الشاعرة أسماء الحمادي لـ «عمان»: الهروب والمواجهة في القصيدة نصفان متكاملان
تاريخ النشر: 31st, July 2024 GMT
في عالم الأدب، تبرز الشاعرة والكاتبة الإماراتية أسماء الحمادي كواحدة من الأصوات الأدبية الفريدة التي تعبّر عن تجارب الحياة بأسلوب شاعري مميز، تغوص في خيالاتها ومشاعرها لتستلهم من ذلك نصوصًا رفيعة المستوى، نصوصًا تثير الدهشة بين قصة قصيرة وقصيدة تفعيلة وأخرى عمودية. اليوم، تعد الحمادي صاحبة خمسة إصدارات أدبية، تشمل مجموعتين قصصيتين: «ساعة حائط معطلة» و«كأنها تحمل في رأسها بحرًا»، ودراسة بعنوان «التجنيس والبناء السردي في كتاب قصتي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم»، وديوان شعري بعنوان «في وجه الرياح».
في ديوانها الشعري «يا حائط المحكى» -الذي نسلط عليه الضوء- تأملات في مجموعة من الموضوعات، بدءًا من الأمل والطريق، وصولًا إلى الحزن والغياب، مرورًا بتجارب إنسانية غنية تنعكس في عناوين مثل «شرارة أولى»، و«يا وجه علياء»، و«عيدية الزمن»، و«زهر متبغدد»، وغيرها من النصوص بين شعر التفعيلة والشعر العمودي، التي تبلغ مجموعها 40 نصًّا تشكل نسيجًا متكاملًا من الأحاسيس والتجارب.
من خلال حوارنا مع الشاعرة والكاتبة الإماراتية أسماء الحمادي، نستكشف معاني هذه العناوين ونغوص في أعماق كلماتها، نستمع إلى حكاياتها عن الشعر والحياة، ونتعرف على الدوافع التي تحرك قلمها، فإلى ما دار في فضاء الشعر وسماء الأدب:
في ديوانك الشعري الأخير «يا حائط المحكى»، متوازنة جدا بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة، ما سر هذا التصالح في الحين الذي نرى فيه شعراء ينتصرون للعمودي، وآخرون للحر؟
جاء ديوان المَحْكى، كأخيه ديوان الرياح، مُتضمِّنا الشعر العموديّ وشعر التفعيلة أو الشعر الحر، على حدٍّ سواء، من غير انحياز لأيّ منهما دون الآخر، فلعلّي أجدني في العبارة الشعرية الموسيقية مهما يكن شكلها، ولعلّ القصيدة هي التي تفرض على شاعرها الشكل العموديّ الكلاسيكيّ تارة، في حين تفرض الشكل الحر تارةً أخرى، فلا انتصار لأيّ شكلٍ منهما، إنما الانحياز للقصيدة كيفما تتشكل في الوجدان وتكتب نفسها انهمارا على الورق.
«شرارة أولى»، تنحازين إلى الطرق الطويلة، وتفرين من الأحاديث،، ممَّ تهرب أسماء؟
لعلّ الطرق الطويلة هي التي تنحاز لي قَدَرا، ولو كان الأمر بيدي لاخترتُ أقصرها، إلا أنّ ما تجود به من رحلات يتخلّلها ما يتخلّلها من تجارب ومغانم، تدفعني لأتسامح معها، وبينما تجري الأمور كذلك أنحاز للقصيدة التي تُسلِّي النفس وتشحذ الروح وتُعِين على طول الطريق ووعورته.
«حائط علياء»، «يا وجه علياء»، أعرف من خلال معرِّفك بمواقع التواصل أنها وجه آخر لأسماء، فمن تكون علياء التي تنادين بذكراها؟
لعلّ «أسماء» تطمئن إلى أن تبقى «علياء» مساحةً مفتوحة للتأويل، فالأحرى بالشعراء ألّا يجنحوا إلى قتل قصائدهم بأيديهم.
