جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-03@22:08:22 GMT

لحظات لا ننساها من حياتنا

تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT

لحظات لا ننساها من حياتنا

 

حمد الحضرمي **

 

لقد خلق الله الإنسان في أجمل آية إلهية باهرة، تدل على عظمة الخالق جل جلاله في علاه، وأصبح الإنسان هو خليفة الله في الأرض والمسؤول عن إعمارها بكل ما هو طيب وجميل. وتمر علينا في هذه الحياة لحظات لا تنسى من الذاكرة والوجدان، لحظات أفراح وأتراح، اجتماع وشتات، ضحك وبكاء، صحة وسقم، راحة وضنك، ابتهاج والتياع، فكم بكينا، وكم خذلنا، وكم خسرنا، وكم ظُلمنا، وكم عشنا من لحظات صعبة بين الهموم والأحزان، وكم ضحكنا، وكم انتصرنا، وكم عشنا من لحظات فيها فرح وسعادة وسرور وسلام.

الحياة هكذا هي، فيها لحظات سعيدة جميلة، وفيها لحظات حزينة قبيحة، لا تنسى مهما طال الزمن أو قصر، وكيف ينسى الإنسان يوم ولادته، يوم أن خلقه الله من العدم في أطوار، وفي آية في الحسن والجمال والإتقان، وهذه لحظات تحتاج منَّا الشكر قولًا وفعلًا، والتحلي بالتواضع أمام العظمة الإلهية، والتعامل مع النَّاس بتواضع وأخلاق عالية. وكيف ينسى الإنسان لحظات حياته وهي تمر عليه سريعًا وهو يكبر يومًا بعد يوم وسنة بعد سنة، ويلتحق بالمدرسة ثم ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، حتى يصل إلى أصعب مرحلة دراسية مفصلية في حياته، وهي مرحلة الصف الثاني عشر، والتي يتذكر لحظاتها لحظة بلحظة، لأن نتيجتها سوف تحدد له أي تخصص وأي كلية يدرس بها، وينتظر كل الطلبة والطالبات والآباء والأمهات إعلان النتائج بترقب وأمل ورجاء، وعند إعلان النتائج، كم منَّا من ابتهج وفرح، وكم منَّا من يئس وحزن، وتمر هذه اللحظات التي لا ننساها من حياتنا وحياة أبنائنا وبناتنا، بحلوها ومرها، بفرحها وحزنها، بسعادتها وشقائها.

ومن منَّا ينسى لحظات يوم حفل تخرجه أو تخرج أبنائه أو بناته من الكلية والجامعة، وقد مرت عليهم لحظات وأيام وسنوات صعبة في الدراسة والاختبارات، ورغم الصعوبات والتحديات ولله الحمد والمنة اجتازوها بنجاح وتفوق، ويوم التخرج تكون القاعة مملؤة بالخريجين والخريجات وأولياء الأمور، والسعادة لا تفارق محياهم، إنها سعادة لا توصف في لحظات لا تنسى، ثم تتوالى اللحظات السعيدة، ويأتي يوم التعيين بالوظيفة ومباشرة أول يوم عمل كمعلم أو طبيب أو مهندس أو موظف بجهاز الشرطة، أو موظف بالجيش، أو موظف في الحكومة أو في القطاع الخاص، وتكون اللحظات الأجمل عندما يستلم الموظف أول راتب له من العمل، فيبادر على عجل ليشتري بعض الهدايا القيمة لأصحاب الفضل عليه بعد الله وهما والديه، فيقدم لهما الهدايا تقديراً وثناءً وعرفانًا لهما على الجهود المبذولة منهما والعطاء المُثمر، وتستمر نعم الله علينا واللحظات الجميلة لا تتوقف، حتى يأتي يوم السعد، يوم الزواج الذي يجمع الله به الزوجين في رابطة مقدسة، ينتظرها الشباب من الذكور والإناث والآباء والأمهات بفارغ الصبر، وخلال سنة أو أكثر يرزق الزوجان بأول مولود لهما فيصبحان أبوين، ويصبح الأبوان جدين، ويتحمل الزوجان مسؤولية الرعاية والتربية، إنها بحق لحظات لا تنسى من الذاكرة، لحظات كلها سعادة وبهجة وسرور.

