عربي21:
2025-01-13@09:57:44 GMT

المسيح أم الخراف الضالة..؟

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

علمتنا قوانين الكون أنه من الغباء والحمق أن يرتكب الإنسان مخالفة ويكررها ثم يظن أنه يفلت من العقاب، قد تطول أو تقصر مدة الإمهال، لعل الجاني يكف، أو يعود فيعتذر، أو يعترف فيعاقب بتخفيف ورحمة، ولكن تلك الحالة حتى وإن تحولت إلى ظاهرة تتكرر لا يمكن أن تؤول إلى إهمال يهدم قواعد العدل الإلهي ويعطل سنن الحياة.



علمتنا مسيرة التاريخ الإنساني أن الحضارة لا تسقط بهزيمة الجيوش في ميادين القتال. موت الحضارة عادة ما يكون مسبوقا بانهيار الأخلاق وامتهان القيم الأساسية والسخرية من رموز الشرف والصدق، وسقوط كل قواعد العدالة والنبل.

البيئة الحاضنة لكل هذه المدمرات هي بيئة سيطرت فيها المادة وسادت فيها المتعة الممنوعة، وسقطت فيها الحدود الفاصلة بين الحق والباطل، والنور والظلام، والصدق والكذب، والشرف والدعارة، وإنسانية الإنسان ونوازع الوحش فيه.

البيئة الحاضنة لكل هذه المدمرات هي بيئة سيطرت فيها المادة وسادت فيها المتعة الممنوعة، وسقطت فيها الحدود الفاصلة بين الحق والباطل، والنور والظلام، والصدق والكذب، والشرف والدعارة، وإنسانية الإنسان ونوازع الوحش فيه
منذ ما قبل طوفان الأقصى والغرب يعمل على تقوية الأقوى وإضعاف الأضعف، وما بعد طوفان الأقصى كان الغرب بدوله الكبرى؛ أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.. الكل فتح مخازن سلاحه لتأخذ إسرائيل ما شاءت بالإضافة إلى المشاركة اللوجستية لكل هذه الدول ضد شعب أعزل، حتى تمت عمليات ذبح الأطفال والإبادة الجماعية بأيدي الجنود الإسرائيليين وأسلحة الغرب ذاته،

والدفع بهذه الآفات والتطبيع معها وتعويد العين على رؤيتها ومحاولات فرضها قسرا على الناس.

كل ذلك يعجل بسقوط الحضارات، ويحول بين جهاز المناعة فيها وبين المقاومة، الأمر الذى يجعل الوافد الجديد بما يحمله من شرور وحقد وهمجية ينتشر كالنار، ويسود وكأنه الأصل الأصيل، ومن ثم فلا اعتراض على إهانة ما يجب أن يصان، ولا غضب من تجاوز كل الخطوط التي كانت حمراء، ولو كانت تتصل مباشرة بالسخرية وإهانة حواريين اختاروا أن يكونوا حول رسول طاهر وشريف؛ يحمل رسالة تحمي فطرة الإنسانية في الإنسان وتبقي على طهارة قلبه روحه في صلتها بالعالم الأعلى دون تلوث أو رجاسات.

رسالة سيدنا المسيح عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ما جاءت لتنقض الناموس الكوني، وإنما هي قبس من رحمة الله بخلقه، ومن ثم فهي تشكل وسيلة إغاثة وإنقاذ لبشرية فقدت بوصلتها وغاب وعيها حين سادت وسيطرت شهوات الحياة عليها وحولتها من أدمية مكرمة إلى مجرد خراف ضالة، فجاء المسيح مخلصا ومنقذا برسالة رحمة ومحبة ليردها إلى أصلها الإنساني فكانت بعثته لهداية خراف بيت إسرائيل الضالة: "لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّة" (مت 24-15).

