عربي21:
2024-09-09@01:08:16 GMT

المسيح أم الخراف الضالة..؟

تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT

علمتنا قوانين الكون أنه من الغباء والحمق أن يرتكب الإنسان مخالفة ويكررها ثم يظن أنه يفلت من العقاب، قد تطول أو تقصر مدة الإمهال، لعل الجاني يكف، أو يعود فيعتذر، أو يعترف فيعاقب بتخفيف ورحمة، ولكن تلك الحالة حتى وإن تحولت إلى ظاهرة تتكرر لا يمكن أن تؤول إلى إهمال يهدم قواعد العدل الإلهي ويعطل سنن الحياة.



علمتنا مسيرة التاريخ الإنساني أن الحضارة لا تسقط بهزيمة الجيوش في ميادين القتال. موت الحضارة عادة ما يكون مسبوقا بانهيار الأخلاق وامتهان القيم الأساسية والسخرية من رموز الشرف والصدق، وسقوط كل قواعد العدالة والنبل.

البيئة الحاضنة لكل هذه المدمرات هي بيئة سيطرت فيها المادة وسادت فيها المتعة الممنوعة، وسقطت فيها الحدود الفاصلة بين الحق والباطل، والنور والظلام، والصدق والكذب، والشرف والدعارة، وإنسانية الإنسان ونوازع الوحش فيه.

البيئة الحاضنة لكل هذه المدمرات هي بيئة سيطرت فيها المادة وسادت فيها المتعة الممنوعة، وسقطت فيها الحدود الفاصلة بين الحق والباطل، والنور والظلام، والصدق والكذب، والشرف والدعارة، وإنسانية الإنسان ونوازع الوحش فيه
منذ ما قبل طوفان الأقصى والغرب يعمل على تقوية الأقوى وإضعاف الأضعف، وما بعد طوفان الأقصى كان الغرب بدوله الكبرى؛ أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا.. الكل فتح مخازن سلاحه لتأخذ إسرائيل ما شاءت بالإضافة إلى المشاركة اللوجستية لكل هذه الدول ضد شعب أعزل، حتى تمت عمليات ذبح الأطفال والإبادة الجماعية بأيدي الجنود الإسرائيليين وأسلحة الغرب ذاته،

والدفع بهذه الآفات والتطبيع معها وتعويد العين على رؤيتها ومحاولات فرضها قسرا على الناس.

كل ذلك يعجل بسقوط الحضارات، ويحول بين جهاز المناعة فيها وبين المقاومة، الأمر الذى يجعل الوافد الجديد بما يحمله من شرور وحقد وهمجية ينتشر كالنار، ويسود وكأنه الأصل الأصيل، ومن ثم فلا اعتراض على إهانة ما يجب أن يصان، ولا غضب من تجاوز كل الخطوط التي كانت حمراء، ولو كانت تتصل مباشرة بالسخرية وإهانة حواريين اختاروا أن يكونوا حول رسول طاهر وشريف؛ يحمل رسالة تحمي فطرة الإنسانية في الإنسان وتبقي على طهارة قلبه روحه في صلتها بالعالم الأعلى دون تلوث أو رجاسات.

رسالة سيدنا المسيح عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ما جاءت لتنقض الناموس الكوني، وإنما هي قبس من رحمة الله بخلقه، ومن ثم فهي تشكل وسيلة إغاثة وإنقاذ لبشرية فقدت بوصلتها وغاب وعيها حين سادت وسيطرت شهوات الحياة عليها وحولتها من أدمية مكرمة إلى مجرد خراف ضالة، فجاء المسيح مخلصا ومنقذا برسالة رحمة ومحبة ليردها إلى أصلها الإنساني فكانت بعثته لهداية خراف بيت إسرائيل الضالة: "لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّة" (مت 24-15).