 

ومن منَّا ينسى أجمل لحظات حياته، وهو في شبابه وقوته وحيويته ونشاطه وصحته وعافيته، ووقوعه في الأخطاء والتجاوزات، وعدم التمتع بالحكمة والبصيرة في قراراته، ثم تمر هذه المرحلة بخيرها وشرها، بحلوها ومرها، ثم نكبر وبعد سنوات طويلة في العمل بجد وتفانٍ وإخلاص نحال إلى التقاعد ويغزونا الشيب، وتبدأ القوة تنهار، والحيوية والنشاط يقلان، والصحة والعافية يضعفان، وتظهر الأمراض والأسقام على الجسم المتعب، كأمراض السكري والضغط والقلب والشرايين وهشاشة العظام، وتستمر الحياة حتى تأتي لحظات الوداع والفراق الأبدي، ونفارق الدنيا ونترك الأهل والأولاد والأقارب والأصدقاء والأحباب، لنلقى رباً لطيفاً كريماً غفورًا رحيمًا، يغفر لنا ذنوبنا ويدخلنا جنات النعيم، ومن منَّا ينسى لحظات مرض أبيه أو أمه، وهو يرى أبيه أو أمه أمام عينيه يتوجع ويتألم، ولا يستطيع مساعدته لأن المرض مرض قاتل، سوى الوقوف بجانبه والدعاء له والصدقة عنه، إنها لحظات صعبة لا تنسى من حياتنا.

ثم يأتي يوم أصعب من الأول يوم يقسو الزمان والمكان علينا، وتتعاظم فيه الهموم والأحزان، لأن بعد هذا اليوم لن نجد من يحن علينا، ولا من يدعو لنا بكل حب وإخلاص، أنه يوم فراق الأب أو الأم بوفاتهما، إنها لحظات فراق حزينة أليمة، تجعل الروح والقلب يبكيان بحرقة، لأن رحيل الأب عن الدنيا خسارة كبيرة لا تعوض ويكسر الظهر، لأن الأب صاحب قلب كبير وحب صادق وعطاء ووفاء وتضحيات ليس لها مثيل، وتكون الخسارة أكبر عندما ترحل الأم عن الدنيا، لأنَّ الأم هي الحياة وهي العطف والحنان والعطاء دون مقابل، وصاحبة الدعوات الصادقة المستجابة من رب السماء، إنَّ رحيل أحدهما فاجعة كبيرة، ورحيل كليهما طامة كبرى، لا يتوقف البكاء برحيلهما والحزن لا ينتهي، فالله الله بالأب والأم إن كانا أحياء كليهما أو أحدهما، عليكم ببرهما وحسن مُعاملتهما وخدمتهما بالحب والاحترام والتقدير، والدعاء لهما بعد وفاتهما، لأنهما قد انقطع عملهما وبقي لهما أولاد صالحون يدعون ويتصدقون عنهما.

ومن منَّا ينسى لحظات الخذلان من الأهل والإخوان والأخوات الأشقاء وغير الأشقاء، ومن الأزواج والأصدقاء، إنها لحظات مؤلمة حزينة تحطم المبادئ والقيم والأسس والأخلاق، وهو شعور قاسٍ يأتي بعد ثقة وحب وإخلاص ووفاء دام سنوات طوال، وفي موقف صعب يحتاج إلى صدق المشاعر والأحاسيس، وإلى تضحية ووفاء، فتتفاجأ وتنصدم من موقف الخذلان من الذين كنت تتوقع منهم الحب النقي الصادق، فيخذلونك ويتركونك لوحدك تصارع الصعاب، فيحدث هذا الموقف جرحًا وشرخًا عميقًا في قلب الإنسان المخذول، إنها لحظات صعبة عندما تكشف لك المواقف والأيام معادن الأهل والإخوة والأصدقاء، والحقيقة أن الحياة أصبح ليس فيها أمان لأحد، وربما تأتيك الطعنات من أقرب الناس إليك، وقتها كن على يقين، وخذ الحيطة والحذر، لأنَّ الحقائق ستنكشف وتسقط الأقنعة، ويبقى الأخ والزوج والصديق المخلص الوفي الأصيل ثابتًا على المبادئ والقيم والأخلاق وعلى الوفاء والحب الصادق المخلص، الذي لا يتغير ولا يتبدل للأبد.

** محامٍ ومستشار قانوني

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

في ذكرى 30 يونيو| مصطفى بكري يرصد أسرارَ أخطر عشرة أيام في تاريخ مصر (5).. لحظات الحسم

أحد عشر عامًا مرت على ذكرى ثورة الثلاثين من يونيو، هذه الثورة العظيمة التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية، وكانت بدايةً لتحرير البلاد وإنقاذها من أتون الحرب الأهلية التي كادت تعصف بكل شيء.