لم يخلُ الديوان من القصائد الوطنية، هل هو نوع من المسؤولية تجاه الوطن أن تكتب من أجله، أم لك في ذلك فلسفة أخرى؟ وما هي؟
الوطن مكانه ومُسْتَقَرُّه القلب، وحبّ الأوطان سنةٌ نبويةٌ شريفة، وأعتقد أن الشاعر الإماراتيّ -على سبيل التحديد- لا تخلو جعبته من قصائدَ وطنية، وكان حتما مقضيا أن تعجَّ بها دواوينه وأن يصدح بها على المنابر الثقافية، وهذا أضعف الإيمان وأقلُّ العرفان.
تلجأين إلى القصيدة عندما تعبرين عن الوفاء والرثاء والمشاعر، هل تنصف القصيدة إحساسك دائما؟
يقفل الشاعر كل قصيدة وهو يعلم أنَّ الكثير ممّا يختلج في وجدانه قد عَبَرها وتسرَّب من بين أصابعها، والأكثر منه -في الواقع- لم يجد إليها سبيلا. ما زال هناك الكثير من المشاعر التي لا نعرف أسماءها ولا نفهمها ولا نُجيد وصفها والتعبير عنها باللغة أو غيرها من وسائل التعبير، ولعلَّ البشرية بحاجة إلى خبيرٍ بالمشاعر يُسمِّيها شعور، ويخترع لها معجم. ما زلنا نعبِّر عن بعض المشاعر، بينما تغصُّ نفوسنا ببعضها الآخر.
تبقى الكلمات محدودة، بكل ما يكتنفها من تصوير وإيقاع، ويعلم الشاعر يقينا أنَّ القصيدة محضُ محاولة تنجح في كل مرة بنسبة ما، وقد تخفق في بعض الأحيان فيكون مصيرها التمزيق، فالكلمات محدودة أمام لا محدودية المشاعر الإنسانية.
«يا حائط المحكى»، تأوين إلى الباخرة، إلى الذكريات (الأليمة) تحديدا، فهل تلك الذكريات وفكرة الهروب المتكررة صنعت منك شاعرة؟
الهروب -كما نعرف- نِصْفُ المرجلة، ونِصْفُ القصيدة كذلك، في حين أنَّ نِصْفَ القصيدة الآخر يتمثَّل في المواجهة؛ فالقصيدة تتراوح بين الهروب من الذات ومواجهتها، بين القول واللاقول، وبين التجلّي والتخفّي، وهلمَّ جرَّا، وإنْ كنتُ أذهب إلى أنَّ صوت المواجهة حاضر كذلك في قصائدي، وأنَّ ثمَّة كشف تتّسع مساحته بعد كلِّ قصيدة جديدة، ولعلّ فكرة المواجهة هي التي تصنع منّا بشرا حقيقيّين.
ما أكثر «الحوائط» في أشعارك، لماذا أنتِ محاطة بهذا الكم من الحوائط؟ متى تنوين هدمها؟
انبثقت فكرة الحوائط من اسم الديوان الذي انبثق بدوره من عنوان قصيدة «يا حائط المحكى»، وقد جَنَحْتُ إلى استلاله مِن بين جُمْلَة عبارات القصيدة، هي حوائط افتراضية في عالم الكلمات، وقد تكون انعكاسات أو رموز لكيانات قابعة في اللاشعور، فالشعر -والفن عموما- تعبير عن اللاشعور الإنسانيّ وتمثيلٌ لتَداعياته، أو فلنقل إنّ نسبة عالية من الأدب نابعة من اللاشعور، هذا اللاشعور الذي حقُّه أن تُسْبَر أغواره، لا أن يُهْدَم؛ ذلك أنّنا كلّما سبرنا أغواره، كنّا أكثر تجلّيا، ومن ثَمَّ كنّا أقدرَ على طمس المساحات العمياء خاصَّتنا.