ما تم هنا في باريس من سخرية وإهانة للمقدسات في احتفال الأولمبياد، وما تم وما زال يحدث في غزة وعلى مرأى ومسمع العالم كله؛ إنما هو سحق لآدمية الإنسان وتحويله إلى عبد قنين يطوف حول كعبة جديدة تحفها أصنام شتى من الجنس والمتعة الحسية، والإحساس بشعور القطيع الهائم في محيط من الخدر الذي يغيب معه كل دوافع الوعي ليصبح الإنسان مسخا جديدا لا إرادة له ولا اختيار، ومن ثم يسهل قياده والسيطرة عليه سيطرة كاملة.

ما تم هنا في باريس من سخرية وإهانة للمقدسات في احتفال الأولمبياد، وما تم وما زال يحدث في غزة وعلى مرأى ومسمع العالم كله؛ إنما هو سحق لآدمية الإنسان وتحويله إلى عبد قنين يطوف حول كعبة جديدة تحفها أصنام شتى من الجنس والمتعة الحسية، والإحساس بشعور القطيع الهائم في محيط من الخدر الذي يغيب معه كل دوافع الوعي
الفاعل الجاهز يدرك أن الشهوات كالنار كلما أوقدتها كلما اشتعلت وقالت هل من مزيد؟ والضحية مسلوب العقل مسلوب الإرادة، وحينئذ يخرج به الفاعل الجاهز من نطاق المألوف والمتعارف عليه إلى نطاق الشذوذ المنافي للعقل والفطرة وكرامة الإنسان.

الفاعل الجاهز هنا هو الجاني الأول، لكن قادة الحضارة لا يجرّمون فعله، بل يتبنون فكرته ومخططه ويفتحون له كل الأبواب المغلقة ليمارس دوره في الغواية والسقوط، ليس على مستوى الفرد فقط، وإنما على مستوى العقل الجمعي للبشر جميعا، ويتحح له في باريس أن يسخر ويهزأ بأعلى قيم المجتمع قداسة وحصانة ورعاية، كما يهدم بنيان الله ممثلا في إبادة البشر في غزة وفلسطين.

الواقع يخبرنا في تفاصيله أن هنالك من يقاوم، لكن صوته وسط ضجيج الباطل غير مسموع، ورأيه وسط البيئة التي باعت قيمها غير مرفوع، وكأن المقصود أن هنالك ساعة صفر محددة لا بد أن تسقط فيها البشرية كلها ليفرض الفاعل الجاهز خططه وسيطرته، ويعلن بوضوح أن كل قيم الحق والعدل والكرامة والحرية والصدق والشرف قد ماتت؛ لأن من فرضها وجعلها ميزانا ومعيارا للإنسانية قد مات هو الآخر، بل إنه لم يمت فقط، وإنما نحن الذين قتلناه. وهكذا يدعي نيتشه صاحب هذه الفلسفة والذي مات مجنونا!

الوجه المقزز لم يظهر فقط في احتفالات الأولمبياد بمدينة النور باريس، وإنما كانت له تجليات أخرى في غزة حين رأى العالم كيف تباد الطفولة وتمزق أجسادها، وكيف تمتهن المرأة التي صدع الغرب رؤوسنا بحقوقها وتمكينها، وكيف تسحق آدمية الإنسان وتنفجر فيه الصواعق حين ينزح من مكان ليواجَه بوابل من قذائف الدبابات وصواريخ الطائرات ومدافع الجنود المدججين بكل أدوات القتل والتدمير، كان هذا هو التجلي الأعظم قبل إهانة المسيح عليه السلام والسخرية منه ومن حواريه في حفل باريس.