ما تم هنا في باريس من سخرية وإهانة للمقدسات في احتفال الأولمبياد، وما تم وما زال يحدث في غزة وعلى مرأى ومسمع العالم كله؛ إنما هو سحق لآدمية الإنسان وتحويله إلى عبد قنين يطوف حول كعبة جديدة تحفها أصنام شتى من الجنس والمتعة الحسية، والإحساس بشعور القطيع الهائم في محيط من الخدر الذي يغيب معه كل دوافع الوعي ليصبح الإنسان مسخا جديدا لا إرادة له ولا اختيار، ومن ثم يسهل قياده والسيطرة عليه سيطرة كاملة.

ما تم هنا في باريس من سخرية وإهانة للمقدسات في احتفال الأولمبياد، وما تم وما زال يحدث في غزة وعلى مرأى ومسمع العالم كله؛ إنما هو سحق لآدمية الإنسان وتحويله إلى عبد قنين يطوف حول كعبة جديدة تحفها أصنام شتى من الجنس والمتعة الحسية، والإحساس بشعور القطيع الهائم في محيط من الخدر الذي يغيب معه كل دوافع الوعي
الفاعل الجاهز يدرك أن الشهوات كالنار كلما أوقدتها كلما اشتعلت وقالت هل من مزيد؟ والضحية مسلوب العقل مسلوب الإرادة، وحينئذ يخرج به الفاعل الجاهز من نطاق المألوف والمتعارف عليه إلى نطاق الشذوذ المنافي للعقل والفطرة وكرامة الإنسان.

الفاعل الجاهز هنا هو الجاني الأول، لكن قادة الحضارة لا يجرّمون فعله، بل يتبنون فكرته ومخططه ويفتحون له كل الأبواب المغلقة ليمارس دوره في الغواية والسقوط، ليس على مستوى الفرد فقط، وإنما على مستوى العقل الجمعي للبشر جميعا، ويتحح له في باريس أن يسخر ويهزأ بأعلى قيم المجتمع قداسة وحصانة ورعاية، كما يهدم بنيان الله ممثلا في إبادة البشر في غزة وفلسطين.

الواقع يخبرنا في تفاصيله أن هنالك من يقاوم، لكن صوته وسط ضجيج الباطل غير مسموع، ورأيه وسط البيئة التي باعت قيمها غير مرفوع، وكأن المقصود أن هنالك ساعة صفر محددة لا بد أن تسقط فيها البشرية كلها ليفرض الفاعل الجاهز خططه وسيطرته، ويعلن بوضوح أن كل قيم الحق والعدل والكرامة والحرية والصدق والشرف قد ماتت؛ لأن من فرضها وجعلها ميزانا ومعيارا للإنسانية قد مات هو الآخر، بل إنه لم يمت فقط، وإنما نحن الذين قتلناه. وهكذا يدعي نيتشه صاحب هذه الفلسفة والذي مات مجنونا!

الوجه المقزز لم يظهر فقط في احتفالات الأولمبياد بمدينة النور باريس، وإنما كانت له تجليات أخرى في غزة حين رأى العالم كيف تباد الطفولة وتمزق أجسادها، وكيف تمتهن المرأة التي صدع الغرب رؤوسنا بحقوقها وتمكينها، وكيف تسحق آدمية الإنسان وتنفجر فيه الصواعق حين ينزح من مكان ليواجَه بوابل من قذائف الدبابات وصواريخ الطائرات ومدافع الجنود المدججين بكل أدوات القتل والتدمير، كان هذا هو التجلي الأعظم قبل إهانة المسيح عليه السلام والسخرية منه ومن حواريه في حفل باريس.

هذا التجلي لقدرة الفاعل الجاهز وفجوره صاحبه سكوت وصمت يشبه صمت المقابر، ولم يواجه باعتراض أو لوم، هنا انكشفت سوأة الحضارة وتعرت وظهرت عورتها. بعدها أراد الفاعل الجاهز أن يوجه سهام سخريته إلى أعلي قيمة إنسانية ممثلة في شخص المسيح عليه السلام، وليحطم ما تبقى للناس من قداسة
الفاعل هنا في غزة هو نفسه الفاعل هناك في باريس، والدور هو هو، غير أنه في باريس استعمل الشفاه الحمر والخصر الرقيق والعيون الباسمة، فكانت وسائل تنفيذ الفعل معتمدة على القوي الناعمة، بينما في غزة اقتضي الموقف أن تستخدم كل أدوات الموت جوعا أو عطشا أو هدما وتهجيرا أو تمزيقا للأجساد؛ ولو لجأت لمبان ومؤسسات دولية كالأنروا مثلا.