لديك مجموعتان قصصيتان، وهذا ما يجرني إلى سؤال كان محور استطلاع سابق، وهو لماذا يتفق الكثير على أن الدواوين الشعرية أقل مقروئية من السرديات، سواء أكانت روايات أو سيرا أو مجموعات قصصية؟ هل تتفقين مع هذا القول؟ وهل لمستِ ذلك؟
تجري على الألسنة العبارة القائلة: إنّ «هذا زمن الرواية»، ولو كان ذلك فعلا كذلك فلعلَّه يعود إلى أنّ النفس البشرية ميَّالة بطبيعتها إلى القَصّ والسرد؛ ذلك أن القصة تلبّي حاجات نفسية لديها، ما يمنح الفعل السرديّ إمكانيات تأثيرية، ورغم ذلك كله لا بد من التدقيق والبرهنة على مقولة «المقروئية العالية للسرد»، فهل هذا فعلا زمن الرواية؟ وهل ثمة براهين ملموسة على ذلك أم أنها مجرّد عبارة متداوَلة؟على الجانب الآخر، إذا ما تأمّلنا العبارة القائلة إنّ «هذا زمن السرعة»، لَكان من المحتوم أنْ تتسيَّد القصيدةُ المشهدَ الأدبيّ، فالقصيدة أقصر من الرواية، كما لا يخفى علينا أنَّ «الشعر ديوان العرب»، وما زالت البرامج والمسابقات الجماهيرية اليوم تتمحور حول هذا الجنس الأدبيّ ذي الخصوصية الموسيقية، فهل يعني ذلك أن الشعر مازال للعرب ديوان وأنّه الجنس الأدبيّ الأقرب إليهم؟
في نهاية المطاف، كلٌّ منهما فنٌّ أدبيّ قائم بذاته، ولكل منهما قرّاؤه، وقد يتفاعلان مع، فيتداخل الشعريّ بالسرديّ، والسرديّ بالشعريّ، فيما يُعرف بظاهرة تداخل الأجناس الأدبية، كما قد يجمع القارئ الواحد بين الولع بهما في الوقت نفسه، كما قد يجمع الأديب بينهما في أعماله، وأنا أحدُ هؤلاء البينيّين قراءةً وكتابة.
في سيرتك الذاتية أشرتِ إلى أنك عضو في «رابطة أديبات الإمارات»، أولا ما هي هذه الرابطة؟ وبرأيك ما أهمية الانضمام إلى الأندية والجمعيات؟
هي رابطة شبيهة باتحاد كتّاب وأدباء الإمارات الذي أتشرّف بالانتساب إليه كذلك، إلا أنها مكرَّسة للأديبات حصرا، تحت مظلة المكتب الثقافيّ لقرينة صاحب السمو حاكم الشارقة -حفظها الله- وتنظم الرابطة أمسيات أدبية وملتقيات فكرية، وأرى أنّ مثل هذه الكيانات تمنح الأديب فرصا مميزة، منها -على سبيل المثال- الاحتكاك بالزملاء الأدباء في الوسط الثقافيّ، والتواصل مع الأجيال الأولى من أدبائنا، فضلا عن الدعوات الكريمة للمشاركة في الملتقيات والأمسيات داخل الدولة وخارجها، هذه المشاركات التي لا تُضيء تجربة الأديب وحسب، بل تعزّز ثقته ببضاعته وبروحه الأدبية.
لديك حضور في المهرجانات الشعرية، هذه المشاركات ماذا تضيف للشاعر؟
حظيت -بفضل من الله وبدعم من المؤسسات الثقافية الوطنية وقياداتها- بمشاركات عديدة في الأمسيات الشعرية والملتقيات الثقافية خلال السنوات العشر الماضية، وأعتقد أنّ هذه المشاركات تمثِّل مساحة ضوء وفرصة للاحتكاك؛ إذ إنّها تسلّط الضوء على الإنتاج الأدبيّ للشاعر، وتمنحه الفرصة للتعرُّف على تجارب الشعراء الآخرين من مختلف الأقطار الذين يطّلعون بدورهم على إنتاجه، فضلا عن أنَّها فرصة لاحتكاك الشعراء ببعضهم وتبادل المعارف والخبرات، فهي فرص من نور، والمشاركة فيها واجب على الشاعر مِن مُنْطَلَق أنَّ إنتاج الشاعر ليس مُلْكَه، إنَّما مُلْكٌ القارئ الباحث أبدا عن الشِّعْر والإبداع.
