لجريدة عمان:
2024-09-09@01:14:04 GMT

شماعة الأفكار الدخيلة

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

يحلو لبعض الشعوب أن تستخدم شماعة الأفكار الدخيلة لتُعلل عجزها عن التفاعل مع أفكار العالم المفتوح، بمجرد أن تُلصق صفة «دخيل» على فكرة أو ظاهرة فهذا يكفي لرفضها، الحط منها، ومضايقة أصحابها، دون الحاجة للنظر في أصلها، أو نقدها، أو مراجعتها، تُهمة الدخيل هذه تحصر مساحة التعبير والتفكير ضمن حيز ضيق تُحدده القوى المتحكمة سياسية كانت، أو اجتماعية، أو دينية.

بُلدان الطهارة هذه ترفض القبول بكونها جزءا من العالم، فهي أسمى من أن تتأثر وتؤثر فيه، لا مكان للعطف في بلدان الطهارة. فابن البلد الذي يشذ عن قالب المواطن النموذجي، لا يعود مواطنا، أو يُصبح مواطنا بدرجة أقل، بالتالي لا مكان للتعددية أو التنوع في مجتمع الطهارة.

العالم بأسره يُريد النيل من هذه البلدان، إنها شعوب -ويل لقسوة العالم- ضحية كمالها، يُريد العالم أن يخسف بها. المجتمع الطاهر خالٍ من الاستغلال، الظلم، التطرف، الجوع، وإذا ما حدثت جريمة فمرتكبها بلا شك من المهاجرين الأنجاس، الذين ورغم أن المجتمع الطاهر يبذل ما بوسعه لإقصائهم عنه، ورفضه العنيد لأي مبادرة إدماج، وهو لولا حاجته لعرقهم ودمائهم لَرَفَع سورا إلى السماء يعزل مشكلاتهم «الحاتة» عن كماله المُطلق، إلا أن الطاهرين المساكين يقعون ضحايا شرهم كل مرة، تُستغل السلطة الدينية في الدولة الطاهرة للتأكيد على أن الناس لم يولدوا أحرارا، وأنهم لا يُمكن أن يكونوا متساوين، وأن مشكلات الحثالة لا تدنس ثوب الطهارة الرفيع.

المواطن الطاهر ليس خاليا من العيوب فحسب، بل من المشكلات أيضا. إنه يصحو كل يوم عند السادسة، ويُلبي نداء الوطن عند السابعة بثياب دون ثنيات - مستوية استواء مزاجه الذي لا يُعكر، هو الحليم، الرصين، المتوازن. لا يزعجه الاكتظاظ المروري - ما الاكتظاظ المروري أصلا؟ فشوارع بلاده ذات الثلاثة مسارات، والأربعة، والخمسة تستوعب كل العجلات المنفوخة بقدر سائقيها.

لا تحرّش ولا عنف أسري في المجتمع الطاهر، وحتى لو ظهرت حالة أو حالتان فهذا شيء شاذ. وإن كان ثمة من يمكن أن يُلام فهو هذه الضحية أو الضحيتان اللتان تجرأتا على النجاة لتحكيا عن معاناتهما، فيما تعلمان أن شهاداتهما تهزان الصورة الطاهرة التي يعمل المجتمع بأسره على صيانتها.

العمى الطوعي واجب وطني في الدولة الطاهرة، ومن لا يتطوع تُفقأ عينه؛ ليتعلم أن يغض الأخرى، النظر خيانة، مثله مثل الإحساس، والاعتراض، والاستقلال، والطموح.

يقف المجتمع الطاهر مع القضايا العادلة بشجاعة، دون التفريق بين العدالة والمصلحة، هو بارع في جعل الأمرين يلتقيان، مهما يكن الأمر صعبا، كما يبرع في استثمار وقفته الشجاعة لمواصلة تلميع الصورة، حتى لو عنى ذلك أن يمسحها بدموع ودماء ضحايا الحرب، فالحرب بأسرها وُجدت من أجل أن يساندها الشعب الطاهر، ويُثبت بطولته، وهذا مغزاها الوحيد، وما القتلى، والنازحون، والمُعذبون، والميتون جوعًا إلا لاعبون ثانويون، «كومبارس»، لا أقل ولا أكثر، دورهم يبدأ وينتهي عند إثبات جدارة الشعب طاهر الأخلاقية.

بإمكان هذا الشعب أن يُعرقل أي صيرورة، ويقاوم أي تغيير، ولديه ما يكفي من الثلج الأخلاقي لتجميد ضميره، وفضوله، وقابليته للاستفزاز. وهو -يا الله- غنائي، بليغ، لا يترك عجلة لغوية إلا وأعاد اختراعها.

