عربي21:
2025-02-23@16:25:40 GMT

المسيح أم الخراف الضالة..؟

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

علمتنا قوانين الكون أنه من الغباء والحمق أن يرتكب الإنسان مخالفة ويكررها ثم يظن أنه يفلت من العقاب، قد تطول أو تقصر مدة الإمهال، لعل الجاني يكف، أو يعود فيعتذر، أو يعترف فيعاقب بتخفيف ورحمة، ولكن تلك الحالة حتى وإن تحولت إلى ظاهرة تتكرر لا يمكن أن تؤول إلى إهمال يهدم قواعد العدل الإلهي ويعطل سنن الحياة.



علمتنا مسيرة التاريخ الإنساني أن الحضارة لا تسقط بهزيمة الجيوش في ميادين القتال. موت الحضارة عادة ما يكون مسبوقا بانهيار الأخلاق وامتهان القيم الأساسية والسخرية من رموز الشرف والصدق، وسقوط كل قواعد العدالة والنبل.

البيئة الحاضنة لكل هذه المدمرات هي بيئة سيطرت فيها المادة وسادت فيها المتعة الممنوعة، وسقطت فيها الحدود الفاصلة بين الحق والباطل، والنور والظلام، والصدق والكذب، والشرف والدعارة، وإنسانية الإنسان ونوازع الوحش فيه.

البيئة الحاضنة لكل هذه المدمرات هي بيئة سيطرت فيها المادة وسادت فيها المتعة الممنوعة، وسقطت فيها الحدود الفاصلة بين الحق والباطل، والنور والظلام، والصدق والكذب، والشرف والدعارة، وإنسانية الإنسان ونوازع الوحش فيه
منذ ما قبل طوفان الأقصى والغرب يعمل على تقوية الأقوى وإضعاف الأضعف، وما بعد طوفان الأقصى كان الغرب بدوله الكبرى؛ أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.. الكل فتح مخازن سلاحه لتأخذ إسرائيل ما شاءت بالإضافة إلى المشاركة اللوجستية لكل هذه الدول ضد شعب أعزل، حتى تمت عمليات ذبح الأطفال والإبادة الجماعية بأيدي الجنود الإسرائيليين وأسلحة الغرب ذاته،

والدفع بهذه الآفات والتطبيع معها وتعويد العين على رؤيتها ومحاولات فرضها قسرا على الناس.

كل ذلك يعجل بسقوط الحضارات، ويحول بين جهاز المناعة فيها وبين المقاومة، الأمر الذى يجعل الوافد الجديد بما يحمله من شرور وحقد وهمجية ينتشر كالنار، ويسود وكأنه الأصل الأصيل، ومن ثم فلا اعتراض على إهانة ما يجب أن يصان، ولا غضب من تجاوز كل الخطوط التي كانت حمراء، ولو كانت تتصل مباشرة بالسخرية وإهانة حواريين اختاروا أن يكونوا حول رسول طاهر وشريف؛ يحمل رسالة تحمي فطرة الإنسانية في الإنسان وتبقي على طهارة قلبه روحه في صلتها بالعالم الأعلى دون تلوث أو رجاسات.

رسالة سيدنا المسيح عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ما جاءت لتنقض الناموس الكوني، وإنما هي قبس من رحمة الله بخلقه، ومن ثم فهي تشكل وسيلة إغاثة وإنقاذ لبشرية فقدت بوصلتها وغاب وعيها حين سادت وسيطرت شهوات الحياة عليها وحولتها من أدمية مكرمة إلى مجرد خراف ضالة، فجاء المسيح مخلصا ومنقذا برسالة رحمة ومحبة ليردها إلى أصلها الإنساني فكانت بعثته لهداية خراف بيت إسرائيل الضالة: "لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّة" (مت 24-15).

ما تم هنا في باريس من سخرية وإهانة للمقدسات في احتفال الأولمبياد، وما تم وما زال يحدث في غزة وعلى مرأى ومسمع العالم كله؛ إنما هو سحق لآدمية الإنسان وتحويله إلى عبد قنين يطوف حول كعبة جديدة تحفها أصنام شتى من الجنس والمتعة الحسية، والإحساس بشعور القطيع الهائم في محيط من الخدر الذي يغيب معه كل دوافع الوعي ليصبح الإنسان مسخا جديدا لا إرادة له ولا اختيار، ومن ثم يسهل قياده والسيطرة عليه سيطرة كاملة.

ما تم هنا في باريس من سخرية وإهانة للمقدسات في احتفال الأولمبياد، وما تم وما زال يحدث في غزة وعلى مرأى ومسمع العالم كله؛ إنما هو سحق لآدمية الإنسان وتحويله إلى عبد قنين يطوف حول كعبة جديدة تحفها أصنام شتى من الجنس والمتعة الحسية، والإحساس بشعور القطيع الهائم في محيط من الخدر الذي يغيب معه كل دوافع الوعي
الفاعل الجاهز يدرك أن الشهوات كالنار كلما أوقدتها كلما اشتعلت وقالت هل من مزيد؟ والضحية مسلوب العقل مسلوب الإرادة، وحينئذ يخرج به الفاعل الجاهز من نطاق المألوف والمتعارف عليه إلى نطاق الشذوذ المنافي للعقل والفطرة وكرامة الإنسان.