ديوانك الشعري «يا حائط المحكى»، تُرجم إلى اللغة الكورية، والشعر -إضافة إلى المعنى- هو وزنٌ وقافية، كيف يصل إلى اللغات الأخرى بوزنه وقافيته؟
من النقَّاد من يرفض فكرة ترجمة الشعر؛ لكونه جنسا أدبيا ذا خصوصية إيقاعية، ومنهم الجاحظ على سبيل المثال، ومنهم مَن يرى أنَّ الشعر محضُ عاطفة، كابن وهب، ومِن ثَمّ فهو قابل للترجمة، وهو -في ملَّتي واعتقادي- إيقاعٌ وصورةٌ وعاطفة، وإنْ كان الوزن والقافية غير قابلين للترجمة، إلا أنّ الصورة والعاطفة قابلان للترجمة بنسبة ما على يد مترجم يُتْقِن صنعته، وحبَّذا لو كان المترجم شاعرا متقنا للغة المترجَم منها واللغة المترجَم إليها في آنٍ مع؛ لبلوغ مرحلة متقدمة من الجودة.
وفي كل الأحوال، ما ترجمةُ الشعر إلا مغامرة، غير أنها تمثِّل للشاعر فرصةً يصل من خلالها إلى شريحة من القرّاء ما كان ينبغي له أن يصل إليها في غياب الترجمة، كما أنّها فرصة يصل من خلالها أدبنا الوطنيّ إلى الآخَر، هذا الأدب الذي أراه شكلا من أشكال القوة الناعمة لثقافتنا.
«ما تعثرت ارتباكا يا حصى، أو جنوحا لاختصار الألف ميل،، ليس ذنبي أن دربي ما استوى، كان ذنبي ثوب أحلامي الطويل»، أشعر أن خلف هذين البيتين حكاية جعلتهما الأشهر فيما كتبتِ، ما حكايتهما؟
هي أبيات قديمة عمرها أكثر من 10 سنوات، وتمثّل مطلع القصيدة الأولى في ديوان الرياح الصادر عام 2013م، ويحدث أن تعيش القصيدة وتتشجَّر في نفوس القرَّاء، بينما ينسى الشاعر التجربة الشعورية التي أنجبتها، ولعلَّ ما يحضرني في هذا الصدد أنَّ الأبيات انتشرت في الفضاء الرقميّ بشكل غير متوقَّع من غير تذييلها باسمي، بل إنّها نُسِبت لاحقا عن طريق الخطأ إلى جلال الدين الرومي في برنامجٍ يوتيوبيّ ذي شعبية عالية، فانتشرت الأبيات على غرار ذلك كالنار في الهشيم، وما انفكَّت حتى اليوم تُنسب إلى جلال الدين، على الرغم من اعتذار إدارة البرنامج -مشكورين- عن هذا الخطأ في إكس، وما زلتُ أتساءل بتعجُّب يشوبه شيء من الاعتزاز: كيف لجلال الدين الروميّ أن يتعثَّر بثوبٍ طويلٍ من أحلام زاهية؟ وهل نظمَ الشعرَ على الأوزان العربية؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال ذلک أن إلى أن التی ت
إقرأ أيضاً:
توقيع الأعمال الكاملة للشاعر عبد الله باشراحيل بالاوبرا.. الثلاثاء
لأول مرة في مصر تنشر الأعمال الكاملة للشاعر السعودي الكبير د. عبد الله باشراحيل ، وذلك في حفل كبير في مركز الإبداع الفني في الأوبرا مساء الثلاثاء 12 نوفمبر الجاري ،بحضور جمع كبير من أدباء ومثقفي مصر ، ويشهد حفل التوقيع انطلاق جائزة الشاعر د. باشراحيل لتكون إضافة كبيرة للحياة الثقافية العربية ، ومنصة لإثراء الحياة الأدبية ، خاصة أن أمانة الجائزة ستقوم بطباعة الكتب الفائزة ، علاوة على استكمال منتدى الشاعر الذي يواصل دعم المواهب الأدبية ، وطباعة وتسويق كتبهم مجانا .