أحداث جسام، تطورات خطيرة، وقائع عديدة، عاشتها مصر، منذ وصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى سدة الحكم في البلاد، حالة من الفوضى والانقسام، والأزمات المتتالية التي باتت تهدد وجود الدولة من الأساس.. حتى وصف المصريون هذه الفترة بأنها من أشد فترات التاريخ الحديث «ظلامية وسوادًا».

عمَّتِ التظاهرات البلاد رافضةً حكم الإخوان، منذ البدايات الأولى لوصولهم إلى السلطة وممارساتهم المعادية للجميع، وسعي الإخوان في المقابل إلى فرض سطوتهم وجبروتهم بهدف كسر إرادة الجماهير وتركيع مؤسسات الدولة لتصبح تابعة لمكتب الإرشاد، تأتمر بأوامره، وتنفذ تعليماته.

وقد كان انحياز الجيش المصري للثورة هو العامل الرئيسي في تحقيق أهدافها، وإعادة بناء الدولة على أسس دستورية وقانونية، حيث التزم القائد العام للجيش في هذا الوقت الفريق أول عبد الفتاح السيسي بتنفيذ خارطة الطريق التي أعلن عنها في الثالث من يوليو وجرى بمقتضاها تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور رئيسًا مؤقتًا للبلاد، ثم جرى وضع دستور والاستفتاء عليه، ثم انتخاب حر لرئاسة الجمهورية، ثم انتخابات مجلس النواب، ثم بدء مشروع النهضة والبناء الذي تحقق على يد القيادة السياسية، في الفترة من 2014 إلى 2024، وبالرغم من التحديات الجسام التي عاشتها مصر ولا تزال، فإن وحدة الشعب المصري خلف القيادة كانت من أهم عوامل النجاح، حيث تكاتفتِ الجهود الشعبية والتنفيذية لإنجاز آلاف المشروعات التي ستظل شاهدًا على إرادة المصريين وعزمهم.

وقد تحمَّل الكاتب والبرلماني المصري، مصطفى بكري، مسئوليةَ التأريخ لهذه الفترة بكل أمانة وموضوعية، فأصدر العديدَ من الكتب المهمة التي رصدت أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير وما بعدها، فأصدر كتب: «الجيش والثورة»، و«الجيش والإخوان»، و«سقوط الإخوان»، و«الصندوق الأسود لعمر سليمان»، وغيرها.

وفي ذكرى الثلاثين من يونيو، تنشر «الأسبوع»، بعضَ ما رصده الكاتب الصحفي مصطفى بكري، في كتابه الصادر عن دار «سما» للطباعة والنشر بعنوان «ثورة 30 يونيو - الطريق إلى استعادة الدولة».

كتاب «ثورة 30 يونيو - الطريق إلى استعادة الدولة»5- لحظات الحسم

كانت الإدارة الأمريكية تتابع الموقف عن «كثب»، وكانت السفيرة «آن باترسون» ترسل بتقاريرها إلى وزارة الخارجية، ترصد فيها الأحداث، وتطلب من إدارتها ضرورة التدخل السريع لإنقاذ حليفهم «محمد مرسى» وجماعته من الانهيار.

وفى ضوء تطورات الأحداث، ونذر الحرب التى بدأت تدق على الأبواب، أصدرت الخارجية الأمريكية فى هذا الوقت بيانًا مهمًا أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء الأحداث فى مصر، وقالت المتحدثة باسم الوزارة «جنيفر ساكى»: «إننا قلقون للغاية إزاء ما نراه على أرض الواقع فى مصر، وندرك أن هذا وضع متوتر للغاية ويتحرك بسرعة».

وقالت المتحدثة «إننا نراقب الموقف عن كثب شديد، ومازلنا نعتقد أنه بطبيعة الحال فإن الشعب المصرى يستحق حلًا سياسيًا للأزمة الحالية، وأن الخطاب الذى ألقاه مرسى الليلة الماضية خلا إلى حد كبير من خطوات محددة، وقد قلنا إنه يجب أن يفعل أكثر من ذلك ليكون حقًا مستجيبًا ومعبرًا عن دواعى القلق المبررة التى أعرب عنها الشعب المصرى، ومما يؤسف أن ذلك لم يكن جزءً مما تحدث عنه الخطاب».