هذا التجلي لقدرة الفاعل الجاهز وفجوره صاحبه سكوت وصمت يشبه صمت المقابر، ولم يواجه باعتراض أو لوم، هنا انكشفت سوأة الحضارة وتعرت وظهرت عورتها. بعدها أراد الفاعل الجاهز أن يوجه سهام سخريته إلى أعلي قيمة إنسانية ممثلة في شخص المسيح عليه السلام، وليحطم ما تبقى للناس من قداسة
الفاعل هنا في غزة هو نفسه الفاعل هناك في باريس، والدور هو هو، غير أنه في باريس استعمل الشفاه الحمر والخصر الرقيق والعيون الباسمة، فكانت وسائل تنفيذ الفعل معتمدة على القوي الناعمة، بينما في غزة اقتضي الموقف أن تستخدم كل أدوات الموت جوعا أو عطشا أو هدما وتهجيرا أو تمزيقا للأجساد؛ ولو لجأت لمبان ومؤسسات دولية كالأنروا مثلا.

هذا التجلي لقدرة الفاعل الجاهز وفجوره صاحبه سكوت وصمت يشبه صمت المقابر، ولم يواجه باعتراض أو لوم، هنا انكشفت سوأة الحضارة وتعرت وظهرت عورتها. بعدها أراد الفاعل الجاهز أن يوجه سهام سخريته إلى أعلي قيمة إنسانية ممثلة في شخص المسيح عليه السلام، وليحطم ما تبقى للناس من قداسة وليخلع من صدورهم كل تقدير لشرف وصدق حواريه رضي الله عنهم.

الحدثان يرتبطان ببعضهما ارتباط المقدمة بالخاتمة توثيقا وتصديقا، والغائب هو المفعول به من بني الإنسان الذي يفضل أن يكون مخدرا يتنازل عن إنسانيته ليساق من نصفه الأسفل -أي من شهواته وملذاته- وإن رأى بأم عينيه من يركبونه ويحملون عليه أمتعتهم وصناديق مصالحهم.

والسؤال المعضلة هو: بعد كل تلك الجهود من سيدنا المسيح وحوارييه الكرام وأتباعه الشرفاء في كل أنحاء الدنيا؛ من سينتصر؟ ذلكم النبي الكريم ورجاله الشرفاء، أم ستنتصر الخراف الضالة التي ظلت تلعب مع البشر وتخادعهم، ثم انتقلت لتعلب بعقول البشر، ثم انتقلت لتعلب في داخل فطرة البشر وتحطم ثوابت قيمهم وتلوث أرواحهم وتدفعهم إلى كل رجاسة بوقاحة منقطعة النظير؟

باختصار شديد، براءة لفرنسا عاصمة الثقافة والأزمات، وتهنئة لباريس بموقعها الجديد كعاصمة للتحرر من كل قيم الشرف والأخلاق والإنسانية السوية.

وأخيرا: هل حان لرهبان الصمت أن يتكلموا..؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإنسانية المسيح غزة قداسة غزة المسيح قداسة الإنسانية اولمبياد باريس مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی باریس فی غزة

إقرأ أيضاً:

بلد يكْثُر فيها "الحامول".. !!

في بلد ما.. لو كنتَ موظفًا بسيطًا، أو رجل أعمال مبتدئًا، أو تاجرًا صغيرًا، وكنتَ قد نشأتَ في أسرةٍ متوسطة، وحَقَّقتَ باجتهادِك قدرًا من النجاح، وكان طموحُكَ يفوق قدراتك، وحُلْمُك يتجاوز إمكاناتك فاخترت طريقًا ملتويًا لبلوغه، ومن باب المنظَرَة والوجاهة الاجتماعية رأيتَ نفسَكَ في المرآة مستحِقًا لمِقْعَد نيابي من خلال عضويةٍ حِزبيَّة، أو مستندًا إلى مشاركتِك في كيانٍ اجتماعي خدمي.. فماذا تفعل؟

غالبًا ستفعل كمن سبقوك، وكما يفعل الحامول (وهو نبات طفيلي مُتَسلِّق) حَوْل ساق النَّبات،

أي أنك ستحرص على مجالسةِ الشخصيات السياسية، والتنفيذية بمُختَلفِ مناصِبِها، والتقاط الصور معهم داخل مكاتبهم، وفي الأماكن العامة أثناء المناسبات الوطنية والاجتماعية والمبالغة في إظهار احترامهم بشرط أن تنتبه لأمرٍ هام، وهو أنكَ تقبَلُ التضحية المادية، (يعني تشخْلِل جيبك) بين حين وآخر في صورة هدايا، تبرعات، ولائم، خدمات في نشاطك.. الخ.