هذا التجلي لقدرة الفاعل الجاهز وفجوره صاحبه سكوت وصمت يشبه صمت المقابر، ولم يواجه باعتراض أو لوم، هنا انكشفت سوأة الحضارة وتعرت وظهرت عورتها. بعدها أراد الفاعل الجاهز أن يوجه سهام سخريته إلى أعلي قيمة إنسانية ممثلة في شخص المسيح عليه السلام، وليحطم ما تبقى للناس من قداسة وليخلع من صدورهم كل تقدير لشرف وصدق حواريه رضي الله عنهم.

الحدثان يرتبطان ببعضهما ارتباط المقدمة بالخاتمة توثيقا وتصديقا، والغائب هو المفعول به من بني الإنسان الذي يفضل أن يكون مخدرا يتنازل عن إنسانيته ليساق من نصفه الأسفل -أي من شهواته وملذاته- وإن رأى بأم عينيه من يركبونه ويحملون عليه أمتعتهم وصناديق مصالحهم.

والسؤال المعضلة هو: بعد كل تلك الجهود من سيدنا المسيح وحوارييه الكرام وأتباعه الشرفاء في كل أنحاء الدنيا؛ من سينتصر؟ ذلكم النبي الكريم ورجاله الشرفاء، أم ستنتصر الخراف الضالة التي ظلت تلعب مع البشر وتخادعهم، ثم انتقلت لتعلب بعقول البشر، ثم انتقلت لتعلب في داخل فطرة البشر وتحطم ثوابت قيمهم وتلوث أرواحهم وتدفعهم إلى كل رجاسة بوقاحة منقطعة النظير؟

باختصار شديد، براءة لفرنسا عاصمة الثقافة والأزمات، وتهنئة لباريس بموقعها الجديد كعاصمة للتحرر من كل قيم الشرف والأخلاق والإنسانية السوية.

وأخيرا: هل حان لرهبان الصمت أن يتكلموا..؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإنسانية المسيح غزة قداسة غزة المسيح قداسة الإنسانية اولمبياد باريس مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی باریس فی غزة

إقرأ أيضاً:

وثائق مزعومة تكشف خطط حماس للتعامل مع المعركة الجارية.. ماذا جاء فيها؟

زعمت صحيفة "بيلد" الألمانية، أنها حصلت على وثائق منسوبة لرئيس حركة حماس، يحيى السنوار، يتحدث فيها عن استراتيجية الحركة في إدارة المعركة مع جيش الاحتلال في غزة، وتشمل شن حرب نفسيه تستهدف المجتمع الإسرائيلي، وخطط لإجبار "إسرائيل" على وقف إطلاق النار وسحب قواتها من قطاع غزة.

وفي الوثائق المزعومة، والتي تعود إلى ربيع العام الجاري، وعثر عليها داخل جهاز كمبيوتر يرجح أنه يعود للسنوار، تخطط حماس لشن حرب نفسية وتلاعب بالرأي العام في "إسرائيل" والمجتمع الدولي من خلال المفاوضات الجارية.

وتكشف الوثائق عملية "خداع تقوم بها حماس للمجتمع الدولي، وعمليات تعذيب نفسية لعائلات الأسرى الإسرائيليين، في محاولة للتلاعب، ولتحقيق هدف واحد وهو إعادة بناء القدرات العسكرية لحماس وضمان استمرار سيطرتهم على قطاع غزة".

وتركز الوثيقة التي لم تثبت صحتها بعد أن حماس تركز على "الحفاظ على قدرتها على العمل ضد إسرائيل"، و"إرهاق" النظامين السياسي والعسكري الإسرائيليين، واستنزاف إسرائيل من خلال الضغط الدولي.


‌مواصلة الضغط النفسي
تنص الوثيقة على أنه "يجب مواصلة الضغط النفسي على عائلات الأسرى الإسرائيليين، الآن وخلال المرحلة الأولى من الصفقة المرتقبة، حتى يزداد الضغط الشعبي على حكومة العدو".