وأكدت المتحدثة الأمريكية «أن الرئيس «أوباما» ووزير الخارجية «جون كيرى» وآخرين، قد نقلوا لنظرائهم أنه من المهم للرئيس مرسى الاستماع إلى الشعب المصرى واتخاذ خطوات للتعامل مع جميع الأطراف».

كانت الاتصالات السرية تتواصل بين السفيرة الأمريكية وقادة مكتب إرشاد الجماعة للوصول إلى حل يقطع الطريق على الثورة الشعبية المتوقعة فى 30 يونيو، وكانت لدى السفيرة «آن باترسون» معلومات تقول إن الجيش لن يقف مكتوف الأيدى.

كانت المعلومات التى بعثت بها آن باترسون إلى الخارجية الأمريكية تؤكد أن مرسى قرر اتخاذ إجراءات استثنائية ضد جميع معارضيه، وأن ذلك من شأنه أن يزيد الأوضاع اشتعالًا ويعجل بالصدام مع الشعب ومؤسسات الدولة المختلفة، وأنه قرر تحدى الجيش، وعدم الاستجابة للتحذير الذى وجهه الفريق أول عبد الفتاح السيسى والذى أعطى مهلة السبعة أيام، لإنهاء الأزمة والاستجابة لمطالب الشعب.

كان مكتب الإرشاد قد عقد اجتماعًا بعد الخطاب بساعات قليلة، تم فيه مناقشة السيناريوهات المتوقعة فى الثلاثين من يونيو، وقد أجمع كافة الحاضرين، بأن المظاهرات ستكون محدودة، وأن الجيش سيظل على حياده، وأن على الجماعة أن تتحمل كافة الاستفزازات دون صدام لحين حلول شهر رمضان، الذى سيأتى بعد أيام قليلة، ومن ثم سينصرف كل إلى حال سبيله، وبعدها تبدأ تصفية الحسابات مع الجميع.

فى السابع والعشرين من يونيو استقبل الرئيس مرسى وزير العدل المستشار أحمد سليمان ومعه المستشار حاتم بجاتو وزير الدولة لشئون المجالس النيابية، حيث نقلا غضب القضاة وثورتهم، ورفضهم للاتهامات التى وجهت إليهم.

وكان من رأى المستشار حاتم بجاتو محاولة استيعاب الموقف، والتوقف عن أى إجراءات انتقامية ضد القضاة.

السفيرة الأمريكية آن باترسون

أما وزير العدل أحمد سليمان، فقد قال لمرسى: «ارجو أن تصدر توضيحًا تؤكد فيه على احترام القضاء، وقدم له صيغة بيان، تحمل توضيحًا أكثر من كونه يحمل اعتذارًا».

كان د.أحمد عبد العاطى مدير مكتب مرسى حاضرًا هذا اللقاء، فأمسك بالورقة المعدة، وقام بتمزيقها أمام الحاضرين، ووجه كلامه لمرسى بالقول «لا تقدم أى توضيح يا ريس، ومن يرد أن يضرب رأسه فى الحائط فليفعل».

لم يعلق مرسى على الأمر، وكان وزير العدل مذهولًا من هذا التصرف، واضطر للانسحاب ومعه المستشار حاتم بجاتو، واكتفى بأن قدم لمرسى أسماء المرشحين للنيابة العامة وهيئة قضايا الدولة لإصدار قراره فى ذلك.

وجاء يوم الجمعة، الثامن والعشرين من يونيو 2012، حيث بدأت الجماهير تزحف إلى ميدان التحرير وقصر الاتحادية ووزارة الدفاع والعديد من المواقع بالمحافظات الأخرى.

لقد احتشد مئات الآلاف، الذين راحوا يطالبون بعزل مرسى عن الحكم وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وكان المشهد فى ميدان التحرير ينذر بثورة كبرى، لقد امتلأ الميدان عن آخره بالمصريين الغاضبين من حكم الإخوان، رفعوا صور الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام وطالبوه بالتحرك السريع وحسم الأمر.

فى هذا الوقت كنت اتنقل بين أماكن التجمعات، وفى المساء كنت أطل من شاشات الفضائية لأضم صوتى ضمن أخرين للحشد فى يوم الثلاثين من يونيو.

لقد أثار مشهد الثامن والعشرين من يونيو قلق جماعة الإخوان وحلفائها، لذلك دعا خيرت الشاطر إلى اجتماع عاجل لمكتب الإرشاد فى ذات اليوم، واستمر الاجتماع لفترة طويلة، حيث تم إعادة دراسة الموقف من جديد، وتقرر دعوة قيادات كافة الأحزاب والقوى الإسلامية إلى اجتماع مع الرئيس مرسى فى التاسع والعشرين من يونيو، أى قبل انطلاق المظاهرات الكبرى بيوم واحد.

