لجريدة عمان:
2025-01-24@23:13:36 GMT

شماعة الأفكار الدخيلة

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

يحلو لبعض الشعوب أن تستخدم شماعة الأفكار الدخيلة لتُعلل عجزها عن التفاعل مع أفكار العالم المفتوح، بمجرد أن تُلصق صفة «دخيل» على فكرة أو ظاهرة فهذا يكفي لرفضها، الحط منها، ومضايقة أصحابها، دون الحاجة للنظر في أصلها، أو نقدها، أو مراجعتها، تُهمة الدخيل هذه تحصر مساحة التعبير والتفكير ضمن حيز ضيق تُحدده القوى المتحكمة سياسية كانت، أو اجتماعية، أو دينية.

بُلدان الطهارة هذه ترفض القبول بكونها جزءا من العالم، فهي أسمى من أن تتأثر وتؤثر فيه، لا مكان للعطف في بلدان الطهارة. فابن البلد الذي يشذ عن قالب المواطن النموذجي، لا يعود مواطنا، أو يُصبح مواطنا بدرجة أقل، بالتالي لا مكان للتعددية أو التنوع في مجتمع الطهارة.

العالم بأسره يُريد النيل من هذه البلدان، إنها شعوب -ويل لقسوة العالم- ضحية كمالها، يُريد العالم أن يخسف بها. المجتمع الطاهر خالٍ من الاستغلال، الظلم، التطرف، الجوع، وإذا ما حدثت جريمة فمرتكبها بلا شك من المهاجرين الأنجاس، الذين ورغم أن المجتمع الطاهر يبذل ما بوسعه لإقصائهم عنه، ورفضه العنيد لأي مبادرة إدماج، وهو لولا حاجته لعرقهم ودمائهم لَرَفَع سورا إلى السماء يعزل مشكلاتهم «الحاتة» عن كماله المُطلق، إلا أن الطاهرين المساكين يقعون ضحايا شرهم كل مرة، تُستغل السلطة الدينية في الدولة الطاهرة للتأكيد على أن الناس لم يولدوا أحرارا، وأنهم لا يُمكن أن يكونوا متساوين، وأن مشكلات الحثالة لا تدنس ثوب الطهارة الرفيع.

المواطن الطاهر ليس خاليا من العيوب فحسب، بل من المشكلات أيضا. إنه يصحو كل يوم عند السادسة، ويُلبي نداء الوطن عند السابعة بثياب دون ثنيات - مستوية استواء مزاجه الذي لا يُعكر، هو الحليم، الرصين، المتوازن. لا يزعجه الاكتظاظ المروري - ما الاكتظاظ المروري أصلا؟ فشوارع بلاده ذات الثلاثة مسارات، والأربعة، والخمسة تستوعب كل العجلات المنفوخة بقدر سائقيها.

لا تحرّش ولا عنف أسري في المجتمع الطاهر، وحتى لو ظهرت حالة أو حالتان فهذا شيء شاذ. وإن كان ثمة من يمكن أن يُلام فهو هذه الضحية أو الضحيتان اللتان تجرأتا على النجاة لتحكيا عن معاناتهما، فيما تعلمان أن شهاداتهما تهزان الصورة الطاهرة التي يعمل المجتمع بأسره على صيانتها.

العمى الطوعي واجب وطني في الدولة الطاهرة، ومن لا يتطوع تُفقأ عينه؛ ليتعلم أن يغض الأخرى، النظر خيانة، مثله مثل الإحساس، والاعتراض، والاستقلال، والطموح.

يقف المجتمع الطاهر مع القضايا العادلة بشجاعة، دون التفريق بين العدالة والمصلحة، هو بارع في جعل الأمرين يلتقيان، مهما يكن الأمر صعبا، كما يبرع في استثمار وقفته الشجاعة لمواصلة تلميع الصورة، حتى لو عنى ذلك أن يمسحها بدموع ودماء ضحايا الحرب، فالحرب بأسرها وُجدت من أجل أن يساندها الشعب الطاهر، ويُثبت بطولته، وهذا مغزاها الوحيد، وما القتلى، والنازحون، والمُعذبون، والميتون جوعًا إلا لاعبون ثانويون، «كومبارس»، لا أقل ولا أكثر، دورهم يبدأ وينتهي عند إثبات جدارة الشعب طاهر الأخلاقية.