فلكلِ شيء ثمن، وكما يقول المثل (الغاوي ينقَّط بطاقيته)، ومن المؤكد أنك ستعوض قيمة (الشَّخْلَلَة) في تجارتِك، أو أعمالِك، بوسائل وأساليب مختلفة. فمثلاً.. قد تحصُل على أرضٍ صحراوية، أو ساحلية مُميَّزة بثمنٍ بَخْس، زاعمًا أنك ستُقيم عليها مشروعًا خدميًّا استثماريًّا يُساهِم في حل أزمة البطالة، وتعمير تلك المنطقة، وبعد سنتين أو ثلاثة تبدأ في تقسيم، وبيع الأرض بالمتر بأضعاف ثمن الشِّراء، أو تحصل على توكيلات استيراد منتجاتٍ عالمية، وتتحكم في الأسعار كيفما شِئْت.. أو أن تُسْنَد إليك أعمال حكومية (مشروعات أو صفقات) بالأمر المُباشر بعيدًا عن العطاءات والمناقصات، والمزادات، و(وجع الدِّماغ). كذلك ربما مارَسْت الغش التجاري (احتكار سِلَع، بيع مواد منتهية الصلاحية، أو تهريب آثار، أو تهَرُب ضريبي.. .الخ).

مع حصولك بسهولة على خدماتٍ، وامتيازات للأهل والأقارب (يتَّسعُ مجالها).

وهنا ستكون مطمئنًا لوجود مَنْ قدَّمتَ لهم السبت نفاقًا، وتملقًا، وتزلفًا يتلقَّفُك (إذا وقعت) ليُجَنِّبُك المساءلة القانونية، وتخرج كالشعرة من العجين.

* هذا يحدثُ في بلدٍ ما رغم وجود الأغلبيَّة من الشُّرَفاء الوطنيِّين المُخلصين لبلدهِم..

فكما يوجد الطَيِّبُ يوجد الخبيث..

وأسوأ ما في حالات التَمَلُّق، والتسَلُّق السابقة هي تصديق الوصولي نفسه مع الوقت متجاهلاً أن الناسَ تجْعَلُ ضِمن مشاغِلِها اللَّمز والنميمة، وتناول سِيَر البعض وأسرهم بالتجريح، وقول فُلان كان كَذا، وأصبح كذا.

فليعلم المُتَسلِّقون أن الخطأ المقصود يَجلِبُ النَدَم، وما طار طيرٌ، وارتفع إلّا كما طار وَقَع.

مقالات مشابهة

  • رئيس "الأسقفية": معمودية المسيح هي إعلان مستمر لعمل الله فينا
  • الناصرة .. هوية مدينة بشارة المسيح وأجمل مدن فلسطين
  • عبد المسيح سمى نواف سلام
  • في عكار.. اشكال يجرح طفلا والجيش يلقي القبض على الفاعل
  • بلد يكْثُر فيها "الحامول".. !!
  • عبد المسيح: من له أذنان للسمع فليسمع
  • المحاولة الانقلابية في تشاد.. الفاعل المجهول!
  • "الكلاب" فتوات شوارع حي البشاير بأكتوبر!
  • تدشين أكبر كنيسة بالشرق الأوسط قرب مغطس المسيح بالأردن
  • عبد المسيح هنأ الرئيس عون: يدي ممدودة لفخامته لتحقيق كل ما ورد في خطاب القسم