كان محمد مرسى قد أوقف عمله فى قصر الاتحادية ابتداء من 26 يونيو، وقرر الانتقال هو وأسرته إلى قصر القبة فى هذا الوقت، واستمر فى قصر القبة حتى الثلاثين من يونيو، ثم نصحه الحرس الجمهورى بالانتقال إلى دار الحرس الجمهورى والبقاء فيها.

وقبلها، كانت قد اندلعت معارك ضخمة فى الشرقية بين الإخوان والأهالى، قتل فيها طالب إخوانى وأصيب العشرات، وامتدت المعارك إلى المحلة والمنصورة، وتم خلالها حرق العديد من منازل الإخوان الذين راحوا يشعلون نار الفتنة ويحرضون ضد المتظاهرين من أبناء الشعب المصرى.

وفى نفس الوقت، كنت على قناة «العربية» فى تمام الساعة السابعة مساء، وهناك التقانى عمرو زكى القيادى الإخوانى وعضو مجلس الشعب السابق، وراح يسألنى.. لماذا التجنى على الإخوان؟، وبعد نقاش طويل، راح يقول «فعلًا مرسى وقع فى أخطاء كبيرة، ولكن هذه الهوجة ستنتهى، وسنصحح الأخطاء»!!

وفى هذا اليوم أصدر النائب العام قرارًا بالقبض على الإعلامى توفيق عكاشة، وتم تكليف الشرطة لتنفيذ القرار، إلا أن أحد ضباط الشرطة أبلغ عكاشة بأن يخرج من مدينة الإنتاج الإعلامى سريعًا لأن هناك أمر بالقبض عليه، ويجب ألا يضعهم فى حرج شديد..

وبالفعل، دخلت القوة إلى مقر قناة الفراعين، بينما كان توفيق عكاشة يمضى بسيارته خارجًا من مقر القناة، دون أن يعترضه أحد، بينما تم قطع الإرسال بشكل نهائى من القناة وتوقف البث.

وفى ظهيرة الثامن والعشرين من يونيو، كانت المظاهرات والاشتباكات تتزايد، وتنتقل من مكان إلى آخر، بسرعة مذهلة، أسفرت عن قتلى وجرحى، وحرق لمقرات حزب الحرية والعدالة فى الإسكندرية والمنصورة والمحلة، وقد اقتحمت قوات الشرطة فى هذا اليوم مقر حزب الحرية والعدالة فى منطقة سيدى جابر بالإسكندرية والقت القبض على عدد من عناصر جماعة الإخوان، وكان بحوزتهم أسلحة آلية، مما أثار غضب مرسى وجماعته ضد الشرطة وضد وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم.

توفيق عكاشة

وفى هذا الوقت ذهب أيمن هدهد المستشار الأمنى للرئيس ومسئول الاتصال بين الرئاسة والداخلية إلى مقر الوزارة وراح يهدد ويتوعد متهمًا الشرطة بتجاوزالقانون والتواطؤ مع المتظاهرين.

وكتبت فى هذا اليوم مقالًا فى جريدة الوطن حمل عنوان «أكاذيب خطاب الوداع» وتنبأت فيه بسقوط مرسى ورحيل الإخوان.

وفى المساء كانت لى لقاءات مع جمال عنايت فى قناة أوربت وقناة الحياة وغيرها من القنوات، طالبت فيها بالخروج للتظاهر وإسقاط حكم الإخوان فى الثلاثين من يونيو.

ظلت أعداد المتظاهرين تتزايد، وصمم الكثيرون على النوم فى الشوارع والميادين، كانت التوقعات تتزايد بقرب سقوط النظام ورحيل مرسى، وكان الكل يعد أنفاسه انتظارًا للحظة الفاصلة، وفى تمام الثانية عشرة من مساء ذات اليوم، جاءنى المخرج خالد يوسف لمقابلتى بالقرب من مسكنى فى مدينة أكتوبر، حيث التقينا بفندق نوفتيل، وقد جاء خالد يوسف مبعوثًا إلى من قيادات جبهة الإنقاذ لأخذ رأيى فى تشكيل لجنة للتفاوض حول مطالب الشعب المصرى، وقال إنه يحمل إلىّ رسالة من البرادعى وحمدين صباحى فى هذا الشأن.