بإمكان هذا الشعب أن يُعرقل أي صيرورة، ويقاوم أي تغيير، ولديه ما يكفي من الثلج الأخلاقي لتجميد ضميره، وفضوله، وقابليته للاستفزاز. وهو -يا الله- غنائي، بليغ، لا يترك عجلة لغوية إلا وأعاد اختراعها.

فلا عجب بعد هذا أن نرى باقي الشعوب تستثيره، وتستهدفه، وتحاول أن تغزوه بأسلحة ليس أقلها الفكرة، فكيف لهذه الطهارة الهشة أن تقاوم فكرة؟ من خصائص الثوب الأبيض أنه قابل أكثر من غيره للتدنيس، تفكيك الأفكار، تأملها، نقدها ليس من وظائف الشعب الطاهر، وظيفته الوحيدة هو أن يتخذ وضعيته الأنيقة، في ثوبه الناصع، لتُلتقط له صورة تتحدى الزمن في ثباتها.

نوف السعيدي كاتبة وباحثة عمانية في مجال فلسفة العلوم

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مجلس الشورى يدين إعادة تصنيف أمريكا لأنصار الله

واعتبر المجلس في بيان صادر عنه، أن خطوات أمريكا بحق الشعوب الحرة والرافضة لسياسة الهيمنة والتسلط التي تنتهجها واشنطن يعد انتهاكا صارخا لكل القوانين والمواثيق الدولية وتعديا سافرا على حق الشعوب في الحرية والاستقلال.

ولفت إلى أن هذا التصنيف الذي يستهدف كامل الشعب اليمني نتيجة موقفه المشرف مع الشعب الفلسطيني، يجسد سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها أمريكا رأس الشر والإرهاب في العالم ومن تموله وتقوم بدعمه في عدد من دول العالم والشواهد على ذلك كثيرة.

وأشار البيان إلى أن من يجب أن يصنف ضمن قوائم الإرهاب هي من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين بنيران أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وأدواتها في المنطقة.

ولفت إلى أن أمريكا تسعى من خلال هذه الخطوة إلى إجهاض وإفشال خطوات السلام في اليمن ومواصلة العدوان على الشعب اليمني وزيادة معاناته الإنسانية نتيجة الحصار المفروض منذ نحو عشر سنوات.. مؤكدا أن الشعب اليمني سيظل وفيا وثابتا في دعمه لكل خطوات القيادة الثورية والسياسية المتعلقة بدعم قضايا الشعوب المظلومة وفي المقدمة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

وطالب المجلس رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي إلى إدانة هذا التصنيف الذي جاء على خلفية دعم اليمن لغزة وما سيترتب عليه من تداعيات سلبية على الجانب الاقتصادي والإنساني للشعب اليمني.

مقالات مشابهة

  • مجلسا النواب والشورى يدينان التصنيف الأمريكي لأنصار الله
  • أوزمبيك ومونجارو يزيدان خطر مشاكل الكلى والبنكرياس والجهاز الهضمي ويقللان الأفكار الانتحارية والشره
  • إرادة جيل: الشرطة انفردت عن إقرانها في دول العالم بمواجهة الاحتلال الإنجليزي والإرهاب
  • مجلس الشورى يدين إعادة تصنيف أمريكا لأنصار الله
  • العلا تعزز حضورها الرياضي العالمي بالتعاون مع ليبرون جيمس في بطولة العالم للقوارب الكهربائية السريعة E1
  • في بطولة الأمير فيصل بن فهد للطاولة.. (الخضراوي) ينتزع ذهب فردي الرجال
  • وزير الثقافة: الفراغ هو التهديد الأول للعمل الثقافي والتربوي..ودافع تلقي الأفكار غير السوية
  • الشيباني من «دافوس»: رفع العقوبات مفتاح استقرار سوريا
  • شعب يستحق الانتصار..
  • الطفل المعجزة!