فلا عجب بعد هذا أن نرى باقي الشعوب تستثيره، وتستهدفه، وتحاول أن تغزوه بأسلحة ليس أقلها الفكرة، فكيف لهذه الطهارة الهشة أن تقاوم فكرة؟ من خصائص الثوب الأبيض أنه قابل أكثر من غيره للتدنيس، تفكيك الأفكار، تأملها، نقدها ليس من وظائف الشعب الطاهر، وظيفته الوحيدة هو أن يتخذ وضعيته الأنيقة، في ثوبه الناصع، لتُلتقط له صورة تتحدى الزمن في ثباتها.

نوف السعيدي كاتبة وباحثة عمانية في مجال فلسفة العلوم

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

سلطنة عُمان تُشارك في منتدى المجتمع الأخضر بالقاهرة

العُمانية: شاركت سلطنة عُمان بصفتها ضيفَ شرف في أعمال الدورة الثالثة لـ "منتدى المجتمع الأخضر" تحت عنوان "الاقتصاد الأخضر.. الخطوات القادمة" الذي انطلقت أعماله اليوم بجمهورية مصر العربية، وركّز المنتدى على التطوُّرات في مجال الاقتصاد الأخضر، والطاقة المتجددة، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، والطاقة الكهرومائية، وتحديث الصناعة.

وأكّد سعادة السفير عبد الله بن ناصر الرحبي، سفير سلطنة عُمان لدى جمهورية مصر العربية ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية في كلمته خلال أعمال المنتدى، على عمق العلاقات العُمانية المصرية التي تشهدُ نموًّا وازدهارًا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وأشار سعادته إلى أن زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - إلى جمهورية مصر العربية في مايو الماضي ولقاءه مع أخيه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية شكّلت نقلة نوعية في العلاقات الثنائية، وأرست مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين، خصوصًا في مجالات الاقتصاد والتعليم والقضاء، مع تحقيق تبادلات تجارية تصل إلى نحو مليار دولار سنويًّا.

واستعرض سعادته الجهود الكبيرة التي تبذلها سلطنة عُمان في المجال الاقتصادي بفضل الرؤية الحكيمة لجلالة السُّلطان المعظم - حفظه الله - مؤكدًا على أهمية تعزيز مكانة الدولة العصرية وتنمية المواطن العُماني بوصفه شريكا حقيقيا في التنمية الشاملة، لافتًا إلى أنّ الاستثمار في "القطاعات الخضراء" يأتي كجزء رئيس من مستهدفات رؤية "عُمان 2040"، التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة البيئية والوصول إلى الحياد الكربوني.

وأشار سعادته إلى أنّ سلطنة عُمان تسعى إلى تعزيز استثماراتها في مجالي الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، وتتطلع إلى أن تكون من بين الدول الرائدة عالميًّا في هذا القطاع، لافتًا إلى أنّها نجحت في إنتاج 364 ألف جيجاواط من الطاقة المتجددة حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، مع التركيز على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وأضاف سعادته إنّ مشروعات الطاقة المستقبلية في سلطنة عُمان تشمل محطتي "منح 1" و"منح 2" للطاقة الشمسية، بسعة إجمالية تصل إلى 1000 ميجاواط، وتكلفة استثمارية تبلغ 800 مليون دولار أمريكي، فيما تُعدُّ محطة "عبري 2" أكبر مشروع للطاقة المتجددة تمّ تشغيله حتى الآن.

وذكر سعادته أنّ البيئة الاستثمارية في سلطنة عُمان تتميز بمزايا عدة، منها الاستقرار السياسي، والنظام الاقتصادي الحر، وتسهيلات تملّك الأجانب للمشروعات بنسبة تصل إلى 100 بالمائة مع عدم فرض قيود على تحويل الأموال والأرباح للخارج، وعدم وجود ضريبة دخل على الأفراد.

مقالات مشابهة

  • حركة فتح: نتنياهو خطر على العالم كله.. وليس الشعب الفلسطيني فقط
  • هوَس الترندات
  • سلطنة عُمان تُشارك في منتدى المجتمع الأخضر بالقاهرة
  • فئة المنتصرين
  • أزمة السودان.. رابطة العالم الإسلامي تؤكد ضرورة فتح معابر إضافيّة
  • الفنان المثقف
  • «شمس» الفتن.. ناقوس خطر
  • عاجل| عمرو أديب يحذر المجتمع المصري: خدوا بالكم
  • 66 مسيرة بالحديدة تضامنا مع الشعب الفلسطيني وانتصاراً لغزة
  • تأزم موقف فينسيوس في إسبانيا