وقال خالد يوسف «إنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة من البرادعى واللواء أحمد رجائى أحد القادة العسكريين السابقين، ود.محمد أبو الغار»، وقد طلبت فى هذا الوقت من خالد يوسف أن يبلغ رأيى الذى يطالب بضم المستشارة تهانى الجبالى ومحمود بدر (مؤسس حركة تمرد) إلى اللجنة، وق تحدثنا أنا وحمدين صباحى هاتفيًا، فاعترض على «محمود بدر» ووافق على ضم المستشارة تهانى الجبالى إلى اللجنة، باعتبار أن ضم محمود بدر يمكن أن يثير خلافًا بين بعض الشباب، وقال لى إن مهمة هذه اللجنة هى فقط التفاوض شريطة ألا يرشح أعضاؤها للرئاسة أو مجلس الشعب.

وتحدثنا سويًا أنا وخالد يوسف فى سيناريو أحداث الثلاثين من يونيو، وكان لدينا تفاؤل كبير بنجاح الثورة وإزاحة حكم الإخوان.

• • •

فى التاسع والعشرين من يونيو، عقد (الرئيس) مرسى اجتماعًا مع قادة وممثلى الأحزاب الإسلامية المختلفة فى قصر القبة وهى: الحرية والعدالة، النور، البناء، التنمية، الراية، الوسط، الوطن، العمل الجديد، الحزب الإسلامى، الأصالة والفضيلة، التوحيد العربى وحزب الإصلاح السلفى.

كان محمد مرسى يبدو قلقًا فى هذا الاجتماع من الأحداث المتوقعة فى الثلاثين من يونيو، خاصة أن كثافة المظاهرات الحالية فى الشارع لا تعطى أى مؤشرات إيجابية على أن الأمور ستمضى فى طريقها الطبيعى، ومع ذلك حاول التماسك أمام الحاضرين، مؤكدًا أن المظاهرات المنتظرة حتمًا ستفشل.

وعندما طالبه بعض الحاضرين بضرورة اتخاذ عدد من الإجراءات التى يمكن أن تهدئ من غضبة الشارع المصرى، وتُفشل المخطط، قال لهم بكل ثقة «لا تخافوا، سيلقون هزيمة شنعاء على أيدينا جميعًا إن شاء الله».

كان مطلب محمد مرسى من خلال الدعوة لهذا الاجتماع، هو مطالبة هذه القوى بالحشد دفاعًا عن الشرعية ورفضًا لما اسماه بالفوضى.

وقد قام مرسى خلال هذا الاجتماع بتحريض القيادات الإسلامية ضد الجيش، حيث قام بإخراج ورقة من جيبه، وقال لهم «هذه هى مبادرة الجيش التى أرسلها الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وراح يقرأ ما تضمنته» وكان أبرزها تغيير الحكومة وتعيين نائب عام جديد، وإجراء انتخابات برلمانية نزيهة، وتجاهل عن عمد مطلب الاستفتاء على شرعية الرئيس.

وعندما سأل محمد مرسى الحاضرين عن رأيهم فى هذه المبادرة، قالوا «إن الشعب معنا، وإن خطاب الرئيس كان له أثر كبير فى إقناع القواعد الشعبية وتعاطفها معنا، وأن يوم 30 يونيو لن يكون أكثر من زوبعة فى فنجان».

وقد أعلن سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة فى الاجتماع عن رفضه لهذه المبادرة واتفق معه فى ذلك المهندس أبو العلا ماضى رئيس حزب الوسط، رافضًا تدخل الجيش فى الحياة السياسية، وقال «إذا تمت الموافقة على المبادرة، فستفتح الباب لتنازلات أخرى عديدة لن تنتهى».

أما رئيس حزب النور «جلال المره»، فقد كان من رأيه أن يوافق الرئيس على المبادرة وتقديم بعض التنازلات محذرًا من سياسة العناد، خاصة أن هناك سخطًا شعبيًا عارمًا يتوجب احتواءه وضرورة الاتفاق على عدد من النقاط لتمثل مخرجًا من الأزمة، وعندما تعرض أحد الحاضرين لما تقوم به حركة تمرد، رد ممثل جماعة الإخوان بالقول «إن الحركة لم يوقع لها سوى 150 ألفًا فقط، وإنه لن يخرج منهم فى 30 يونيو أكثر من 5٪».