وأعمال الشاعر د. عبد الله باشراحيل عبارة عن سبعة مجلدات ، تضم خمسة وثلاثين كتابا ، وتتنوع ما بين الشعر العمودي الفصيح ، والشعر الشعبي ، والنثر الذي يضم مقالات الشاعر التي نشرت في الصحف .
ويشهد حفل التوقيع الإعلان الرسمي عن إنطلاق جائزة الشيخ محمد صالح باشراحيل رحمه الله ، وهو والد الشاعر ، وذلك عن دار نشر ( منازل ) التي تولت نشر الأعمال الكاملة للشاعر باشراحيل .
وكان الراحل الشيخ محمد صالح باشراحيل صاحب منتدى ثقافي في مكة المكرمة ، وكان يستضيف كبار علماء الدين ، ورجال الأدب والثقافة والفكر، وقد استكمل ابنه مسيرته الثقافية ، فواصل عقد المنتدى ، وقام بطباعة أبرز الأعمال التي تبناها ، كما أطلق المنتدى جائزة باشراحيل التي كرمت في دورتها الأولى علي أحمد سعيد ( أدونيس ) ، وكان يساهم بالإشراف عليها من الشخصيات المصرية : عمرو موسى ، ود. صلاح فضل ، ود. حسين كامل بهاء الدين .
والشاعر د. عبد الله باشراحيل حاصل على ليسانس كلية الحقوق من جامعة القاهرة ، ويعتبر نفسه مصريا حيث إن أخواله من مدينة الزقازيق ، كما يفتخر بجذوره الممتدة إلى شاعر قبيلة كندة ( امرؤ القيس ) ، فهو عربي قح ، مصري الهوى ، ابن مكة المكرمة ، وعاشق كل ما هو عربي ، فقد سبق وكرمه الرئيس السوداني عمر البشير ، وكتب الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة مقدمة ديوانه ( وحشة الروح ) ، وهو شاعر كلاسيكي ، ومجدد مخضرم ، يعتز بتراثه مضمونا وشكلا ، كما أنه شاعر لا يصادر على أية تجارب حداثية ، وفي باب المديح يقرض الشعر ليس للتكسب بل لإظهار سجايا الممدوح ، وعلى سبيل المثال له قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم من مائة وخمسين بيتا بعنوان ( مئوية الحب ) ، كما أن له ديوان بعنوان ( أقمار مكة ) ، وديوان كامل في مدح الصحابة كلهم ، فضلا عن قصائده في مدح ورثاء والده ، وله ديوان ( سيد الصحراء ) في مدح الملك المؤسس للشقيقة السعودية ، فضلا عن قصائده في رثاء أصدقائه مثل محمود درويش ، وسميح القاسم وغيرهما .
ويقول في قصيدته ( قرابين الوداع ) :
( تذكرت الزمان وكيف كنا – شموعا يستضيء بها النزيل )
( يساهرنا الصبا والروح نشوى – وليل الحالمين بنا يطول )
( شربنا من دنان الصدق حتى – ليحسبها الرقيب هي الشمول )
( وكم خضنا الصعاب ولم نبال – لجمع شتات أقوام تحول )
حتى يقول :
( حبيبي كيف كنا ، كيف صرنا ؟ - يرود حياتنا قال وقيل )
( وما زلت المحارب دون قومي – أفدي ما استطعت ولا أقول )
( حملت هموم أحبابي وحيدا – وحمل أحبتي دوما ثقيل )
( ولست معاديا أهلي وقومي – ولا يعدو على الأهل الأصيل )
ويختم قصيدته بقوله :
( سيذكرني الأكارم بعد موتي – بأني الصادق الشهم النبيل )
( وأحمد خالقي كم ذا حباني – بفضل ما يناظره مثيل )
( وأعلم أن لي عمرا قصيرا – وتدركني المنايا والرحيل )
( سأرحل راضيا عني لأني – صدقت ، وبالوفاء أنا الجميل )
كتب في إهداء ديوانه ( قرابين الوداع ) ثلاثة أبيات إلى رسول الله جاء فيها :
( إلى رسول الهدى أهدي الذي انكتبا – مدائحا فيه تحوي الشعر قد عذبا )
( للشمس أمي ، وللبدر العلي أبي – من أورثاني التقى والفضل والنسبا )
( لكعبة الله نور الأرض قاطبة – لأرض مكة ، أرضي أنشر الأدبا )
ويقول في مقدمة ديوانه عن مفهومه للشعر :
( إن الشعر قضية ، والشاعر إذا لم يكن صاحب قضية في شعره فليس بشاعر ، وكل ما يقوله مجرد لصق الكلمات بعضها إلى بعض مفتقدة إلى رجاحة القول ، وقوة المعنى والمبنى ، ولم يكن الشعر قط قائلا بالإسفاف وضحالة المعنى ، وتكلف الأداء الشعري الذي تمجه الذائقة العقلية ، ويعرض عنه حذاق الشعر ، وأهل البيان ، فما هذا المسخ الذي جاء به دعاة التغريب وأرداوا إلحاق نسبة المولود سفاحا إلى الشعر العربي ؟!) .