الفاعل الجاهز هنا هو الجاني الأول، لكن قادة الحضارة لا يجرّمون فعله، بل يتبنون فكرته ومخططه ويفتحون له كل الأبواب المغلقة ليمارس دوره في الغواية والسقوط، ليس على مستوى الفرد فقط، وإنما على مستوى العقل الجمعي للبشر جميعا، ويتحح له في باريس أن يسخر ويهزأ بأعلى قيم المجتمع قداسة وحصانة ورعاية، كما يهدم بنيان الله ممثلا في إبادة البشر في غزة وفلسطين.

الواقع يخبرنا في تفاصيله أن هنالك من يقاوم، لكن صوته وسط ضجيج الباطل غير مسموع، ورأيه وسط البيئة التي باعت قيمها غير مرفوع، وكأن المقصود أن هنالك ساعة صفر محددة لا بد أن تسقط فيها البشرية كلها ليفرض الفاعل الجاهز خططه وسيطرته، ويعلن بوضوح أن كل قيم الحق والعدل والكرامة والحرية والصدق والشرف قد ماتت؛ لأن من فرضها وجعلها ميزانا ومعيارا للإنسانية قد مات هو الآخر، بل إنه لم يمت فقط، وإنما نحن الذين قتلناه. وهكذا يدعي نيتشه صاحب هذه الفلسفة والذي مات مجنونا!

الوجه المقزز لم يظهر فقط في احتفالات الأولمبياد بمدينة النور باريس، وإنما كانت له تجليات أخرى في غزة حين رأى العالم كيف تباد الطفولة وتمزق أجسادها، وكيف تمتهن المرأة التي صدع الغرب رؤوسنا بحقوقها وتمكينها، وكيف تسحق آدمية الإنسان وتنفجر فيه الصواعق حين ينزح من مكان ليواجَه بوابل من قذائف الدبابات وصواريخ الطائرات ومدافع الجنود المدججين بكل أدوات القتل والتدمير، كان هذا هو التجلي الأعظم قبل إهانة المسيح عليه السلام والسخرية منه ومن حواريه في حفل باريس.

هذا التجلي لقدرة الفاعل الجاهز وفجوره صاحبه سكوت وصمت يشبه صمت المقابر، ولم يواجه باعتراض أو لوم، هنا انكشفت سوأة الحضارة وتعرت وظهرت عورتها. بعدها أراد الفاعل الجاهز أن يوجه سهام سخريته إلى أعلي قيمة إنسانية ممثلة في شخص المسيح عليه السلام، وليحطم ما تبقى للناس من قداسة
الفاعل هنا في غزة هو نفسه الفاعل هناك في باريس، والدور هو هو، غير أنه في باريس استعمل الشفاه الحمر والخصر الرقيق والعيون الباسمة، فكانت وسائل تنفيذ الفعل معتمدة على القوي الناعمة، بينما في غزة اقتضي الموقف أن تستخدم كل أدوات الموت جوعا أو عطشا أو هدما وتهجيرا أو تمزيقا للأجساد؛ ولو لجأت لمبان ومؤسسات دولية كالأنروا مثلا.

هذا التجلي لقدرة الفاعل الجاهز وفجوره صاحبه سكوت وصمت يشبه صمت المقابر، ولم يواجه باعتراض أو لوم، هنا انكشفت سوأة الحضارة وتعرت وظهرت عورتها. بعدها أراد الفاعل الجاهز أن يوجه سهام سخريته إلى أعلي قيمة إنسانية ممثلة في شخص المسيح عليه السلام، وليحطم ما تبقى للناس من قداسة وليخلع من صدورهم كل تقدير لشرف وصدق حواريه رضي الله عنهم.

الحدثان يرتبطان ببعضهما ارتباط المقدمة بالخاتمة توثيقا وتصديقا، والغائب هو المفعول به من بني الإنسان الذي يفضل أن يكون مخدرا يتنازل عن إنسانيته ليساق من نصفه الأسفل -أي من شهواته وملذاته- وإن رأى بأم عينيه من يركبونه ويحملون عليه أمتعتهم وصناديق مصالحهم.

والسؤال المعضلة هو: بعد كل تلك الجهود من سيدنا المسيح وحوارييه الكرام وأتباعه الشرفاء في كل أنحاء الدنيا؛ من سينتصر؟ ذلكم النبي الكريم ورجاله الشرفاء، أم ستنتصر الخراف الضالة التي ظلت تلعب مع البشر وتخادعهم، ثم انتقلت لتعلب بعقول البشر، ثم انتقلت لتعلب في داخل فطرة البشر وتحطم ثوابت قيمهم وتلوث أرواحهم وتدفعهم إلى كل رجاسة بوقاحة منقطعة النظير؟

باختصار شديد، براءة لفرنسا عاصمة الثقافة والأزمات، وتهنئة لباريس بموقعها الجديد كعاصمة للتحرر من كل قيم الشرف والأخلاق والإنسانية السوية.