وفوجئت قيادات الدعوة السلفية برد حاسم من جماعة الإخوان ومعهم محمد مرسى بالقول «لا تشغلوا بالكم، فنحن لم نأت من أجل 30 يونيو، وإنما من أجل التواصل فقط»، وهنا أصيبت القيادات السلفية بالإحباط الشديد، وأدركت أن الأمور ماضية إلى حائط مسدود.

وبعد أن انتهى الاجتماع، قام المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية بإعلان بيان يتضمن محتوى الاجتماع بطريقة لا تعكس الواقع الحقيقى والمناقشات الحادة التى شهدها الاجتماع.

لقد قال المتحدث الرسمى «إن اجتماع الرئيس محمد مرسى مع قيادات وممثلى الأحزاب والقوى السياسية تناول الموقف الراهن، وبحث سبل التعامل معه، وقال: إن مرسى شدد على ضرورة الحفاظ على السلمية والالتزام بها وضبط النفس.

وقال إن الحاضرين شددوا على نبذ العنف والتمسك بالسلمية ودعوة جميع الأطراف الداعية للتظاهر للوفاء بمسئوليتها تجاه المظاهرات التى يدعون إليها والحفاظ على سلميتها».

• • •

كان هناك انقسام واضح بين بعض التيارات والأحزاب الإسلامية وبين جماعة الإخوان فى كيفية التعامل مع الأزمة وآلياتها.

وقد قال الشيخ مرحان سالم أحد قيادات السلفية الجهادية «إنه يرى أن الصدام وارد فى مظاهرات 30 يونيو، وقال إن ذلك سوف يجرى من خلال من اسماهم بفاقدى الشرعية (أعداء مرسى) الذين سيسعون إلى استفزاز الناس، خاصة المنتمين للتيار الإسلامى بهدف رغبة البعض فى الحصول على لقب شهيد فى الثورة الثانية كما يطلقون عليها.

وقال مرجان «إن هذه السيناريوهات من المتوقع أن تبدأ يوم 29 يونيو بحشد مكثف من كل القوى ثم النزول إلى الميادين والهتاف ضد الرئيس وجماعته وسرعان ما يدفع الإخوان بمؤيديهم فى أماكن أخرى لدعم مرسى».

وقال إن السلفية الجهادية لن تشارك فى 30 يونيو، لأننا نرى أن الدستور والديمقراطية كفر ويتناقضان مع الشريعة الإسلامية، وقال «إن نزول السلفية الجهادية إلى الميادين وارد لدعم مرسى فى حال تعهده بتطبيق الشريعة الإسلامية».

أما الشيخ محمد حجازى رئيس الحزب الإسلامى، الجناح السياسى لجماعة الجهاد، فقد قال «إن هناك شرائح إسلامية تختلف مع الإخوان فى الأداء السياسى، لكنها تتفق معهم فى أهمية وجود محمد مرسى باعتباره رئيسًا منتخبًا وشرعيًا».

وقال «نحن نؤيد الشرعية وسنتصدى لأى محاولة للعنف»، وأضاف «إذا شعر الإخوان بنجاح تمرد سننزل للشارع، وسيكون الصدام داميًا حال اقتراب المتظاهرين من مقار الحرية والعدالة أو قصر الاتحادية».

وقال محمد أبو سمرة، الأمين العام للحزب «إن الحزب الإسلامى ينسق مع أعضائه بالمحافظات لوضع خطة للتحرك ضد ما اعتبره محاولة للانقلاب على الشرعية، محذرًا من عواقب وخيمة إذا نزلت التيارات الإسلامية فى هذا اليوم».

أما المفكر الإسلامى والقيادى الإخوانى السابق د.ثروت الخرباوى، فقد قال إن الجماعة ستضحى بمرسى فى 30 يونيو لصالح خيرت الشاطر، وأن أمريكا ستتخلى عن الإخوان والذين وصفهم بأنهم يعيشون حالة رعب من تظاهرات 30 يونيو.

وقال إن الجماعة لن تجرؤ على النزول أمام قصر الاتحادية لأنهم لن يستطيعوا مواجهة شعب سينزل مطالبًا بحريته..

وأشار الخرباوى إلى أن أحد السيناريوهات المطروحة هو أن يستقيل مرسى ويعهد بالبلاد إلى الجيش عبر صفقة تتم مقابل حماية الإخوان من الملاحقات القضائية، بشرط السماح لهم بالترشح فى الانتخابات الرئاسية مرة أخرى ليتم الدفع بخيرت الشاطر بديلًا عن محمد مرسى.

