي لبنية الجيش الي جهوية سردية المركز والهامش الفقير. يكتب الجباري أن " المقارنة حقيقية وتستند علي معطيات حقيقية ..... الفرق الوحيد ان قيادة جيش سوار الدهب من "الشمال النيلي" وقيادة جيش الدعم السريع من "غرب السودان". ومن صلب ذلك المنهج ينتقل لاحقاً في النقاش الطويل من الجهوية الي القبلية والأثننة. يا له من موقف فكرى وعقلاني ممعن في الميكانيكية التي لاتتلمّس جدل رسالة راس المال الطفيلي التجاري الذي تعفّن في رحم المؤسسات العسكرية في ظل العولمة والإمبرياليات الفرعية الإقليمية والعالمية الدموية المعاصرة. يا له من منطق طفولي يغمض العين عن فساد الطفيلية والإرتزاق هنا وهناك.
الذاكرة السمكية والإنتقائية كحجة لاأخلاقية ولا علمية ولاتاريخانية:
يكتب الجباري لقد " "أيدت الدعم بعد ان تمرد علي جماعة الاخوان المسلمين.. مساندتي للدعم السريع في هذه الحرب لانه يقاتل لكسر بندقية الاخوان المسلمين لاني أعلم تمام العلم بدون تحطيم هذه البندقية فلن
- تقوم للسودان قائمة. واذا انتصر جيش الاخوان المسلمين في هذه الحرب ربما يحتاج السودان "هذا ان لم يتشظي" الي مئة عام او اكثر من القهر والجوع ليتخلص من هؤلاء المجرمين و سيدفع الثمن الباهظ فقراء الشعب السوداني وكادحيه ولا احد آخر غيرهم من دمهم. ان الدعم السريع يسعي لتحطيم دولة ٥٦ وهي دولة يسيطر علي مفاتيح السلطة فيها منذ الإستقلال اقلية من نخب المركز تنتمي إثنيا للشمال النيلي ولا يمكن
- لهذه البلد ان تتقدم في ظل احتكار هذه الأقلية للسلطة والثروة في البلد وحرمان أغلبية اهل السودان من حقهم الطبيعي في ثرواتهم و في السلطة. حميدتي كان فعلا ضمن قوات حرس الحدود بقيادة موسي هلال التي ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ولكنه اختلف مع موسي هلال لهذا السبب وكوّن قوات
- الدعم السريع التي قاتلت الحركات المسلحة التي كانت تحارب نظام الانقاذ لكنها لم تعتدي علي مواطن ولكن رغم ذلك فقد كنت ضدها في ذلك الوقت ..... ولكن بعد ان نفضوا يدهم من الانقاذ و اصطفوا مع الشعب السوداني ضدها ايضا تغير موقفي الي مؤيد لها في الحرب الحالية ..... فانا اتعامل مع واقع حي متحرك وبرؤية سياسية لا تعرف الجمود و بوصلتي كانت ومازالت وستظل هي مصلحة الكادحين ..... الواقع يتغير والمعطيات تتغير وعجلة التاريخ تسير الي مستقر لها وسيضمحل اي حزب او جماعة سياسية تنظر للواقع بذهن يقرا الحاضر بذهن سلفي يتعامل مع معطيات اليوم بأدوات الامس".