وأخيرا: هل حان لرهبان الصمت أن يتكلموا..؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإنسانية المسيح غزة قداسة غزة المسيح قداسة الإنسانية اولمبياد باريس مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی باریس فی غزة

إقرأ أيضاً:

تاريخ مواجهات باريس سان جيرمان وليفربول في دوري أبطال أوروبا

أسفرت قرعة دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا للموسم الحالي عن مواجهات مثيرة، أبرزها الصدام الناري بين ليفربول الإنجليزي، بقيادة نجمه المصري محمد صلاح، وباريس سان جيرمان الفرنسي، الذي يسعى للفوز باللقب الأوروبي لأول مرة في تاريخه.

موعد مباراة ليفربول وباريس سان جيرمان 

مباراة الذهاب: تقام أحد يومي 4 و5 مارس 2025.

مباراة الإياب: ستقام أحد يومي 11 و12 مارس 2025.

تاريخ مواجهات محمد صلاح ضد باريس سان جيرمان:

خاض محمد صلاح مباراتين فقط أمام باريس سان جيرمان بقميص ليفربول، وذلك في إطار منافسات دور المجموعات خلال موسم 2018-2019 من دوري أبطال أوروبا.

المواجهة الأولى: فاز ليفربول بنتيجة 3-2 على ملعب آنفيلد.

المواجهة الثانية: خسر ليفربول بنتيجة 1-2 على ملعب حديقة الأمراء.

شارك محمد صلاح في المباراتين كأساسي، لكنه لم يتمكن من تسجيل أي هدف في شباك باريس سان جيرمان خلال تلك المواجهات.

تاريخ لقاءات ليفربول وباريس سان جيرمان

التقى الفريقان في 4 مناسبات سابقة في دوري أبطال أوروبا، حيث تفوق باريس سان جيرمان بفوزه في 3 مواجهات، بينما فاز ليفربول مرة واحدة فقط.

نتائج قرعة دور الـ16:

شهدت القرعة مواجهات قوية أخرى بين أندية أوروبية كبيرة، وهي كالتالي:

أستون فيلا (إنجلترا) ضد كلوب بروج (بلجيكا)

ليل (فرنسا) ضد بوروسيا دورتموند (ألمانيا)

أتلتيكو مدريد (إسبانيا) ضد ريال مدريد (إسبانيا)

باير ليفركوزن (ألمانيا) ضد بايرن ميونخ (ألمانيا)

أرسنال (إنجلترا) ضد آيندهوفن (هولندا)

إنتر ميلان (إيطاليا) ضد فينورد (هولندا)

ليفربول (إنجلترا) ضد باريس سان جيرمان (فرنسا)

برشلونة (إسبانيا) ضد بنفيكا (البرتغال)

ليفربول ضد باريس سان جيرمان: مواجهة نارية تجمع بين فريقين يمتلكان تاريخًا كبيرًا في البطولة، حيث سيحاول ليفربول بقيادة محمد صلاح مواجهة باريس سان جيرمان الذي يضم كيليان مبابي.

أتلتيكو مدريد ضد ريال مدريد: ديربي مدريد القاري، الذي يُعتبر من أكثر المواجهات سخونة في البطولة.

باير ليفركوزن ضد بايرن ميونخ: كلاسيكو ألماني يعد اختبارًا قويًا لباير ليفركوزن أمام العملاق بايرن ميونخ.

برشلونة ضد بنفيكا: مواجهة مثيرة بين فريق إسباني عريق وفريق برتغالي يسعى لإثبات نفسه على الساحة الأوروبية.

مقالات مشابهة

  • ماكرون يتعهد باستئصال الإرهاب بعد هجوم في باريس
  • باريس تتهم سلطات إيران بنهب وتدمير المعهد الفرنسي للأبحاث
  • تيار الصدر يرد على المالكي: لن نشارك بأي حكومة فيها إطار
  • تاريخ مواجهات باريس سان جيرمان وليفربول في دوري أبطال أوروبا
  • موعد مباراة ليفربول ضد باريس سان جيرمان في ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا
  • «سلوت» يؤكد صعوبة مواجهة باريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا
  • من مراكش نحو باريس... إطلاق أول رحلة جوية "خالية من الكربون"
  • مبابي يُصعِّد من معركته ضد باريس.. ومحاميته تفجر مفاجأة عن اتفاق الرحيل
  • ندوة  حول الدور الفاعل للمرأة في حماية السلم المجتمعي والتطرف الفكري
  • محكمة الاستئناف في باريس ترجئ البت في قرار الإفراج عن جورج عبد الله إلى يونيو