فى هذا الوقت تلقى مكتب الإرشاد تقارير من المكاتب الإدارية بالمحافظات ووحدة التحليل والرصد بالمركز الإعلامى لحزب الحرية والعدالة تحذر من ارتفاع حدة الغضب فى الشارع ضد مرسى وجماعته، خاصة بعد أزمة سد النهضة والسيناريو المسرحى الذى أعده لعدد من الأحزاب والشخصيات المناصرة له.

وتوقع التقرير أن يشهد يوم 30 يونيو مظاهرات كثيفة قد تؤدى إلى حدوث فوضى عارمة فى البلاد.

وقد أدلى د.أحمد عارف المتحدث الإعلامى للإخوان بتصريح فى هذا الوقت، قال فيه «إن الجماعة لم تتخذ أى قرار نهائى حتى الآن فى تنظيم مظاهرات يوم 30 يونيو».

بينما قال الشيخ ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية «إذا خرج الملايين يوم 30 يونيو سأطالب الرئيس مرسى بالاستقالة».

كانت الأجواء تنذر بنهاية الإخوان، وكان الناس قد أكملوا استعداداتهم لاقتلاع محمد مرسى عن الحكم، لقد تجاهلوا أى إمكانية لإجراء استفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة، وأصبح مطلبهم الوحيد هو رحيل مرسى وجماعته عن الحكم تمامًا.

فى التاسع والعشرين من يونيو، طلب قائد الحرس الجمهورى اللواء محمد زكى من محمد مرسى، ضرورة الانتقال إلى دار الحرس الجمهورى لتأمينه من أى محاولات للهجوم على قصور الرئاسة، حال تصاعد المظاهرات الشعبية المتوقعة غدًا.

لم تكن تلك هى المرة الأولى، لقد انتقل محمد مرسى فى الرابع من ديسمبر 2012، بعد أحداث الاتحادية إلى دار الحرس الجمهورى أيضًا، خوفًا من اقتحام المتظاهرين لقصر الاتحادية.

خاصة وأنه يوجد داخل دار الحرس الجمهورى مكتب خاص برئيس الجمهورية وفيلا للإقامة فيها، وغير ذلك من المتطلبات الضرورية.

وبالفعل، فى مساء التاسع والعشرين من يونيو 2013، كان محمد مرسى ينتقل هو ورئيس الديوان محمد رفاعة الطهطاوى ومساعده عصام الحداد ومدير مكتبه أحمد عبد العاطى ونائب رئيس الديوان أسعد الشيخة وبعض أفراد أسرته وآخرين إلى دار الحرس الجمهورى.

أمضى محمد مرسى ليلته الأولى فى دار الحرس، وزاره فى هذا المساء العديد من القيادات الإخوانية التى راحت تعرض عليه الموقف من كافة أبعاده.

كانت التقارير المقدمة إليه من الجماعة تطالبه بالتماسك ورفض تقديم أى تنازلات، خاصة أن المعلومات المتوافرة تشير إلى المظاهرات ستكون محدودة، وأن الجيش سيلتزم الحياد، وأن التوقعات تشير إلى أن المتظاهرين لن يستطيعوا الصمود أكثر من يوم واحد.

قرأ محمد مرسى التقارير المقدمة إليه أكثر من مرة، لم يبدِ قلقًا كبيرًا، لكنه قال لمحدثيه: «خلينا نشوف ماذا سيحدث غدًا، وفى ضوء ذلك نستطيع أن نقيِّم الموقف ونتخذ القرارات المناسبة».

مقالات مشابهة

  • مش مجرد توفير .. أهمية ترشيد استهلاك الكهرباء في حياتنا
  • لبيد: السابع من أكتوبر مجرد بداية التدهور
  • تجديد حبس عاطلين 15 يوما لسرقتهما مواتير المياه فى مصر القديمة
  • تجديد حبس تشكيل عصابي للاتجار في الاستروكس بدار السلام
  • لحظات مؤثرة بين حسام حسن وابنته يارا في حفل خطبتها.. لماذا بكى العميد؟
  • الكشف عن تطورات مقتل طبيب أردني على يد أقاربه
  • في ذكرى 30 يونيو| مصطفى بكري يرصد أسرارَ أخطر عشرة أيام في تاريخ مصر (5).. لحظات الحسم
  • حيلة عبقرية للتخلص من تشقق القدمين خلال لحظات.. وداعا للإحراج
  • شرانز: مباراة انجلترا لحظة يمكن أن نندم عليها لبقية حياتنا
  • شرطة التموين تضبط 15 طن دقيق مدعم