وبحسب محتوى الوثيقة، لم يكن لدى حماس أبدًا نية لإنهاء الحرب بسرعة، على العكس، تنص الوثيقة بوضوح على أنه "يجب تحسين شروط الاتفاقية، حتى لو كان ذلك يعني أن المفاوضات ستستمر لفترة أطول، ولا حاجة للسعي إلى وقف فوري للقتال".

تقول الصحيفة الألمانية، إن حماس تطبق فعليا ما جاء في الوثيقة من خلال إصدار مقاطع الفيديو المتكررة التي يظهر فيها المحتجزين وهم ينتقدون الحكومة الإسرائيلية ويتوسلون للإفراج عنهم بأي ثمن، وفي هذا السياق اختارت حماس عرض تسجيلات للأسرى الستة الذين قتلوا في رفح قبل أيام، بهدف التأثير على عائلاتهم والمجتمع الإسرائيلي بشكل عام، بحيث يشعرون بالإحباط لدرجة أنهم يكونون على استعداد لفعل أي شيء ويوجهون غضبهم وانتقادهم نحو الحكومة الإسرائيلية وليس نحو حماس.

‌بناء القدرات العسكرية
ووفقا للوثيقة، ستسمح حماس في إشارة لـ"حسن النية"؛ لممثلي الصليب الأحمر بزيارة بعض الأسرى ونقل رسائلهم إلى عائلاتهم"، خلال مراحل تنفيذ الصفقة، بهدف زيادة الضغط على عائلاتهم.

وضمن خطط "حماس لإعادة بناء قدرتها العسكرية، تنوى الحركة تقديم "مناورة سياسية" تتمثل في اقتراح "وضع قوات عسكرية عربية على طول الحدود الشمالية والشرقية" للقطاع بهدف "منع القوات الإسرائيلية من الدخول إلى غزة بعد انتهاء الحرب حتى تعيد حماس تنظيم نفسها وتعيد بناء قدراتها العسكرية".


صورة مشوهة
وفي تعليق له، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، إن ما ورد في الوثائق، تعد محاولة لصناعة صورة مشوهة عن الواقع،  ولذلك لم تتناقلها أي وسيلة إعلام موثوقة.

ولفت نعيرات في حديث لـ"عربي21" إلى أن المعلومات التي وردت الوثائق المزعومة، تتنافى مع كل سياقات الواقع، فلو كانت صحيحة، فلماذا تقدم حركة حماس تنازلات في كل مرة من جولات المفاوضات، من أجل إتمام الصفقة؟.

وشدد على أن المقاومة الفلسطينية، "لا يمكن لها أن تتنازل في شروطها لإنهاء الحرب، لأنها وقت إذ ستعتبر أنها ضحت بعذابات الناس في قطاع غزة".

مقالات مشابهة

  • عبد المسيح: الكلام عن عودة ملف الشغور الرئاسي إلى الواجهة مُخجل
  • رئيس “سدايا” : القمة العالمية للذكاء الاصطناعي تعبر عن إسهام المملكة الفاعل بتسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي لخير البشرية
  • الإفتاء: إقامة المسابقات القرآنية ومنح الجوائز للمشاركين فيها جائز شرعًا
  • السوداني يؤكد على أهمية إنجاز المشاريع التي تعمل فيها الشركة في العراق
  • قانون الإجراءات الجنائية.. 4 حالات يجوز فيها حبس المتهم احتياطيًا (تفاصيل)
  • كيف يعاقب القانون على جريمة الهجرة غير الشرعية أو الشروع فيها؟
  • الدوري السعودي: حمدالله يوجّه رسالة إلى عمر السومة.. هذا ما جاء فيها
  • وثائق مزعومة تكشف خطط حماس للتعامل مع المعركة الجارية.. ماذا جاء فيها؟
  • استهداف قنصلية إسرائيل بميونيخ والشرطة الألمانية تكشف عن هوية الفاعل (فيديو)
  • طابية عرابي أهم المعالم التاريخية بدمياط تحت سيطرة الكلاب الضالة