وعن رأي النقاد في شعره يقول الناقد الراحل د. صلاح فضل :
( يقدم المشروع الإبداعي لعبد الله باشراحيل الذي استمر منذ ربع قرن بالوتيرة ذاتها نموذجا فائقا لانتصار شعر الحياة المحافظ في قوالبه والمتمرد في دلالته ، فهو مفعم بالغنائية ومثقل بالتعبير الشجي عن وجدان الإنسان المعاصر وضميره ) .
ويقول الناقد د. عبد الله المسدي :
( هو رجل في أبهى سنوات عمره ، عريق الجذور في عروبته البعيدة ، حجازي العشرة والمؤالفة ، سعودي الأمانة والوفاء حد الامتلاء ، .. وفي شعره اقتناص شديد للواقع مع التناص الذاتي ) .
ويقول د. محمد مصطفى هدارة عن شعره :
( المضامين الثرية التي ينداح بها شعره في دوائر متصلة بواقع الإنسان المعاصر بوجه والإنسان العربي المعاصر بوجه خاص ، تمتع العقل والوجدان معا ) .
وقال د. ناصر الدين ألسد في مقدمة ديوانه ( البرق الحجازي ) :
( باشراحيل شاعر يعطي شعره بسخاء من ذوب عاطفته ومن ذات فكره وخياله ، فيبادله شعره عطاء بعطاء ، وسخاء بسخاء ، تقرأ القصائد فتحس بما تمتليء به نفس الشاعر من صفاء ، وترفع عن الصغائر ، وصفح عن الحاقدين والحاسدين ) .
وقال فيه علي أحمد باكثير وعبد الله عمر بلخير :
( الشاعر باشراحيل مرآة نفسه ، ومنارة عصره ، وشعره حافل بالجمال والخيال ، ومجمع الوزن والموسيقى ) .
وقال أدونيس في رسالة إليه :
( إنني رأيت فيك ما يؤكد شاعريتك المتوثبة ، وشواغلك الغبداعية ، إضافة إلى تحقيق قفزات تعبيرية وجمالية ) .
ولد الشاعر د. عبد الله باشراحيل في مكة المكرمة في 8 أبريل سنة 1951م ، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة ، ويترأس أكثر من مجموعة ومؤسسة ، وعضو بأكثر من جمعية ثقافية ، وصدر له سبعة وعشرين ديوانا شعريا بداية من ديوان ( معذبتي ) سنة 1978م وحتى ديوان ( اللأليء ) سنة 2017م ثم ( قرابين الوداع ) سنة 2023م ، وله ستة كتب نثرية ، علاوة على كتب نقدية مثل ( أصداء الصمت ) و( خريف الفكر ) و( شذرات ) ، وترجم شعره إلى لغات كثيرة مثل الانجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية ، وكتبت عنه مؤلفات نقدية عديدة ، وأكثر من رسالة جامعية ، وجرى تكريمه في أكثر من بلد عربي ، علاوة على مشاركته في أكثر من مهرجان شعري في عواصم عربية وأوربية وأمريكية .