أولا:
دولة ٥٦ حسب هذا المنطق "تسيطر علي مفاتيح السلطة فيها منذ الإستقلال أقلية من نخب المركز تنتمي إثنيا للشمال النيلي".. نقطة ضعف سيناريو المركز والهامش هو تخفيضه الميكانيكي العمودي الجغرافي للمركز والهامش، وكأن ليس هناك في الهامش قوي حقيقية تدعم المركز (قوي مثل حركات سياسية في جنوب السودان كانت تدعم المركز) وقوي أخرى من غرب السودان تدعم المركز، وقوي أخري داخل المركز الجغرافي قدمت شهداء وهي تقاوم المركز ذاته. بمعني أن هناك جدلياً هامش داخل المركز، ومركز داخل الهامش ، وبذلك تسقط نظرياً وعملياً فطارة أطروحة المركز والهامش. علي كل حال اذا كانت "أقلية من نخب المركز تنتمي إثنيا للشمال النيلي" تسيطر علي مفاتيح السلطة والثروة، فلماذا اذن نستخدم تلك الرؤية والخطاب الجغرافي-إثني الذي يغبّش أطروحة السلطة والثروة التي تتسيّد مشهد الصراع الجوهري؟. الإجابة تكمن في حقيقة أن مليشيا الجنجويد تمّ إختراعها وصناعتها لهزيمة وقمع مقاومات إنطلقت من الهوامش والمراكز معاً ، وما فعلته الجنجويد من مذابح في غرب السودان مسجّل وموثق لا ينكره إلا مكابر. أما عبارة الشمال النيلي والجلابة فقد تم إستخدامها مجانياً إثنياً وجغرافياً كثنائية مؤثننة فطيرة علي سياق "العرب والزرقة"، وكأن المهاجرون الي جنوب الصحراء الأفريقية لم يمسسهم غبار وصبّار وسافنا البيئة الجديدة وأمواه نيلها وأنهارها وتزاوجها وتلاقحها الطبيعي الذي أبدع فسوّي وعدّل جيناتها الخلاسية وغير الخلاسية. مغبّة هذا الخطاب الثنائي هو إمعانه المعرقن المؤثنن نحو تغبيش وتسطيح صراع السلطة والثروة الطبقي وقولبته في ثنائية المركز-الهامش ، الزرقة-العرب تماماً مثلما كان دعاة الحرب الأهلية الأولي يقولبنوها في جمود حرب بين مسلمين ضد مسيحيين ،وشماليين ضد جنوبيين ، حتي أخرجها المناضل المفكّر جون قرنق من جخنون ومغبّة ثنائية صراع الدين والجغرافيا الي براح صراع السلطة والثروة والتنمية غير المتوازنة ، ومن ثم ، إعلاء شأن مشروع الوحدة الذي تمت هزيمته وهذا موضوع خارج مجال هذا المقال.
ثانياً:
ليت الجباري يتأمّل عبر زعمه أن "قوات الدعم السريع التي قاتلت الحركات المسلحة التي كانت تحارب نظام الانقاذ لكنها لم تعتدي علي مواطن" الطبيعية الدموية الغشيمة في ممارسات الجنجويد ومن ثم يحاول تفسير الجذور المادية وغير المادية التي ينطوي عليها ذلك العنف المفرط الاقدم من الهامش ولكنه قطعاً لم يختلف كثيراً عن عنف مؤسسات الإسلام السياسي التي مارست مذابح دموية وفاشية جديدة داخل المراكز "شفت كيف، ليس مركز واحد) أدخلت وظيفة الإغتصاب وغرز المسامير في رؤوس المعارضين في العمل السياسي. ولماذا لم يتوقّف الجباري في تأمّل ظاهرة التعدّي على "المواطن"، ولماذا اختار عبارة المواطن بدل "المدني" لتغبيش الأطروحة ودغمستها.
يتجسّد الذهن السلفي أمام القارئ حيث يتم إعادة تنشيط و"قنطرة" خطاب الأثننة والقبلية والجهوية في خطاب الجباري، مقابل إلتقاط مدى توظيف الأثننة والقبلية والجهوية الجغرافية وتقاطعاتها الجدلية مع الطبقي والسلطة والثروة معاً لزوم تعمّق تعقيد الصراع وتشابكاته.
مجمل القول هنا أن الجباري يبيعنا ماءاً عكراً في حارة السقّايين وكأننا ذوي ذاكرة سمكية و أو يسوقنا "بالخلا" كما يقولون عبر مطبات فكرية نشاز لاعلمية ولا أخلاقية ولا تاريخانية تتغنّي وتمدح وتعلي من شأن مليشيا ترتزق في اليمن مثلها مثل الجيش "الوطني" السوداني، ومثله تبيع ما فوق الأرض وباطنها ، ضمن اتفاقيات إستلاب الأرض، وتهرّب الموت والفاشية.
مراجع:
قصيدة واغنية ومرثية فرتاق أم لبوس، الشاعرة بكرة بنت مكابر إبنة مك الجعليين المكابراب في رثاء زوجها علي بن عثمان بن عجيب المانجلك.
"البازنقر" للدكتور عشاري أحمد محمود، استعراض وملاحظات نقدية، عبد الخالق السر.
إستدارة جيش البازنقر الرغبوية أو إنعطافة اللامعقول في منهج د. عشاري ، الفاضل الهاشمي
٢٠ يوليو ٢٠٢٣.
elsharief@gmail.com